أكاديمي إسرائيلي: الدولة العبرية بحاجة إلى "حب أمريكي قاس" لإنهاء حرب غزة

الجمعة 8 ديسمبر 2023 02:00 م

سلط أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة المفتوحة بإسرائيل، ياغيل ليفي، الضوء على ما اعتبرها حاجة لتعديل أمريكي في سياسة الدعم الموجهة لإسرائيل، في ظل الحرب على قطاع غزة، مشيرا إلى أن الدولة العبرية نفسها بحاجة إلى "حب قاس" من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب.

وفي تحليل نشره بموقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أشار ليفي إلى مقال نشره السيناتور الأمريكي، بيرني ساندرز، بصحيفة "نيويورك تايمز"، دعا فيه إلى ربط المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بتغييرات في سياسات الدولة العبرية، وحدد عدة خطوات لذلك، تتراوح من إنهاء الحرب في غزة إلى مشاركة إسرائيل في محادثات سلام شاملة مع الفلسطينيين من أجل إقرار حل الدولتين.

وأضاف أن ساندرز اعترف بأوجه القصور السابقة في النهج الأمريكي، وأكد على الحاجة إلى التحول لاستراتيجيات أكثر تأثيرًا، قائلا: "من الواضح أننا لم نفعل ما يكفي. والآن يجب علينا أن نجدد التزامنا بهذا الجهد".

وفي حين واجهت مبادرة ساندرز انتقادات متوقعة من مؤيدي إسرائيل، اعتبر ليفي أنه من الأهمية بمكان النظر إليها في السياق الأوسع للصراعات الداخلية بإسرائيل، معتبرا أن المبادرة ربما تكون بمثابة حافز لمعالجة التحديات السياسية عميقة الجذور التي تواجهها إسرائيل.

 ففي صراعها مع نظام سياسي مصاب بالشلل العميق، تجد إسرائيل نفسها عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، وفي هذه الظروف فإن دعم وتدخل حلفائها قد لا يكون مفيداً لها فحسب، بل ربما يكون حاسماً.

ووصف ليفي الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل في الحرب على غزة بالافتقار إلى أهداف واضحة وقابلة للتحقيق، حيث كان الهدف الأساسي يتلخص في "الإطاحة بنظام حماس وتفكيك قدراته العسكرية"، وهو هدف "محاط بالغموض"، ولذا قامت الحكومة الإسرائيلية بمراجعة أهدافها الحربية بشكل متكرر.

وتعكس مثل هذه المراجعات المتكررة قضية أعمق، إذ أن الخلاف الداخلي المتزايد في إسرائيل يؤدي إلى تضخيم التوقعات العامة، ما يزيد من تعقيد تعريف خطة خروج ملموسة من الحرب أو معايير نجاح واضحة لها، بحسب ليفي، مشيرا إلى أن "إسرائيل، العالقة في هذه الدوامة، تواجه خطر الصراع الذي لا ينتهي".

نظام مشلول

وأوضح أن نظام إسرائيل السياسي "المشلول" لا يكافح من أجل تحديد أهداف واقعية فحسب، بل يكافح أيضاً لتحديد اللحظة المناسبة للتراجع، ما يشل عملية صنع القرار المباشرة في إسرائيل ويلقي بظلال طويلة على اتجاهها الاستراتيجي المستقبلي، ويؤثر بشكل كبير على مكانتها الإقليمية والدولية.

وأشار ليفي، في هذا الصدد، إلى أن إسرائيل، بعد 8 أسابيع من الحرب العنيفة على قطاع غزة، لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها، كما فشلت حكومتها في صياغة رؤية سياسية واضحة لما بعد الحرب.

وإزاء ذلك، توجه إسرائيل توجه إسرائيل الحرب بمنطق الضرورات العسكرية وليس استنادا إلى استراتيجية سياسية متماسكة، وإذا كانت تهدف إلى إعادة احتلال غزة، والعمل كقوة أساسية بدلاً من حماس، فقد تستمر الحرب لعدة أشهر حتى يستسلم آخر مقاتل مقاوم لها.

ومن ناحية أخرى، إذا دعمت إسرائيل حل الدولتين، وسمحت للسلطة الفلسطينية بحكم غزة مرة أخرى، فإن ذلك من شأنه أن يساعد في إنهاء الصراع بسرعة أكبر، بحسب ليفي، مشيرا إلى أن هكذا حل لن يساعد السلطة الفلسطينية في إعادة تأهيل غزة فحسب، بل سيعزز أيضًا شرعيتها بين الفلسطينيين بشكل عام، وفي غزة بشكل خاص، وسيصورها على أنها "المنقذ من الحرب الإسرائيلية".

ومع ذلك، فإن عدم قدرة إسرائيل على اتخاذ خيارات حاسمة بسبب شللها السياسي يشكل عائقا كبيرا، حسبما يرى ليفي، موضحا، خلافا لما يوحي به ساندرز، إلى أن جذور هذا الشلل يمتد إلى ما هو أبعد من تأثير المتطرفين اليمينيين في مجلس الوزراء، إذ لدى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مصلحة في إطالة أمد الصراع من أجل البقاء في منصبه، إذ طالما استمر القتال فإن الإسرائيليين مستعدون لتأجيل حسابهم السياسي معه.

والأمر الأكثر أهمية، فيما يرى ليفي، أن الجيش الإسرائيلي تحول، بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو استعراض القوة العسكرية، متجاهلاً في كثير من الأحيان الحاجة إلى الحذر وضبط النفس، في موقف عدواني أدى إلى زيادة غير مسبوقة في عدد الضحايا المدنيين في غزة، ما يعرض شرعية إسرائيل الدولية للخطر، حسب تقديره.

واعتبر ليفي أن مثل هذا النهج العدواني يشير إلى اتجاه مثير للقلق في سياق السياسة الداخلية والخارجية الإسرائيلية، ويتزامن مع تحول آخر داخل المشهد السياسي الداخلي، فخلال الحروب السابقة، كان بإمكان المنتمين إلى اليسار في كثير من الأحيان التعبير عن انتقاداتهم وتقديم البدائل، لكن هذه الأصوات أصبحت مكتومة الآن في الغالب.

يسار الوسط

فاليمين الإسرائيلي، بزعامة نتنياهو، يتهم معسكر يسار الوسط بتقويض قوة الردع في البلاد قبل "طوفان الأقصى" من خلال الاحتجاجات الجماهيرية ضد برنامج نتنياهو للإصلاح القضائي، والتي تضمنت رفض طياري القوات الجوية وغيرهم التطوع في الخدمة الاحتياطية، وذلك رغم أن المتظاهرين انخرطوا في الخدمة بمجرد بدء الحرب على غزة.

وفي مواجهة هذه الاتهامات، كان يسار الوسط أكثر ترددا من المعتاد في التحدث الإعلامي واقتراح سبل لإنهاء الحرب، ما عزز رواية مفادها أن أي شيء باستثناء الحرب الشاملة في غزة يُنظر إليه على أنه أمر لا يمكن الدفاع عنه.

وطغت الحجة الداعية إلى رد قوي ضد حماس على أي منطق استراتيجي وراء الحرب، وبالتالي فإن يسار الوسط لم يتجاهل مسألة "اليوم التالي للحرب" بالغة الأهمية فحسب، بل يبدو أيضاً منفصلاً عن تحديات إعادة بناء غزة في فترة ما بعد الحرب أيضا.

وتتفاقم ندرة وجهات النظر البديلة في إسرائيل بسبب التدابير الحكومية التي تحد من حرية التعبير، إذ تم تقييد المظاهرات المناهضة للحرب، ويشعر أفراد الأقلية العربية بالتهديد بشكل متزايد في الأماكن العامة.

ومع غياب استراتيجية خروج واضحة من الحرب ورؤية للعلاقات المستقبلية مع غزة، فإن الرأي العام الإسرائيلي آخذ في التحول، بحسب ليفي، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي تؤشر لتزايد التأييد لفكرة إعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة.

هذا هو خيال الجناح اليميني الذي يدعو إلى الانتقام بلا هوادة في غزة، وعلى العكس من ذلك جاء اقتراح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتمكين السلطة الفلسطينية من حكم غزة بعد الحرب، وهو الاقتراح الذي لم يثر النقاش العام الذي يستحقه.

وفي سياق الشلل الداخلي الذي تعاني منه إسرائيل، لا تستطيع الدولة العبرية اتخاذ القرارات الحاسمة اللازمة لاستعادة أمنها، ولكي يتمكن بايدن من توجيه إسرائيل بشكل فعال بعيداً عن مسار يحتمل أن تدمر به نفسها ويتجنب أزمة إقليمية أوسع، تحتاج إدارته إلى أن تكون أكثر حزماً، حسبما يرى ليفي.

 ويوضح الأكاديمي الإسرائيلي أن ما طرحه ساندرز ربما يكون مدخلا جيدا في هذا الصدد، مشيرا إلى أن السوابق التاريخية، بما في ذلك رفض إدارة جورج بوش الأب، في عام 1991، الموافقة على ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل ما لم تجمد بناء المستوطنات، يبرهن على الفعالية المحتملة للضغوط الأمريكية.

فقد ساعد هذا الشكل من التأثير الخارجي يسار الوسط في إسرائيل تاريخيا على تحدي سياسات الحكومة، ولعب دوراً محورياً في صعود حكومة، إسحق رابين، في عام 1992.

ويرى ليفي إمكانية أن يؤدي فرض مثل هذه الضغوط الأمريكية إلى إلهام يسار الوسط الإسرائيلي لمناصرة أجندة أكثر حذراً، وقد يحفز ذلك المعسكر، الذي يتكون بشكل كبير من الطبقة الوسطى، على العمل مع تصاعد تكاليف الحرب التي لم لا تعد الولايات المتحدة بتمويلها، وفق مقترح ساندرز.

ويخلص ليفي إلى أن الدور الأميركي الأكثر حزماً "قد يكون هو المفتاح إلى حل المأزق السياسي الذي تعيشه إسرائيل، وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر استقراراً وأماناً في المنطقة"، مؤكدا أنه "حان الوقت لأولئك الذين يهتمون بإسرائيل أن يظهروا التزامهم بطريقة بناءة".

المصدر | ياغيل ليفي/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل ياغيل ليفي الولايات المتحدة جو بايدن غزة حماس

ف. تايمز: إطالة أمد الحرب في غزة رغبة إسرائيلية.. وأمريكا تحاول تجنب الكارثة