صدمة جزائرية بعد استبعادها من عضوية بريكس.. هل توقعت القرار ولماذا؟

الجمعة 25 أغسطس 2023 09:51 م

شكّل عدم وجود الجزائر في قائمة الدول الجديدة المنضمة إلى مجموعة "بريكس" مفاجأة غير متوقعة، خصوصا أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكد في لقاء صحفي سابق، أن "سنة 2023 ستتوج بانضمام بلاده للمنظمة".

ورغم أنه اشترط، خلال ذات اللقاء، استمرار جهود تنويع الاقتصاد والانفتاح على الاستثمار لتحقيق ذلك، إلا أن وسائل إعلام محلية، سوّقت منذ ذلك الحين لفكرة أن حظوظ الجزائر وفيرة بالانضمام للمجموعة، وهو ما وصفه معلقون بأنها "كذبة".

وبعد ذلك، تردد في الأشهر الأخيرة أسماء أربعة دول عربية لها حظوظ كبيرة للانضمام لبريكس، وهي السعودية والإمارات ومصر والجزائر، فصعدت الثلاثة الأولى إلى قائمة الدول الأعضاء في المجموعة بداية من مطلع العام المقبل، وغابت الجزائر.

والخميس، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، أن المجموعة قررت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، لتصبح دولًا كاملا بالمجموعة.

وتضم "بريكس" الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتعد الدول الأربعة الأولى الاقتصادات الأسرع نموا، وتسعى للتخلص من الهيمنة الغربية وسيطرة الدولار، وتشجع التعامل بالعملات المحلية في المبادلات التجارية.

غير أن قمة جوهانسبورغ (22 و24 أغسطس/آب) شهدت تباينات بين الدول الأعضاء حول توسيع "بريكس"، بعد أن أبدت كل من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تحفظاتها بهذا الشأن، غير أن قادة المجموعة اتفقوا بالنهاية على توسيع المجموعة.

وكانت وسائل الإعلام المحلية، سوقت إلى حظوظ الجزائر الوفيرة في الظفر بمقعد إلى جانب الدول المؤسسة للتكتل، إذا ما استمرت جهود تنويع الاقتصاد والانفتاح على الاستثمار، لذلك كانت خيبة الأمل كبيرة  بقرار "بريكس" دعوة 6 دول، واستبعاد الجزائر.

لم تُخف النخب صدمتها من القرار، خاصة وأن سقف التوقعات كان مرتفعاً جداً، ولم يُترك حتى الباب للشك.

وانتقد كثيرون خطاب الدعاية الذي سوّق لدخول "بريكس"، وقالوا إن طريقة تناول هذه القضية لأشهر طويلة ألحق ضررا كبيراً بمصداقية الخطاب الرسمي.

لم تتضح الدوافع وراء القرار ولا المعايير التي اعتُمدت لضم الدول الست، خاصة أن بعضها أقل إنتاجية وأكثر مديونية، على غرار مصر والأرجنتين وإثيوبيا.

وعززت الزيارات الأخيرة التي قام بها تبون إلى كل من روسيا، منتصف يونيو/حزيران الماضي، والصين منتصف يوليو/تموز الماضي، وهي كبرى دول "بريكس"، والعلاقات الممتازة بين الجزائر وجنوب أفريقيا، إضافة إلى مشاورات اللحظة الأخيرة التي كان أجراها وزير الخارجية أحمد عطاف قبل أسبوعين مع سفراء المجموعة في الجزائر، من مؤشرات إمكانية أن تكون الجزائر ضمن دول "بريكس"، قبل أن تتخذ قمة جوهانسبورغ قرارا أطاح الطموح الجزائري.

لكن عدداً من المراقبين، قالوا إن السلطة السياسية استشعرت قبل مدة قصيرة وجود فرص ضئيلة للانضمام، وهو ما دفع وزير الخارجية الجزائري إلى تفضيل التوجه، في بداية يونيو/حزيران الماضي، إلى نيويورك لحضور انتخابات عضوية مجلس الأمن على حضور اجتماع وزراء خارجية "بريكس" في جنوب أفريقيا، فضلاً عن قرار تبون عدم السفر إلى جوهانسبورغ، لحضور قمة "بريكس" والاكتفاء بإيفاد وزير المالية عزيز فايد.

ولاحقا، قالت تقارير إن الجزائر كانت تستهدف "عضوية ملاحظ"، حتى تنهي من إصلاحاتها الاقتصادية وتصبح عضوا كامل الحقوق والواجبات، أي أن الجزائر كانت مدركة مسبقا أن انضمامها بعضوية كاملة لن يكون خلال هذا العام.

وفي أول تعليق رسمي على قرار "بريكس"، قال وزير المالية، في كلمة ألقاها في اليوم الأخير لقمة المجموعة: "لقد أخذت بلادي علما بالقرار الذي أعلن عنه اليوم (الخميس) قادة مجموعة بريكس، والقاضي بدعوة 6 دول جديدة لعضوية المجموعة".

وأضاف أن الجزائر "تقدمت بترشحها للانضمام إلى المجموعة من منطلق إدراكها أن خيار التحالف والتكتل هو خيار سيادي واستراتيجي وتنموي".

وعلق فايد على تطلع قادة "بريكس" لفتح المجال في المستقبل القريب لدول أخرى بقوله: "إن قناعتنا تظل راسخة بأن الجزائر بتاريخها المجيد ورصيدها الثري في مختلف المجالات، بالإضافة إلى موقعها الجيوستراتيجي، تقدم لعضويتها مزايا جلية".

وذكر بأنها تعول في ذلك على "اقتصادها المتنوع والنمو التصاعدي بفضل طاقة شبابية خلاقة وموارد، تخلق كلها فرصا للتعاون المثمر داخل المجموعة".

ويشير كلام وزير المالية الجزائري، حول فتح المجال لتوسعة أخرى، إلى عدم غلق الجزائر الباب أمام منظمة "بريكس"، على الرغم من الصدمة التي أثارها عدم اختيار البلاد لتكون في المجموعة.

وخارج كلمة الوزير المقتضبة في اختتام اجتماع بريكس، لم تظهر ردات فعل أخرى رسمية، كما أن الإعلام الحكومي أحجم عن مناقشة أسباب استثناء الجزائر من التوسعة.

بالمقابل، ظهرت ردود فعل سياسية وشعبية على مواقع التواصل كثيرة، ناقشت قرار بريكس بأساليب مختلفة، بعضها رأى أنه يمثل نكسة وأخرى قالت إن الجزائر ليست مؤهلة بعد لدخول هذه المنظمة وعليها العمل أكثر لتطوير اقتصادها.

يقول رئيس حزب "جيل جديد" سفيان جيلالي، إن اجتماع جوهانسبورغ خلف طعماً مراً، وأطاح بطموح الجزائريين في أن يكونوا جزءاً من الدول التي تبني عالماً متعدد الأقطاب.

وبدل جلد الذات، يدعو جيلالي إلى "مناقشة هادئة للأسباب التي دفعت شركاءنا إلى عدم قبول رغبتنا في الانضمام إليهم".

ويضيف: "يجب استخدام هذه المغامرة الفاشلة للانفتاح على الواقع واستجواب أنفسنا والحد من الشعبوية والاختيار الكارثي للمسؤولين التنفيذيين".

ويردف: "ضعفنا الاقتصادي الدراماتيكي هو خطؤنا نحن، فالطبيعة منحت الجزائر كل الخيرات، لكننا عجزنا أن نثمنها"، وتابع "من بين النقائص التي تضرنا كثيراً، عدم فهم طريقة سير العالم الاقتصادي، اعتمادنا على الدعم الحكومي المعمم وعلى الاقتصاد الريعي والشعبوية، مع تفشي الفساد في الإدارة واستعمالها لأغراض شخصية فضلاً عن الخيارات الكارثية للمسؤولين التنفيذيين".

ويرى محللون أن حسابات "بريكس" ليست واضحة على مستوى المعايير والشروط الموضوعية، وأن هناك اعتبارات أُخرى (لا تحتكم فقط للمعايير الاقتصادية) في اختيارها شركاءها الجدد، ويكفي تحفظ واحد لرفض قبول دولة معينة.

وعزا البعض السبب الرئيسي وراء عدم قبول الجزائر، إلى تحفظ الهند والبرازيل اللتين تعيبان على الجزائر اعتمادها الكبير على النفط.

في المقابل دعا آخرون إلى تحمل المسؤولية وفتح نقاش وطني حقيقي من دون أفكار مسبقة ولا حسابات انتخابية، لأن مستقبل البلاد أصبح على المحك.

وكان خبراء اقتصاديون جزائريون، استبعدوا إمكانية انضمام الجزائر لـ"بريكس" لأسباب يرتبط بعضها بالتكتل ذاته، ويتعلق البعض الآخر بطبيعة ونمط الاقتصاد الجزائري.

ويؤكد الخبراء أن أهم 3 عوامل أساسية تفكر المنظمة في إدراجها كشروط أساسية للانضمام، حسب أغلب المتابعين، وهي تنوع الاقتصاد وقيمة الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان.

وتتفوق الجزائر على إثيوبيا بحجم الاقتصاد وإنتاج النفط، وعلى الإمارات والسعودية والأرجنتين ومصر وإثيوبيا من حيث حجم صادرات الغاز، ولا يتفوق عليها من حيث المساحة سوى الأرجنتين، وعدد سكانها أكبر من سكان السعودية والإمارات ويتساوى مع عدد سكان الأرجنتين.

ورغم أن الجزائر لا تتحكم بمضائق مائية إلا أن موقعها الاستراتيجي بين أوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء منحها ميزة استراتيجية.

لذلك من الصعب معرفة سبب عدم اختيار الجزائر ضمن التوسعة الثانية لـ"بريكس"، لأن معايير الاختيار قد تخضع لحسابات سياسية لكل دولة في المجموعة.

ولكن الأسباب الرئيسية، سبق وأن ذكرها تبون، والمتعلقة بحاجة الجزائر إلى هيكلة اقتصادها بعد خروجها من أزمتها الاقتصادية في 2022، ومن أزمتها السياسية في 2019.

والخلل الرئيسي الذي يعاني منه اقتصاد الجزائر اعتماده على مداخيل النفط والغاز بنسبة كانت تصل أحيانا حتى 98%، ما جعله متأثرا بتقلبات أسعار برميل النفط صعودا أو نزولا.

لذلك سعت الجزائر لمعالجة هذا الخلل من خلال رفع الصادرات خارج المحروقات من 2% إلى 11% في 2022، أو ما يعادل 7 مليارات دولار، وتطمح إلى رفع الرقم إلى 10 ثم 15 مليار دولار.

أما الخلل الهيكلي الثاني فيتعلق بحجم الاقتصاد الذي بلغ نحو 192 مليار دولار في 2022، حسب البنك الدولي، لكن تبون قال إنّ "الجزائر لم ترد التصريح بأكثر من 225 مليار دولار كرقم رسمي للناتج المحلي الخام لسنة 2022، في حين أنه قد يراوح بالواقع بين 240 أو 245 مليار دولار".

وربط الإعلان عن الناتج الداخلي الخام الفعلي بـ"اعتماد الرقمنة"، دون احتساب "السوق الموازية" التي تمثل نحو 40% من الاقتصاد الجزائري، وفق تقرير أمريكي.

أما النقطة الثالثة، تتعلق بحجم النمو، فما يميز دول "بريكس" قبل توسعها إلى جنوب إفريقيا، أنها الدول الأكثر نموا في العالم، بينما نسبة نمو الاقتصاد الجزائري تبلغ 4 بالمئة، في حين يفترض أن لا تقل عن 5%.

وأمام ذلك، علت أصوات في الجزائر تدعو إلى تسريع وتيرة الإصلاحات والتخلص من رتابة الجهاز البيروقراطي، الذي لا يزال يشكل عائقاً أمام تحول اقتصادي فعلي، خاصة في مجال الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، وتسهيل المشاريع الاقتصادية للمستثمرين في الداخل، ورفع مؤشراتها في القطاع الصناعي والزراعي لتطوير مستوى النمو الذي لا يزال ضعيفاً.

لكن السبب الأبرز يتمثل في الجانب السياسي، حيث لم تحظ الجزائر بدعم الهند، ولا بدعم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على عكس دعمه للأرجنتين والسعودية والإمارات.

وهذا ما ذكره وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حين قال إن "النقاشات حول توسيع بريكس كانت مكثفة.. لم تخلُ من مشاكل، لكن بشكل عام كانت كل دولة تستهدف اتخاذ القرار بضم أعضاء جدد".

لكن المعيار الأهم في الاختيار، وفق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "هيبتها ووزنها (السياسي) وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية".

واعتبر الكثيرون تصريحات لافروف غير موفقة، خاصة أن مسائل الوزن السياسي والهيبة والمواقف على الساحة الدولية، قد تنطبق حسبهم على الجزائر أكثر من عديد الدول التي قبلت في المنظمة.

وأعادوا تذكير لافروف بتصريحاته حول الجزائر التي امتدحها مطولا في الكثير من المناسبات.

من جانبه، علّق رئيس حركة مجتمع السلم السابق عبدالرزاق مقري باستغراب على تصريحات لافروف، متسائلا إن كان وزير الخارجية الروسي يحاول التقليل من الجزائر بهذا الكلام.

وتحدث مقري في السياق، عن أن "الجزائر لا تستطيع أن تكون عضوا في (بريكس)، بسبب ضعف مؤشراتها الاقتصادية خاصة الناتج الإجمالي الخام، والقدرات التكنولوجية والإنتاجية الصناعية، فهي تستطيع أن تكون قريبة من البريكس ولكن لا تستطيع أن تنال العضوية قبل أن تصبح قوة اقتصادية صاعدة فعليا وليس بالادعاء الذي يقنع السذج في بلادنا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجزائر بريكس تبون عضوية بريكس الصين روسيا