أعظم من الحب.. قصص زواج وتضحية عبر قضبان السجون في مصر

الأربعاء 2 أغسطس 2023 01:10 م

هو يلقي نظرة إعجاب من خلف القضبان، مصحوبة بأمل في غد أفضل يجمعه معها، وهي تؤمن بقضيته وتعتز بصموده في وجه السجان بانتظار إطلاق سراحه لتكمل سعادتها بارتداء ثوبها الأبيض والزواج منه.

هذا هو الوضع بالنسبة لفتيات عديدات في مصر قبلن الزواج من معتقلين سياسيين ربما يكون قد حُكم عليهم بأحكام قاسية، وفقا لمحمود حسن في تقرير بموقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني (MEM) ترجمه "الخليج الجديد".

حسن أضاف أن "العشرات، وربما المئات من عائلات المعتقلين، وخاصة أنصار جماعة الإخوان المسلمين، يعززون علاقاتهم خلف القضبان من خلال الزواج، ما يدعم صمود المعتقلين".

وأوضح أن "اللقاءات تكون خلال أوقات الزيارة الممنوحة من قِبل إدارة السجون في وزارة الداخلية، حيث يتم لقائهما بمعرفة الوالدين، اللذين يرفقان ابنتهما لرؤية المعتقل الذي طلب الزواج منها عبر أقاربها الذين ربما يكونون أيضا مسجونين".

حفل سري

"من سيتزوج هؤلاء الشباب عندما يخرجون من السجن؟.. ستفعل بناتنا"، هذا السؤال طرحه معتقل مسن على أقرانه خلف قضبان سجن الفيوم (جنوب)، بحسب ما نقله شاهد عيان.

وأضاف حسن أن الأب انتظر أول زيارة من زوجته ليخبرها أن الشاب زميله في الزنزانة تقدم لخطبة ابنته، لتتم استشارتها في الأمر، وإذا وافقت ستأتي لزيارة والدها ورؤية العريس المعتقل.

وتابع أنه في اليوم الثاني من عيد الفطر في وقت سابق من العام الجاري، حدثت الخِبطة بين الأنسة "م. أ" والمحتجز "ر. م"، وهو زميل أبيها في الزنزانة، ومسجون بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة، هي الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات على أنها منظمة "إرهابية".

وتقول الجماعة إنها ترفض العنف، وتتبنى الوسائل السلمية في معارضة النظام الحاكم منذ الإطاحة بمحمد مرسي (ينتمي للجماعة)، وهو أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، بعد عام واحد في الرئاسة.

وطلب والد العروس من زملائه النزلاء اختيار موعد مشترك للزيارة الاستثنائية، التي يُسمح لهم بها خلال العيد، للتأكد من تواجد عدد كبير من أهالي المعتقلين خلال حفل الخِطبة الذي تم ترتيبه سرا خلف القضبان، كما أردف حسن.

وزاد بأن "الأمور سارت بشكل طبيعي، إذ جاءت العروس لزيارة والدها برفقة والدته، وشعرت بالقلق والخوف، إلا أن هذه المشاعر هدأت وحل محلها الفرح والإصرار على الصمود والقناعة بأن الحياة يجب أن تستمر رغم السجان".

و"أخرجت الأم خاتما من الذهب وسلمته لخطيب ابنتها ليهديه للعروس معلنةً خطوبتها، وتبادل الجميع التهاني ووزعوا الشوكولاتة وغنوا أغانٍ على عجل، وكل ذلك خلال دقائق قليلة، لكنها كانت كافية لبدء رحلة حب بين الطرفين تنتهي بالزواج بعد إطلاق العريس"، وفقا للشاهد.

رسالة تحدٍ

"لم يعتقد السجين (أ.ج) أن حبسه قرابة عامين لمشاركته في مظاهرة، ونقله بين عدة سجون، سيقوده إلى أن يلتقي بشريكة حياته ويتزوجها"، بحسب حسن.

وقال "أ.ح": "تعرفت على والدها داخل زنزانتنا، وتوطدت علاقتنا. علمت أن لديه ابنة في سن الزواج، فطلبت يدها للزواج دون رؤيتها، فقبِل وفي الزيارة القادمة أبلغ زوجته بكل شيء عني وطلب منها أن تسأل ابنتهما".

وتم اتخاذ الترتيبات اللازمة لرؤية العروس خلال إحدى الزيارات، وقد أُطلق سراح "أ.ح" قبل والدها، ما أتاح له فرصة زيارة عائلتها ومقابلة العروس وجها لوجه، لينتهي الأمر بقبولها لعرض الزواج، وكان والدها هو الوحيد الغائب عن احتفال الزفاف، كما أضاف حسن.

تعد "ف. أ" الأشهر والأيام والساعات أثناء انتظارها مرور 10 سنوات يقضيها خطيبها في السجن، بتهمة معارضة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ من المقرر الإفراج عنه في 2024.

حسن أوضح أنها رأته أثناء زيارة والدها المسجون هو الآخر، ولم يكن هناك ضغط عليها، إذ قررت أن تنسج قصة حب، بل تحدٍ، وكفاح وصمود، تضامنا مع هذا السجين الذي يشبه والدها ويعاني مثله خلف القضبان، دون أن يرتكب جريمة.

ومشيدا بموقفها الذي جرى بموافقتها الكاملة، قال أحد أقارب العروس إنه "لا أحد، بغض النظر عن قدراته، لديه القدرة على الضغط على فتاة للزواج من سجين سياسي، لكنها غالبا ما تشعر به، وتعيش قضيته وتشاركه في المعاناة. الأمر أعظم من الحب، فهي تؤمن به، وترى الزواج من سجين رسالة تحدٍ للسجان، وتوكل على الله وتؤمن بأنه سيتوج صمودهما بالحرية والزواج".

أما "أ. م" فتجاوزت حدود المنطق، ووضعت نموذجا في التحدي والصمود، وربما العناد والجنون، عندما وافقت على الزواج من "م. أ" في اليوم الذي حُكم عليه فيه بالسجن 25 عاما، كما ذكر حسن.

وأوضح أن الفتاة أصرت على إقامة حفل زواج ديني عام 2017، وهو العام نفسه الذي توفي فيه والدها في سجن نتيجة إهمال طبي، وكأنها تريد أن تنقل للجميع رسالة تحدٍ بأنها ستثابر حتى إطلاق سراحه، لينعما معا بالحرية والنصر على الرغم من إرادة السجان.

حب خالص لله

على الجانب الآخر من قصص الحب والزواج خلف القضبان، كانت هناك نهايات غير سعيدة لبعض المعتقلين السياسيين الذين رُفضت عروضهم أو انتهت خطوبتهم أو زيجاتهم بعد أن حكم عليهم بأحكام قاسية، وفقا لحسن.

واعتبر عماد حسين، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن هذه العلاقات امتدادا لتقليد قديم قامت به جماعة من الإخوان بين 1954 و1965، حين بدأت بين بعض قيادات مكتب إرشاد الجماعة في زنازين السجون علاقة قرابة، فمثلا زوجة مرشد الجماعة محمد بديع هي ابنة أحد قادة الإخوان الذين سجنوا معه قبل عقود.

ولا يعتقد حسين أن الأمر رسالة إلى السجان أو النظام الحاكم بقدر ما هو حاجة ملحة، مضيفا أن "هذه الرابطة تجمع بين المعتقلين، وخاصة أعضاء جماعة الإخوان، فهم يبحثون عن زواج يحافظ على رباطهم ويستمر بعد الإفراج عنهم".

وتابع: "من وجهة نظر نفسية، السجناء هم الأقرب والأكثر فهما لبعضهم البعض، ويعتقدون أن مَن هم مثلهم هم الأكثر استحقاقا للزواج من قريب منهم لاعتبارات الزمالة القسرية التي أظهرت صفات الخير في كل منهم".

كما أن "هذه الزيجات تأسست منذ اليوم الأول على التضحية والحب الخالص لله، ولا يسعنا أن ننسى أن هذه الرابطة غالبا ما تُعقد افتراضيا، على أمل استمرارها بعد الإفراج عن السجناء"، كما ختم حسين.

المصدر | محمود حسن/ ميدل إيست مونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر سجون معتقلون حب زواج الإخوان المسلمون