دبلوماسية السلام.. طريق السعودية الجديد لتعظيم نفوذها الإقليمي

الخميس 4 مايو 2023 02:00 م

سلطت شبكة CNN الضوء على طريقة المملكة العربية السعودية الجديدة في تعظيم نفوذها الإقليمي عبر "الدبلوماسية"، مشيرة إلى إجلاء قواتها لنازحين إيرانيين من السودان، ومعاملتها لهم بترحيب خاص.

وذكرت الشبكة الأمريكية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الإيرانيين الذين تم إجلاؤهم من السودان قابلهم قائد المنطقة العسكرية الغربية في السعودية، اللواء أحمد الدبيس، بحرارة بلغت حد ركوبه طائرة عودتهم لتوديعهم.

وقال الدبيس للإيرانيين المغادرين: "(هذا) بلدكم"، حيث كان يدا بيد مع القائم بالأعمال الإيراني لدى السعودية، حسن زرنغار، مضيفا: "إذا كنتم بحاجة إلى أي شيء في السعودية، فأنتم مرحبون بكم.. إيران والسعودية أخوان."

وبثت صور التليفزيون الحكومي في السعودية وإيران الترحيب بـ 95 إيرانيًا تم إجلاؤهم من السودان إلى جدة، والذي شمل توزيع الورود عليهم، وهو ما أكد الدبيس لزرنغار أنه بـ "توجيهات من القيادة: الملك وولي العهد".

وعلق المحلل السعودي، علي الشهابي، هذا التطور، قائلا: "هذا لا يمكن إلا أن يجلب النوايا الحسنة من الإيرانيين على أمل أن يتم الرد بالمثل".

والجهود الدبلوماسية هي الأحدث في سلسلة تحركات تضع الرياض في دور لصنع السلام، يقول محللون إنها تمثل محورا استراتيجيا بعيدًا عن أكثر من عقد من سياسة خارجية تصادمية وتدخلية.

وفي السياق، قالت كبيرة المحللين الخليجيين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، آنا جاكوبس: "هناك سياسة خارجية جديدة تلعب هنا (..) تسعى السعودية إلى فرض نفسها أكثر فأكثر على المسرح الدولي من خلال الوساطة ورفع مكانتها الدبلوماسية"، مشيرا إلى أن السياسة الخارجية الجديدة للرياض "أكثر استقلالية وتعطي الأولوية للمصالح السعودية".

دبلوماسية السودان

وجاءت آخر محاولة دبلوماسية للمملكة في السودان، حيث تتنافس القوات الموالية للجنرالين المتصارعين، قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، على السيطرة، ما أسفر عن مقتل المئات وجرح الآلاف.

وفي الصور التي تم بثها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام السعودية، شوهدت القوات السعودية وهي تقوم بإجلاء آلاف الأشخاص من بورتسودان إلى جدة، في رحلة استغرقت 12 ساعة عبر البحر الأحمر. وتم إعطاء الرجال والنساء والأطفال الأعلام السعودية للتلويح بها بينما وثقت الكاميرات وصولهم.

وأعلنت السعودية، الإثنين الماضي، أنها أجلت أكثر من 5 آلاف شخص من أكثر من 100 جنسية.

وقال المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة، فهد ناظر، الثلاثاء: "سنفعل كل ما في وسعنا لتخفيف هذه الأزمة (..) نحن نقود هذا الجهد، لكننا نعمل بشكل وثيق للغاية مع الولايات المتحدة وشركائنا الإقليميين والدوليين".

وبمساعدة الولايات المتحدة، توسطت السعودية، الأسبوع الماضي أيضًا، في هدنة قصيرة بين البرهان وحميدتي، وتم تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة أخرى يوم الإثنين، ويقال إن المملكة تنضم إلى الإمارات والولايات المتحدة ومصر في جهود التوسط في هدنة بين القائدين.

وتأتي هذه الدبلوماسية الجديدة فيما تعطي السعودية الأولوية للنمو الاقتصادي في الداخل، الأمر الذي يتطلب تحقيق الاستقرار الإقليمي للنجاح.

وكان الاقتصاد الذي تبلغ قيمته 1 تريليون دولار في سعي للابتعاد عن سمعته التقليدية كمنتج محافظ للنفط، واتجه إلى أن يكون لاعبا عالميا ومركزا إقليميا رئيسيا للسياحة والأعمال.

وفي هذا الإطار، تلفت جاكوبس إلى أن التوجه السعودي الجديد يعود إلى خلاصة مفادها أن سياسات التدخل السابقة "أدت إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي وزيادة التهديدات الأمنية ضد المملكة".

وفي سياق متصل، تعمل الرياض على إصلاح العلاقات مع الحوثيين في اليمن وتركيا والنظام السوري، وتقود الجهود لإعادة الرئيس السوري المنبوذ، بشار الأسد، إلى الجامعة العربية على مدى عقد من الزمان بعد قطع العلاقات معه.

والشهر الماضي، شوهد قادة كبار من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يؤدون العمرة في مكة، وبعد يومين، التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مع ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، في جدة.

يأتي ذلك رغم وجود خلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية منذ أكثر من عقد، ورغم توتر العلاقات السعودية مع حماس خلال العقد الماضي أيضا.

تحديات المصداقية

وتجاوزت جهود الوساطة الدبلوماسية، التي تبذلها الرياض، منطقة الشرق الأوسط، ففي العام الماضي، قالت الحكومة إنها توسطت في تبادل سجناء بين روسيا وأوكرانيا أسفر عن إطلاق سراح 10 معتقلين، بينهم اثنان من المحاربين الأمريكيين و5 بريطانيين.

وأعلنت المملكة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنها ساعدت أيضًا في التوسط في الإفراج عن نجمة كرة السلة، بريتني جرينر، من الاحتجاز الروسي، مقابل تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت.

ومع ذلك، قد تواجه الجهود السعودية لتجديد صورتها كوسيط سلام تحديات في المصداقية، نظرًا لسياستها الخارجية القتالية التي دامت ما يقرب من عقد.

ومع إجراء محادثات سلام بين الحوثيين اليمنيين والوفد السعودي في العاصمة اليمنية صنعاء الشهر الماضي، حرص المسؤولون الحوثيون على الإشارة إلى أن السعودية ليست وسيطًا في الصراع اليمني كما زعمت، بل شريك.

 وتحاول المملكة الآن إخراج نفسها من اليمن بعد التدخل في الحرب الأهلية هناك عام 2015 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء.  وفي تلك الحرب، حشدت السعودية تحالفًا عربيًا ضم قوات الدعم السريع السودانية.

وردا على سؤال من CNN عما إذا كانت المملكة تتحمل أي مسؤولية عن نزاع السودان بالنظر إلى صلاتها بمراسلون بلا حدود، قال ناظر من السفارة السعودية في الولايات المتحدة إن المملكة "تعمل مع جميع الأطراف ذات الصلة في السودان".

وأكد أن الرياض "تحاول الترويج لنهج شامل العملية السياسية والحوار اللذين سيعيدان السلام والاستقرار إلى السودان"، مضيفا: "نحن بصراحة لا ننظر إلى الوراء".

وتشير الشبكة الأمريكية إلى أن عديد المحللين يرون أن السعودية، لا تزال تتمتع بنفوذ كافٍ لجلب الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات، رغم ماضيها المثير للجدل، إذ تظل هي موطن أقدس الأماكن الإسلامية وواحدة من أغنى الدول العربية.

وعبر الشهابي عن هذه الخلاصة بقوله: "السعودية لا تتظاهر بأنها وسيط محايد، فصوتها يحمل ثقلًا لدى العديد من الأطراف في المنطقة"، مضيفًا أنه "حيثما أمكن، تريد السعودية استخدام هذا النفوذ للحد من التوترات".

((3))

المصدر | CNN - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية السودان إيران بورتسودان جدة أحمد الدبيس

الدبلوماسية الإقليمية تتسارع مع تراجع حدة التنافس الإيراني السعودي.. ماذا حدث؟