طهران والخرطوم على طريق التقارب.. ما علاقة الاتفاق السعودي الإيراني؟

الأحد 27 أغسطس 2023 03:28 م

ناقش وزير الخارجية السوداني بالإنابة ونظيره الإيراني، إعادة العلاقات "بأقرب وقت ممكن"، وذلك في لقاء على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في أذربيجان، الشهر الماضي، ولم يكن اللقاء مفاجئا.

يتناول جورجيو كافييرو في مقاله بموقع "أمواج"، والذي ترجمه "الخليج الجديد"، آفاق التقارب بين الشريكتين السابقتين (الخرطوم وطهران) بعد سقوط الرئيس السوداني السابق عمر البشير (1993-2019).

ويرى المقال أن الاتفاق الإيراني السعودي في مارس/آذار لتطبيع العلاقات مكّن طهران من إحراز تقدم في إصلاح العلاقات مع مجموعة من الدول العربية التي يقودها السنة، والتي كانت، حتى وقت قريب على الأقل، تحت ضغط المملكة للحفاظ على موقف صارم مناهض لإيران.

السياق التاريخي

ووفقا للمقال، فإن فهم العلاقة الحالية بين طهران والخرطوم يتطلب تقييم الماضي. وفي العقد الذي أعقب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، كانت العلاقات الثنائية سلبية بسبب الدعم السوداني لبغداد خلال الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988. لكن هذا المسار تغير في عام 1989؛ فقد استُلهم الانقلاب العسكري غير الدموي الذي دعمه الإسلاميون في السودان بذلك العام من الثورة الإيرانية.

وقد فتح صعود البشير الناتج عن ذلك فصلاً جديداً في العلاقات الإيرانية السودانية، وتقارب البلدان أكثر مع زيارته لإيران للمرة الأولى بعد 5 أشهر فقط من توليه منصب الزعيم الفعلي للسودان في عام 1989.

وعندما تم انتخاب حسن روحاني رئيسًا في عام 2013، ورد أن البشير مُنع من حضور حفل التنصيب لأنه لم يُسمح لطائرته بعبور المجال الجوي السعودي.

ويشير المقال إلى أنه طوال فترة التسعينيات، أقام الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والقوات المسلحة السودانية وقوات الدفاع الشعبي السودانية علاقات ساهمت بشكل كبير في نمو الشراكة الثنائية.

وبحلول عام 1997، وقعت الدولتان أكثر من 30 اتفاقية في مختلف المجالات، بما في ذلك الأعمال التجارية الزراعية والأمن. وفي ذلك العام، وصفت وسائل الإعلام الغربية السودان بأنه "الدولة الإسلامية الوحيدة التي حذت حذو إيران من خلال إنشاء نظام أصولي متطرف".

ويرى الكاتب أنه تم تصوير حسن الترابي (1932-2016)، "المنظر الرئيسي للخرطوم"، على أنه "المدافع الرئيسي عن وجهات النظر الإيرانية في أفريقيا".

وبعد مطلع القرن، استمرت العلاقات الثنائية في التعمق مع التوقيع على اتفاق عسكري في عام 2008. كما دافع مسؤولون رفيعو المستوى في طهران عن البشير في مواجهة مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة.

وبحلول عام 2012، بدأ الإيرانيون في إرساء السفن الحربية في السودان، الذي بدأ بمثابة موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر وفي أفريقيا. وعام 2014، ورد أن إيران هي المورد الرئيسي للأسلحة للخرطوم.

وأثار تعميق العلاقات قلق دول الخليج العربية وإسرائيل والغرب، واعتبر المسؤولون في تل أبيب وواشنطن السودان "راعياً للإرهاب"؛ نظراً لرعايته حركة "حماس" وتوجيه الأسلحة الإيرانية المزعومة إلى غزة عبر مصر.

ويورد المقال ما أفادت به التقارير بأن إسرائيل قصفت السودان بين عامي 2009 و2012، على أساس أن الخرطوم كانت ترعى "حماس" وغيرها من الجماعات المسلحة المناهضة لتل أبيب.

النأي عن إيران

ومع ذلك، يشير المقال إلى أنه في خريف عام 2014، بدأ السودان ينأى بنفسه عن إيران. وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، أمرت السلطات السودانية بإغلاق جميع المؤسسات الثقافية الإيرانية ومغادرة الدبلوماسيين الإيرانيين، وزعمت الخرطوم أن طهران تسعى إلى تحويل المسلمين السنة في البلاد إلى الإسلام الشيعي.

لكن الخلاف الحقيقي كان متمثلاً في المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي يواجهها السودان؛ حيث أدى انفصال الجنوب في عام 2011 إلى فقدان الخرطوم السيطرة على موارد النفط الرئيسية وسط العقوبات الغربية القاسية. ورأى البشير أن فوائد التقرب من السعودية والإمارات من خلال تبني موقف مناهض لإيران سوف تفوق مزايا مواصلة الشراكة معها.

وبالرغم من أن طهران كانت تقدم الأسلحة، إلا أن العلاقة لم توفر مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان، في المقابل، تمكنت دول الخليج الغنية من توفير الدعم الاقتصادي الذي كانت الخرطوم في أمس الحاجة إليه. كما سعى البشير إلى رفع العقوبات الغربية، على افتراض أن الانضمام إلى المعسكر المناهض لإيران في العالم العربي يمكن أن يكون مفيدًا لتحقيق هذه الغاية.

وفي هذا السياق، انضمت الخرطوم بشكل خاص إلى التدخل العسكري الذي قادته السعودية باليمن في مارس/آذار 2015. وبعد 9 أشهر، عندما قطعت الرياض علاقاتها مع طهران بسبب اقتحام متظاهرين غاضبين من إعدام رجل دين شيعي سعودي لسفارتها، حذت السودان حذوها في قطع العلاقات مع شريكها الإيراني السابق.

الانفراجة الإيرانية السعودية

أدى استيلاء "الدولة العميقة" السودانية على السلطة بعد الاحتجاجات الحاشدة 2018-2019 إلى اكتساب الخرطوم اهتمامًا باستعادة العلاقات مع طهران.

وفي الفترة بين الإطاحة بالبشير عام 2019 وانقلاب 2021، كانت قطر تعمل على تسهيل التطبيع بين طهران والخرطوم. لكن الاتفاق الإيراني السعودي الذي توسطت فيه الصين في مارس/آذار كان أهم تطور إقليمي يضيف زخماً إلى التقارب الإيراني السوداني. وكان توقيت الصراع الداخلي المستمر في السودان، والذي اندلع في أبريل/نيسان، مهماً أيضاً.

يعتقد الكاتب أن الدور الذي لعبته السعودية في تسهيل الإجلاء الآمن للإيرانيين من بورتسودان إلى جدة قد جلب للرياض بعض حسن النية من الجمهورية الإسلامية.

بالوقت نفسه، عملت المساعدات الإنسانية التي قدمتها إيران بعد اندلاع الصراع السوداني على تعزيز القوة الناعمة الإيرانية في الخرطوم، ويبدو أن التقارب السعودي الإيراني هو العامل الأهم في العلاقات الإيرانية السودانية.

لقد ابتعدت إيران عن التورط في أزمة السودان المستمرة، ويبدو أنها تتجنب الوقوف إلى جانب القوات المسلحة بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، أو قوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو. ولكن هناك سبب لتقييم أن طهران تفضل التعامل مع الأولى، فهي خلف الكواليس، ربما تفضل البرهان على حميدتي.

ففي عام 2019، خلال أول رحلة دولية له كنائب لرئيس المجلس العسكري الانتقالي بعد الانقلاب على الرئيس البشير، زار حميدتي السعودية وتعهد بدعمها ضد التهديدات والهجمات الإيرانية.

ومع ذلك، أعرب وزير الخارجية الإيراني عن دعمه للتسوية السلمية للصراع تحت رعاية الحكومة المعترف بها رسميًا، وتحديداً حكومة البرهان.

الفوائد المتبادلة للتقارب

يرجح المقال أن تستفيد كل من الخرطوم وطهران من مواصلة التقارب؛ "بالنسبة لإيران، يعد تطبيع العلاقات مع السودان جزءًا من حملة سياسة خارجية منسقة تقوم بها إدارة إبراهيم رئيسي لإصلاح العلاقات مع الأصدقاء السابقين، وخاصة تلك الدول التي قطعت علاقاتها مع طهران في عام 2016، عندما تعرضت السفارة السعودية في طهران لهجوم".

وبموجب مبدأ "النظر إلى الشرق"، تركز إيران على تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي. وقد تم التأكيد على ذلك من خلال الجولات التي قام بها رئيسي مؤخرًا في دول أمريكا اللاتينية كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، بالإضافة إلى الدول الأفريقية كينيا وأوغندا وزيمبابوي.

وقد كانت الدعوة الأخيرة التي تلقتها إيران للانضمام إلى مجموعة دول "بريكس" أيضًا في قمة الكتلة في جنوب أفريقيا في هذا السياق.

ويعتقد الكاتب أنه بينما تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تحقيق مصالحها في جميع أنحاء أفريقيا، فإن السودان يلعب دوراً خاصاً. ويتمتع ساحل البلاد على البحر الأحمر بأهمية جيواستراتيجية؛ لأنه يطل على أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم.

وعلى الجانب السوداني، ستستفيد حكومة البرهان التي يقودها الجيش من توسيع دائرة شركائها على الساحة الدولية. أخيراً وليس آخراً، لا يمكن تجاهل البعد السعودي، فالبرهان يحظى بدعم المملكة العربية، وجهود طهران لتحسين العلاقات معه هي جزء من جهودها لتعميق علاقاتها مع الرياض.

المصدر | جورجيو كافييرو/ أمواج – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان إيران البرهان السعودية

كيف تتطلع إيران لمحاكاة السعودية في جهود إعادة توجيه سياستها الخارجية؟