تعدد مبادرات السلام في السودان تقوض بعضها.. فماذا عن قمة دول الجوار بمصر؟

الجمعة 14 يوليو 2023 09:52 م

هناك مخاوف بين بعض الدوائر الدبلوماسية من أن عمليات السلام الأفريقية والعربية المتنافسة لإنهاء الأزمة في السودان ستقوض بعضها البعض، خاصة في ظل عدم التوافق في الآراء بصددها، كما أن لكل منها نهجها وأهدافها الخاصة.

هكذا يخلص تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، لافتا إلى أنه لا تزال هناك عقبات عديدة على طريق السلام، لا سيما عدم استعداد الفصائل المتحاربة لقبول فكرة عدم وجود حل عسكري للصراع.

وتوسطت الولايات المتحدة والسعودية في عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار في السودان، لكنهما علقتا المحادثات في جدة بسبب انتهاكات من طرفي الصراع.

كما استضافت إثيوبيا في وقت سابق من الأسبوع الجاري، قمة إقليمية لدول شرق أفريقيا، لكن الجيش السوداني قاطعها متهماً كينيا، الراعي الرئيسي، بـ"التحيز".

ويلفت التحليل إلى أن الوضع الحالي في السودان أخطر وأكثر تعقيداً من السماح بفشل آخر لجهود استعادة السلام والاستقرار والانتقال الديمقراطي المدني إلى البلاد.

ووفق التحليل، فإن خطة السلام المصرية، التي دعمتها دول الجوار السوداني باتت الأكثر طموحاً وشمولية، خاصة أن مصر تعتزم الاستفادة من علاقاتها الطويلة مع القادة العسكريين وزعماء الحركات المسلحة لعقد اجتماعات مباشرة، ودفع وقف إطلاق النار وأهداف المساعدة في الوصول إلى حل سلمي مستدام.

واحتضنت القاهرة، الخميس، قمة لدول جوار السودان بمشاركة رؤساء دول وحكومات مصر وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وإرتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية، لبحث كيفية معالجة الأزمة السودانية.

وانزلق السودان إلى هاوية الاقتتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، في 15 أبريل/نيسان الماضي، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية كان من المفترض أن تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.

وأكدت دول جوار السودان، توافقها على ضرورة إطلاق حوار جامع لكل الأطراف السودانية، إضافة إلى الاحترام الكامل لسيادة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه، واعتبار النزاع الحالي شأناً داخلياً.

وأقرت القمة إنشاء آلية على مستوى وزراء الخارجية تعقد اجتماعها الأول في تشاد، لوقف القتال بين الأطراف السودانية المتحاربة، لوضع خطة عملية لوقف القتال وحل الأزمة.

يقول التحليل، العلاقات المتوترة بين مصر وإثيوبيا أثرت بسبب الخلاف على سد النهضة الإثيوبي على الديناميكيات المحيطة بالأزمة السودانية.

ويشير إلى أن ميل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى التوافق مع مبادرة "إيجاد" الإقليمية، التي تدعو إلى تدخل عسكري محتمل، يتعارض مع فلسفة المبادرة المصرية التي تؤكد على عدم التدخل الخارجي والدفاع عن سيادة السودان.

ويلفت التحليل إلى تضارب المبادرات السياسية، والتي كان أبرزها محادثات وقف إطلاق النار الأمريكية والسعودية، التي بدأت منذ الأسبوع الثاني من الصراع، والتي لم تحقق المأمول منها.

ووفق مراقبين، تخطط الولايات المتحدة والسعودية لاقتراح مبادرة جديدة قريباً، ومع ذلك، فإن "نهج هامبتي دمبتي الدبلوماسي" الذي هيمن على السياسة الأمريكية تجاه السودان منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 لا يجدي نفعاً.

وهذا المصطلح المجازي يصف عادة نهجاً أو استراتيجية دبلوماسية معينة تتضمن محاولة إصلاح أو حل موقف معقد أو نزاع في وضع هش أو حالة غير مستقرة، على غرار الطريقة التي يحاول بها المرء إعادة الأجزاء المكسورة من قشر البيض معاً.

ويقول التحليل، إنه لن يتم إنهاء الحرب في السودان بإصلاحات سريعة، كما أن الدعم السطحي والمتسرع من قوى مدنية وسياسية سودانية معينة، فضلاً عن المنظمات الإقليمية والدولية المتحمسة للانضمام إلى الجهود التابعة للولايات المتحدة، لا يساعد أيضاً.

أما مبادرة مجموعة "إيجاد"، فبدأت منذ أكثر من شهر، حين أطلق قادة شرق أفريقيا خطتهم الخاصة، بسبب عدم رضاهم عن استجابة الاتحاد الأفريقي المحدودة للأزمة.

وقد تم تعيين لجنة رباعية مؤلفة من قادة كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي وبرئاسة الرئيس الكيني وليم روتو لمتابعة وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية، والحوار السياسي، بهدف إعادة انتقال السودان إلى الديمقراطية.

وتتألف خطة "إيجاد" من مسارات ثلاثة: يتمثل أولها، في تنظيم قوة تدخل إقليمية لمنع عسكرة الخرطوم وحماية المدنيين، وربما يعكس ذلك توجهاً إثيوبياً منحازاً، وفق التحليل.

وينصرف ثاني مسارات الخطة، إلى التعاون مع الولايات المتحدة والسعودية لترتيب لقاء وجهاً لوجه بين كل من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من أجل تأمين وقف مستدام لإطلاق النار.

ويستلزم ثالث المسارات، بدء عملية سياسية شاملة بحلول أغسطس/آب المقبل، الأمر الذي يتطلب تمكين القوى السياسية المدنية (قوى الحرية والتغيير بالأساس) من التأثير بشكل كبير خلال المفاوضات، كجزء من الجهود المبذولة لاستعادة مسار السودان إلى الديمقراطية.

ومع ذلك، رفض البرهان مبادرة اللجنة الرباعية التابعة لمنظمة "إيجاد"، نظراً لتحيز روتو تجاه قوات الدعم السريع، واتهام بعض قادة الأحزاب المدنية بالانحياز إلى جانب (حميدتي)، وهو ما ظهر واضحاً من خلال حضور مندوب من قوات الدعم السريع اجتماع قمة أديس أبابا بشأن السودان، وفي المقابل امتناع الجيش السوداني عن المشاركة.

يأتي ذلك في وقت تم تهميش دور الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، على الرغم من الترويج لشعار "حلول أفريقية لمشكلات أفريقية"، وفق التحليل، الذي يقول إن دور الولايات المتحدة طغى على دور المنظمة الأممية الأفريقية التي اتخذت موقف المتفرج.

وفي السياق نفسه، تم تهميش دور الأمم المتحدة، حيث تم اختيار ممثلها الخاص للسودان فولكر بيرثيس، في المقام الأول لخبرته التقنية في دعم بناء المؤسسات خلال عمليات الانتقال الفاشل إلى الديمقراطية، وهو لا يمتلك أي قدرة على التوسط في صراع عنيف كذلك الذي تشهده السودان، وفق التحليل.

علاوة على ذلك، فقد أعلنت الحكومة السودانية بيرثيس شخصاً غير مرغوب فيه.

وعليه، فقد أضحت الأمم المتحدة طرفاً غير مرحب به نظراً لشعور العديد من المواطنين السودانيين بخيبة أمل من إخفاقاتها المستمرة في السودان، ومن ثم لا يوجد تأييد سوداني لقيام الأمم المتحدة بقيادة الجهود الدبلوماسية.

وبالمثل، يشعر السودانيون بالقلق من أن انشغال الدول الأوروبية بقضايا الهجرة يعني أنها ستتعامل بشكل انتهازي مع أي زعيم يعد بوقف النزوح الجماعي وهو ما يجعلها طرفاً منحازاً، حسب التحليل.

وبناء على ذلك، يشير التحليل إلى تميز المبادرة المصرية التي نجحت في عقد قمة جمعت كافة دول جوار السودان في القاهرة، من أجل تحقيق تسوية سلمية في السودان.

ووتتلخص المبادرة المصرية، في اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة تسهل التسليم الآمن للمساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الأزمة، مما يضمن وصول المساعدات الأساسية إلى المحتاجين.

وحول المفاوضات، شددت المبادرة على أهمية وضع إطار للمفاوضات تشارك فيه جميع القوى السياسية في السودان، ويهدف هذا النهج الشامل إلى توفير منصة للحوار الهادف والمشاركة السياسية بين مختلف أصحاب المصلحة داخل السودان لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمة والعمل من أجل حل مستدام.

ويقول التحليل: "لا يخفى أن المبادرة المصرية تدرك يقيناً أهمية التعاون الإقليمي والمشاركة في إيجاد تسوية سلمية في السودان"، كما أنها "تستهدف إعادة تأكيد دور مصر في حل الأزمة السودانية وحماية وحدة البلاد ومؤسساتها من التدخلات الخارجية".

ويشير إلى أن "مصر لا تمتلك ترف الوقوف موقف المتفرج على الرغم من التحديات الجسام التي تواجهها على الصعيدين الداخلي والإقليمي".

ويضيف: "على عكس بعض الأطراف الأخرى التي تنطلق من مصالح أنانية ومنحازة، تمتلك مصر قنوات اتصال بمعظم الأطراف الفاعلة في المشهد الأمني والسياسي في السودان، فضلاً عن إمكانية توفير كافة المساعدات اللوجستية للتوصل لحل سلمي ومستدام للصراع في السودان".

ومع اقترابها من شهرها الرابع، خلّفت الاشتباكات أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، ونحو 3 ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان جوار السودان قمة جوار السودان اشتباكات السودان الجيش السوداني الدعم السريع

ممثلو الحكومة السودانية في جدة لاستئناف المحادثات مع الدعم السريع

تشاد تستضيف أول اجتماع وزاري لقمة دول جوار السودان