أزعور أم فرنجيه؟ 3 سيناريوهات لجلسة انتخاب الرئيس اللبناني

الثلاثاء 6 يونيو 2023 11:14 ص

سلطت الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، رابحة سيف علام، الضوء على مشهد لبنان خلال الأيام الماضية، بعد تداول أسماء جديدة في ملف انتخابات الرئاسة المعطل منذ نحو 7 أشهر، أبرزها، جهاد أزعور، وزير المالية الأسبق والمسئول الحالي عن ملف الشرق الأوسط وآسيا الصغرى في صندوق النقد الدولي.

وذكرت رابحة، في تحليل نشرته بموقع المركز، أن اسم جهاد أزعور كان مطروحاً منذ عدة أسابيع كمرشح توافقي من خارج التيارات والاستقطابات، إلا أن ترشحه اكتسب أهمية استثنائية عندما تم تداوله باعتباره مرشحاً محتملاً تدعمه الكتل المسيحية ليكون مقابلاً لمرشح حزب الله المفضل، سليمان فرنجية، الذي تم الترويج لاسمه خلال الشهرين الماضيين باعتباره المرشح الوحيد الذي يمكنه ملء الفراغ الرئاسي سريعاً.

وكان برلمان لبنان قد أتم عامه الأول بعد انتخابه في مايو/أيار 2022 وسط تطلعات واسعة بقدرته على تغيير معادلات الحياة السياسية اللبنانية. ولكن العام الأول لم يجلب للبنان هذا التغيير المنتظر، حيث فشلت الكتل البرلمانية في التوافق على رئيس جديد لحكومة تعكس التركيبة الجديدة التي تم انتخابها وبقى رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، على رأس حكومة تصريف أعمال يقضي في الأمور الضرورية فقط دون أن تكون له صلاحيات واسعة تُمكنّه من تمرير الإصلاحات المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية الطاحنة.

وفي المقابل، انتهت ولاية الرئيس ميشال عون منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ما أدخل لبنان في فراغ رئاسي عجز البرلمان عن ملئه بانتخاب رئيس جديد على مدار 11 جلسة من جولة واحدة لم يتمكن فيها أي مرشح من الحصول على النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين.

وتشابك الوضع الدستوري اللبناني بفعل أمرين منعا كلاً من مجلس النواب ومجلس الوزراء من الالتئام. فمن جهة، رفضت تيارات، على رأسها التيار الوطني الحر، التئام الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي أو تسلمها لمهام الرئيس لكونها حكومة تصريف أعمال لم تحصل على ثقة البرلمان الجديد وتمارس مهامها بموجب ثقة البرلمان الماضي.

ومن جهة أخرى، رفض تيارات أخرى عقد جلسات برلمانية للتشريع حتى يتم انتخاب رئيس لأنه عند شغور موقع الرئاسة يصبح مجلس النواب حُكماً جهة انتخاب وليس جهة تشريع ولا يصح له التشريع لحين الانتهاء من مهمة انتخاب الموقع السياسي الأول في البلاد.

وهكذا، وقع لبنان بين تجميد كل من مجلس نوابه ومجلس وزرائه فضلاً عن شغور موقع الرئيس، ما أوقع البلاد في دوامة التجميد والتعطيل، إلى جانب التدهور الاقتصادي.

وترى الخبيرة بالأهرام أن عقدة انتخاب الرئيس اللبناني لاتزال قائمة نظراً لانقسام التركيبة البرلمانية حول تفضيلاتها بشأن المرشحين وعدم امتلاك أي كتلة القوة التصويتية اللازمة لانتخاب الرئيس منفردة، فضلاً عن انقسام كل فريق من الحلفاء حول هوية ومواصفات الرئيس.

ففريق حلفاء حزب الله يطرح سليمان فرنجية، رئيس حزب المردة، ليكون مرشحاً للرئاسة ويسانده في ذلك حليفه الأقرب حركة أمل، ما يعني توحد الثنائي الشيعي خلف فرنجية.

بينما التيار الوطني الحر، الذي طالما طمح زعيمه، جبران باسيل، للرئاسة خلفاً لميشال عون، يجد أن فرنجية غير مناسب لعدم امتلاكه كتلة مسيحية كبيرة، ولذا سيبدو كأنه "مرشح الشيعة"، ويدفع لانتخاب مرشح آخر له مواصفات خاصة أهمها تمثيله لثقل مسيحي قوي في البرلمان.

ولذلك، عارض باسيل بقوة انتخاب فرنجية، كما عارض أيضاً قائد الجيش الحالي، جوزيف عون، الذي تم طرحه من البعض كمرشح قريب من الجميع.

وخاض باسيل حملة لتشويه قائد الجيش طمعاً في نفي صفة قربه من الجميع واتهامه بالتآمر على عهد عون على خلفية رفضه لقمع المتظاهرين خلال الانتفاضة الشعبية التي قامت خلال عهد عون منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وإزاء اختلاف الحليفين، حزب الله والتيار الوطني الحر، على اسم الرئيس القادم، واصل هذا التحالف التصويت بورقة بيضاء خلال جلسات متعاقبة فشلت في انتخاب الرئيس لمنع إخراج خلافاتهما للعلن.

أما كتل المعارضة التي تعتبر نفسها معبرة عن التيار السيادي، فقد طرحت ميشال معوض مرشحاً بديلاً، حيث حظى خلال عدة جلسات بكتلة تصويتية تخطت ثلث الأصوات ولكنه لم يُوفق مطلقاً في الحصول على نتيجة تقترب من النسبة المطلوبة  (الثلثين) لانتخاب الرئيس خلال الجولة الأولى من التصويت، بينما كانت جلسات الانتخاب تفقد نصابها مباشرة بعد الجولة الأولى بما يمنع انعقاد جولة ثانية لكل جلسة.

أزعور ومعارضو فرنجية

وهنا تشير رابحة إلى أن التطور الملحوظ الذي طرأ على خريطة التفاعلات الخاصة بانتخابات الرئاسة اللبنانية هو قرار القوى المسيحية المعارضة لانتخاب فرنجية للتوحد رغم خلافاتها الجذرية لمواجهة دعم حزب الله له.

فمن جهة، ابتعد التيار الوطني الحر عن حليفه حزب الله وقرر المضي قدماً في التحالف مع قوى المعارضة المسيحية وأبرزها القوات اللبنانية وحزب الكتائب من أجل إبقاء قرار اختيار الرئيس ضمن المعسكر المسيحي.

وفي هذا الإطار، يتخلى باسيل عن طموحه الشخصي في التقدم للرئاسة، بينما يتخلى كل من حزبي القوات والكتائب عن قرارهما السابق بترشيح رئيس من خارج فلك تحالفات حزب الله وله مشروع واضح لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة.

فجهاد أزعور كان قد طُرح اسمه سابقاً من وليد جنبلاط وآخرين باعتباره مرشحاً وفاقياً لا يتصادم مع أي تيار ولا يخضع لخريطة الاستقطابات خاصة أنه مقبول من التيار الوطني الحر ومقبول من القوى الدولية والإقليمية نظراً لعمله في المنظومة المالية الدولية، لكن مجرد طرحه كمرشح مقابل لفرنجية جعل حزب الله يستقبل هذا الترشيح كخطوة تحدي واستقطاب لإفشال انتخاب فرنجية.

 بل إن الحزب ذهب بعيداً واعتبر أن طرح اسم أزعور ما هو إلا مناورة لخفض فرص فرنجية وليس مرشحاً حقيقياً.

وكانت فرنسا قد استضافت، منذ فبراير/شباط الماضي، عدة لقاءات تشاورية في صيغة خماسية ضمت ممثلين عن كل من الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر فضلاً عن فرنسا للتشاور في بدائل حل الأزمة السياسية اللبنانية، حيث تكررت توصيات اللقاء الخماسي بشأن ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس كشرط مسبق للبحث عن حلول لسلسلة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، في صيغة أقرب للمشروطية السياسية قبل السماح بتقديم المساعدات الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، كانت فرنسا هي راعي المساعي الدولية للإسراع بإتمام الانتخابات، فمن جهة، عملت على تنسيق الجهود مع السعودية وقطر ومصر من أجل ضمان عودة الاحتضان العربي للبنان فور إتمام الانتخابات الرئاسية، ومن جهة أخرى عملت على خفض الشروط الأمريكية فيما يتعلق بالرئيس اللبناني القادم.

 فما يعني واشنطن هو أن يكون الرئيس غير تصادمي ولا يغير من ثوابت الجيش اللبناني الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع الأمريكيين ولا يعزز من نفوذ حزب الله الواسع بالفعل، بمعنى الإبقاء على الوضع الحالي دون زيادة أو نقصان.

 وكلها تعهدات نجحت فرنسا في الحصول عليها من فرنجية خلال زيارته لباريس للترويج لترشيحه في الأوساط الدولية.

أما السعودية، فقد أبدت تجاوباً مع اسم فرنجية ولم تعارض ترشيحه أو تهدد بعدم إعادة المساعدات والدعم إذا ما تم انتخابه، بل عبرت عن دعمها لما يتفق عليه اللبنانيون أنفسهم، وهو ما تزامن مع خطوات التقارب السعودي-الإيراني وعودة سوريا لجامعة الدول العربية، ففرنجية ليس مرفوضاً من السعوديين ولكن في نفس الوقت فإن الرياض لن تؤيده أو تسعى لانتخابه.

وهكذا، أصبح فرنجية بمثابة المرشح الأقوى المطروح على الساحة والذي لا يقابل أي معارضة دولية ولا عربية، ولكن في المقابل بقيت خطوة انتخابه مُكبّلة بسبب عدم توفر نصاب كافٍ للانتخاب داخل البرلمان، لأن الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، لن يكونا قادرين على توفير نصاب الانتخاب دون الحليف المسيحي وهو التيار الوطني الحر.

بينما نحى الأخير إلى تغيير موقفه جذرياً بالتقارب مع الكتل المسيحية الأخرى كالكتائب والقوات اللبنانية كي يتم طرح مرشح التيار جهاد أزعور كمرشح تقدمه عدة كتل دفعة واحدة بدلاً من مرشح المعارضة الذي انحسر في اسم ميشال معوض لعدة جلسات انتخابية سابقة.

فرص جلسة الانتخاب

وترجح رابحة سيف علام أن تدور فرص جلسة انتخاب الرئيس اللبناني حول 3 سيناريوهات: الأول يتمثل في موافقة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، نفسه وإقباله على عقد جلسة للانتخاب، وهذا الأمر مرهون بالأساس بالتوافق مع حزب الله، والأخير لا يزال يرى في أزعور مرشح مواجهة وليس مرشح توافق.

وبعدما خاب أمل حزب الله بعد فقدان زمام المبادرة وفشل خطته بالترويج لفرنجية كمرشح وحيد قريب من الفوز بعد طرح اسم أزعور، قرر أن يهاجم هذا الأخير باعتباره يفتقد للتوافق ويأتي بثوب المواجهة معبراً عن تيار السيادة.

وهدد بعض نواب حزب الله بعدم حضور جلسة الانتخاب حال تم الدعوة إليها ومنع انعقاد نصابها، وربما قد يكون هذا السيناريو الآمن بالنسبة لحزب الله وحلفائه بعدم السماح بعقد الجلسة من الأساس سواء بامتناع بري عن الدعوة إليها أو بغياب نواب حزب الله وحركة أمل عن حضورها وإفقادها النصاب وإفقادها أيضاً عنصر الميثاقية بغياب طائفة كاملة عنها وهي الطائفة الشيعية.

والسيناريو الثاني، بحسب الخبيرة بالأهرام، يتمثل في الدعوة إلى جلسة الانتخاب بعد توقع دقيق جداً لاتجاهات التصويت من الكتل المختلفة بحيث يذهب حزب الله وحلفائه للجلسة وهم على ثقة بحصول فرنجية على أصوات تفوق أزعور في أول جولة ثم ينفض نصاب الجلسة ولا تنعقد جولة أخرى.

وهنا يبقى موقف اللقاء الديمقراطي مبهماً في ظل حالة من الغموض والتأرجح بين المضي في دعم أزعور أو التريث لحين تحقق صفة التوافق في شأنه، فـ "وليد جنبلاط لن يخوض معركة خاسرة لن تفضي لانتخاب المرشح الذي سيصوت له" حسبما ترى رابحة سيف علام.

أما السيناريو الثالث والأبعد عن التحقق، حسب قراءة الخبيرة بالأهرام، فهو أن يوافق حزب الله بالفعل على اسم أزعور بنهاية المطاف بعد الحصول على ضمانات أساسية فيما يتعلق بدور المقاومة والاستراتيجية الدفاعية وصيغة البيان الوزاري للحكومة الأولى في عهده، وأيضاً فيما يتعلق بالعلاقة مع سوريا وخطته بشأن ترسيم الحدود معها وغيرها من القضايا الخلافية.

وفي هذا الشأن، من المتوقع أن ترتفع هذا الأسبوع وتيرة الضغوط الدولية على الفرقاء اللبنانيين لإجراء الاستحقاق الرئاسي، حيث تستضيف الدوحة خلال أيام مؤتمراً للقاء الخماسي لبحث سبل الإسراع بحل الأزمة السياسية والخطوات التالية من حيث انتخاب رئيس واختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة وتحضير برنامجها الإصلاحي.

وفيما يبدو أن حزب الله قد أصبح محاصراً، فإنه قد يقبل به وفق شروط معينة إذا ما تمت صياغته في إطار إقليمي أوسع تكون إيران ضالعة فيه ومحققة لمكاسب منه، حسب ترجيح رابحة سيف علام، مشيرة إلى أن الاهتمام الدولي المتوقع أن يحيط بلبنان على وقع اللقاء الخماسي القادم لابد أن يلحق به أو يمهد له تواصل إقليمي دولي مع إيران خاصة من جانب الفرنسيين والقطريين والسعوديين.

وإذا ما أسفر هذا الاتصال عن وقوع اتفاق يحقق لإيران بعض المكاسب، فقد يكون أزعور هو المرشح الأقرب للفوز بالرئاسة، أما إذا كانت إيران غير مستعدة لإبرام هكذا صفقة في ظل السياق الإقليمي والدولي الراهن فيبدو أن فرنجية سيبقى مرشحاً راسخاً لحزب الله الذي سيسعى حينها للمضي في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، بحسب الخبيرة بالأهرام.  

المصدر | الخليج الجديد + مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

  كلمات مفتاحية

لبنان حزب الله نبيه بري حركة أمل سليمان فرنجيه جهاد أزعور التيار الوطني الحر ميشال عون

فرنسا تُعيّن وزير الخارجية السابق لودريان موفدا خاصا إلى لبنان

انقسام داخلي وتباين خارجي.. فهل ينتخب لبنان رئيسه الأربعاء؟

دعوة أمريكية فرنسية لانتخاب رئيس جديد للبنان.. فلمن سيصوت النواب؟

البرلمان اللبناني يفشل في انتخاب رئيس للجمهورية رغم انحسار المنافسة