التعاون التركي العراقي.. ملفات متعددة وتحديات صعبة

الأحد 3 سبتمبر 2023 07:04 ص

شهد الأسبوع الماضي موجة من النشاط الدبلوماسي بين تركيا والعراق، حيث كانت الأولويات القصوى في المحادثات التي جرت في أربيل وأنقرة وبغداد في وقت واحد تقريبا، هي صادرات النفط، ووجود حزب العمال الكردستاني في العراق، وأزمة المياه في العراق.

ويتناول مقال عمر النداوي في "معهد الشرق الأوسط"، وترجمه "الخليج الجديد"، الزيارات التي قام بها وزيرا الخارجية والطاقة في أنقرة إلى العراق، ووزير النفط العراقي إلى تركيا، كتحضيرات لزيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، والتي تعتقد مصادر عراقية أنها قد تتم في سبتمبر/أيلول، للاتفاق على طريقة للمضي قدماً في هذه القضايا الشائكة.

ووفقا للمقال، كانت النتائج متواضعة، حيث لم تقدم البيانات العامة أي أفكار جديدة، ولم تعد أكثر من مجرد تكرار لمواقف ومطالب وتعبيرات عن الأمل، لكن هناك فرصة للعراق لتغيير الأمور وتحسين موقفه التفاوضي، على الأقل فيما يتعلق بقضية تصدير النفط، وربما أكثر.

ويشير المقال إلى عدة نقاط أولها، سعي بغداد وأربيل إلى استئناف صادرات النفط من كركوك وإقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي-التركي، والمتوقفة منذ مارس/آذار، عندما فاز العراق بقضية تحكيم في غرفة التجارة الدولية ضد تركيا، بعدم السماح بالصادرات الأحادية الجانب من إقليم كردستان دون موافقة بغداد.

وقد كلف فقدان 450 ألف برميل يوميا من الصادرات لمدة 5 أشهر، بغداد وأربيل نحو 5 مليارات دولار من إجمالي الإيرادات غير المحققة.

ويعد تسييل هذا النفط ضروري لتنفيذ ميزانية العراق لعام 2023 البالغة 150 مليار دولار والسيطرة على العجز الهائل البالغ 48 مليار دولار.

أما خسائر تركيا المباشرة فهي أقل، إذ تتراوح قيمتها بين 2 مليون إلى 3 ملايين دولار يومياً من رسوم عبور النفط، مما يضع جانباً الفرصة الضائعة المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.

أما بالنسبة للعراق، فالأمر الآخر هو الماء، حيث تشهد البلاد عاماً جافاً آخر شهد اختفاء البحيرات والأهوار، مع تضاؤل حجم المياه المتدفقة أسفل نهري دجلة والفرات من جارتي المنبع تركيا وإيران، مما أجبر العراق على اتخاذ تدابير يائسة، مثل تركيب مضخات جديدة لاستخراج المياه من المساحة الميتة في الخزانات على طول النهرين.

ويقول المقال إن الوضع مأساوي بشكل خاص مع الروافد التي تنبع من إيران، مثل الزاب الصغير، الذي منعت إيران مياهه لأسابيع، ومع نهر الفرات، الذي يقول مسؤولو المياه العراقيون إنه يجف حاليا قبل أن يتمكن من الالتقاء بنهر دجلة عند نقطة التقاءهما بالقرب من نهر دجلة في البصرة.

وفي يوليو/تموز، أفادت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في العراق، بأن عمق نهر الفرات بلغ 56 سم فقط في الناصرية، مما تسبب في جفاف 90% من الأهوار القريبة.

أما المسألة الثالثة التي يدرجها المقال فهي الأمن، وخاصة وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية الممتدة من السليمانية ومخمور شرقاً، إلى جبال قنديل الوعرة في الشمال، وصولاً إلى سنجار بالقرب من الحدود السورية غرباً.

وقد شنت تركيا العديد من الضربات الجوية لإضعاف حزب العمال الكردستاني داخل العراق، وتصر على أنه يتعين على بغداد أو أربيل اتخاذ إجراءات لإنهاء "فيروس" حزب العمال الكردستاني الذي ينتشر، من وجهة نظر أنقرة، على طول مئات الأميال من حدودها الجنوبية. ولدى العراق مشاكله الخاصة مع حزب العمال الكردستاني، الذي اجتذب وجوده ووجود الجماعات التابعة له عملاً عسكريًا تركيًا ثقيلًا وزعزعة استقرار منطقة سنجار التي مزقتها الحرب في محافظة نينوى الغربية.

وفيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، كرر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الحجة القائلة بأن وجود حزب العمال الكردستاني يجب أن ينتهي، سواء بتعاون بغداد أو أربيل.

والمشكلة هي أنه لا توجد قوة أو إرادة سياسية للتحرك بشكل حاسم.

وتتعقد قدرتهم على التحرك بسبب التكلفة المادية والسياسية وصعوبة القتال، وبسبب حقيقة أن المنتسبين إلى حزب العمال الكردستاني، وخاصة وحدات مقاومة سنجار، يتمتعون بدعم محلي قوي في سنجار، حيث يتواجدون في سنجار، ويُنظر إليهم على أنهم مدافعون شرعيون عن مجتمع الأقلية اليزيدية المصابة بالصدمة.

ويشير المقال إلى أن الأحزاب الحاكمة في أربيل لا تنظر إلى حزب العمال الكردستاني بعين واحدة.

وبينما يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل حزب العمال الكردستاني عدواً، كان الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية متعاطفاً، إن لم يكن داعماً.

وهناك أيضًا أدلة على تزايد التعاون بين وحدات مقاومة سنجار والفصائل القوية المدعومة من إيران في قوات الحشد الشعبي، والتي دعمت الهجمات ضد القوات التركية في العراق.

ومن غير المستغرب أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لم يستطع أن يفعل أكثر من إخبار مبعوث أنقرة بأن حكومته مستعدة للتعاون مع تركيا لمنع الهجمات التي تنطلق من أراضيها، في إشارة إلى تصرفات حزب العمال الكردستاني.

لكنه دعا تركيا إلى تجنب القيام بعمليات عسكرية أحادية الجانب. الإجراء الذي كان محرجًا لكل من بغداد وأربيل.

ووفقا للمقال، كان التقدم مخيبا للآمال فيما يتعلق بالمياه أيضا، حيث احتفل السوداني بالاتفاقية الجديدة لتشكيل لجنة مشتركة للمياه.

وهذا الترتيب أقل كثيراً من أن يتناسب مع حجم الأزمة البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تتكشف الآن.

ولم يقتصر الأمر على أن أنقرة لم تتوقف عن تقديم أي التزامات بإطلاق المزيد من المياه لإنقاذ المجتمعات التي تعتمد على نهر الفرات، حيث تقول المنظمة الدولية للهجرة إن ثلث النازحين العراقيين البالغ عددهم 85 ألف نازح بسبب ندرة المياه يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر.

لكن في الواقع، فإن تشكيل مثل هذه اللجنة هو مجرد إعادة صياغة لاتفاق تم التوصل إليه في عام 2021 في عهد إدارة الكاظمي.

وفيما يتعلق بالنفط، حيث تسيطر أنقرة على المفتاح، فإن المحادثات الأخيرة لم تسفر عن اتفاق.

ولا يمكن للمماطلة التركية أن تكون أكثر شفافية، وفق المقال، الذي ينقل عن مسؤولين أتراك قولهم إنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت لفحص خط الأنابيب وصهاريج التخزين في ميناء جيهان على البحر المتوسط بحثًا عن الأضرار الناجمة عن زلزال 6 فبراير/شباط.

ويعلق بالمقال بالقول: "هذا أمر يصعب تصديقه بالنظر إلى أن تدفق النفط استمر لمدة 46 يومًا بعد الزلزال، وتوقف في 25 مارس/آذار بعد ساعات من إصدار المحكمة الجنائية الدولية حكمها لصالح العراق".

ووفقا للكاتب من المؤكد أن ذلك لم يكن من قبيل الصدفة.

وبدلاً من ذلك، تستخدم تركيا خط أنابيب العراق كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات بشأن التعاون النفطي والأمني من أربيل وبغداد.

وقال مسؤول نفط عراقي مطلع على المحادثات لرويترز إن "التوصل إلى اتفاق قريبا ليس بالمهمة السهلة ولدينا الكثير من القضايا الشائكة، ووتركيا لديها مطالب وشروط تتطلب مزيدا من المحادثات".

تقول التقارير في العراق إنه بالإضافة إلى تخفيض مبلغ التعويضات التي يجب أن تدفعها (التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية بمبلغ 1.5 مليار دولار)، قدمت تركيا مطالب صعبة أخرى، بما في ذلك تخفيضات كبيرة على النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدها، وزيادة رسوم نقل النفط إلى 7 دولارات لكل برميل (مقارنة بحد أقصى قدره 1.18 دولار أمريكي لكل معاهدة خطوط الأنابيب الحالية، كما تم تجديدها في عام 2010، وتعويض تكاليف صيانة خطوط الأنابيب.

ومن المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط العراقية (سواء الحكومة الفيدرالية أو حكومة إقليم كردستان) قد أعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل بحيث تريد بغداد، لأول مرة منذ فترة طويلة، أن يصل نفط أربيل إلى الأسواق الدولية بقدر ما تريد أربيل.

ومع تعرض المصالح المتبادلة للخطر، وفي ضوء التقارب الأخير في مواقفهما بشأن إدارة الموارد النفطية، والذي انعكس في موافقة أربيل في أبريل/نيسان على السماح لشركة تسويق النفط الحكومية العراقية (سومو) بالتعامل مع صادراتها النفطية، يمكن لأربيل وبغداد أن يحولا مسارهما.

ويعتقد الكاتب أنه مع اتخاذ خطوات فنية إضافية تماشيا مع الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في نيسان/أبريل، يمكن أن تكون بغداد وأربيل في موقف أقوى بكثير فيما يتعلق بالنفط مما تتصورانه حاليا.

والمفتاح هو تعظيم الاستفادة من النفط المنتج في كركوك وإقليم كردستان في قطاع المصب داخل العراق، أي المصافي، وبدرجة أقل محطات الطاقة.

ويشير الكاتب إلى أنه ينبغي لأي استراتيجية شاملة أن تنظر إلى النفط الخام باعتباره سلعة قابلة للاستبدال، حيث تتدفق البراميل إلى أي مكان يولد أعظم عائد اقتصادي.

وقد تتضمن هذه الإستراتيجية عدة تكتيكات: أولها، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لضمان استخدام الطاقة القصوى لمصافي كلك وبازيان ونينوى ودوكان في إقليم كردستان، والتي يمكنها معالجة ما يصل إلى 230 ألف برميل يومياً من النفط، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الإنتاج المحتجز لتلبية احتياجات السوق المحلية والطلب على الصعيد الوطني، وربما لتصدير فائض المنتجات المكررة.

أما ثاني هذه التكتيكات، فهو استخدام الشاحنات لنقل النفط المنتج في إقليم كردستان إلى المصافي و/أو محطات الطاقة في وسط وجنوب العراق.

ويمكن أن يحل هذا محل المواد الخام القادمة من الحقول الجنوبية للبلاد ويحرر المزيد من هذا النفط للتصدير.

وبخصوص تكلفة النقل، بافتراض على سبيل المثال رحلات طولها 240 ميلاً من كركوك إلى مصفاة كربلاء التي تم بناؤها حديثاً والتي تبلغ طاقتها 140 ألف برميل يومياً، ستكون أقل بكثير من مبلغ 7 دولارات الذي تطلبه تركيا.

وعلى سبيل المقارنة، تبلغ تكلفة نقل النفط الخام العراقي عبر الشاحنات الناقلة لمسافة 600 ميل من كركوك إلى مصافيها في الزرقاء، 6.80 دولارات للبرميل.

وثالثاً، ينبغي وفق المقال على المسؤولين في بغداد وأربيل النظر في التخطيط للمستقبل لضمان وجود البنية التحتية المناسبة للسماح بتدفق 150 ألف برميل إضافية من النفط المنتج في كردستان نحو مجمع بيجي، حيث تخضع مصفاة بهذه القدرة لإعادة الإعمار بهدف التشغيل قبل نهاية عام 2024.

ويمكن توقع بعض الآلام المتزايدة في الوقت الذي تحاول فيه أربيل وبغداد تحقيق المزيد من التكامل في قطاعي الطاقة لديهما، لكن الحكومتين لديهما القدرة على التكيف مع استمرار أنقرة في منع الصادرات، ويمكن أن تكون المكافأة جديرة بالاهتمام.

ويشير الكاتب أنه يمكن لبغداد وأربيل تحويل النفط من قضية تحتاج فيها إلى تعاون أنقرة إلى ورقة مساومة خاصة بهما.

كما يمكن تقديم النفط بسعر مخفض إلى تركيا إذا قامت الأخيرة بالمثل بشروط معقولة لاستخدام خط الأنابيب على المدى الطويل، وأظهرت المزيد من التعاون في معالجة أزمة المياه في العراق.

ويرى المقال أن هناك مكاسب يمكن أن تحققها تركيا أيضًا.

والآن بعد أن أصبحت أربيل وبغداد أقرب بكثير إلى أن تكونا على نفس الصفحة فيما يتعلق بإدارة الصادرات، فإن انخفاض حالة عدم اليقين يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الإنتاج من كركوك للحصول على المزيد من تدفق النفط عبر تركيا لجعل مشروع خط أنابيب العراق أكثر ربحية.

ويعتقد الكاتب أن تلبية احتياجات العراق الملحة من المياه تخلق ظروفاً أكثر ملاءمة لإشراك الشركات التركية في تحديث أنظمة الري في العراق، لصالح كلتا الدولتين المتشاطئتين. وقد تفكر بغداد أيضًا في إعطاء الضوء الأخضر لإحياء المخططات السابقة لبيع غاز كردستان إلى تركيا.

ويختم المقال بالقول إن قضية حزب العمال الكردستاني، في المستقبل المنظور قد تكون "مستعصية على الحل"، لكن هذا لا ينبغي أن يمنع الجارتين من إحراز تقدم في أماكن أخرى.. وينبغي على العراق وتركيا أن ينظرا إلى وفرة النفط والمياه على أنها فرصة للتكامل والاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع والاستغلال.

المصدر | عمر النداوي/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق تركيا إربيل المياه النفط

تركيا تعلن إعادة جاهزية خط أنابيب النفط مع العراق.. والتشغيل قريبا

مباحثات عسكرية تركية عراقية لتعزيز التعاون الثنائي