معركة جنين لا تسدل كلمة النهاية على المشهد الفلسطيني.. كيف؟

الخميس 6 يوليو 2023 07:46 م

خروج القوات والآليات الإسرائيلية من مخيم جنين لا يسدل مشهد النهاية على المشهد، بل يطرح مشهد العديد من التساؤلات حول التطورات المقبلة وانعكاساتها على تفاصيل القضية الفلسطينية وفرص التسوية السلمية.

هكذا تحدث تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حول تساؤلات المستقبل، وهي تساؤلات لا تتوقف عند الخسائر البشرية والمادية وإعادة إعمار المخيم، رغم أهميتها وضرورة التعامل معها، ولكنها تمتد إلى بنك الأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية ما بعد جنين، وردود الفعل الفلسطينية، وقواعد الاشتباك وتطورها، والسلطة ودورها، والمقاومة وحضورها.

ويضيف التحليل: "ربما الأكثر أهمية القدرة على استعادة زخم الدولة الفلسطينية من بين مخططات اليمين الإسرائيلي الحاكم والوقوف في مواجهة الاستيطان من أجل إنقاذ إمكانية تحقيق الفكرة التي يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تجاوزها، وردهما تحت ركام أنقاض مخيم جنين وغيره من المناطق، وتحت الوحدات الاستيطانية، والجهود التهويدية".

وتشير هذه التساؤلات بدورها لطرح بدايات جديدة على صعيد السلطة الفلسطينية، والوضع في الضفة الغربية، ودور الفصائل الفلسطينية المقاومة في الضفة الغربية بصفة عامة وفي مخيم جنين بصفة خاصة.

كما تطرح العملية العسكرية الإسرائيلية ضد جنين، وفق التحليل، تساؤلات أخرى على المستوى الإسرائيلي الذي ربط العملية بتحقيق الأمن للشعب الإسرائيلي، وهى تساؤلات تدور حول العلاقة بين استهداف المخيم وإشكاليات الداخل الإسرائيلي، وتقييم العملية العسكرية، والحكومة ودورها، عندما تواجه إسرائيل عملية جديدة في الداخل، وهو الأمر الذي لم يتأخر وتمت مواجهته في تل أبيب قبل الإعلان عن الانسحاب.

ويشير التحليل إلى أن تناقض إسرائيلي عند إعلان الانسحاب من جنين، بعد سريعة وفي حدود المطلوب، ولكنها صاحبتها عملية دهس وطعن في تل أبيب، وتهديدات من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ودعوته الجميع إلى حمل السلاح، بما عبر عن توجه محتمل لتصعيد تناقض بدوره مع الإعلان عن بدء الانسحاب.

ويلفت إلى ظهور التناقض الواضح في حسابات الأطراف المختلفة، ومعها التصورات المستقبلية، في ظل الحديث المتكرر عن تحقيق الأهداف من العملية العسكرية إسرائيلياً، والانتصار على صعيد إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

وحرصت إسرائيل على تأكيد تحقق أهداف العملية العسكرية في جنين، وخاصة على صعيد استهداف ما تعتبره "البنية التحتية للإرهاب"، وكذلك استهداف عناصر المقاومة، والتصدي لفرصة تحول المخيم إلى بؤرة للعمليات التي تستهدفها.

في المقابل، اعتبرت المقاومة الفلسطينية، وخاصة "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس- الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أن الصمود في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، وتغييب قيمة عنصر المفاجأة، ومحدودية التوغل الإسرائيلي داخل المخيم، والدعم الشعبي للمقاومة، تمثل عوامل انتصار للمقاومة وخيار المقاومة، في مواجهة إسرائيل وخيار التسوية السياسية.

ويتابع التحليل: "كما تطرح الهجمات على جنين، وتأكيد نتنياهو أن العملية العسكرية لم تنته، ولكنها سوف تستمر، العديد من التساؤلات حول التطورات المباشرة وغير المباشرة في جبهة الضفة الغربية، التي تؤكد إسرائيل أنها أصبحت خارج سيطرتها وخارج سيطرة السلطة الفلسطينية في ظل تزايد المقاومة الفلسطينية".

كما تطرح الهجمات، المزيد من التساؤلات حول التطورات على مستوى السلطة، والتسوية السياسية ومستقبلها، والانعكاسات المحتملة على الداخل الإسرائيلي.

وبعيداً عن كل ما سبق من ملفات، والحديث للتحليل، تطرح اللحظة على الساحة الفلسطينية تساؤلات مباشرة حول الدولة وقواعد الاشتباك، بوصفها قضايا متداخلة تنعكس التطورات فيها على مجمل التطورات الفلسطينية، والعلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية، ومستقبل التهدئة والتصعيد ليس في جنين والضفة الغربية فقط، ولكن في غزة والإقليم.

ويتابع التحليل: "ساعدت العملية العسكرية في جنين، وتهجير 4 آلاف فلسطيني تقريباً من سكان المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي خلالها، في إعادة الحديث عن خيار التسوية السياسية ومستقبل الدولة الفلسطينية إلى الواجهة، ومعه الحديث عن دور السلطة، وغيرها من القضايا المهمة التي تفرض نفسها على اللحظة والمستقبل".

ويزيد: "أعادت الهجمات الإسرائيلية، وما ارتبط بها من سياسات استهداف للبنية التحتية مع التهجير، الحديث فلسطينياً عن أن ما يحدث في المخيم هو جزء من سياسة إسرائيلية أكبر تهدف إلى تفريغ مناطق في الضفة من الوجود الفلسطيني بشكل يصب بدوره في القضاء على فرص وجود دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية".

وساهم في تلك الرؤية، السياق السابق على الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين، وخاصة الإعلان عن مخططات استيطانية جديدة، وتعديلات تختصر الخطوات المطلوبة فيما يتعلق بالاستيطان، وتصريحات نتنياهو عن الدولة الفلسطينية، وفق التحليل.

من جانب آخر، ساهم نشر الإعلام الإسرائيلي لما جاء في حديث نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في 26 يونيو الفائت عن الدولة الفلسطينية في تأزيم الوضع الفلسطيني، والحديث عن وجود مخططات أبعد في السياسات الإسرائيلية القائمة تتجاوز الحديث عن تحقيق الأمن إلى تغيير الأوضاع على الأرض بما يمس بشكل كبير فرص التوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة.

كما يساهم ما نشر من حديث نتنياهو عن أهمية بقاء السلطة من أجل مصلحة إسرائيل، وإمكانية دعم السلطة اقتصادياً من أجل تحقيق تلك المصالح، في زيادة أسباب النقد الفلسطيني للسلطة، والإضرار بصورتها، وعلاقتها بغيرها من الفصائل. وبشكل عام، يساهم حديث نتنياهو في إضعاف قيمة وأهمية الحديث عن المسار السياسي أو حل الدولتين في ظل عدم وجود نية حقيقية لدى إسرائيل، وفقاً لتلك التصريحات، في التوصل إلى النهاية المفترضة لمسار أوسلو ممثلة في الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.

وحول قطاع غزة وقواعد الاشتباك القائمة، يقول التحليل إن العديد من التساؤلات طرحت خلال الهجمات في المخيم عن تفعيل قواعد الاشتباك القائمة، ودخول غزة على خط الأحداث.

وتربط قواعد الاشتباك الأساسية، التي تم وضعها خلال الأحداث السابقة على حرب غزة الرابعة في مايو/أيار 2021، بين الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى من جانب وقطاع غزة من جانب آخر، وتؤكد أن التصعيد الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى يرتب الرد من غزة.

وتطورت القاعدة الأساسية عبر الوقت، وشملت ضمن أسباب الرد من القطاع كلاً من استهداف مخيم جنين واغتيال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ورغم عدم تفعيل التطورات التي حدثت على قواعد الاشتباك في الواقع، رغم التهديد بذلك في عدد من المرات بما فيها مرحلة تدهور الحالة الصحية للأسير هشام أبو هواش خلال إضرابه عن الطعام اعتراضاً على اعتقاله الإداري، فإن القاعدة نفسها ظلت قائمة وهو الأمر الذي يفهم في إطاره الإعلان عن إيصال إسرائيل رسائل إلى حماس والجهاد الإسلامي مع بدء هجومها على مخيم جنين لعدم تدخل القطاع في الأحداث.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "رغم القواعد القائمة التي تؤهل لدخول غزة على خط التطورات لما يحدث في مخيم جنين، ورغم استهداف المخيم والأضرار التي حدثت على المستوى الإنساني والمادي، وترحيل المواطنين، ظلت جبهة غزة هادئة خلال الأحداث، مع استمرار انعقاد غرفة العمليات المشتركة للفصائل، والتأكيد على الاستعداد للرد وفقاً للتطورات".

ورغم التساؤلات التي طرحت عن غياب غزة، وحماس تحديداً، وعدم تفعيل قواعد الاشتباك، فإن ما حدث يتسق مع التطورات السابقة، حيث لا تتجه الفصائل لتفعيل قواعد الاشتباك مباشرة، وتحتفظ لنفسها بتفسير الأحداث وتوقيت تفعيل قواعد الاشتباك، مع ترك مساحة للتواصل غير المباشر مع إسرائيل، ومحاولة الضغط عليها من خلال التهديد بالرد من غزة بما يعني توسيع جبهات المواجهة وإرباك حسابات إسرائيلية الأمنية، وفق التحليل ذاته.

ويضيف: "ضمن العديد من الاعتبارات، تدرك الفصائل أن الإعلان عن تفعيل قواعد الاشتباك من شأنه استهداف القطاع من إسرائيل، والدخول في جولة جديدة من التصعيد سواء تم في صورة تصعيد مقيد أو حرب مفتوحة".

ويلفت التحليل إلى أن العديد من التطورات في تعقيد المشهد الفلسطيني، وإن كانت الهجمات الإسرائيلية ضد مخيم جنين جزء من تفاصيل التصعيد الإسرائيلي، والسياسات الأكثر تطرفاً التي تتبعها الحكومة القائمة، إلا أنه لا ينفصل عن الحديث الإسرائيلي عن استهداف فكرة الدولة الفلسطينية، وتعامل نتنياهو مع اجتثاث الفكرة بوصفها الهدف المطلوب تحقيقه، وليس الوصول إلى تلك الدولة وتسوية الصراع".

ويختتم: "هذه الأوضاع تفرض تحديات تتجاوز مشهد الانسحاب من جنين، وتتجاوز التعامل معه بوصفه مشهد النهاية، وتطرح تساؤلات مهمة حول ما بعد جنين، وما بعد سياسات الاستيطان، وزيادة دور وزراء اليمين المتطرف، وما بعد تصريحات نتنياهو عن الدولة الفلسطينية، والدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية في مخيم جنين، والقدرة على حماية الشعب والحق الفلسطيني وتجاوز الهدف الإسرائيلي الساعي إلى اجتثاث الدولة الفلسطينية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جنين فلسطين إسرائيل اقتحام إعادة إعمار

الاحتلال الإسرائيلي يقتل مقاومين في نابلس بعد اقتحام مفاجئ.. واشتباكات عنيفة (فيديو)

دعم عربي لإعمار مخيم جنين بقيمة 45 مليون دولار

صحيفة: إسرائيل استخدمت طائرات مسيرة انتحارية في جنين