إعادة تنظيم إقليمية.. لماذا تحول مصر استراتيجيتها تجاه قطر وتركيا وإيران؟

الأربعاء 26 يوليو 2023 05:39 م

سلط الباحث بمعهد الشرق الأوسط، عمرو صلاح، الضوء على التحول الاستراتيجي لمصر تجاه قطر وتركيا وإيران، مشيرا إلى أن هذا التحول جرى بشكل تدريجي خلال الولاية الثانية للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي.

وذكر صلاح، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن هذا التحول جرى مع تغيرات في الديناميكيات العالمية والإقليمية، وحالات الجمود في العديد من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وانفراج بين القوى الإقليمية.

وأضاف أن بعض المحللين يعزون إعادة تنظيم استراتيجية مصر إلى تغيير سياسات حليفتيها المؤثرين، الإمارات والسعودية، نحو التعامل مع الدول الثلاث، لكنه رجح أن يكون التحول في مصر مدفوعا، في المقام الأول، بدينامياتها المحلية وأهداف السياسة الخارجية التي لم تتحقق بين عامي 2014 و2018.

الأزمة المالية

وأكثر هذه الأهداف إلحاحًا هو التخفيف من حدة الأزمة المالية في مصر، بحسب صلاح، مشيرا إلى أن البلاد واجهت، على مدى سنوات، أزمة مالية تفاقمت بسبب التضخم والدين الخارجي الكبير ونقص العملة الأجنبية.

وعلى الصعيد المحلي، أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما وضع الحكومة المصرية تحت ضغط السخط الاجتماعي.

ويبدو أن صندوق النقد الدولي وحلفاء مصر التقليديين، خاصة السعودية والإمارات، الذين قدموا في السابق مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات، وأصبحوا غير مستعدين لتقديم تمويل إضافي ما لم تتبنى مصر إصلاحات هيكلية.

لكن المزيد من الإصلاحات المالية المتسارعة يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عنيف ويؤجج الاضطرابات، وهو قلق تنظر إليه مصر على أنه مسألة تتعلق بالأمن القومي، بحسب صلاح، مشيرا إلى أن هذه المعضلة دفعت القاهرة إلى البحث عن مصادر أخرى للعملة الأجنبية من خلال التواصل مع مانحين آخرين، وجذب المستثمرين الأجانب، ودعم قطاع السياحة، وتحويل البلاد إلى مركز للغاز الطبيعي المسال في أوروبا.

وبعد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، أودعت الدوحة 3 مليارات دولار في البنك المركزي المصري العام الماضي، كما تعهدت تركيا وقطر باستثمارات قدرها 5.5 مليار دولار. ومن خلال نفوذهما في ليبيا، يمكن لكلا البلدين تمكين مصر من الوصول إلى فرص إعادة الإعمار بعد الحرب هناك.

وبالمثل، يمكن أن يمنح النفوذ الإيراني مصر إمكانية الوصول إلى سوق إعادة الإعمار في سوريا، حسبما يرى صلاح.

ومن المتوقع أن تتجاوز التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار ليبيا وسوريا 350 مليار دولار، ما قد يخلق فرصًا مربحة للشركات المصرية بمجرد توفر التمويل لمثل هذه الجهود.

وفي موازاة ذلك، يمكن أن توفر استعادة العلاقات مع إيران شريان حياة للسياحة المصرية، ومصدر حيوي للدخل للبلاد، يمثل حوالي 10-15% من الاقتصاد، بحسب صلاح.

وتأمل مصر في مضاعفة عدد السياح إلى 30 مليونًا سنويًا بحلول عام 2028، جزئيًا عن طريق جذب حصة متزايدة من السياح الإيرانيين المتجهين إلى الخارج، والتي تقدر بنحو 6 ملايين في عام 2018.

مركز الغاز

ويلفت صلاح إلى أن طموح مصر في أن تصبح مركزًا للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط يمثل هدفا آخر لإعادة تنظيم سياستها الإقليمية.

ففي منتصف عام 2022، وقعت مصر مذكرة مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لتعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، والاستفادة من بنيتها التحتية الحالية، ومن الاحتياجات الغربية في ظل نقص الغاز العالمي الناجم عن الصراع في أوكرانيا.

وفي السياق، تهدف مصر إلى زيادة صادراتها من الغاز بنحو 40% اعتبارًا من عام 2025، باستخدام بنيتها التحتية لنقل الغاز الإسرائيلي، مع التركيز بشكل أساسي على السوق الأوروبية.

ومع ذلك، لا تزال مصر بحاجة إلى تعاون تركيا، التي عارضت جهودها الطموحة للتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فإن خفض التصعيد مع تركيا يمكن أن يؤدي إلى تسوية بشأن المناطق الاقتصادية البحرية للبلدين وتعزيز استكشاف مصر في المنطقة.

ولن يؤدي ذلك إلى زيادة الأهمية السياسية لمصر بالنسبة لأوروبا فحسب، بل قد يدر أيضًا أرباحًا كبيرة.

وبعد التقارب بين القاهرة وأنقرة، تم تعليق صفقة بين ليبيا وتركيا سمحت للشركات التركية بالتنقيب في المياه المتنازع عليها مع مصر، لكن طموح مصر في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز الطبيعي المسال يحتاج أيضًا إلى عدد أكبر من المستثمرين.

وهنا يأتي دور قطر، فبحلول نهاية عام 2021، كانت الدوحة واحدة من أكثر المستثمرين السياديين نشاطاً على مستوى العالم من خلال جهاز قطر للاستثمار، والتي تقدر أصولها بنحو 300 مليار دولار.

واقترحت مصر حوافز اقتصادية للمستثمرين القطريين من خلال إعفاءات وعروض ضريبية لتشغيل الموانئ على طول الساحل.

ويحظى قطاع الطاقة باهتمام خاص للقطريين، الذين تتجه أعينهم أيضًا إلى التصنيع والاتصالات والبناء والسياحة.

وفي مارس/آذار 2022، وقعت قطر للطاقة اتفاقية مع "مصر إكسون موبيل" للاستحواذ على حصة 40% في قطاع استكشاف الغاز قبالة الساحل في البحر الأبيض المتوسط.

كسر الكماشة

وعلى المستوى السياسي، يمكن لإعادة ترتيب السياسية الإقليمية أن يجلب الاستقرار إلى حدود مصر الغربية مع ليبيا، التي سمح فيها الفراغ الأمني للجهاديين بالتسلل والقيام بعمليات تستهدف الجيش المصري.

وعلى مر السنين، دعمت مصر من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى، فصائل سياسية مختلفة في ليبيا.

ورغم أن التصعيد بين مصر وتركيا في عام 2020 اقترب من مواجهة عسكرية، إلا أن الجمود ساد منذ ذلك الحين، إذ فشل دعم القاهرة للجنرال، خليفة حفتر، شرقي ليبيا في تحقيق نصر حاسم، ما ترك مصر في حاجة إلى بناء جسور مع حكومة طرابلس في الغرب ومحاولة الاتجاه نحو الطرق الدبلوماسية بدلاً من الحرب بالوكالة.

غير أن ميزة إصلاح علاقات مصر مع تركيا تمتد إلى القرن الأفريقي أيضًا، وهي منطقة تتمتع فيها إيران أيضًا بنفوذ.

فالقرن الإفريقي يعتبر منطقة إستراتيجية لمصر، حيث يطل على مدخل البحر الأحمر وقناة السويس، ويضم منبع نهر النيل الذي يوفر موارد مائية حيوية للزراعة في مصر ومياه الشرب وإنتاج الطاقة.

 وعلى مدى سنوات، أثار الوجود التركي في القرن الأفريقي قلق مصر، بما في ذلك بناء أنقرة قاعدة عسكرية في العاصمة الصومالية مقديشو، والجهود المبذولة لإنشاء بصمة على البحر الأحمر عبر السودان.

واليوم، يمكن للتقارب أن يساعد مصر على كسر الكماشة التركية من الغرب والجنوب، وقد يسمح ذلك لمصر بالتركيز على التهديدات المحتملة، القادمة من الحدود مع السودان، بينما تسعى القاهرة أيضًا إلى صفقة بشأن سد النهضة الإثيوبي.

فمنذ عام 2014، سعت مصر للتوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا بشأن السد بما يضمن الحد الأدنى من الضرر لحصة القاهرة من نهر النيل، ورغم أن مصر أكدت أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، إلا أن العمل العسكري التقليدي يبدو أقل جدوى من ذي قبل، ما يعني أن خياراته ربما تقتصر على الدبلوماسية.

لكن شركاء مصر التقليديين، مثل الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وروسيا، لم يظهروا ما يكفي من القوة للضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق، وبالتالي يمكن أن تساعد المساعدة المحتملة من الجهات الفاعلة المؤثرة في القرن الأفريقي، بما في ذلك تركيا وإيران، إذ يتمتع كلا البلدين بعلاقات قوية مع الحكومة الإثيوبية.

خصوم أمريكا

وهنا يشير صلاح إلى أن هدف آخر لإعادة ترتيب مصر سياساتها الإقليمية، وهو تعزيز أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للغرب.

ففي حين أن تطلعات مصر إلى أن تصبح مركزًا للغاز الطبيعي المسال يمكن أن تعزز أهميتها بالنسبة لأوروبا، فإن القاهرة تدرك أيضًا الحاجة إلى تعزيز أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة.

وعلى مدى العقد الماضي، شهدت العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة تقلبات وبعض التوترات، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وفي السابق، كانت أهمية مصر بالنسبة للولايات المتحدة تعتمد في الغالب على مساهماتها في مكافحة الإرهاب والوساطة الإقليمية واتفاقية السلام مع إسرائيل.

ومع ذلك، فإن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط آخذ في التطور، إذ تتولى القوى الإقليمية الناشئة الآن بعض الأدوار السابقة لمصر.

ومن التطورات المهمة في هذا الصدد اتفاقيات إبراهيم، التي سهلت مستوى غير مسبوق من المشاركة بين الملكيات العربية وإسرائيل، متجاوزة السلام بين مصر وإسرائيل الذي ظل باردًا لعقود.

والآن، تأخذ دول أخرى، بما في ذلك قطر والسعودية وسلطنة عمان، على عاتقها مسؤولية التوسط في النزاعات الإقليمية.

وللحفاظ على أهميتها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تدرك مصر أنها بحاجة إلى السيطرة على التصعيد من غزة ومواصلة العمل نحو تعزيز المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

ولهذه الغاية، تحتاج مصر إلى نفوذ تركيا وقطر على الحركات الإسلامية في القطاع، كما أنها بحاجة إلى إيران التي ساهم دعمها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في توسيع مدى صواريخها في فترة وجيزة إلى 250 كيلومترًا، لتصل إلى المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب.

ونظرًا لأن بعض الدول العربية تستفيد حاليًا من علاقاتها مع خصوم الولايات المتحدة (روسيا والصين)، فإن التقارب المحسوب مع إيران يمكن أن يمنح مصر بعض النفوذ في علاقتها مع الولايات المتحدة والذي يتماشى مع نهج مصر المحسوب تجاه روسيا بعد عام 2014 للضغط على الولايات المتحدة.

ويرى صلاح أن الاقتراب من إيران من شأنه أن يسهم في تنويع مصر لحلفائها وشركائها العالميين، لتصبح جزءًا من مجموعة دول بريكس للاقتصادات الناشئة الرائدة، وتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية.

ويمنح كل ما سبق مصر أوراق مساومة إضافية في علاقتها مع الولايات المتحدة، والتي لا تزال ضرورية لتعزيز مصالح القاهرة، حسبما يرى صلاح.

الإخوان المسلمون

ويلفت الباحث بمعهد الشرق الأوسط إلى أن الاستمرار في تفكيك جماعة الإخوان المسلمين في الشتات يمثل هدفا آخر للحكومة المصرية، حيث يمكن لآلة الدعاية الخاصة بالجماعة أن تستفيد من ضعف النظام الداخلي بسبب الأزمة الاقتصادية.

ومنذ 2013، هرب العديد من قادة الإخوان، المصنفة رسميا كجماعة إرهابية في مصر، إلى تركيا وقطر وأنشأوا منصات إعلامية وقنوات تلفزيونية فضائية معارضة.

ورغم أن الحكومة نجحت في السعي وراء القدرات التنظيمية والمالية والتعبوية للجماعة في مصر، إلا أن الإخوان لا يزال لهم تأثير على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكشرط لتطبيع العلاقات، طالبت مصر تركيا وقطر بوقف دعمهما للإخوان المسلمين، وسمح تقاربها مع تركيا وقطر لمصر بتعطيل وجود قادة الجماعة والشخصيات الرئيسية في كلا البلدين، مع الضغط على الآخرين للانتقال إلى بلد آخر وخفض نبرة انتقاداتهم.

ومع ذلك، يؤكد صلاح أن القاهرة لاتزال تواجه تحديات متعددة، فرغم أن التمويل من مصادر خارجية قد يساهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية بمصر، إلا أنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإصلاحات المحلية اللازمة.

وأشار إلى أن نجاح مصر في تحقيق أهدافها الإقليمية سيعتمد على عدة عوامل، تشمل هذه متانة العلاقات التي تم تشكيلها حديثًا في منطقة ديناميكية وما يمكن أن تقدمه مصر لتركيا وقطر وإيران.

كما تمثل استجابة شركاء مصر المؤثرين، مثل إسرائيل والولايات المتحدة، إزاء نهجها تجاه إيران، تحديًا آخر أمام تحقيقها لأهدافها الإقليمية.

المصدر | عمرو صلاح/معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الإمارات ليبيا السعودية تركيا إيران السودان سد النهضة

بين الصمت والتكهن.. مصالحة مصرية إيرانية مرتقبة

تأخُر تطبيع العلاقات بين مصر وإيران.. ماذا يعني؟