تداعياتها كارثية على السودان ودول الجوار.. الحرب الأهلية تلوح في الأفق

الخميس 15 يونيو 2023 09:06 م

"معطيات وتطورات الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، ترجح احتمال استمرار هذه الحرب لفترة زمنية طويلة، وقد تتحول إلى حرب أهلية شاملة في حال تمددت جغرافياً لتشمل ولايات أخرى، وانخرطت فيها قوى قبلية وعرقية وحركات مسلحة، وتدخلت فيها أطراف خارجية، إقليمية ودولية، حسب أجنداتها ومصالحها".

هكذا يخلص تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لافتا إلى أن الحرب "تعيد للأذهان إرث الحروب الداخلية في السودان، حيث استمرت لسنوات وربما لعقود".

ويحذر التحليل من أن لهذا "السيناريو تداعياته الكارثية، ليس على الدولة والمجتمع في السودان فحسب، بل على الصعيد الإقليمي"، مشيرا إلى أن "تفكك الدولة السودانية، وغياب السلطة المركزية، وعسكرة المجتمع، وتمدد الفاعلين المسلحين من غير الدول، كل ذلك وغيره سوف يلقي بتأثيراته على دول جوار السودان، لاسيما وأن معظمهما يعاني من أوضاع داخلية هشة".

ويقول التحليل إنه في إطار استمرار الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ونظراً لعدم قدرة أي من الطرفين على حسم الحرب لصالحه حتى الآن، فقد باتت هذه الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وبخاصة في ظل ما يكتنف الموقف العسكري على الأرض من غموض.

ومن غير المعروف على وجه الدقة من يسيطر على ماذا، وبخاصة في ظل التضارب الشديد في البيانات والتصريحات الصادرة عن الجانبين، وصعوبة التحقق من صحتها بالاستناد إلى مصادر مستقلة.

وتجري الحرب هذه المرة بين أكبر قوتين عسكريتين في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع، حيث كانا يشكلان معاً جناحي المكون العسكري.

ونظراً للإمكانيات والقدرات العسكرية التي يمتلكها كل طرف، فإن هذا يعزز من احتمال استمرار الحرب لفترة زمنية أطول، الأمر الذي يجعل تداعياتها كارثية على الدولة والمجتمع.

كما تجري الحرب للمرة الأولى داخل العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وبعض المدن الأخرى، فيما جرت الحروب التي شهدها السودان في السابق في الأطراف والمناطق الريفية سواء في الجنوب أو دارفور أو شرق السودان.

ونظراً لأن العاصمة بمدنها الثلاث هي مركز السلطة والحكم، حيث توجد مقار الأجهزة والسلطات الرسمية، والمقار الرئيسية للشركات والبنوك، ومعظم المصانع الكبرى، ومقار البعثات الدبلوماسية، فإن اندلاع حرب داخل العاصمة المأهولة بالسكان يفضي إلى نتائج كارثية من حيث أعداد القتلى والجرحى، وحجم التدمير في البنى والهياكل التحتية والممتلكات العامة والخاصة، فضلاً عن إصابة الدولة بحالة من الشلل، وعزلها عن العالم الخارجي.

وحسب التحليل، وبغض النظر عن الأسباب المباشرة للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أن هذه الحرب لا يمكن فهمها بمعزل عن جملة من التحديات والإشكاليات الكبرى التي عانى ويعاني منها السودان في مرحلة ما بعد الاستقلال، ومن أبرزها، تعثر عملية بناء الدولة الوطنية الحديثة.

يُضاف إلى ذلك كثرة الانقسامات في صفوف النخب السياسية، وعجزها المزمن عن بناء حد أدنى من التوافق الوطني، فضلاً عن عمق الاختلافات والتناقضات بين المركز والهوامش أو الأطراف.

وعادة الحروب الداخلية، استدعاء التدخلات الخارجية سواء من قبل دول أو فاعلين مسلحين من غير الدول، وهو ما يرجح تكراره لصالح هذا الطرف أو ذاك، حسب أجندات ومصالح الأطراف المتدخلة، مما يغذي استمرار الحرب.

أربعة سيناريوهات

وأمام ذلك، ومع أخذ الملاحظات السابقة في الاعتبار، فإن هناك أربعة سيناريوهات لمستقبل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويبدو السيناريو الأول، وهو حسم الحرب لصالح أحد الطرفين، ضعيف الاحتمال، حيث لم يستطع أي طرف تحقيق نصر حاسم حتى الآن، ولا يبدو أن أياً منهما يمتلك المقدرة على تحقيق ذلك خلال المستقبل المنظور.

والسبب الرئيسي وفق التحليل، وراء ذلك هو طبيعة وخصوصية ميزان القوة بين طرفي الحرب، مما يمكنهما من مواصلة القتال لفترة أطول.

فإذا كان الجيش يمتلك التفوق من حيث سلاح الطيران والمدفعية وغير ذلك من الأسلحة الثقيلة، فإن قوات الدعم السريع تمتلك القدرة على المناورة وسرعة الحركة اعتماداً على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

كما أن مسرح العمليات متمثلاً بالأساس في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث وإقليم دارفور يجعل القدرة على إنهاء الحرب لصالح هذا الطرف أو ذاك أكثر صعوبة وتعقيداً.

ولكن حتى بافتراض تمكن الجيش خلال فترة زمنية معينة من فرض نوع من السيطرة على العاصمة الخرطوم، فإن ذلك لا يعني نهاية الحرب، حيث تستطيع قوات الدعم السريع مواصلة حرب عصابات داخل العاصمة من خلال مجموعات صغيرة، فضلاً عن فتح جبهات أخرى للمواجهة مع الجيش، وبخاصة في إقليم دارفور، حيث تتمركز القبائل التي ينتمي إليها الكثير من أفراد قوات الدعم السريع.

أما السيناريو الثاني، والذي يفضي إلى قبول الطرفين بوقف دائم لإطلاق النار والدخول في مفاوضات تفضي إلى حل سياسي، فهو ضعيف الاحتمال أيضاً، وذلك لعدم توفر شروط تحقيقه على أرض الواقع، وفي مقدمتها اقتناع كل من الطرفين بصعوبة الانتصار في هذه المواجهة، ومن ثم لا بديل سوى التفاوض، ووجود ضغوط دولية حقيقية تجبرهما على وقف القتال والقبول بمفاوضات جادة لإنهاء الحرب.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عوامل أخرى تجعل هذا السيناريو غير مرجح، منها، أن الطرفين أوغلا في المواجهة، وتبادلا اتهامات حادة، وأصبحت الحرب بينهما مباراة صفرية. ويحاول كل طرف على الأقل تحقيق إنجاز عسكري ملموس يعزز موقفه التفاوضي في حال الاضطرار إلى التفاوض من أجل إنهاء الحرب.

ومما يشير إلى ضعف احتمال هذا السيناريو هو عدم التزام الطرفين باتفاقات الهدنة العديدة التي وافقا عليها، حيث راح كل طرف يتهم الطرف الآخر بخرق هذه الهدن، مما يؤكد على عدم استعدادهما للدخول في مفاوضات سياسية جادة تضع نهاية للحرب، حيث باتت الحرب في نظرهما بمثابة صراع مصيري.

أما السيناريو الثالث، فهو استمرار الحرب بشكل متقطع خلال الأجل القصير، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً خلال الأجل القصير، وبخاصة في ظل استمرار غياب العوامل التي تجبر الطرفين على القبول بوقف دائم لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي شامل، فضلاً عن عدم قدرة أي منهما على تحقيق نصر حاسم يضع نهاية للحرب.

ووفقاً لهذا السيناريو، سوف تظل الحرب محصورة بدرجة كبيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأنها سوف تظل متمركزة بالأساس في العاصمة بمدنها الثلاث، وعدد من المدن الأخرى، وبخاصة في إقليم دارفور.

وفي ظل هذا السيناريو، فإنه من المرجح أن يصبح العنف أقل حدة، وبخاصة في حالة إنهاك قوات الطرفين، وتقلص الموارد والإمكانيات اللازمة للحرب لدى كل منهما.

كما أنه من غير المستبعد أن تتدخل أطراف خارجية لتقديم دعم عسكري لهذا الطرف أو ذاك، حسب أولوياتها ومصالحها، مما يغذي استمرار الحرب.

ولكن في دولة مثل السودان، بتركيبتها القبلية والعرقية والجهوية المعقدة، ومع وجود عدد من الحركات المسلحة على أراضيها، فإنه من غير المرجح أن تظل الحرب محصورة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومتمركزة في العاصمة بمدنها الثلاث، حيث إنها يمكن أن تنحدر إلى السيناريو الأسوأ أو بالأحرى الكارثي، وهو سيناريو الحرب الأهلية الشاملة.

أما السيناريو الرابع، فهو الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة، وذلك إذا استمرت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع لفترة طويلة نسبياً، وبخاصة في ظل عمق الانقسامات الرأسية في المجتمع السوداني من ناحية، وإرث الحروب الأهلية الممتدة التي شهدتها البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي لاتزال تداعيات بعضها تتواصل حتى الآن، من ناحية أخرى.

ويقوم هذا السيناريو على عدة عناصر، منها: غياب سلطة مركزية مدنية، حيث لا توجد حكومة في السودان منذ الانقلاب الذي قاده البرهان ضد المكون المدني في السلطة الانتقالية متمثلاً في حكومة عبدالله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وانشغال مجلس السيادة الانتقالي بالحرب مع قوات الدعم السريع، فضلاً عن تصدع أجهزة الدولة ومؤسساتها بسبب حالة الحرب، وما يترتب عليها من فوضى وانعدام أمن.

كما ينطوي هذا السيناريو على نقل المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى ولايات ومدن أخرى، وتدخل قوى قبلية وعرقية وميليشيات مسلحة وتنظيمات سياسية لدعم هذا الطرف أو ذاك.

كما أن حالة الانفلات الأمني قد تدفع قوى قبلية وعرقية للانخراط في مواجهات مسلحة على غرار ما حدث في إقليم دارفور.

يُضاف إلى ذلك، أن حركات التمرد المسلحة، والتي كان من المتوقع دمج العديد منها في الجيش السوداني، قد تنشط من جديد، وقد يتمكن بعضها من فرض سيطرته على بعض مناطق السودان، خاصة أن القوتين اللتين كانتا تتعاونان لمواجهة هذه الحركات (الجيش وقوات الدعم السريع) قد تحولا إلى عدوين لدودين، وانخرطا في حرب استنزاف، يُرجح أن تكون طويلة.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن اتساع نطاق الحرب سوف يسمح لقوى خارجية بالتدخل من خلال دعم هذا الطرف أو ذاك وفق مصالحها وأجنداتها، مما يغذي من استمرار الحرب.

ويُعد هذا السيناريو كارثياً بالنسبة للسودان، حيث سيفضي إلى حالة من الفوضى قد تقود إلى تصدع الدولة وتمزقها على غرار ما حدث في الصومال وليبيا واليمن، حيث ينعدم وجود السلطة المركزية، وتصبح أجزاء من إقليم الدولة تحت سيطرة مليشيات وحركات مسلحة.

كما سيترتب على هذا السيناريو تفاقم الوضع الإنساني بسبب حجم الدمار والخراب في البنية التحتية، مما سيترتب عليه تصاعد عمليات النزوح الجماعي، والتهجير القسري، وربما تحدث مذابح على أسس عرقية، فضلاً عن تحويل البلاد إلى ساحة للاستقطاب الإقليمي والدولي.

كما سيكون لهذا الوضع تداعياته السلبية الخطيرة على الصعيد الإقليمي، وبخاصة دول جوار السودان. وقد عبر عن هذه المعاني حمدوك بقوله: "إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة".

ويختتم التحليل بالقول: "هل يمكن تفادي هذا السيناريو الكارثي؟.. هذا هو التحدي الحقيقي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان الحرب في السودان حرب أهلية حميدتي البرهان

اتهمتها بتبني مواقف الدعم السريع.. الخارجية السودانية ترفض وساطة كينيا

مدتها 3 أيام.. أنباء عن موافقة طرفي الصراع في السودان على هدنة جديدة

مقتل 17 شخصا في ضربة جوية جنوب الخرطوم.. وانقطاع الإنترنت عن دارفور