في عام ثالث من "الانقلاب".. هل تعود تونس من مسار قيس سعيد؟

الاثنين 24 يوليو 2023 11:16 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

في 25 يوليو/ تموز، وهو ذكرى إعلان الجمهورية التونسية عام 1957، تمر تونس غدا الثلاثاء إلى عام ثالث من أزمة سياسية متفاقمة خلّفت استقطابا مجتمعيا حادا وأثارت تساؤلات بشأن مستقبل البلد الذي انطلقت منه احتجاجات الربيع العربي في أواخر 2010.

ففي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية تضمنت: إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحلّ مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة قاطعها الرافضون لتلك الإجراءات.

تلك الإجراءات تعتبرها قوى تونسية وازنة "انقلابا على دستور الثورة (دستورة 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تنتهي في 2024، فقال إن إجراءاته كانت "ضرورية وقانونية" لإنقاذ البلاد من "انهيار شامل"، ويرفض منذ فترة دعوات من المعارضة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وعزفت قطاعات واسعة من الناخبين عن المشاركة في استحقاقات سعيد الاستثنائية، ففي الانتخابات المبكرة مثلا تجاوزت نسبة المشاركة بالكاد 11%، ما اعتبرته المعارضة دليلا على فشل مسار سعيد، ودعت دون جدوى إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.

وخلال الشهور الماضية، شهدت تونس حملات اعتقال لسياسيين وقضاة رجال أعمال وإعلاميين وناشطين، واتهم سعيد بعضهم بـ"التآمر على أمن الدولة" والمسؤولية عن "أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار"، وهو ما تنفي المعارضة صحته.

ومن أبرز الموقوفين على ذمة قضية التآمر كل من رئيس حركة النهضة، رئيس البرلمان المُنحل، راشد الغنوشي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي.

وشدد سعيد، في أكثر من مناسبة، على استقلال القضاء وعدم التدخل في عمله، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية، التي أثارت انتقادات متكررة من دول ومنظمات، في مقدمتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وهو ما رفضته السلطات التونسية، باعتباره تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد.

وبجانب أزمتها السياسية، تعيش تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، ولاسيما الحبوب، جراء الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير/ شباط 2022، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية عبر أراضيها.

ومنذ فترة تشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمتين الاقتصادية والسياسية في البلد الأفريقي ودول أفريقية أخرى لاسيما جنوب الصحراء الكبرى.

"انقلاب بطئ"

و"قد ساء الاقتصاد في ظل قيادة سعيد، ويحذر مسؤولون ومحللون أوروبيون من انهيار وشيك، ويقول دبلوماسيون إن هناك تهديدا متزايدا للاستقرار الاجتماعي"، بحسب تقرير لهبة صالح في صحيفة "فياننشال تايمز" البريطانية (Financial Times).

وتابعت: "ويتوقع اقتصاديون أن تتخلف تونس عن سداد ديونها. ويقول منتقدون إن سعيد يقدم خططا قوية ضد الفساد، لكنه لا يستجيب لاستراتيجيات للتعامل مع الأزمة المتفاقمة".

وفي مارس/ آذار الماضي، حذر مسؤول الساسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل من أن تونس تتجه نحو الانهيار الاقتصادي، كما قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين إن الاقتصاد التونسي يخاطر "بالانهيار العميق" دون مساعدة من صندوق النقد الدولي.

ومعتبرةً أن "سعيد لم يخف ازدرائه للديمقراطية البرلمانية"، نقلت هبة عن حمزة المؤدب، زميل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، قوله إن ما يحدث في تونس هو "انقلاب بطيء"، و"اعتقال الغنوشي إشارة كبيرة على أننا وصلنا إلى نهاية التعددية".

اختبار 2024

و"من المرجح أن يوطد سعيد سلطته على المديين القريب والمتوسط، بما في ذلك إعادة انتخابه في 2024، ولا يمكن إعادة إحياء الديمقراطية في البلاد إلا بنضال طويل الأمد"، بحسب دانيال برومبرج، زميل "المركز العربي واشنطن دي سي" للدراسات (ACW).

وأرجع ذلك إلى أنه "بينما تراجعت شعبيته، يحتفظ سعيد بدعم أكبر بكثير من أي زعيم سياسي (تونسي) مخضرم، ولا يبدو أن الطبقة الوسطى الحضرية ولا الاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية) مستعدان حاليا للتصادم الكامل معه".

واعتبر برومبرج، في تحليل نشره المركز، أن "الوضع الجيوستراتيجي أيضا في صالح سعيد، فبينما تركز إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن على إصلاح العلاقات مع السعودية، فهي غير مستعدة لإنفاق رأس المال الدبلوماسي على محنة تونس".

وكما هو الحال بالنسبة لواشنطن، تفضل بروكسل إعطاء الأولوية لمصالحها، ولا سيما وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين من عبر تونس إلى الدول الأوروبية، وهو ما ظهر جليا خلال زيارة كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني ونظيرها الهولندي مارك روته الأخيرة إلى تونس.

فبحضور الثلاثي الأوروبي وسعيد، في قصر قرطاج يوم 16 يوليو/ تموز الجاري، وقَّعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي حول "الشراكة الاستراتيجية والشاملة" بين الجانبين في مجالات بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية بقيمة تزيد عن 750 مليون يورو (نحو 834 مليون دولار).

وتتضمن الاتفاقية مساعدة لتونس بـ105 ملايين يورو (118 مليون دولار) لمكافحة الهجرة غير النظامية، إلى جانب 150 مليون يورو (166 مليون دولار) لدعم ميزانية البلد الذي يعاني من ديون تناهز 80% من ناتجه المحلي الإجمالي ويواجه نقصا في السيولة.

نظرية المؤامرة

وتقوم نظرية المؤامرة التي قدمها سعيد وحلفاؤه على فكرة واحدة بسيطة، كما أضاف برومبرج، هي أن "عصابة واسعة من النخب الفاسدة سرقت ثورة البلاد. وهي فكر لا تتردد داخل قاعدته من الشباب الساخط فحسب، بل تجد أيضا نوعا من الصدى في دوائر النخبة".

وأردف: "بينما يدينون، غالبا بهدوء، اعتداء سعيد على الحريات السياسية، يلقي العديد من المثقفين والمهنيين ورجال الأعمال باللوم على النخبة السياسية، ليس فقط لفشلها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الهائلة، ولكن لفشلها أيضا في بناء الجسر بين برلمان 2014 والمجتمع ككل".

و"على الرغم من عدم رضاهم عن حملة القمع التي شنها سعيد، إلا أن العديد من المهنيين ورجال الأعمال ليسوا مستعدين للخروج بأعداد كبيرة لدعم المتظاهرين الذين تجمعوا بانتظام على مدار الأشهر الماضية في شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن النشطاء السياسيين"، كما أضاف برومبرج.

اختلافات المعارضة

ووفقا لــ"المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات"،  تتزايد المؤشرات على أن قاعدة الدعم الشعبي لسعيد تتقلص بسرعة قياسا على ما كان عليه الوضع عند انقلابه على الدستور، إذ شهدت جميع محطات خريطة الطريق التي أعلنها مقاطعة كبيرة، وانحدرت نسبة المشاركة إلى 11% في الانتخابات البرلمانية المبكرة وانفض عنه معظم مؤيديه.

المركز تابع، في تقدير موقف، أن أحزاب سياسية غادرت موقع التحفظ، لتلتحق بصف المعارضة، كما هو الحال مع بعض مكونات تنسيقية الأحزاب، وصعّد اتحاد الشغل من لهجته نائيا بنفسه عن قرارات سعيد الانفرادية، ومحذرا من أنها  تقود البلاد إلى مآلات خطيرة.

لكنه استدرك: على الرغم من توسعها، إلا أن المعارضة التونسية لا تزال أسيرة تجاذباتها السياسية والأيديولوجية؛ ما يجعلها عاجزة عن التوافق على خريطة طريق ومشروع مرحلي لاستعادة مسار الانتقال الديمقراطي ومعالجة الانهيار الاقتصادي.

واعتبر أن الاختلاف يبدو كبيرا في السقف الذي يستهدفه كل مكون من المعارضة السياسية والاجتماعية، ففي حين تتحد جبهة الخلاص الوطني وتنسيقية الأحزاب في الدعوة إلى تغيير جذري يؤدي إلى رحيل سعيد وإن اختلفتا في البديل، يكتفي اتحاد الشغل حتى الآن بالمطالبة بتعديلات تحت سقف 25 يوليو/تموز 2021.

وللمطالبة بـ"العودة إلى المسار الديمقراطي وإسقاط انقلاب قيس سعيد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة"، دعا رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي إلى تنظيم مظاهرة كبرى غدا الثلاثاء في الذكرى الثانية للإجراءات الاستثنائية.

وإجمالا، تُظهر دلائل داخلية وخارجية أن المشهد يبدو مستمرا لصالح سعيد، وسيحصل في 2024 على فترة رئاسية جديدة شبه مؤكدة، لكن في ظل معاناة اقتصادية متصاعدة وانسداد سياسي مستحكم، ربما ينفجر الشارع ليعيد الشعب التونسي رسم خارطة الحكم في بلد "ثورة الياسمين".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد المعارضة انقلاب إجراءات استثنائية أزمة اقتصادية

تونس.. برلمانيون مؤيدون لقيس سعيد يبدؤون تحركا ضد حركة النهضة تمهيدا لحلها

تونس.. قيس سعيد يطيح برئيسة الوزراء ويعين أحمد الحشاني خلفا لها (صور)

بعد قيس سعيد.. لماذا تراجعت الاستثمارات والمساعدات الخليجية في تونس؟