سياسة البلدوزر.. السيسي يبني مشروعاته على حساب منازل ومقابر المصريين

الأربعاء 28 يونيو 2023 09:09 م

منذ وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى السلطة قبل 10 سنوات، أعادت الجسور والطرق الجديدة، رسم معالم القاهرة التي شهدت حركة بناء لا تتوقف، تزيل ما يعترضها من أحياء سكنية أو مساحات خضراء، أو حتى مقابر تاريخية.

وبصدد ما يسميه بعض الخبراء "سياسة البلدوزر"، توضح الأستاذة بالجامعة الأمريكية في القاهرة داليا وهدان، أن السلطات "أسست شرعيتها" على المشروعات الكبرى "لإبهار الناس بحركة بناء كثيفة وسريعة".

وتطلب ذلك إخلاء مساحات في القاهرة، وهي ثاني أكبر عاصمة في أفريقيا، ويقطنها 20 مليون نسمة.

ومنذ 2020، أزيلت آلاف القبور في جبانة القاهرة التاريخية، التي تعد الأقدم في العالم الاسلامي، حتى أن "اليونسكو" أدرجتها على قائمتها للتراث العالمي.

ومخافة بعثرة رفات والدها، قررت سلمى نقل الكفن الذي يحوي عظامه من تلك الجبانة وسط القاهرة، إلى مكان آخر، مثل المئات غيرها، قبل تشييد طريق سريع ضخم يخترقها.

وهذه الشابة ذات الثلاثين عاما، التي فضلت التعريف عنها باسم مستعار وتعمل مديرة تسويق، تزور اليوم ضريح والدها في مقبرة تقع على بعد عشرات الكيلومترات من هناك.

لكن الجبانة شكلت أيضًا موئلًا لمئات من الأسر الفقيرة التي لجأت للعيش داخل أضرحتها المبنية بالطوب، ولكن مصيرها هي الأخرى كان الرحيل بعد أن امتهن أبناؤها على مدى أجيال مهنة دفن الموتى والاعتناء بالقبور.

من جانبه، يقول الباحث والمصمم العمراني، أحمد زعزع، إن أكثر من 200 ألف شخص دُمرت منازلهم خلال السنوات الماضية لإفساح المجال لمشروعات استثمارية أو طرق تربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهي مشروع عمراني ضخم بكلفة يقدرها مركز أبحاث "بوميد" بنحو 58 مليار دولار.

وفي حين يتحول وسط المدينة الى منطقة استثمارية، بنت الدولة آلاف المساكن في الأطراف، بيد أنه لم ينتقل سوى قسم من الأسر إلى هذه المساكن، بعد إخطارها وتعويضها عن طردها من منازلها في الأحياء القديمة.

وفي الجبانة التي تشبه المتاهة، تلقت بعض الأسر إخطارًا وإشعارًا بأنها ستحصل على تعويض، ولكن كثيرين علموا أن الضريح، الذي يقطنونه وبنته العائلة التي تملكه ودُفن فيه أبناؤها على مدى أجيال، سيهدم عندما رأوا علامة (X) مرسومة باللون الأحمر على واجهته.

واعترى داليا وهدان الذعر عندما رأت علامة الهدم على الضريح المواجه لضريح زوجها المتوفى حديثا، قائلة: "لست واثقة من أنني سأتحمل فكرة نقل جثمانه".

أما خالد، البالغ من العمر 26 عاما، وفضل كذلك استخدام اسم مستعار، فأوضح أنه يخشى منذ 3 سنوات أن يؤدي شق طريق جديد إلى اختفاء ضريح الأسرة المبني عام 1899، وهو كما يقول مثل كثير من الأضرحة الأخرى التي "لها قيمة معمارية كبيرة".

وأشار خالد إلى "حالة تخبط"، وقال إن التخطيط الذي رآه، إذا نُفذ، سيجعل الضريح على حافة الطريق، ولكن "حتى المسؤولين غير متأكدين" مما سيحدث.

وعدا عن ذلك، يقول بعض سكان الأحياء الفقيرة والشعبية، إنهم قد يرون على نحو مفاجئ موظفًا من المجلس البلدي يقوم بإحصاء عدد السكان ورفع مقاسات البيوت، وهو ما ينذرهم بأن البلدوزرات قادمة، لكنهم لا يحصلون على أي معلومات مؤكدة بشأن موعد الهدم.

وتقول وهدان إن بعض سكان هذه الأحياء "حصلوا على تعويضات ويشعرون بالرضا"، بيد أن العديدين يشكون من وعود لم تنفذ.

وفي المقابل، تقول السلطات إنها تريد "القضاء على العشوائيات" لأنها تفتقر إلى التنظيم المدني والمرافق الصحية، وكذلك "المباني الآيلة للسقوط".

ولكن داليا تصف هذه الاستراتيجية بأنها "حصان طروادة لإزالة العشوائيات وطرد سكانها بالقوة، وهو ما يؤدي إلى تدمير النسيج المجتمعي".

ووعدت السلطات بتوفير "سكن آدمي"، لكن خبراء يقولون إن الأسر تشكو من أن انتقالها إلى مناطق جديدة بعيدة عن الخدمات العامة التي اعتادت الحصول عليها في وسط المدينة يزيد الأعباء المالية التي لا تستطيع تحملها.

ومن ثم، يقول زعزع: "في الوقت الراهن، تتسع أحياء عشوائية أخرى لاستيعاب هؤلاء الذين طردوا من منازلهم".

وفي الوقت نفسه، تقرر تحويل أحياء بكاملها لمشروعات عقارية وقطعت آلاف الأشجار لتوسيع الطرق وأزيلت عوامات تاريخية على النيل لتوفير مساحات للتنزه.

ولا يكف السيسي عن الإشادة بسرعة البناء وتنفيذ هذه المشروعات الكبرى، إذ يقول إن 20% الى 25% فقط من هذه المشروعات كانت ستُنفذ لو أن المسؤولين انتظروا "دراسات الجدوى".

وفي عام 1995، كتب الروائي المصري خيري شلبي: "قُدر لي أن أشهد تجربة لا أنساها ما حييت؛ تلك هي عملية إنشاء طريق الأوتوستراد، فكانت البلدوزرات تشق قلب المقابر في قسوة جهنمية بشعة، بمحاريث تغوص في قلب التربة فترمي بعظام الموتى على الجانبين، لكي يجيء (وابور الزلط) فيدوس الأرض يبططها".

و"الاوتوستراد" هو أحد أكبر طرق القاهرة.

ولكن داليا تؤكد أن ما حدث في العام 1995 اقتصر على إزالة "جزء صغير ولم يكن بالقسوة التي نراها اليوم".

وتضيف أن الطريقة التي يعاد بها رسم المدينة "أعنف من أي وقت في تاريخها".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي مشروعات دراسات جدوى هدم منازل هدم مقابر

بعد غرق مقابر 3 قرى.. غضب واسع بأسيوط المصرية جراء انهيار حوض تبريد بمحطة كهرباء (صور)

السيسي: أنفقنا 10 تريليونات جنيه على مشروعات البني التحتية

سخرية واسعة من رئيس وزراء مصر بسبب المدن الجديدة.. ماذا حدث؟