تحليل: نفوذ الصين المتصاعد بالسعودية ينذر بخطرين أمنيين

الأربعاء 21 يونيو 2023 08:40 م

سلط الباحث الاقتصادي والكاتب، سايمون واتكنز، الضوء على اتفاقيات النفط والغاز الجديدة في السعودية، مشيرا إلى أنها توسع نفوذ الصين في المملكة، بما ينذر بخطرين أمنيين، أحدهما يتعلق بالوجود الصيني على الأرض في الخليج، والثاني بآفاق التعاون النووي بين الرياض وبكين.  

وذكر واتكنز، في مقال نشره بموقع "أويل برايس" وترجمه "الخليج الجديد"، أن العلاقات توطدت بين البلدين منذ اللحظة التي عرضت فيها الصين على ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، طريقة لحفظ ماء الوجه للخروج من كارثة الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية.

وأضاف أن السعودية كررت، في نهاية العام الماضي، التزامها تجاه الصين باعتبارها "الشريك والمورد الأكثر موثوقية للنفط الخام"، إلى جانب تأكيدات أوسع على دعمها المستمر في العديد من المجالات الأخرى.

 وأشار إلى أن أمين ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، علق في منتدى تنمية الصين السنوي، الذي استضافته بكين في مارس/آذار 2021، صرح بأن استمرار أمن احتياجات الطاقة في الصين لا يزال على رأس أولويات السعودية، "ليس فقط للسنوات الخمس المقبلة ولكن من أجل. الخمسين التالية وما بعدها" حسب قوله.

ويرى واتكنز أن هذه التصريحات تؤكد أن بن سلمان يرى الولايات المتحدة "شريكًا أمنيا" فقط بالنظام العالمي الجديد لسوق النفط، في حين يعتبر الصين شريكًا اقتصاديا رئيسيًا، إضافة إلى روسيا، باعتبارها شريكًا رئيسيا للمملكة في شؤون الطاقة.

ويلفت الباحث الاقتصادي إلى سلسلة من الالتزامات الجديدة، ظهرت الأسبوع الماضي، وتؤشر إلى استمرار السعودية في نهجها نحو الصين ومنها إعلان وزير الطاقة السعودي الأمير، عبدالعزيز بن سلمان، أن المملكة حريصة على زيادة التعاون مع الصين في تطوير علاقات الغاز، وكذلك العلاقات المتعلقة بالنفط الخام.

وستمتد علاقات التعاون تلك من تطوير الاحتياطيات إلى مشاريع البتروكيماويات الجديدة، وتتبع توقيع مذكرة تفاهم متعددة الجوانب بين أرامكو السعودية ومؤسسة البترول والكيماويات الصينية (سينوبك)، في أغسطس/آب الماضي.

 وقال رئيس "سينوبك"، يو باوكاي، آنذاك: "إن توقيع مذكرة التفاهم يقدم فصلًا جديدًا من شراكتنا في السعودية. ستتكاتف الشركتان في تجديد الحيوية وتسجيل نقاط جديدة في التقدم المحرز بمبادرة الحزام والطريق ورؤية السعودية 2030".

مركز تصنيع ضخم

وهنا يلفت واتكنز إلى أهمية خطط الصين طويلة الأجل في السعودية، والتي تشمل بناء مركز تصنيع ضخم في مجمع الملك سلمان للطاقة، ما يعني وجودا مستمرا على الأراضي السعودية لأعداد كبيرة من الموظفين الصينيين.

ولن ترتبط هذه الأنشطة مباشرة بالنفط والغاز والبتروكيماويات وأنشطة الهيدروكربونات الأخرى فحسب، بل ستشمل أيضًا "جيشًا صغيرًا من أفراد الأمن لضمان سلامة الاستثمارات الصينية" بحسب واتكنز.

وفي تلك المرحلة من العام الماضي، كانت أرامكو تمتلك بالفعل حصة 25% في مصفاة "فوجيان"، في جنوب الصين، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 280 ألف برميل يوميًا، من خلال مشروع مشترك مع شركة سينوبك (وشركة إكسون موبيل الأمريكية) ووافقت أيضًا في وقت سابق (عام 2018) على شراء حصة 9% في مصفاة ZPC الصينية.

وتم تأجيل العديد من المشاريع المشتركة الأخرى بين الصين والسعودية التي تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ بسبب مجموعة من العوامل في ذلك الوقت، بينها آثار جائحة كورونا، وجدول أرامكو لسداد توزيعات الأرباح، والقلق من كلا البلدين بشأن الكيفية التي قد تتفاعل بها واشنطن مع توطيد العلاقات بينهما، بحسب واتكنز.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن العلاقة المتنامية بين الصين والسعودية تضرب أساس العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن منذ عام 1945 في اجتماع عقد في 14 فبراير/شباط 1945 بين الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، والملك السعودي، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.

 وكانت الصفقة المتفق عليها آنذاك، أساس كل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حتى وقت قريب جدًا، وخلاصتها أن تتلقى الولايات المتحدة جميع إمدادات النفط التي تحتاجها، مقابل ضمان الولايات المتحدة لأمن آل سعود ومملكتهم.

ونجت هذه الصفقة التاريخية من أزمة النفط عام 1973، وبدا أنها قد تنجو من حرب أسعار النفط التي قادتها السعودية من 2014 إلى 2016، والتي كانت تهدف من قبل الرياض إلى تدمير، أو على الأقل تعطيل، صناعة النفط الصخري الأمريكية الوليدة آنذاك، حسبما يرى واتكنز.

موت صفقة 1945

غير أن الموت الحقيقي للصفقة الأمريكية السعودية كان في نهاية عام 2016 عندما دعمت روسيا السعودية وأوبك في صفقات إنتاج النفط المستقبلية، حسبما يرى واتكنز.

وأشار إلى أن النائب الأول لرئيس قسم التكرير والمعالجة في أرامكو السعودية، محمد يوسف القحطاني، أعلن عن إنشاء "متجر شامل'' لشركته في شاندونغ الصينية، قبل توقيع مذكرة تفاهم واسعة النطاق، في أغسطس/آب 2022، تمهيدًا لاتفاقيات الأسبوع الماضي.

وقال القحطاني آنذاك إن "أزمة الطاقة المستمرة [الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022]، هي نتيجة مباشرة لخطط الانتقال الدولية الهشة التي تجاهلت بشكل تعسفي أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف للجميع".

وأضاف: "يحتاج العالم إلى تفكير واضح في مثل هذه القضايا - ولهذا السبب نحن معجبون بشدة بالخطة الخمسية الرابعة 10 للصين لإعطاء الأولوية لأمن الطاقة واستقرارها، والاعتراف بدورها الحاسم في التنمية الاقتصادية".

ويعلق واتكنز بأن السعودية لا تزال غير قادرة على إنتاج ما يقرب من 13 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، لكن "التعاون الوثيق بين أرامكو والصين سيعني أن المملكة تستثمر بكثافة في بناء مخزون كبير" حسب تعبيره.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن أحد الجوانب الرئيسية للاتفاقيات التي أبرمتها الدول الناشئة مع الصين يتمثل في أن الأخيرة تميل إلى إظهار زحف كبير لبكين في إبرام الصفقات، وبناء المنشآت الرئيسية في البلدان المستهدفة، ما يسمح لبكين بوضع أعداد كبيرة من عمالها على أراضي تلك الدول، بما في ذلك أولئك الذين تم تعيينهم كموظفين أمنيين.

وفي هذا الإطار، يشير واتكنز إلى أن مؤشرات تحد أمني آخر قد يواجه الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الرئيس الصيني حدد "مجالين من المجالات ذات الأولوية" يعتقد أنه يجب معالجتهما في أسرع وقت ممكن، الأول هو الانتقال إلى استخدام اليوان الصيني في صفقات النفط والغاز المبرمة بين دول جامعة الدول العربية والصين، والثاني إدخال التكنولوجيا النووية إلى الدول المستهدفة، بداية من السعودية.

وفي السابق، كانت السعودية تجري محادثات للحصول على التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة، وفي عام 2019 أعلن وزير الطاقة الأمريكي آنذاك، ريك بيري، أن المملكة أبلغت الولايات المتحدة بأنها تريد المضي قدمًا في برنامج نووي كامل الدورة، بما في ذلك إنتاج وتخصيب اليورانيوم للوقود الذري.

 وأوضحت الولايات المتحدة أنه لكي تشارك الشركات الأمريكية في مشروع السعودية، ستحتاج الرياض إلى توقيع اتفاق بشأن الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية مع واشنطن، والالتزام ببروتوكول "1-2-3" الأمريكي، يهدف إلى الحد من تخصيب اليورانيوم لأغراض الأسلحة.

ويشير واتكنز إلى أن الصين لا تشترط الاشتراطات الأمريكية على السعودية، ما دفع وزير الطاقة السعودي للتصريح، الأسبوع الماضي، قائلا: " ندرك حقيقة اليوم، وهي أن الصين أخذت زمام المبادرة وستستمر في أخذ زمام المبادرة [...] ليس علينا التنافس مع الصين، علينا التعاون مع الصين".

((3))

المصدر | سايمون واتكنز/أويل برايس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الصين بكين الرياض النفط الغاز التكنولوجيا النووية

بين أمريكا وروسيا والصين.. استطلاع يكشف القوة العظمى الأكثر شعبية وسط الشباب العربي

وفد سعودي كبير يحضر منتدى دافوس الصيفي في الصين

برفقة وزير الاتصالات.. وفد اقتصادي سعودي يصل الصين لتعزيز الشراكة

بوفد رسمي يترأسه وزراء.. السعودية تتجه لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين