3 سنوات على انفجار مرفأ بيروت.. عدالة غائبة وإعادة إعمار متوقفة وأهالي ضحايا يئنون

الجمعة 4 أغسطس 2023 07:14 م

في 4 من أغسطس/آب 2020، وقع انفجار ضخم وصف بأنه أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم، داخل مرفأ بيروت، قتل أكثر من 220 شخصا، وأصاب أكثر من 7 آلاف آخرين، فضلا عن نزوح 300 ألف شخص، وخسائر تقدر بـ15 مليار دولار، وألحق دماراً ضخماً في المدينة.

وعمّق الانفجار من مأساة اللبنانيين الذين يعانون أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية كانت بدأت قبل أشهر من الانفجار، خاصة أنه وقع في عزّ أزمة (كوفيد-19)، ففاقم هموم اللبنانيين الذين كانوا غارقين أصلاً في أزمات غير مسبوقة.

وبعد مرور 3 أعوام على الانفجار، لا يزال البلد الصغير المنهك ينزف، ولم يحاسب أحد على ما حصل، وسط أنين من ذوي الضحايا مطالبين بمحاسبة الجناة، وأزمة إعادة إعمار لم يبدأ حتى الآن.

وحوّل الانفجار الذي عزته السلطات إلى كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم مخزنة من دون تدابير وقائية، بيروت إلى مدينة موت، دمّر أحياء فيها واقتلع أبواباً ونوافذ حتى في ضواحيها، وخلّف صدمة لم يشف اللبنانيون منها بعد.

وتبين، وفق تحقيقات إعلامية ومصادر مواكبة للتحقيق، أن مسؤولين سياسيين وأجهزة أمنية والجيش كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، لكنهم لم يحركوا ساكناً.

وعندما قرر القضاء استدعاء بعض هؤلاء المسؤولين لاستجوابهم في القضية، ثارت ثائرة السياسيين، ورفضوا رفع الحصانة عن نواب تولوا مناصب وزارية، أو منح الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين.

هذا الرفض تصاعد بعد توثيق منظمات دولية، أخطاء وإغفالات ارتكبها موظفون ومسؤولون سياسيون وأمنيون في إدارتهم لشحنة نترات الأمونيوم منذ وصولها إلى مرفأ بيروت على متن سفينة "روسوس" في عام 2013، وحتى وقوع الانفجار، وتقاعس هؤلاء عن حماية الناس.

وقبل الانجار، وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثار اللبنانيون ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز، أسقطوا الحكومة آنذاك، وطالبوا بحكومة تكنوقراط.

لكن الحكومة التي شكلت بعد عناء برئاسة حسان دياب لم تنجز شيئاً بسبب الانقسامات السياسية، وتمسك الأحزاب والأطراف المختلفة بنفوذها، وقدمت استقالتها لاحقا إثر الغضب الشعبي الذي تفجر في وجهها بعد انفجار المرفأ.

وبدأ لبنان مسيرته نحو الهاوية مع إعلان السلطات التوقف عن دفع ديونها الخارجية، ووضعت المصارف قيوداً على الودائع، وبدأت العملات الأجنبية تنفد من الأسواق والليرة اللبنانية تفقد قيمتها.

وضرب الانهيار الاقتصادي قطاعات مهترئة أساساً مثل الكهرباء، وتعثرت قطاعات أخرى، وصولاً الى قطاع الصحة بعد تفشي فيروس "كورونا"، ثم هجرة مئات الأطباء والممرضين إلى الخارج بسبب الأزمة، ومؤخراً نقص الأجهزة الطبية والأدوية جراء التدهور المالي وعدم القدرة على فتح اعتمادات بالدولار.

وسرّعت كارثة مرفأ بيروت، الذي ذكّر بالقصف النووي على هيروشيما وناكازاكي، الانهيار في البلد الصغير، الذي يعاني من أزمة محروقات ونقص في مواد غذائية وطبية وأساسية.

وتشهد معظم المناطق تقنيناً شديداً في الكهرباء يصل أحيانا إلى 22 ساعة في اليوم، بينما لا يوجد ما يكفي من الوقود لتشغيل المولدات الخاصة.

وكل يوم تقريباً، يصدر تحذير من قطاع ما، فالمستشفيات تحذر من نفاد المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات وسط انقطاع التيار الكهربائي ومخاطره على حياة المرضى، والصيدليات تنفذ إضرابات بسبب انقطاع الأدوية، والمتاجر قد تضطر لإفراغ براداتها لعدم توفر الكهرباء والوقود.

وباتت حقائب القادمين من السفر لزيارة أهلهم أشبه بصيدليات متنقلة مليئة بالأدوية وحليب الأطفال وغيرها من الحاجات الأساسية.

ورغم أن الدول هبت لمساعدة لبنان عقب الانفجار، لكن المساعدات كانت محددة الأهداف لدعم المتضررين من الانفجار.

في 6 أغسطس/آب، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت، وتفقد المرفأ والأحياء المتضررة، ودعا إلى تحقيق دولي في التفجير، وهو ما رفضته السلطات اللبنانية.

ولاحقا، ضاعف المجتمع الدولي الضغوط على السياسيين اللبنانيين لتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات ضرورية يشترط تحقيقها لتقديم القروض والمساعدات للحكومة.

لكن الإصلاحات لم تحصل، وجمدت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب عدم قدرة المسؤولين اللبنانيين على تقديم رؤية موحدة للوضع.

ولا يزال لبنان محكومة من حكومة جديدة بقيادة نجيب ميقاتي، لتصريف الأعمال، وذلك لعدم تمكن القوى السياسية من التوافق على حكومة جديدة، وذلك بعد تنحي سعد الحريري، الذي عجز عن ذلك أيضا، على مدى أشهر طويلة.

وتفاقمت الأزمة بعد ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال عون، وفشل البرلمان اللبناني 12 مرة، آخرها في 14 يونيو/حزيران 2023، في انتخاب رئيس للبلاد.

بعد 3 أعوام على وقوع الانفجار، لم يهدأ غضب اللبنانيين، لكنهم أيضاً يبدون متعبين، فالدعوات إلى الاحتجاج في الشارع لم تعد تجمع كثيرين، كما حصل في تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الطبقة الحاكمة، والتي علقت عليها آمال كبيرة لم تتحقق.

وباتت الاحتجاجات محدودة وغالباً ما تشهد قطع طرقات وأعمال شغب.

كذلك، شهدت بداية العام الثالث، انهيار أجزاء من اهراءات مرفأ بيروت، في وقتٍ كانت قررت الحكومة هدمها بحجة الخوف على السلامة العامة للمواطنين والعاملين، لكن هذه الخطوة بدورها، كان لها الأهالي بالمرصاد، إذ يرون في الصوامع شاهداً على الانفجار.

ويبدو أن هم أهالي ضحايا الانفجار الأكبر، هو محاسبة المسؤولين عن الكارثة التي خطفت أحباءهم، وإن كان كثر يشككون في إمكانية الوصول إلى الحقيقة الكاملة أو محاسبة جميع المسؤولين، لافتين إلى أن "المجرم لا يمكن أن يُحاكم نفسه".

وتؤكد عائلات ضحايا المرفأ، أن التعقيدات تعاظمت إلى درجة أن معظم الناس ضاعوا في التفاصيل، ولم يعودوا يعرفون عن التحقيقات سوى أنها متوقفة.

وتندد أسر الضحايا والمنظمات الحقوقية بما يعتبرونه تدخلا سياسيا في التحقيقات، حيث منع حتى الآن قاضي التحقيق من استكمال عمله وإصدار قرار اتهامي في قضية انفجار المرفأ.

واتهم ذوي الضحايا ومنظمات دولية، السلطات اللبنانية باستخدام القانون كأداة لحماية المسؤولين الذين يجب محاسبتهم، وطالبت بإنشاء لجنة تقصي حقائق دولية في قضية انفجار المرفأ.

وكانت أولى خطوات التحقيق تعيين القاضي فادي صوان محققاً عدلياً، لكن سرعان ما جرت تنحيته في فبراير/شباط 2021 إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب و3 وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وجرح مئات الأشخاص".

واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل ذاتها، مع إعلان عزمه استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادّعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.

وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين، كما رفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها.

وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة، ثم في فوضى قضائية، بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بأغلبيتها مسؤولون مُدّعى عليهم.

وخلال عامين ونصف العام، تمكّن بيطار من العمل رسمياً لقرابة 6 أشهر فقط، تعرّض خلالها إلى ضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، وخصوصاً بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.

وكان بيطار استأنف تحقيقاته في 23 يناير/كانون الثاني 2023، بعد 13 شهراً من تعليقها، وقرّر الادّعاء على 8 أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدّد مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم.

لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ"التمرد على القضاء واغتصاب السلطة"، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين.

ومنذ ذلك الحين، تراجع بيطار عن المضي بقراراته، وبدا أن التحقيق دخل في غياهب النسيان، قبل أن ينقطع المحقق العدلي عن أروقة قصر العدل، الذي اقتحمه اللبنانوين أكثر من مرة للمطالبة بمحاسبة المتورطين في الانفجار.

ومن التطورات التي شهدها الملف أيضاً، اقتراح وزير العدل هنري خوري، المحسوب حكومياً على "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل)، تعيين قاضٍ رديفٍ للقاضي بيطار، للبت بالقضايا الضرورية والملحة، منها إخلاءات السبيل، وذلك في وقتٍ اتُهم التيار بمحاولته الإفراج عن موقوفين محسوبين عليه سياسياً.

وسقط هذا الاقتراح، بفعل التجاذبات القضائية والسياسية والضغط الكبير من قبل أهالي الضحايا الذين نفذوا تحركات معارضة لهذه الخطوة "الانقلابية" وفق تعبيرهم.

في المقابل، يقول مصدر قانوني مواكب للملف (رفض الكشف عن هويته)، إن ملف التحقيق "قيد المتابعة" من بيطار، رغم الدعاوى التي تلاحقه وتعلّق عمله رسمياً.

ويوضح أن رغم غيابه عن أروقة قصر العدل، يُصر بيطار على استكمال مهمته حتى إصدار قراره الظني كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.

ومؤخرا، عادت المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دولية ولفت توافق كل من البطريركية المارونية ودار الفتوى على المطالبة بكشف الحقيقة.

وأمام ذلك أعلن ميقاتي أن "الحقيقة وحدها تبلسم الجراح، وان الامل، كل الامل، بأن تظهر شمس العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت في أقرب وقت، فترقد ارواح الشهداء بسلام ويتعزّى المصابون وذوو الضحايا".

وسبق أن انتقدت دول عدة بينها فرنسا مسار التحقيق، وطالبت منظمات دولية بتشكيل بعثة تحقيق بإشراف الأمم المتحدة تدعم التحقيق المحلي، علها تنتشله من التدخلات السياسية.

وبعيدا عن التحقيقات، فحتى الآن ورغم مرور 3 سنوات على الانفجار، لم تتم عملية إعادة بناء إعمار المرفأ.

ورغم ما تداولته وسائل إعلام لبنانية عن سباق العروض العالمية لإعادة الإعمار من الروس والصينيين والأتراك والفرنسيين والألمان، إلا أن الحكومة اللبنانية تنفي هذا الأمر، وتقول إنه لا يتخطى مجرد إعلان نوايا من هذه الدول، خاصة في ظل وجود الكثير من العقبات.

كما يشترط صندوق النقد الدولي على لبنان تنفيذ إصلاحات قبل التعاون معه في إعادة إعمار مرفأ بيروت.

ويثير أمر تأخر إعادة إعمار مرفأ بيروت كل هذه السنوات الكثير من الأسئلة، أبرزها علاقة إعادة الإعمار بالمسار الاقتصادي البطيء والمسار السياسي المتعثر.

يشار إلى أن إعادة الإعمار يعد قرارا سياسيا، فالميناء يمثل موقعا ضخما تبلغ مساحته مليون و300 ألف متر على واجهة بيروت البحرية، وهذا جزء مهم قبل الوصول إلى التفاصيل المعمارية وإنشاء المباني.

كما أن إعادة تأهيل المرفأ يتصل بجزأين، محطة الحاويات التي لم تضرر، أما الجزء الثاني وهو المشكلة، الذي يشمل الموقع الذي سقط فيه الضحايا، ويضم مبنى المرفأ وصوامع القمح.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي تفكير في إعادة إعمار المرفأ يجب أن يتمحور حول الهوية الجديدة والوظائف الجديدة التي اكتسبها بعد أن أصبحت له رمزية، فهناك رفات ضحايا الانفجار تستحق الاحترام.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان انفجار بيروت مرفأ بيروت انفجار مرفأ بيروت تحقيقات بيطار أزمة سياسية أزمة اقتصادية

في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت.. ناشطون يتذكرون الضحايا ويطالبون بالعدالة