حرب غزة تطغى على رئاسيات مصر.. مرشحون غائبون وانتخابات بلا ضجيج أو دعاية

السبت 2 ديسمبر 2023 11:33 ص

بدأ المصريون المقيمون في الخارج الجمعة، التصويت في 137 سفارة وقنصلية مصرية في مختلف أرجاء العالم، على مدى 3 أيام، في الانتخابات الرئاسية، على وقع خفوت التغطية والاهتمام الإعلامي والشعبي، بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد.

ولم يذكر الإعلان الرسمي عدد الناخبين المصريين في الخارج، ولكن وزيرة الهجرة سها جندي كانت قد تحدثت عن 14 مليون مصري في الخارج، يقيم أغلبهم في السعودية والدول الخليجية والعربية، قبل أن تأتي الأمريكيتين في المرتبة الثانية من حيث عدد المصريين المقيمين على أراضيها.

ويتنافس في الانتخابات الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، ورئيس حزب الوفد عبدالسند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، الذي يقدم نفسه على أنه المعارض الوحيد للسلطة الحالية.

ودخل منافسو السيسي السباق الانتخابي بالحصول على تزكيات من أعضاء بالبرلمان الذي يسيطر عليه موالون للرئيس المصري، في حين فشل النائب السابق أحمد الطنطاوي، في الحصول على التوكيلات الشعبية الكافية للترشح.

وتجري عملية الاقتراع في انتخابات الرئاسة، داخل مصر، في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول، على أن يتم إعلان النتيجة يوم 18 من الشهر نفسه.

وكان الجدل الدائر في مصر كبيرًا قبل الانتخابات، في ظل أوضاع اقتصادية متردية، من علاماتها تدهور غير مسبوق في سعر العملة وارتفاع الأسعار، كما عقدت جلسات حوار وطني يتم فيها انتقاد السلطات في ملفات عديدة من بينها حقوق الإنسان.

لكن فجأة "اختفى" كل ذلك بشكل كبير، وبات التركيز الأكبر سواء شعبيا أو إعلاميًا على الحرب بين إسرائيل وحماس، التي اعتبر سياسيون مصريون في حديثهم لموقع الحرة، أنها باتت الشاغل الأكبر سياسيا وشعبيا.

وباتت حالة من "البرود السياسي" تسيطر على مشهد المنافسة الانتخابية، في وقت تزداد فيه سخونته تجاه تطورات الأوضاع في قطاع غزة وما يترتب عليها من تداعيات ترتبط بالأمن القومي المصري مباشرة، وسط حالة من القلق المستمر من تنفيذ مخططات إسرائيلية تستهدف نقل أهالي غزة إلى شبه جزيرة سيناء.

ولم تؤثر الحرب على غزة على حملات الدعاية والبرامج الانتخابية بما تتضمن من مؤتمرات ولقاءات إعلامية وحشد جماهيري فقط، لكنها أثرت أيضاً على الشارع المصري الذي قلّت فيه لافتات المرشحين على عكس المتوقع، واختفى الحراك السياسي والحشد، وتغيرت أجندة المواطنين، وتبدل الحديث من الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار إلى الحديث عن بشاعة الاحتلال والأمن القومي المصري ومخططات التهجير.

وجاء المؤتمر الشعبي الحاشد الذي نظمه السيسي في استاد القاهرة الدولي، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، متداخلاً مع هذا المشهد، إذ إنه يعد الظهور الأول والوحيد له شعبياً، منذ بدء الدعاية الانتخابية في 9 أكتوبر/تشرين الأول.

في الوقت ذاته، فإن ظهوره ارتبط بفعالية نظمها صندوق "تحيا مصر" (جهة شبه حكومية)، وليس حملته الانتخابية، بعنوان "تحيا مصر وفلسطين"، وهو ما يشي بأن السلطة المصرية ذاتها لا تولي اهتماماً مماثلاً بالانتخابات التي بدت محسومة لصالح بقاء السيسي في منصبه لست سنوات مقبلة، حسب المتابعين.

وينشغل السيسي بلقاءات مع زعماء وقادة ومسؤولين غربيين وعرب بجانب اتصالات هاتفية، تعلن عنها الرئاسة، تتمحور أغلبها حول الحرب وتداعياتها.

لم يقف الأمر عند السيسي فحسب، بل أعلنت حملات المرشحين الرئاسيين الأربعة، اختصار حملاتهم الانتخابية، لأسباب مختلفة، بينها ضيق الوقت، وقلة المبلغ المحدد للدعاية، والذي يصل إلى 20 مليون جنيه فقط للمرشح الواحد.

كذلك اتخذ البعض قراراً بالتبرع بجزء من أموال الدعاية إلى فلسطين، كما فعلت حملة السيسي، إلى جانب قناعة المرشحين بأن الظرف الإقليمي الراهن إلى جانب ما يعانيه المواطنون من ظروف قاسية لا يتماشى مع البذخ الذي كان سائداً كمظهر شكلي لعملية الانتخابات.

وفي وقت أطل المرشحون الثلاثة خلال مناسبات انتخابية وإعلامية، لم يظهر السيسي في فعاليات حملته الانتخابية التي تنظم مؤتمرات وزيارات للتواصل مع الناخبين في الداخل والخارج.

ولكن المرشح يمامة، وهو رئيس حزب الوفد، أحد أقدم الأحزاب التاريخية في مصر، فلا يحظى بدعم الشخصيات الرئيسية والتاريخية داخل حزبه، وعند ترشحه أعلن عن تأييده للسيسي، موضحا أنه مرشح ضد بعض الخيارات الاقتصادية للحكومة.

بينما المرشح زهران، وهو رئيس الحزب المصري الديمقراطي، والذي يقدم نفسه كمرشح المعارضة الوحيد، والذي يشارك حزبه مع 11 حزبا آخر في تحالف الحركة المدنية الديمقراطية، فلم يحصل على دعم الأحزاب الحليفة، إذ أعلنت 9 أحزاب من الائتلاف، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، عدم اعترافها بالانتخابات الرئاسية المصرية.

وقالت في بيان لها "انتخابات بلا ضمانات ولسنا طرفًا فيها، ولا نرتضيها لأنفسنا ولا لشعبنا".

وترى شخصيات رئيسية في أحزاب مدنية مثل حزب المحافظين أن الرأي العام فقد الاهتمام بالانتخابات لشعوره بأن الأمور مرتبة وأن النتيجة موضوعة مسبقا وغير قابلة للتعديل.

فيما لا يأتي الذكر على المرشح عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري، سوى من بعض لافتات في شوارع رئيسية.

وعلى مدار الأيام الماضية، نظمت أحزاب مؤيدة للسيسي بعض المؤتمرات بمحافظات مختلفة، إلى جانب لقاءات تعقدها الحملة الرسمية مع ممثلين لفئات مختلفة، بينما واصل المرشحون الآخرون جولاتهم الانتخابية والظهور في برامج تلفزيونية خلال فترة الدعاية الانتخابية التي تستمر حتى موعد بدء الصمت الانتخابي في الداخل يوم 8 ديسمبر/كانون الأول.

ولعل الزخم الأبرز، هو تحركات الحكومة المصرية إلى تشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات، حيث أبرمت الهيئة الوطنية للانتخابات، بروتوكول تعاون مع وزارة الشباب والرياضة بهدف توعية وتثقيف الشباب عن دور الهيئة الوطنية للانتخابات، وأهمية المشاركة في الانتخابات الرئاسية المصرية 2024، والحياة السياسية.

وفي آخر انتخابات رئاسية عقدت عام 2018، شارك 24.3 مليون ناخب من إجمالي 59.1 مليون مواطن لهم حق التصويت بنسبة مشاركة بلغت 41.05%، وتصدرت المشاركة محافظة الوادي الجديد بنسبة 58.76%.

وحسب مصدر سياسي مقرب من الأجهزة الأمنية، فإن ما يحدث في غزة، وما يترتب عليها يفرض تحديات أمنية واقتصادية وعسكرية صعبة على القاهرة، وأضحت الآن جزءاً من المشاكل المصرية الحقيقية، وحينما يكون الوضع كذلك، فإنه لا يمكن الحديث عن مناظرات انتخابية أو مؤتمرات شعبية دعائية، خاصة أن الجميع يدرك أنها حُسمت قبل أن تبدأ.

وأضاف المصدر، أن النظام المصري يتعامل بشكل جيد مع الأجواء الحالية، إذ لم يدفع باتجاه مزيد من استفزاز المواطنين وترك أحداث غزة تهيمن على الوضع العام.

ولفت إلى أن حضور السيسي مؤتمراً جماهيرياً موسعاً يحمل اسم "دعم فلسطين" يعبر عن ذكاء سياسي، على حد وصفه، لأن الحديث عن المشكلات الداخلية يُعيد تذكير المواطنين بأزمات تراجعت بصورة كبيرة بشكل مؤقت.

وتابع: "كما أن التحركات المصرية باتجاه تقديم الدعم الإنساني لقطاع غزة يحظى بترحيب داخلي، وبالتالي قامت حملته بتغذية هذا الأمر الذي يتماشى مع اتجاهات الرأي العام في الداخل".

وأوضح المصدر، أن الحكومة ترى أن الخلل الحالي في الممارسة السياسية قبل الانتخابات "يعد أمراً طبيعياً"، ولا توجد مشكلة في أن يتراجع الحديث عن الانتخابات؛ لأن ذلك واقع مفروض عليها في المقام الأول.

وأضاف أن جهد الحكومة الآن يقتصر على أن يبقى هناك شكل جماهيري خلال الاقتراع من خلال الحشد والتعبئة العامة التي تجيدها وسائل الإعلام، وكذلك القائمون على الحملات الانتخابية والقريبون منها أثناء الاقتراع، وأن هدفها سيكون بعث رسالة مفادها أن من قاطعوا الانتخابات ليس لديهم تأثير يذكر.

من جانبه، يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي، إن "ما يحدث في غزة بات الاهتمام الأول للمواطنين وأثر بالتأكيد على الاهتمام بالانتخابات، خصوصا لو أضفنا لذلك عامل أن الانتخابات يمكن القول إنها محسومة مسبقًا لصالح السيسي".

ويضيف: "أحداث غزة طغت على كل شيء".

وفيما يتعلق بتأثير الحرب في غزة، يواصل الشوبكي حديثه بالقول: "على خلاف مرات سابقة كان هناك اهتمام، حتى لو كانت نتيجة الانتخابات محسومة، مثل الاهتمام بما يقدمه المرشح المعارض أو بما يطرحه الرئيس من أفكار أو ممارسات خلال المدة الجديدة".

ويضرب الشوبكي مثالا بانتخابات عام 2014، التي فاز فيها السيسي باكتساح كبير على المعارض حمدين صباحي، لكن "كان هناك اهتمام بالانتخاب سواء لدعم الرئيس أو المعارضة أو إبطال الأصوات، كان هناك قدر يعتد به من الاهتمام".

ويتابع الشوبكي: "أرى أن ما يحدث سيضر بالمنافسين الآخرين، خصوصا مرشح المعارضة الوحيد فريد زهران.. لن يتضرر السيسي لأن حرب غزة عززت من تيار الاستقرار وعدم الرغبة في أي تغييرات فجائية".

ويوضح: "في حالات الحروب يكون الأمن والاستقرار أولوية حتى في ظل وجود أزمات اقتصادية.. الخوف من المجهول وتداعيات الحروب يجعل الناس تدعم الرئيس الموجود.. حرب غزة، بعيدا عن حسابات الانتخابات المحسومة، وفق الحسابات السياسية أفادت السيسي".

وهو ما أقرت به أميرة صابر المتحدثة باسم حملة زهران، حين قالت إن "الحملة أعلنت ترشحه في ظرف مغاير لما يجري حالياً، وفقدنا الكثير من الحماسة والشغف، لأن الحزن يخيم على الجميع".

كما لم يعد يتحدث أحد عن المعارض المصري والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي، الذي اعتزم خوض الانتخابات الرئاسية، قبل أن يعلن في 13 أكتوبر/تشرين الأول، عدم استيفائه شروط الترشح بجمع العدد المطلوب من توكيلات المواطنين حتى يحقّ له الترشح.

ومنذ أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فتح باب الترشح في 4 أكتوبر/تشرين الأول، جمع الطنطاوي أكثر من 14 ألف توكيل بما لا يؤهله لخوض سباق الانتخابات الرئاسية الذي يتطلب جمع 25 ألف توكيل بالحدّ الأدنى من مواطنين في 15 محافظة من محافظات البلاد الـ27، أو أن يحصل على 20 تزكية على الأقل من برلمانيين.

واتهمت حملة الطنطاوي السلطات بتعمد عدم تسجيل توكيلات المواطنين بحجج مختلفة، بينها عطل في أجهزة الحاسوب تارة وعدم توافر الوقت اللازم لدى الموظفين تارة أخرى.

وتجري العملية الانتخابية فيما تشهد البلاد التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم مستوى قياسيا مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.

وخفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى "بي-"، هبوطا من "بي"، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي.

وارتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40%، في سبتمبر/أيلول، وهو مستوى قياسي، قبل أن ينخفض نقطتين مئويتين، في أكتوبر/تشرين الأول.

كذلك تواجه مصر اتهامات عديدة من منظمات حقوقية محلية ودولية باستهداف معارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان منذ إطاحة الجيش بالرئيس الإسلامي الراحل، محمد مرسي، في 2013 وبتنفيذ حملة قمع واسعة شملت إسلاميين وليبراليين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر رئاسيات مصر السيسي انتخابات غزة انتخابات مصر انتخابات رئاسية

لمصر وإسرائيل وغزة.. هذا ما تعنيه ولاية السيسي الرئاسية المقبلة

محسومة مسبقا للسيسي.. المصريون يتجهون لصناديق الانتخاب لاختيار رئيس جديد

رويترز: انتخابات الرئاسة المصرية لم يهتم بها أحد وأنصار السيسي القلائل يعتقدون أنها غير حقيقية