ديفيد هيرست: نتنياهو يريد تدمير حماس لكن حرب غزة يمكن أن تؤدي لانهيار إسرائيل

الجمعة 22 ديسمبر 2023 04:11 م

"نتنياهو أراد تدمير حماس، لكن هذه الحرب يمكن أن تؤدي إلى انهيار إسرائيل"، بهذه الجملة لخص الكاتب البريطاني البارز ديفيد هيرست رؤيته لتداعيات الحرب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة، والتي تقترب من إتمام ثلاثة شهور، وسط دمار واسع بالقطاع المكتظ بالفلسطينيين وحوالي 20 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال.

ويرى هيرست، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، أن حرب غزة كانت "بمثابة خطأ كبير في الحسابات بالنسبة لإسرائيل"، و"فضلاً عن كونها كارثة أخلاقية وعسكرية، فإنها تؤجج المقاومة وتشعل جمر الغضب في جميع أنحاء العالم العربي".

زيادة شعبية المقاومة

ويضيف: "لقد منحت حرب إسرائيل الحالية المقاومة شعبية ومكانة في العالم العربي لم يسمع بها أحد منذ عقود عديدة، وحتى الانتفاضة الأولى والثانية لم تحققا نفس النجاح الذي حققته حماس في غزة خلال الشهرين الماضيين".

ويردف الكاتب: "لقد أشعلت غزة من جديد جذوة الغضب العربي بسبب ما فعله بها المهاجرين اليهود".

وقد فعلت إسرائيل في غزة خلال شهرين أكثثر مما فعلته في لبنان خلال الثمانينيات من القرن الماضي، في أربعة أشهر، من حيث عدد الضحايا وكمية الدمار، لدرجة أن محللين عسكريين يقارنون ما فعله الإسرائيليون بغزة بما حدث على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية ضد مدن هامبورج وكولونيا ودريسدن، والتي تم تدميرها بشكل مروع، يقول هيرست.

ويتابع: "على عكس حصار بيروت أو مجازر عام 1982 في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين، فإن القصف الليلي على غزة يتم بثه مباشرة على قناة الجزيرة، وبات ملايين العرب لا يستطيعون الابتعاد عن مشاهد الرعب اليومية عبر الشاشات من غزة".

ويقول الكاتب إن الدمار الذي لحق بغزة يرسي الأساس لخمسين سنة أخرى من الحرب، ولن تنسى أجيال من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أبدًا الهمجية التي تقوم بها إسرائيل وهي تفكك القطاع اليوم.

ويمضي بالقول: "إن غزة، وهي في حد ذاتها مخيم كبير للاجئين، أصبحت أرضاً مقدسة".

وينقل هيرست عن  آرون ديفيد ميلر، وهو محلل أمريكي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، أنه في حين يرى جيش الاحتلال الإسرائيلي النصر من خلال منظور "القوة الصلبة" – أي أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين قتلوا ودمر المزيد، كلما زاد اعتقاده بأنه فاز - فإن حماس تنظر إلى النصر من خلال منظور "القوة الناعمة"، أي أنها كلما اكتسبت المزيد من القلوب والعقول، كلما كان النصر أعظم.

صعود "حماس"

ويقول الكاتب إنه لا شيء آخر يمكن أن يفسر  الصعود المذهل الذي حققته حماس في استطلاعات الرأي في الضفة الغربية والأردن، بل وحتى في أماكن مثل المملكة العربية السعودية، حيث حاولت الحكومة السعودية عمداً "دفن الحديث الحرب من خلال إقامة المهرجانات".

وقد وجد خليل الشقاقي، خبير استطلاعات الرأي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي يحظى باحترام واسع، وهو ليس من محبي "حماس"، أن 72% من المشاركين يعتقدون أن "حماس" كانت "على حق" في شن هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بينما أيدها 82% في الضفة الغربية.

وفي الوقت نفسه، انخفض الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية تبعاً لذلك. وجد الشقاقي أن 60 بالمائة يريدون حله.

وتؤكد سلسلة من التقييمات الاستخباراتية الأمريكية الارتفاع الكبير في شعبية "حماس" منذ بداية الحرب.

ويقول مسؤولون مطلعون على التقييمات المختلفة إن الجماعة نجحت في وضع نفسها في أجزاء من العالم العربي والإسلامي كمدافع عن القضية الفلسطينية ومقاتل فعال ضد إسرائيل، حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن".

ويعلق ديفيد هيرست: "هذه أخبار سيئة بالنسبة لكل تلك البلدان، وعلى رأسها الولايات المتحدة بطبيعة الحال ـ التي تتصور أن السلطة الفلسطينية قادرة على الحلول محل حماس في غزة.. هذه ليست مجرد أرقام. إنه الواقع السياسي الجديد بعد 7 أكتوبر".

ويمضي بالقول: لقد أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بالكامل، كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس على النحو الذي قد تستفيد منه حكومته أو الحكومات المستقبلية.

غزة لم تعد منسية

ويقول الكاتب إن الحرب الحالية وضعت غزة في مكانة جديدة.

ويضيف أنه لمدة 17 عامًا، ظلت غزة منسية أو متجاهلة من قبل بقية العالم باستثناء حروب الأعوام 2009 و2012 و2014 و2021، حيث بذلت أمريكا والقوى الأوروبية الكبرى قصارى جهدها لتعزيز الحصار الذي فرضته إسرائيل والملك الأردني عبدالله والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على غزة.

ويردف: حسنا، الآن، ومع تدمير 60% منها ومع وجود 2.3 مليون شخص لا يملكون منازل أو مدارس أو مستشفيات أو طرق أو متاجر أو مساجد للعودة إليها، لم يعد هناك خطر من تجاهل غزة بعد الآن.

ويؤكد هيرست أنه إذا كانت السياسة التي تنتهجها إسرائيل طيلة سبعة عشر عاماً تتلخص في مبدأ "تقسيم تسد" من خلال فصل غزة عن الضفة الغربية وإزالة كل احتمالات المشاركة في حكومة وحدة وطنية، فإن غزة والضفة الغربية سوف يتوحدان من جديد على نحو لم يسبق له مثيل.

تفريغ اتفاقيات أبراهام

ويشير الكاتب إلى أن حرب غزة أفشلت فلسفة مهمة كانت أمريكا تسوقها ضمن اتفاقيات التطبيع بين دول خليجية وعربية وإسرائيل، والتي عرفت بـ"اتفاقيات أبراهام"، وهي فصل الفلسطينيين عن تلك الاتفاقية.

ويقول إن السعوديون والبحرينيون والقطريون والإماراتيون عادوا الآن للحديث عن مطالبات تتفق مع مبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي جاءت "اتفاقيات أبراهام" لتحل محلها، حيث سيتم ربط التقدم بين الدول العربية وإسرائيل، بما يتم في فلسطين.

وكانت السمة الرئيسية لـ"اتفاقيات أبراهام"، كما وضعها السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، وجاريد كوشنر، هي جعل حق النقض الفلسطيني غير ذي صلة، لكن الآن تغير هذا الوضع.

المضي نحو الحرب

ويقول هيرست إنه في وسط  كل هذه الخطط، لم يعد أمام نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف سوى طريق واحد للمضي قدماً - وهو المضي قدماً في الحرب، وهم لا يمكنهم التراجع.

ومن أجل بقائه السياسي والقانوني، يتعين على نتنياهو مواصلة الحرب.

وكذلك الأمر بالنسبة للصهيونية الدينية القومية.

ويضيف: يعلم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أنهما سيخسران فرصة العمر لتغيير التوازن الديموغرافي لليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية إذا أجبر الرئيس الأمريكي جو بايدن نتنياهو على إنهاء الحرب.

وربما تنتهي الحرب تحت ضغط الولايات المتحدة، وتستمر كنزاع يتسم بضربات يشنها الجيش الإسرائيلي ضد قيادة "حماس" وحرب عصابات طويلة الأمد ينفذها مقاتلون يعملون في وحدات صغيرة.

لكن هذا لا يعني قيام إسرائيل بالاستيلاء على معبر رفح وإغلاق الأنفاق لمنع حماس من إعادة التزود بالأسلحة المهربة عبر الحدود فحسب، بل يعني أيضاً قيام إسرائيل بتوفير الإدارة المدنية لشمال غزة الذي دمرته بالكامل، يقول الكاتب.

توسع الحرب في الإقليم

ويقول الكاتب إنه من الممكن أن تكون نتيجة هذه الحرب حالة مستمرة من الصراع، الأمر الذي سيحرم إسرائيل من الادعاء بأنها أصبحت دولة عادية على النمط الغربي.

وضيف: في ظل هذه الظروف، فإن توسع الحرب سيكون موجوداً دائماً، كما تظهر هجمات الحوثيين في اليمن على السفن الغربية التي تمر عبر البحر الأحمر.

ويختتم هيرست مقاله بالقول: "ميتوت حماس (انهيار حماس) هو الشعار باللغة العبرية وهو هدف حكومة الحرب الإسرائيلية، وبعد شهرين من هذا التدمير، يمكنهم أيضًا تعديل هذا ليصبح ميتوت إسرائيل، لأن هذا هو التأثير الذي قد تحدثه هذه الحرب".

المصدر | ديفيد هيرست / ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب غزة ديفيد هيرست حماس المقاومة الفلسطينية القضية الفلسطينية اتفاقيات أبراهام التطبيع

رغم قوتها التدميرية.. هذه دلائل خسارة إسرائيل للحرب أمام حماس