كيف سيؤثر وزير الخارجية التركي الجديد على سياسة أنقرة تجاه العراق؟

السبت 24 يونيو 2023 09:07 م

يتناول مقال الكاتب محمد آلاجا في "معهد دول الخليج العربي في واشنطن" دور وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان في تشكيل سياسة بلاده تجاه العراق، بعدما قاد منظمة الاستخبارات الوطنية التركية لمدة 13 عامًا قبل أن يتم تعيينه وزيرا للخارجية.

ويشير المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد" أن فيدان كان أحد مهندسي السياسة في تركيا، وكان له دور في انخراط تركيا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وكاراباخ في العقد الماضي.

ويضيف أنه في ضوء الزيادة الأخيرة في العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، وكذلك اتصالات فيدان مع الجهات الفاعلة السياسية الكردية ودوره الرئيسي في التعامل مع ملف العراق، يمكن أن يؤدي تعيينه إلى تحول سياسة تركيا في العراق.

حزب العمال الكردستاني

تقلبت علاقات تركيا مع العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003. في البداية، تابعت أنقرة سياسة الاستفادة من التنافس بين بغداد وإربيل. ومع ذلك، منذ استفتاء الاستقلال في سبتمبر/أيلول 2017 في منطقة كردستان، عملت تركيا مع كل من بغداد وإربيل بطريقة تكميلية بدلا من اللعب مع كل منهما بشكل منفصل.

لدى أنقرة وبغداد إذن علاقة استراتيجية حاسمة، لكن القضايا التي لم يتم حلها أبقتهما على خلاف، وعلى رأس هذه القضايا العمليات العسكرية التركية لمكافحة حزب العمال الكردستاني وبؤره العسكرية في العراق.

بعد حرب استمرت 40 عاما، بدأت تركيا منذ عام 2016 في توسيع أنشطتها العسكرية ضد حزب العمال في شمال العراق. وفي شهر أبريل/ نيسان، استهدف طيران تركي قافلة تضم 3 أفراد عسكريين أمريكيين ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة، بالقرب من مطار السليمانية.

وقد ندد العديد من المسؤولين العراقيين بعمليات تركيا العسكرية باعتبارها انتهاكات غير مرغوب فيها لسيادة العراق.

ورغم ذلك، ووفقا للمقال، تفضل أنقرة الوضع الراهن بين أربيل وبغداد وتعارض الاستقلال الكردي، وتدعم التوازن بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في المنطقة، الحزب الديمقراطي الكردستاني في إربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية.

وتتمتع تركيا بعلاقات قوية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن علاقاتها توترت مؤخرا بشكل خطير مع الاتحاد الوطني بسبب علاقته المزعومة مع حزب  العمال الكردستاني.

ومع صعود فيدان إلى رأس الدبلوماسية التركية، وهو كردي ويقال إنه لديه اتصالات وثيقة مع الجهات الفاعلة السياسية الكردية في العراق، فمن المتوقع أن يحافظ على علاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي، ومن المرجح أن يستمر ضغط تركيا على حزب الاتحاد الوطني.

ووفقا لوسائل إعلام، بعد فترة وجيزة من الهجوم على مطار السليمانية، قيل إن فيدان استضاف قباد طالباني، نائب رئيس وزراء الحكومة الإقليمية في كردستان وعضو حزب الاتحاد الوطني، في أنقرة، حيث أعرب عن انزعاج تركيا من "علاقات حزبه مع حزب العمال وقوات سوريا الديمقراطية". وأشار فيدان إلى أنهم إذا اتخذوا خطوات لإبعاد أنفسهم عن هذه الجهات فقد يكون من الأسهل على أنقرة المشاركة علنًا في العلاقة الدبلوماسية معهم.

وتطالب أنقرة الاتحاد الوطني (وكذلك بغداد) بمعالجة قضية حزب العمال الكردستاني بنفس التصميم الذي يظهره الحزب الديمقراطي الكردستاني.

بصفته وزيرا للخارجية، من المرجح أن يرتدي فيدان قبعاته الاستخباراتية والدبلوماسية، ويدمج السياسة الأمنية في مبادرات تركيا الدبلوماسية، بينما يعمل على مواصلة ممارسة الضغط على حزب العمال.

دور السنة

وفقا للمقال، تقدر تركيا علاقاتها مع السنة في العراق النابعة من الروابط التاريخية والأيديولوجية. وقد دفع هذا تركيا إلى العمل على إعادة دمج السنة في السياسة العراقية بعد الإطاحة بصدام حسين، وذلك بالرغم من نفوذ أنقرة المحدود في العراق في السنوات الأولى بعد الغزو الأمريكي، لا سيما مع هيمنة الجهات الفاعلة الشيعية.

ويرى الكاتب أنه بالنظر للديناميكيات السياسية العراقية الحالية، تعتبر علاقات تركيا مع الحكومة التي يقودها الشيعة برئاسة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني صحية إلى حد بعيد.

وتركز أنقرة جهودها على الجمع بين الأطراف السياسية السنية غير المنظمة في العراق بعد الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2021، والتي أعقبها صراع طويل لتشكيل الحكومة.

وقد نظم فيدان اجتماعات عديدة بين أردوغان والسياسيين السنة المتنافسين محمد الحلبوسي وخميس الخنجر في عامي 2021 و2022. وكان ظهور فيدان في صورة مشتركة مع القادة السنة العراقيين بعد اجتماع في فبراير/شباط 2022، إشارة إلى هذا التشاور الوثيق.

وتدرك أنقرة أن حكومة عراقية تتكون من أحزاب موالية لإيران يمكن أن تجبر السنة على الانحياز بشكل أوثق إلى طهران، وهو احتمال واقعي بالنظر إلى براغماتية الحلبوسي والخنجر وعلاقاتهما الوثيقة مع الجماعات الموالية لإيران.

لهذا السبب، من شبه المؤكد أن فيدان سيواصل دبلوماسيته الخلفية لدمج السنة في السياسة العراقية. وبالرغم من أن أنقرة ترفض التصور القائل بأنها تدعم السياسيين السنة في العراق، فقد كان هذا هو الحال في الممارسة العملية، ومن المرجح أن تواصل أنقرة هذه الجهود وتشجع استمرار الاتصال بين الأكراد الذين يغلب عليهم السنة وبين العرب السنة.

الملف التركماني

لطالما اتبعت تركيا سياسة لحماية حقوق التركمان العراقيين، تتمحور حول دعم الجبهة التركمانية العراقية، وهي ائتلاف سياسي تركماني. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تكون هذه الاستراتيجية كافية.

وتقدر تركيا أعداد التركمان في العراق بمليوني شخص نصفهم من السنة والنصف الآخر من الشعية.

ومنذ مارس/آذار 2021، يخوض الزعيم السابق للجبهة التركمانية العراقية، أرشد الصالحي، وخليفته حسن توران، صراعًا قياديًا يؤكد هشاشة السياسة التركمانية العراقية.

ومع القتال ضد تنظيم الدولة، أصبح الانقسام السني الشيعي في صفوف التركمان أكثر وضوحًا. وبينما أصبح التركمان الشيعة أقرب إلى الجماعات الموالية لإيران، هناك تصور بأن تركيا تعطي الأولوية للتركمان السنة.

وفي هذا السياق يرى المقال أنه تمت قراءة ظهور فيدان في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مع الجبهة التركمانية العراقية في أربيل بمثابة دعنم واضح لتوران، الذي يعتقد البعض أنه متحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو تصور يؤثر سلبًا على علاقات تركيا مع التركمان الشيعة.

و من غير الواضح ما إذا كانت سياسة أنقرة تجاه التركمان ستتغير مع قيادة فيدان لوزارة الخارجية. ومع ذلك، إذا لم تغير تركيا التصور القائل بأن انخراطها في السياسة التركمانية يتركز على الجبهة التركمانية العراقية والسنة، فإن أزمتها في السياسة التركمانية ستزداد سوءًا.

 العلاقات الاقتصادية

كانت الأولويات المعلنة منذ فترة طويلة لسياسة تركيا تجاه العراق هي الأمن وسلامة أراضي العراق والعلاقات الاقتصادية. فيما يتعلق بالأخيرة، مع حجم تجارة تجاوز 20 مليار دولار في عام 2022، يعد العراق وتركيا شريكين تجاريين رئيسيين.

ونتيجة لذلك، تسعى إلى أنقرة إلى فصل العلاقات الاقتصادية عن القضايا السياسية والأمنية المتوترة في علاقاتها مع العراق.

للمضي قدمًا، فإن استكمال مشروع "طريق التنمية" الضخم (المعروف أيضًا باسم "القناة الجافة") - وهو طريق سريع وخط سكة حديد من مدينة البصرة جنوب العراق إلى تركيا - سيكون مجالًا مهمًا للغاية للتعاون التركي العراقي.

ويرى المقال  أن المشروع سيكون مركزًا للنقل بين آسيا وأوروبا، مع تأكيد أردوغان أن المشروع الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار لديه القدرة على أن يكون "طريق الحرير الجديد للمنطقة".

وبعد توليه منصب وزير الخارجية، قال فيدان إنه يهدف إلى "تطوير" "رؤية السياسة الخارجية الوطنية" لتركيا.

ويعتقد المقال أنه من غير المرجح حدوث تغييرات كبيرة في الديناميات الأساسية للعلاقات التركية العراقية خلال فترة فيدان، لكنه قد يُحدث نقلة نوعية فيما يتعلق بالمنهج من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على سياسة خارجية ذات توجه أمني ضمن الإطار الدبلوماسي.

ومع ذلك، نظرًا للأزمة الاقتصادية المتصاعدة في تركيا، فمن المرجح أن تعطي أنقرة الأولوية لاقتصادها قبل كل شيء وتضمن ألا تؤدي أي تغييرات في سياستها إلى تقويض العلاقات الاقتصادية مع العراق.

المصدر | محمد ألاجا / معهد دول الخليج العربية - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا العراق فيدان حزب العمال

التعاون التركي العراقي.. ملفات متعددة وتحديات صعبة