عامان على حكم طالبان لأفغانستان.. ماذا تغير وكيف تعامل العالم والخليج مع كابل؟

الأربعاء 9 أغسطس 2023 10:28 ص

بعد سنوات من الحرب، وتحديدا في 15 أغسطس/آب 2021، أحكمت حركة "طالبان" سيطرتها على أفغانستان، إثر قرار الولايات المتحدة بالانسحاب عسكريا من البلاد، فدخل مقاتلو الحركة العاصمة كابل من دون قتال.

وعلى إثر ذلك، كتبت حركة طالبان المتشددة فصلا جديدا في حكم أفغانستان، وعادت إلى السلطة مرة ثانية، حيث حكمت البلاد في السابق قبل سقوطها عام 2001 عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان.

وكان سقوط حكومة الرئيس أشرف غني، أمرا حتميا مع بدء انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مايو/أيار عام 2021، بموجب اتفاق الدوحة بين واشنطن وطالبان المبرم في فبراير/شباط قبل ذلك بعام، لكن القليل منهم كان لا يتوقع استيلاء طالبان على السلطة بهذا الشكل السريع.

وسريعا، بدأت حركة طالبان تأسيس جيش نظامي جديد لحماية البلاد، ومحاربة الجماعات المسلحة المنتشرة في أفغانستان وحدودها، قبل أن تشن عمليات عسكرية على بعضها.

وفي ظل الفراغ السياسي، أعلنت طالبان في 7 سبتمبر/أيلول 2021، تشكيل حكومة تصريف الأعمال، من شأنها أن تتولى إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، قبل أن تصطدم مع الولايات المتحدة التي أعلنت في فبراير/شباط 2022، تجميد 7 مليارات دولار؛ ما دفع الحركة للتهديد بإعادة تقييم العلاقة مع واشنطن.

ومنذ استيلائها على السلطة، تضغط طالبان على المجتمع الدولي للاعتراف بها "سلطة شرعية" في أفغانستان، ويعد هذا الأمر حاسما للحركة لكي تتجنب الانهيار الاقتصاد.

اعتراف دولي

وخلص تقرير سابق لمجلة "إيكونوميست"، إلى أن هناك حاجزين كبيرين يقفان في طريق حصول طالبان على القبول الدولي.

الحاجز الأول يتلخص في جهود الحركة غير الكافية في مكافحة "الإرهاب".

أما الحاجز الثاني، فهو "القيود" المفروضة على النساء والفتيات، خاصة قرار منعهن من ارتياد المدارس الثانوية والجامعات، ومن العمل بالمنظمات غير الحكومية والوكالات الأممية.

ورغم تزايد المخاطر في أفغانستان، إلا أن أزمات البلاد باتت لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وعلى إثر ذلك، يرى خبراء أن ثمة مقاربة بين الوضع الحالي وبين وضع أفغانستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث لم يدرك المجتمع الدولي في حينها التداعيات الخطيرة لاستيلاء طالبان على السلطة عام 1996.

وفي ظل تضاؤل الاهتمام العالمي بشأن الوضع في أفغانستان، وفرت الحركة موطئ قدم لتنظيمات مسلحة ومتطرفة محلية وأجنبية، فيما يدل مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل مؤخرا على هذا الخطر.

طالبان والخليج

أما على الصعيد الخليجي، فبعد عامين من سيطرة طالبان على السلطة، هناك تغيرا مستمرا في الانخراط الخليجي بأفغانستان، مع ترسيخ المرشد الأعلى لحركة "طالبان" الملا هيبة الله أخوندزاده سلطته، وتعزيز مكانة قيادة الحركة في قندهار مجددا.

ووفق منتدى "الخليج الدولي"، فإنه في أعقاب عودة طالبان إلى السلطة، حافظت بعض دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات، على موطئ قدم دبلوماسي في البلاد.

ورغم أن دول الخليج بعيدة عن التوصل إلى سياسة مشتركة تجاه أفغانستان، لكنها تشترك جميعًا في الاهتمام بالتخفيف من البؤس الإنساني للسكان، وتعطيل جهود الجماعات الإرهابية المتطرفة لإنشاء ملاذات في البلاد، ومنع التوترات الداخلية الأفغانية من الانتشار في بلدان المنطقة.

وبناءً على هذه المخاوف المتبادلة، يبدو أن دول الخليج توصلت بشكل غير رسمي إلى إجماع على بعض قواعد الاشتباك التي يجب الالتزام بها عند التعامل مع طالبان.

ومن هذا المنطلق، يشير المنتدى إلى أن دول الخليج قد تتبنى سياسة تجاه أفغانستان تربط بعناية بين التفاعلات البراجماتية في المبادرات القائمة على المشاريع الاقتصادية، وبين الإدانات السياسية الصارمة لسلوك طالبان الراديكالي.

وأبدت دول الخليج اهتمامها بترك بعض قنوات الاتصال مفتوحة مع طالبان لمعالجة العديد من القضايا الأمنية والإنسانية، وعلى رأسها مراقبة الشبكات الإرهابية التي لا تزال مختبئة في ملاذات بجميع أنحاء أفغانستان، وكبح تجارة تهريب المخدرات، وتقديم المساعدات للسكان المنكوبين.

لكن العديد من "نقاط الاحتكاك" لا تزال تحتاج إلى معالجة قبل استكشاف فرص المزيد من تعاود دول الخليج مع طالبان، من بينها أزمة الثقة بين تلك الدول والحركة الإسلامية.

وطالما أن أفغانستان لم تتحول إلى نقطة انطلاق للجماعات الإرهابية المتطرفة العابرة للحدود، والوضع الأمني في غير متدهور بشكل كبير، فمن غير المرجح أن تأخذ سياسة دول الخليج تجاه طالبان منعطفًا مفاجئًا عن مسارها الحالي القائم على التوازن التدريجي.

أزمات داخلية

داخليا، ومنذ أن عادت طالبان إلى الحكم، تغيرت حياة الأفغان ومناحي الحياة في هذا البلد الفقير بشكل كبير، بيد أن التغيير ظل للأسوأ.

وحرصت طالبان منذ توليها السلطة، على تطمين أبناء الشعب الأفغاني بأنهم سيشهدون تغييرا إيجابيا بما يخدم مصالحهم، كما أنها اهتمت بتطمين وسائل الإعلام الخاصة في أفغانستان بأنه بإمكانها ممارسة عملها باستقلال وحرية، وأن الحركة ستحترم المعتقدات الدينية والقيم الروحية لجميع الأفغان.

لكن على أرض الواقع، ظلت الأزمة الحقيقية في ملف حقوق الإنسان، فأصدرت قرارات وصفت بـ"المجحفة"، خاصة بحق المرأة الأفغانية، بدأت بحظر دخول الفتيات الجامعات، قبل أن تحظر عمل المرأة في المنظمات غير الحكومية، وضرورة ارتداء النساء ملابس لا تكشف سوى أعينهن، ويجب أن يكن برفقة أحد الأقارب الذكور، إذا سافرن مسافة أكثر من 72 كيلومترا.

كما فرضت الحركة العديد من القيود الأخرى، بموجب تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، من بينها حظر عزف الموسيقى في الأماكن العامة، قبل أن تصدر أوامر بإغلاق جميع صالونات التجميل والشعر في أنحاء البلاد كافة بأوامر من طالبان؛ لأن الحركة تعدها غير إسلامية.

وبشأن بعض القيود الأخرى، تقول حركة طالبان إنها اضطرت لفرضها لأن النساء لم يكنّ يرتدين الحجاب أو يتبعن قواعد الشريعة الإسلامية. ورغم أن تطبيق قواعد الحركة ليس موحدًا في جميع المحافظات، لكنه يخلق بيئة من الخوف والارتباك.

في الوقت نفسه، ترى حركة طالبان أن وسائل الإعلام المستقلة بمثابة العدو لها حتى قبل وصولها إلى السلطة.

وكانت أفغانستان قد حققت تقدما في مجال الإعلام خلال العقدين الماضيين، لكن مع عودة طالبان الحكم، اضطر آلاف الصحفيين إلى الفرار من البلاد أو البقاء في منازلهم بلا عمل.

أزمة اقتصادية

ورغم قيود طالبان وقبضتها الأمنية القوية، إلا أن أفغانيات خرجن إلى الشوارع للاحتجاج على قرارات طالبان القمعية، فيما ردت الحركة على الاحتجاجات بالقمع واعتقال عدد من الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة.

في الوقت نفسه، لا يزال الخطر الأمني قائما، فقد سقط حوال 1100 مدني وإصابة أكثر من 2600 آخرين، خلال العامين الماضيين، جراء التدهور الأمني وسلسلة التفجيرات التي شهدها العاصمة كابل، وعدد من المدن الأخرى.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تهاوى الوضع في البلاد وبات اقتصاده "في حالة سقوط حر" وفق وصف الأمم المتحدة التي حذرت من كارثة إنسانية في أفغانستان.

وتشير التقديرات إلى أن أفغانستان تحتوي على موارد طبيعية - بما في ذلك الغاز الطبيعي والنحاس - تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار.

ومع ذلك، لا يزال الكثير من هذه الاحتياطيات غير مستغل بسبب عقود من الاضطرابات في البلاد.

وتقدر الأمم المتحدة أن 700 ألف شخص فقدوا وظائفهم، وأن العائلات من الطبقة الوسطى التي تعمل بالقطاعات الأكثر اعتمادا على الدعم الأجنبي تضررت بشكل خاص، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية وخدمات الأعمال والضيافة ووسائل الإعلام.

كما أن الريف، الذي يقطنه 75% من الأفغان، عصفت به سنوات من الجفاف؛ مما جعل الظروف أكثر صعوبة.

ومع أن معظم البلاد غرق في الجوع بسبب ارتفاع أسعار الغذاء العالمية المتقلبة والأزمة الاقتصادية الناجمة عن سحب الدعم الغربي، فإن طالبان أوقفت نزيف الدولار من البلاد بفرض قيود صارمة على رأس المال، وقمع التهريب، ليستقر الأفغاني (العملة المحلية) مقابل الدولار عند مستوى غير بعيد، مما كان عليه في اليوم السابق لسقوط كابل.

صورة قاتمة

يشار إلى أنه بعد مرور عامين على العودة الثانية لطالبان إلى السلطة، تبدو صورة الحركة في تقارير عربية وغربية قاتمة، وتنذر بأزمات خانقة، وتحذر من مشاكل يستعصي إيجاد حلول لها.

وفي تقرير صادر عن "مركز الإمارات للسياسات" في مارس/آذار الماضي، رجَّح أن تتعمق الأزمة الإنسانية في أفغانستان نظرا لاعتماد البلاد على المساعدات، واقتصاد الكفاف فيها، وافتقارها إلى القاعدة الصناعية، كما ستقود الاضطرابات الاجتماعية الاقتصادية إلى انهيار العقد الاجتماعي، وحدوث موجة لجوء إلى الدول المجاورة وغيرها، حسب رؤيتهم.

وأضاف: "قد يؤدي رفض حركة طالبان تشكيل حكومة تُمثِّل الجميع إلى زيادة العنف السياسي في أفغانستان، مقرونا بإجراءات قمعية من جانب الحركة لإخماد الانتفاضات ضدها، حيث ستوجه الحركة معظم عنفها نحو الأقليات العرقية، وبخاصة في المناطق الشمالية في البلاد".

وطبقا للتقرير فإن "عجز حركة طالبان عن كبح جماح الجماعات الإرهابية الأجنبية داخل أفغانستان، لا سيما تنظيمي القاعدة وداعش، سيشكل تحديا أمنيا كبيرا للسلم والأمن الإقليميين، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقتي جنوب آسيا وآسيا الوسطى".

وحسب التقرير ذاته، فإنه "ليس مستبعدا أن تخرج الدول المجاورة لأفغانستان، وبخاصة دول آسيا الوسطى وإيران وتركيا، من حالة الحياد، وتبدأ بتقديم دعم سري أو علني للفصائل المناهضة لحركة طالبان، الأمر الذي سيؤجج التنافس الإقليمي في هذا البلد، ويفتح المجال أمام عودة الحرب الأهلية إليه كما حدث في تسعينيات القرن الماضي".

نجاحات

في المقابل، ترى الحركة أنها حققت نجاحات كبيرة في العديد من الميادين والمجالات خلال العامين الماضيين، خاصة على صعيد الأمن، ووحدة البلاد، والاقتصاد، ومكافحة الفساد الإداري والمالي والأخلاقي.

ويقول الناطق الرسمي باسم المكتب السياسي لطالبان محمد نعيم، إنهم قاموا بمراجعات منذ عودتهم للحكم، دون أن يوضح طبيعة تلك المراجعات بشكل مُحدد.

ويضيف: "نحن نتعلم يوما بعد يوم، ونبحث عن حلول جديدة، أو مفاتيح ووسائل جديدة لحل المشكلات، وذلك من أجل أن نتأقلم مع الأوضاع والظروف الجديدة، وهذا يحدث في أي مجال وفي كل دول العالم".

لكن نعيم يرجع عدم حصولهم على الشرعية الدولية حتى الآن إلى رفضهم "الرضوخ لإملاءات بعض الجهات التي تريد أن تفرض بعض الأمور على الشعب الأفغاني، وعلى الحكومة الأفغانية"، مؤكدا أن تلك الجهات "معروفة للجميع، وهي التي تريد أن تكون لها الكلمة الأولى والأخيرة".

ويطالب نعيم بالإفراج عن الأموال الأفغانية المُجمّدة في الخارج، مناشدا الجميع بمساعدة الشعب الأفغاني، سواء في الإعلام، أو في المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ لأن "هذا جزء من حقوق الإنسان التي لم نحصل عليها حتى الآن، ومساعينا جارية، ونبذل كل ما في وسعنا لاستعادة أموال الشعب".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

طالبان أفغانستان الخليج أزمة اقتصادية اعتراف دولي

تحليل: هذه محددات مستوى العلاقات الخليجية مع إمارة أفغانستان الإسلامية