الخليج يتصدر قائمة الشعوب العربية الأقل هجرة من بلدانها.. لماذا؟

الجمعة 5 مايو 2023 03:59 م

"تصدر الخليجيون قائمة العرب الأقل رغبة في هجرة دولهم أو اللجوء منها خلال العشرين عاما الأخيرة"، حسبما كشف مسح قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)، مستندا إلى بيانات طلبات الهجرة واللجوء في العالم العربي خلال العقدين الماضيين.

ووفق التقرير، فإن الخليجيين الأكثر رغبة في الاستقرار في دولهم، والأقل تحمساً للاغتراب عن أوطانهم مقارنة ببقية الشعوب العربية الأخرى، وهو ما يفسّر استمرار متانة الاعتزاز بالانتماء والهوية بين الخليجيين رغم التحديات المستجدة.

ويلفت التقرير، إلى استفادة دول الخليج بشكل إيجابي من تحسن عامل الانتماء وتعزز تمكين الفرد من ممارسة دوره السياسي والاقتصادي وتحفيزه في بعث المشاريع والمشاركة في مراكز صنع القرار مع تحسن مؤشر المساواة بين الجنسين وفاعلية الإدارة وتقلص البيروقراطية مع تفاوت بين الدول.

ويضيف التقرير: "لكن بيئة حياة الخليجيين لا تعد مثالية بقدر ما تواجه كل تجربة على حدا تحديات مختلفة أبرزها التحديات الديمغرافية والتلوث والتأثر بتغيرات المناخ المقلقة"، قبل أن يشير إلى أن "هذه التحديات لا تشكل إلى اليوم تهديدات ضاغطة على وتيرة هجرة الخلجيين المحدودة جداً".

ويكشف التقرير، أنه خلال عام 2022، لم يتقدم سوى نحو 939 فرداً من سكان دول الخليج الست (البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات) بطلب لجوء الى دول أجنبية من أجل الإقامة والعمل، لافتا إلى أن جزء كبيرا منهم مقيمون من جنسيات مختلفة، وقليل منهم من السكان الأصليين.

وهذا العدد يعتبر محدودا جدا بالمقارنة مع 134 ألف عربي من دول خارج منطقة الخليج، تقدموا بطلبات لجوء من دولهم العام الماضي فحسب.

واستنتج المسح الذي قام به المركز لتقييم مؤشر الانتماء بين العرب من خلال قياس متغير الطلب على الهجرة واللجوء، أن عددا قليلا جدا من مواطني دول الخليج يرغبون بالهجرة واللجوء من أوطانهم مقابل زيادة ملحوظة للرغبة في الهجرة واللجوء في باقي الدول العربية وخاصة بين النخب والكفاءات والعقول.

وقد شمل المسح كذلك فترة الخمس سنوات الماضية، ليمتد أيضاً لدراسة اتجاهات الطلب على اللجوء خلال العقدين الماضيين أيضاَ.

فخلال الخمس سنوات الماضية، تقدم بطلبات لجوء نحو مليون و113 ألف عربي من كافة الدول العربية ما عدى دول الخليج، ونحو 273 ألف من خارج دول الصراع (العراق وسوريا وليبيا واليمن)، في حين لم يتقدم سوى 8042 من سكان الخليج بطلبات مماثلة للهجرة من دولهم خلال الفترة نفسها.

أما خلال العشرين عاماً الماضية، تقدم نحو 18400 ألف فرد من سكان دول مجلس التعاون الخليجي بطلبات لجوء للإقامة في الخارج لأسباب مختلفة.

لكن هذا العدد لا يذكر مقارنة بباقي سكان الدول العربية الراغبين في الهجرة من دولهم، حيث تقدم نحو 4 ملايين عربي بطلبات لجوء خلال العقدين الماضيين، لأسباب أهمها مرتبط بمخاطر أمنية متعلقة بالصراعات والحروب وأخرى اقتصادية مرتبطة بتدهور الظروف والمعيشية وأسباب أخرى مرتبطة بحقوق الانسان.

وبذلك فان عدد الخليجيين الذين أعلنوا رغبة في اللجوء والهجرة من أوطانهم لا يمثل إلا سوى 1% من إجمالي بقية العرب الراغبين في الهجرة بشتى أنواعها، والتي وإن مثلت مصدر ثروات بالنظر لتحويلات المغتربين، إلا أنها أسهمت في إضعاف الدورة التنموية بسبب نزيف الكفاءات المهاجرة، وهذا على عكس دول الخليج التي لا يقبل على الهجرة واللجوء فيها إلا بعض الحالات الخاصة من محدودي الدخل أو من حالات مرتبطة بحقوق الانسان.

كما أظهر المسح، أن عدد الخليجيين الراغبين في اللجوء على اختلاف الدوافع والأسباب، في تراجع مستمر بعد جائحة فيروس "كورونا"، على خلاف بقية الشعوب العربية الأخرى.

وبرز الإماراتيون فالقطريون ثم العمانيون فالبحرينيون فالسعوديون فالكويتيون على التوالي على مستوى ترتيب الأكثر رغبة في الاستقرار في بلاده، وعدم الميل للهجرة أو اللجوء.

على صعيد آخر، بلغ معدل الهجرات سواء الاختيارية أو السرية وتيرة مرتفعة سنوياً في الدول العربية خارج منطقة مجلس التعاون الخليجي، بدافع البحث عن فرص عمل وتعليم وحياة أفضل.

أما في دول الخليج فتعتبر من أكثر الدول عالمياً جذباً للكفاءات العربية من خارج الخليج، بالنظر للطفرة المسجلة في اقتصاداتها ومخططاتها التنموية التي تعتمد فيها على العمالة الوافدة بينها نسبة هامة من القوى العاملة العربية.

في حين أن الهجرات غير الشرعية من دول الخليج لا تكاد تذكر خلال السنوات الخمس الأخيرة، فان الطلب على الهجرة والإقامة الدائمة في وجهات خارج منطقة الخليج لا تتعدى العشرات فقط سنوياً.

حيث أن أغلب مواطني مجلس التعاون الخليجي يخيرون الإقامة والعمل في دولهم بفضل تحسن جودة الحياة والخدمات وتعزز فاعلية الإدارة وتقلص البيروقراطية مقارنة بالدول العربية الأخرى.

كما أن مستوى القدرة الشرائية بالنظر لمتوسط الدخل يعتبر محفزا لمواطني دول الخليج في تخيير الاستقرار في دولهم.

وقد كشف استنتاج المسح أن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي رغم التغيرات الجوهرية خلال العقدين الماضين على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، يخير أغلبهم الاستقرار في دولهم، وينسجمون مع مختلف التحديات وخاصة المناخية المقلقة، مستفيدين من توفر مقومات الرفاه التي تقدمها الحكومات لمواطنيها.

لكن تبقى هناك فئة من الخليجيين قد تستقر في دول أجنبية بالنظر لفرص العمل التنافسية والبيئة الإبداعية الاستثنائية التي قد تتيح لهم فرص الابتكار والتألق في الخارج أكثر من دولهم.

ورغم وجود نسبة كبيرة من طبقة محدودي الدخل في المجتمعات الخليجية ووجود أزمات مقلقة كالبطالة والتضخم، لم يبد إلا عدد قليل الرغبة في طلب اللجوء والهجرة خلال العقدين الماضيين.

وهذا وفق التقرير، يعكس مدى الانسجام والترابط الأسري والمجتمعي للشعوب الخليجية، حيث أن الروابط القبلية والأسرية حافز مهم لاستقرار الفرد الخليجي.

كما أن جزء من استمرار العادات والتقاليد خاصة على مستوى الاجتماعات الأسرية والقبلية والدواوين المخصصة للنقاش والحوار يعزز انتماء الأفراد لمجتمعاتهم الخليجية.

ويضيف: "تسعى الحكومات لزيادة تشريك المواطن في اتخاذ القرار والتعويل على الشباب في رؤى التغيير الكبرى المطروحة يشجع الشباب على الاستقرار وتطوير مهاراته وإنجاز أفكاره رغم التحديات".

علاوة على ذلك، حسب التقرير، قلّصت سياسات تمكين الشباب من وجود دوافع الهجرة واللجوء إلى الخارج بقدر الرغبة في إثبات الذات في الداخل.

إلا أن هذا لم يمنع من نشاط وتيرة تنقل الأفراد بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يخير بعض الخليجيين العمل والإقامة في دول الخليج دون الاغتراب خارج المنطقة.

ووفق التقرير، فإن هناك تحديات في الأفق قد تضغط لبروز ظاهرة مقلقة إن لم يتم السيطرة عليها، وهي مخاطر الهجرة المناخية أو اللجوء المناخي، والتي تتمثل في توقع الطلب على الهجرة بدافع التغيرات المناخية القاسية.

ويضيف: "قد يمثل نجاح الحكومات في السيطرة على التغيرات المناخية دافعا قويا في تجنب مثل هذه الظواهر مستقبلاً".

ويشير التقرير إلى أن "طفرة مشاريع رفاه المواطنين وتحسين جودة البنى التحتية وبيئة الحياة النموذجية توازياً مع تعزز القطاعات والخدمات المبتكرة وترسّخ عوامل الأمان والاستقرار وتحسّن ممارسة الحريات، كلها عوامل أسهمت في دعم وازع الانتماء لدى المواطن الخليجي لبلده".

ويزيد: "تعزز الانتماء بدوره قلّص من وتيرة الاقبال على طلب الهجرة واللجوء بين الأفراد بالمقارنة مع بقية الشعوب العربية الأخرى".

ويتابع: "ورغم الانتقادات والتحديات، زاد اهتمام الحكومات الخليجية بدعم التنمية البشرية وتمكين الشباب وتعزيز المشاركة في برامج التنمية وإحداث نهضة شاملة مع تفاوت بين الدول، حيث نجحت بشكل جلي تجارب الإمارات وقطر والسعودية في تعزيز عوامل النهضة والتنمية المستقبلية، ثم تأتي الكويت والبحرين وعمان على التوالي مع بعض الاختلافات الجوهرية".

ويستطرد التقرير: "إلا أن أغلب الدول الخليجية تتفق في دعم وازع الانتماء للهوية المحلية والخليجية والافتخار بها من خلال الحرص على ترويج اللهجة والزي الخليجي عبر المؤتمرات والدراما والمناسبات الرسمية وحتى في المدارس".

واستثمرت دول الخليج قدرات ضخمة متفاوتة في تحسين برامج التعليم والانفتاح على المناهج الغربية، لكن مع ترسيخ القيم والعادات بين الأجيال خاصة على مستوى العقيدة والزي واللهجات، وذلك رغم التأثر البالغ بالعولمة وبرامج التعليم الغربي خاصة الإنجليزي، والتي أحدثت بعض التغيير في تشكل الوعي لدى أجيال الخليجيين الشابة والمراهقة.

ويقول التقرير إنه لم تؤثر العولمة على متانة الاعتزاز بالهوية الخليجية والانتساب القبلي والمحافظة على العادات، مشيرا إلى ظهور مخاطر مستجدة على الشباب والمراهقين الخليجيين، تتمثل في زيادة التأثر بظاهرة عدم الالتزام الديني أو فكرة (اللادين) خاصة بين المراهقين.

ويلفت إلى أن وجود مثل هذه الظواهر استفاد من التعرض المكثف لحملات الدعاية والترويج الغربي بشكل خاص على شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بالأساس لمقاصد الحريات والانفتاح المتعارضة مع بعض القيم والعادات والتقاليد للمجتمعات المسلمة.

ويضيف: "خلقت دعوات التحرر وتبني القيم الغربية والانتماء العالمي أو الهوية العابرة للأقطار التي يتم ترويجها عبر منصات التواصل الاجتماعي تناقضات أسهمت في تشويش أفكار ومعتقدات نسبة كبير من أجيال الشرق الأوسط خاصة الشباب والمراهقين ودفعت بعضهم للتشكيك، وحفزت بعضهم الآخر على التمرد على القيم السائدة بمبرر ارتباطها بالتخلف".

وحسب التقرير، هذه الظاهرة يمكن رصدها بأقل حدة في دول الخليج، حيث هناك حرص على ترسيخ الهوية والاعتزاز بها بين الأجيال الشابة.

وكانت حركات الهجرة شملت جزء من الخليجيين خاصة بعض المبتعثين للدراسة في الخارج أو رواد الأعمال أو من قطاعات مختلفة، إلا أن متوسط هجرات الخليجيين لا يتعدى حسب تقديرات المركز معدل الهجرة قصيرة ومتوسطة المدى أي نحو (10 أعوام تقريباً) بخلاف بقية الجنسيات العربية الأخرى التي تتعدى معدلات هجرة مواطنيها (الإقامة متوسطة وطويلة المدى) أي أكثر من (10 سنوات الى 20 عاماً) كرقم تقديري لمتوسط الهجرة طويلة المدى.

في حين قد تبلغ معدلات إقامة بعض المهاجرين واللاجئين العرب خاصة من الدول الفقيرة أو غير المستقرة إلى مدى الحياة، وتحديدا في الدول الأجنبية التي توفر فرص الاندماج الشامل كالإقامة والجنسية.

استنتج البحث أن زيادة الطلب على الهجرة في الدول العربية وإن كان عاملاً إيجابياً يعزز موارد الحكومات من تحويلات المقيمين في الخارج، إلا أن ذلك ينعكس سلباً على مؤشر الانتماء والمشاركة الفاعلة في تنمية البلدان المصدرة للمهاجرين واللاجئين، وخاصة إذا كان متوسط المدة الزمنية للهجرة واللجوء يفوق أكثر من 10 أعوام مستمرة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج هجرة العرب الرفاه اقتثاد القبلية انتماء

جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا هاجم الإعلام العربي اليونان بسبب القارب الغارق؟