زيارة رئيسي للتحالف البوليفاري.. منافع متبادلة تنتظر توجهات الدول الكبرى

الأربعاء 14 يونيو 2023 12:54 م

الجولة الرئاسية الإيرانية إلى فنزويلا وكوبا ونيكارجوا، استهدفت مستوى أعلى من التعاون والتنسيق مع أكثر الدول اللاتينية معاداة للولايات المتحدة والواقعة تحت وطأة عقوباتها، كما هو الحال مع إيران.

هكذا يتحدث تحليل لمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، لافتا إلى أن توطيد هذه العلاقات يبقى ورقة ضغط مهمة خاصة بالنسبة لإيران وفنزويلا، في إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أنها تنتظر توجهات الدول الكبرى كروسيا والصين في التعاطي مع هذه التحركات.

وبدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 11 يونيو/حزيران الجاري، جولته في أمريكا اللاتينية بزيارة "أصدقاءه من دول التحالف البوليفاري" (فنزويلا وكوبا ونيكارجوا)، وذلك بعد جولة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للدول الثلاث في فبراير/شباط الماضي، اعتبرت تمهيداً لزيارة رئيسي.

وتعد الزيارة الرئاسية الإيرانية لفنزويلا وكوبا ونيكارجوا ترجمة لمصالح الدول الأربعة في هذه الفترة الحرجة على المستوين الاقتصادي والسياسي، في ظل تصاعد حدة العقوبات الأمريكية عليها.

كما أنها زيارة إيرانية رفيعة المستوى تأتي بعد عدد من الزيارات واللقاءات الثنائية التمهيدية منذ وصول رئيسي إلى سدة الحكم في إيران، ويبدو أنها تجسد رسالة قوية وعلنية للسياسة الخارجية الإيرانية بتوطيد علاقتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية في مسار من شأنه استعداء الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت الفترة الذهبية للعلاقات الإيرانية اللاتينية خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، والتي تزامنت مع فترة المد اليساري في القارة وازدهار اقتصادات الدول اليسارية الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين وشيلي وفنزويلا، وكذلك ازدهار التعاون الإقليمي بين هذه الحكومات اليسارية المستقرة في ذلك الوقت.

من جانب آخر، كانت أمريكا اللاتينية خلال فترة رئاسة نجاد لإيران، ساحة مفتوحة ومرحبة به وداعمة لإيران وملفها النووي، فكانت ورقة رابحة في مواجهة العقوبات الأمريكية.

ومع اختلاف الأوضاع الاقتصادية والسياسية في كثير من دول أمريكا اللاتينية، ومن ثم انحسار تيار اليسار، تقلصت المساحة الإيرانية في دول القارة، حتى مع عودة نجاح مرشحي اليسار في انتخابات دول القارة، لم يعد التواجد الإيراني كما كان.

إيران و"الشياطين الثلاثة"

لكن يظل الوجود الإيراني مرحباً به بنفس القدر في دول "ألبا" أو "التحالف البوليفاري"، وتحديداً مع حكومة نيكلاس مادورو في فنزويلا، ودانييل أورتيجا في نيكارجوا، والحزب الشيوعي الحاكم في كوبا.

وجاء رئيسي مكملاً لنفس نهج خلفه حسن روحاني، ليعلن أن سياسته تجاه الدول اللاتينية تقوم على أساس تعميق العلاقات الدبلوماسية والتجارية، فضلاً عن التغلب على التهديدات والعقوبات والهيمنة الأمريكية.

وبعد أقل من عام على الولاية الأولى لرئيسي، في يونيو/حزيران 2022، تم التوقيع في طهران على خارطة طريق التعاون الثنائي الإيراني-الفنزويلي لمدة 20 عاماً.

وفي حفل توقيع خارطة التعاون الإيراني-الفنزويلي، بحضور مادورو، ذكر رئيسي أن الأجندة الواردة في هذه الوثيقة تهدف إلى مواجهة ومقاومة العقوبات الأمريكية والضغوط والإمبريالية.

وكجزء من الاتفاقية، وكما فعل روحاني من قبله، سلّم رئيسي ناقلة نفط إلى فنزويلا، إلى جانب الالتزام بإصلاح مصفاة نفط فنزويلية لتخفيف النقص المستمر بالوقود في البلاد.

الدول الثلاث الحليفة لإيران، والتي وصفها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ"الشياطين الثلاثة"، هم الأنظمة المعادية بقوة وعلانية للولايات المتحدة، والتي لا تتوقف الأخيرة عن دعم الحركات الاحتجاجية ومحاولات الانقلاب بها لتغيير تلك الأنظمة.

وتحتاج الدول الثلاث دعماً اقتصادياً ومتنفساً تجارياً لها، وتتشارك مع إيران في قضية البحث عن مخارج للعقوبات الاقتصادية الغربية فضلاً عن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.

كما أن الحكومات الثلاثة باتت تصنف رسمياً وعلانية من قبل الولايات المتحدة كنماذج للحكومات "الديكتاتورية" المعادية للمصالح الأمريكية وللقيم الديمقراطية الغربية، وهو ما يفسر المحاولات الأمريكية المعلنة لدعم المعارضة داخل هذه الدول والضغط بورقة العقوبات الاقتصادية لإسقاط الحكومات الثلاثة.

وحسب التحليل، ففي ظل تراجع دعم بقية الدول اللاتينية، بما فيها الدول اليسارية، تصبح تقوية العلاقات مع دول أخرى من خارج المعسكر الغربي؛ مثل إيران وروسيا والصين، أمراً غاية في الأهمية وخاصة بالنسبة لحكومة مادورو في فنزويلا وأورتيجا في نيكارجوا.

وباتت إيران هي الشريك التجاري والاقتصادي الأنسب لإنقاذ حكومة مادورو وبقائها إلى الآن منذ الانقلاب عليه منذ 4 سنوات. ولذلك تتهم واشنطن عدوتها طهران بالالتفاف على العقوبات من خلال تصدير النفط إلى فنزويلا، ومساعدة كاراكاس في تطوير مصافيها القديمة.

ويشير التحليل إلى تصريح عبداللهيان في العاصمة الكوبية هافانا، في العاصمة هافانا خلال فبراير/شباط، حين قال إن "البلدين يشتركان في وجهات نظر وأهداف مشتركة في الدفاع عن استقلالهما ومواجهة الأحادية".

واستنكر عبداللهيان حينها، تدخل واشنطن لإثارة أعمال شغب في كوبا خلال يوليو/تموز 2022، وقال إن "الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية تنتهج سياسة فرض العقوبات وفي نفس الوقت التدخل من خلال خلق وتأجيج أعمال الشغب في الدول المستقلة".

هذه التصريحات وغيرها تمثل الخط الرئيسي للتصريحات الرسمية الإيرانية، حيث احتفظت السياسة الخارجية الإيرانية بنفس المفردات في علاقاتها ولقاءاتها مع الدول اللاتينية، وهي مفردات تدور حول معاداة الهيمنة والأحادية القطبية، والدعوة إلى عالم أكثر عدالة في ظل تعددية قطبية تعطي مساحة لدول الجنوب والدول الصاعدة والدول ذات التوجهات المختلفة عن المنظومة القيمية الغربية.

ثلاثية المصالح

لكن على الجانب الآخر، حسب التحليل، هناك مصالح اقتصادية ومصالح عسكرية واستخباراتية تكمن في ثنايا العلاقات الإيرانية مع بعض الدول اللاتينية.

ويضرب مثالا بتوفر بعض من هذه الدول فرصاً أمام الاستثمار الإيراني في مجال الزراعة ومواجهة مشكلات الأمن الغذائي في إيران.

ويضيف: "كما أنه ومع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب الأوكرانية، تمتلك فنزويلا فرصاً اقتصادية كبيرة باعتبارها صاحبة أكبر مخزون نفطي في العالم، ومن ثم تتضمن العلاقات معها مصالح اقتصادية مهمة بالنسبة لطهران من خلال توقيعها على اتفاقيات لإعادة تشغيل مصافي البترول في فنزويلا، فضلاً عن فرص لتصدير السلع الإيرانية".

كما أن هناك فائدة استراتيجية إيرانية، حسب التحليل، بالتواجد البحري التجاري والعسكري في المياه والموانئ الفنزويلية، بالقرب من الولايات المتحدة.

ويعلق التحليل على الفوائد المتبادلة للزيارة بالقول: "تأتي زيارة الرئيس الإيراني تتويجاً لجهود دبلوماسية ولقاءات نوعية واتفاقات بين إيران والدول الثلاث خلال العامين الماضيين، لتؤكد على تدشين علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية وثيقة، خاصة مع فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، على أساس من المصالح المشتركة وتحت شعار معاداة الهيمنة الأمريكية والالتفاف حول العقوبات الاقتصادية الأمريكية".

ويتابع: "تبقى العلاقات الإيرانية الفنزويلية بالأساس، ثم العلاقات الإيرانية ببقية التحالف (البوليفاري) اللاتيني، طموحة ومحاولة لمقاومة الأمر الواقع المتمثل في العقوبات الأمريكية، لكنه يظل تعاوناً ضعيف الأثر".

واستدرك بالقول: "إلا أن الوقت فقط سيحدد ما إذا كان بإمكان إيران وفنزويلا الاعتماد على الصين وروسيا للحصول على دعم أقوى عسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً، بدلاً من التقارب مع الولايات المتحدة".

ويختتم التحليل قائلا: "هذا ما يجعل الزيارة وغيرها من التحركات الخارجية لإيران وفنزويلا وغيرها من الدول المعادية للولايات المتحدة مرتبطة إلى حد كبير بالتوجهات والخيارات التي تتبناها الدول الكبرى".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فنزويلا أمريكا اللاتينية مادورو أعداء أمريكا جولة رئيسي إبراهيم رئيسي

إيران توقع 35 مذكرة واتفاقية مع فنزويلا وكوبا ونيكارجوا