قوة الأمر الواقع.. درس القرن لتركيا في مئوية معاهدة لوزان

الأحد 23 يوليو 2023 09:53 م

قال حمزة كارسيتش، الأستاذ المشارك في كلية العلوم السياسية بجامعة سراييفو، إن الإثنين 24 يوليو/ تموز الجاري يصادف مرور 100 عام على توقيع تركيا ودول الحلفاء معاهدة في مدينة لوزان بسويسرا لا تزال سارية ولها تأثير عميق على تركيا وخارجها، ولا تزال تقدم لأنقرة درسا قويا، وهو أن الحقاق على الأرض (الأمر الواقع)، وليس المبادئ ولا المعايير، هي التي تحدد نتائج المفاوضات وجوهر اتفاقيات السلام.

وأضاف كارسيتش، في تحليل بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني (MEE) ترجمه "الخليج الجديد"، أنه "مع اقتراب الحرب العالمية الأولى من نهايتها في أواخر 1918، سعت القوى الأوروبية إلى توجيه ضربة قاضية نهائية إلى "الرجل المريض على مضيق البوسفور"، كما تمت الإشارة إلى الإمبراطورية العثمانية (1299-1923) في أيامها الأخيرة".

ولفت إلى أن "الهدنة الموقعة، في (مدينة) مودروس على جزيرة ليمنوس (باليونان حاليا) في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1918، نصت على استسلام العثمانيين ومهدت الطريق لاحتلال الحلفاء الأراضي العثمانية وتقسيمها. ولأول مرة منذ أن فتح السلطان محمد الثاني القسطنطينية عام 1453، تعرضت المدينة للاحتلال الأجنبي، وتوغلت القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية في إسطنبول".

و"قادت الهدنة إلى استسلام العثمانيين ومهدت الطريق أمام ما هو أسوأ. كما أشعلت مقاومة وطنية تركية لاحتلال الحلفاء واستمرت من خلال إنشاء الجمهورية التركية (1923)"، كما أضاف كارسيتش.

وأشار إلى أن "نهج دول الحلفاء كان هو تقسيم ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية من خلال معاهدة مذلة، إذ فرضت معاهدة سيفر الشائنة، الموقعة في 10 أغسطس/ آب 1920 من قِبل الوفد العثماني وقوات الحلفاء، تدابير عقابية استثنائية".

وزاد بأنه "بصرف النظر عن تحقيق مصالح الحلفاء، التي تضمنت احتلال أي جزء من الإمبراطورية العثمانية، كان هدف المعاهدة التخلص من السيادة التركية وخصصت أجزاء كبيرة من الوطن التركي للطموحات الإقليمية اليونانية والأرمنية والكردية، وتقف المعاهدة، المكونة من 433 مادة، كوثيقة مخزية سعت إلى تقسيم الأراضي العثمانية وإخضاعها وسلبها".

حرب الاستقلال

كارسيتش لفت إلى أنه "بينما وقَّعت حكومة إسطنبول على معاهدة سيفر، رفضتها حركة التحرير الوطنية التركية، بقيادة مصطفى كمال باشا (أتاتورك لاحقا). ورفضت الجمعية الوطنية الكبرى، التي تأسست في 23 أبريل/ نيسات 1920 ومقرها في أنقرة ولعبت دورا حاسما في حرب الاستقلال التركية، المعاهدة في أغسطس/ آب 1920 ولم يتم التصديق عليها مطلقا".

وأضاف أنه "قبل ذلك بكثير، أبحر مصطفى كمال باشا من إسطنبول إلى مدينة سامسون على البحر الأسود، في مايو/ أيار 1919، لقيادة حركة المقاومة الوطنية".

وتابع أن "حرب الاستقلال، بين مايو/ أيار 1919 وأكتوبر/ تشرين الأول 1922، شكلت حدثا رئيسيا في تاريخ تركيا. ومن خلال رفض سيفر، شرعت القوى الوطنية في نضال تحريري لتخليص أرضها من قوات الاحتلال".

وكانت النتيجة، وفقا لكارسيتش، "توقيع هدنة في مودانيا بمنطقة مرمرة في أكتوبر/ تشرين الأول 1922، ما مهد الطريق إلى معاهدة سلام جديدة في العام التالي".

تبادل السكان

و"عَيَّنَ مصطفى كمال باشا عصمت إينونو، قائده العسكري الأعلى وخليفته في المستقبل، رئيسا للوفد التركي في لوزان، وبدأ المؤتمر في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 1922 واستمر بشكل متقطع حتى يوليو/ تموز من العام التالي، وكان الهدف الأساسي لأنقرة هو استقلال تركيا وسيادتها، وبعبارة أخرى، سعت إلى إلغاء سيفر"، كما أضاف كارسيتش.

وأردف أنه "خلال المؤتمر، توصلت تركيا واليونان إلى اتفاق ذي عواقب بعيدة المدى، إذ تنص اتفاقية تبادل السكان في المادة 1 على أنه "اعتبارا من 1 مايو/ أيار 1923، سيتم إجراء تبادل إجباري للمواطنين الأتراك من طائفة الروم الأرثوذكس الراسخة في الأراضي التركية، والمواطنين اليونانيين من الديانة الإسلامية الراسخة في الأراضي اليونانية".

و"الاستثناءات، كما ورد في المادة 2، كانت "سكان القسطنطينية اليونانيون" و"السكان المسلمون في تراقيا الغربية". وتشير التقديرات إلى أن حوالي مليوني شخص غادروا أوطانهم لإعادة توطينهم في مناطق جديدة نتيجة لهذه الاتفاقية"، بحسب كارسيتش.

واستطرد: "كانت معاهدة لوزان تتويجا لحرب الاستقلال التركية. ومع وجود الإمبراطورية العثمانية في الجانب الخاسر في الحرب العالمية الأولى (1914-2018)، لجأت دول الحلفاء إلى تقسيمها واحتلالها".

الحقائق على الأرض

وبعد أكثر من 100 عام، أصبحت معاهدة سيفر، وفقا لكارسيتش، رمزا حاضرا في الخطاب العام في تركيا وخارجها يعبر عن ممارسة القوى الغربية لمعايير مزدوجة على تركيا ومحاولة التدخل في شؤونها".

وأضاف أنه "لم يتم إلغاء (معاهدة) سيفر (عبر معاهدة لوزان) إلا بعد أن حققت حركة المقاومة الوطنية التركية انتصارات عسكرية على الأرض بين عامي 1919 و1922. وهذا هو الدرس الدائم منذ 100 عام".

ومضى قائلا إنه "من بين جميع المعاهدات التي أُبرمت بعد الحرب العظمى (العالمية الأولى)، ظلت معاهدة لوزان وحدها قائمة".

وختم كارسيتش بأنه "بعد قرن من الزمان، تقدم لوزان درسا بسيطا ولكنه قويا: ليست المبادئ أو المعايير هي التي تحدد نتائج المفاوضات الدبلوماسية وجوهر اتفاقيات السلام، وإنما الحقائق على الأرض (الأمر الواقع).. هكذا كان الحال في 1923، وما زال كما هو اليوم".

المصدر | حمزة كارسيتش/ ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الإمبراطورية العثمانية معاهدة لوزان الحلفاء الحرب العالمية

100 عام على معاهدة لوزان.. بنود وشائعات ودرس دائم لتركيا

100 سنة جمهورية.. رحلة تركيا من استقلال عسكري إلى تحرر سياسي