الإبادة الجماعية في غزة.. دعم النخب الحاكمة يزيل القناع عن الليبرالية الغربية

الخميس 28 ديسمبر 2023 08:37 ص

سلط الكاتب الصحفي الإسرائيلي البريطاني، جوناثان كوك، الضوء على الدعم الغربي للإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، واصفاه إياه بأنه إجابة بنعم على السؤال: هل نحن (الغربيون) أشرار؟

وأشار كوك، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، إلى زعما الغرب لم يكتفوا بدعم حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة خطابيا فحسب، بل قدموا الغطاء الدبلوماسي والأسلحة وغير ذلك من المساعدات العسكرية، ولذا فالغرب متواطئ بشكل كامل في التطهير العرقي لنحو مليوني فلسطيني وتهجيرهم من منازلهم، فضلاً عن قتل أكثر من 20 ألفاً وإصابة عشرات الآلاف، أغلبهم من النساء والأطفال.

وأضاف أن السياسيين الغربيين يصرون على ما يصفونه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد أن سوت البنية التحتية الحيوية في غزة بالأرض، بما في ذلك المباني الحكومية، وانهار القطاع الصحي، وبدأت المجاعة والأمراض في القضاء على بقية السكان.

ولفت إلى أن الفلسطينيين في غزة ليس لديهم مكان يهربون إليه، ولا مكان يختبئون فيه من القنابل التي تزود الولايات المتحدة إسرائيل بها، وإذا سُمح لهم بالهروب في نهاية المطاف، فسيكون ذلك في مصر المجاورة، وبعد عقود من النزوح، سيتم نفيهم نهائيًا من وطنهم.

وبينما تحاول العواصم الغربية تبرير هذه الأفعال الفاحشة بإلقاء اللوم على حركة حماس، يسمح القادة الإسرائيليون لجنودهم وميليشيات المستوطنين، المدعومة من الدولة، بالاستيلاء على الضفة الغربية، حيث لا توجد سلطة لحماس، بحسب كوك.

وفي دفاعهم عن الدمار الذي لحق بغزة، شبه القادة الإسرائيليون القصف بالقنابل الحارقة التي ألقاها الحلفاء على المدن الألمانية، مثل مدينة دريسدن، ومن الواضح أنهم لم يشعروا بالحرج إزاء حقيقة مفادها أن هذه الأفعال اعتُرف بها منذ فترة طويلة باعتبارها من أسوأ الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية.

ويصف كوك ما تفعه إسرائيل في غزة بأنه "شن لحرب استعمارية بلا خجل على النمط القديم للاستعمار ضد السكان الأصليين، من النوع الذي يسبق القانون الإنساني الدولي. بتأييد من القادة الغربيين".

ثورة العبيد

ويضيف كوك بأن الهجوم الإسرائيلي على غزة "يثير اشمئزاز الكثيرين لأنه يبدو من المستحيل تبريره. ويكشف شيئًا بدائيًا وقبيحًا في سلوك الغرب الذي تم حجبه لأكثر من 70 عامًا بقشرة من التقدم، من خلال الحديث عن أولوية حقوق الإنسان، وتطوير المؤسسات الدولية، وقواعد الحرب، والادعاءات الإنسانية".

ويصف كوك هذه الادعاءات بأنها كانت "كاذبة دائمًا"، فقد تم بيع فيتنام وكوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا وأوكرانيا على أساس من الأكاذيب، وكان الهدف الحقيقي للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي هو نهب موارد الآخرين، والحفاظ على واشنطن كزعيم عالمي، وإثراء النخبة الغربية.

ولكن الأهم من ذلك، بحسب كوك، هو أن الخداع كان مدعومًا بسرد شامل جر العديد من الغربيين في أعقابه، فقد جرى ترويج الحروب على أنها تهدف إلى مواجهة تهديد الشيوعية السوفييتية، أو "الإرهاب" الإسلامي، أو الإمبريالية الروسية المتجددة، أو لتحرير النساء المضطهدات أو حماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية.

لكن لا شيء من هذا التراكب السردي يمكن تسويقه في حالة غزة، فليس هناك أي شيء إنساني في قصف المدنيين المحاصرين وتحويل سجنهم الصغير إلى أنقاض، ما يذكّر بمناطق الكوارث الزلزالية، ولكن هذه المرة كارثة من صنع الإنسان بالكامل.

ويضيف كوك: "لا تستطيع حماس أن ترسل أي نوع من الرؤوس الحربية إلى أوروبا، ناهيك عن إرسالها خلال 45 دقيقة. ولم يكن معسكر الاعتقال الخاص بهم على الإطلاق هو القلب المعقول لإمبراطورية إسلامية مستعدة لاجتياح الغرب".

ويتابع: "حتى إسرائيل لا تملك الجرأة للادعاء بأنها تحرر نساء وفتيات غزة من حماس بينما تقتلهن وتجوعهن. كما أنها لا تتظاهر بأنها مهتمة بتعزيز الديمقراطية، بل إن غزة مليئة بالحيوانات البشرية ويجب تسويتها بالأرض"، حسبما صرح قادة بالدولة العبرية.

وإزاء ذلك، كان من المستحيل تقريباً تقديم حماس، التي تتألف من بضعة آلاف من المقاتلين المتمركزين في غزة، لتبدو وكأنها تشكل تهديداً حقيقياً لأسلوب الحياة في الغرب.

بل إن كوك يرى أن وصف ما جرى في غزة خلال الأسابيع الماضية بأنه "حرب" ليس ممكنا، فغزة ليست دولة، وليس لديها جيش، وظلت تحت الاحتلال لعقود من الزمن، وتحت الحصار لمدة 16 عامًا، وهو حصار قامت فيه إسرائيل بحساب السعرات الحرارية المسموح بها للحفاظ على مستوى منخفض من سوء التغذية بين الفلسطينيين.

وفي هذا السياق، يصف الباحث اليهودي الأمريكي، نورمان فينكلستين، عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بأنها "ثورة عبيد".

القمع الجماعي

وفي غياب مبرر مقنع لمساعدة إسرائيل في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها في غزة، فإن زعماء الغرب مضطرون إلى شن حرب موازية على الرأي العام الغربي، وأصبح التشكيك في حق إسرائيل في إبادة الفلسطينيين في غزة، وترديد شعار يدعو الفلسطينيين إلى التحرر من الاحتلال والحصار، والمطالبة بحقوق متساوية للجميع في المنطقة، بمثابة معادل لمعاداة السامية.

ويلفت كوك إلى أن الطريق إلى هكذا تضليل كن ممهدا منذ فترة، إذ بدأ الأمر قبل وقت طويل من قيام إسرائيل بتسوية قطاع غزة بالأرض، فعندما تم انتخاب جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال البريطاني في عام 2015، جلب لأول مرة أجندة ذات مغزى مناهض للإمبريالية إلى قلب السياسة البريطانية، وباعتباره مؤيدًا قويًا للحقوق الفلسطينية، كانت مؤسسة الدولة تنظر إليه باعتباره تهديدًا لإسرائيل، وهي دولة عميلة ذات أهمية بالغة للولايات المتحدة، حسب تعبيره.

وكان من المحتم أن تستجيب النخب الغربية بعدائية غير مسبوقة لهذا التحدي الذي يواجه آلة الحرب الأبدية، بحسب كوك، مشيرا إلى أن خليفة كوربين، كير ستارمر، لاحظ هذا على النحو الواجب، وحرص منذ ذلك الحين على تقديم حزب العمال باعتباره المؤيد الأول لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وخلال فترة ولاية كوربين، لم تضيع المؤسسة البريطانية سوى القليل من الوقت لوضع زعيم حزب العمال في موقف دفاعي بشكل دائم وتقويض مؤهلاته الراسخة في مناهضة العنصرية، وتم تصويره على أنه معاد للسامية.

ولم تلحق حملة التشهير الضرر بكوربين فحسب، بل مزقت حزب العمال، وحولته إلى فصائل متناحرة، ما استنفد كل طاقة الحزب وجعله غير مؤهل لثقة الناخبين.

حملة تشويه

ويشير كوك إلى أن "نفس قواعد اللعبة تمارس اليوم ضد قسم كبير من الرأي العام البريطاني والأمريكي. ففي هذا الشهر أصدر مجلس النواب بأغلبية ساحقة قراراً يساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، بما يشمل حاليا: معارضة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة".

ويوصف المتظاهرون الذين خرجوا للمطالبة بوقف إطلاق النار لإنهاء المجازر في غزة بأنهم "مثيرو شغب"، في حين تم التنديد بهتافهم "من النهر إلى البحر" الذي يدعو إلى المساواة في الحقوق بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين باعتباره دعوة للقضاء على دولة إسرائيل والشعب اليهودي.

ويرى كوك أن هكذا ممارسة تمثل اعترافا غير مقصود من قبل الطبقة الغربية الحاكمة بأن إسرائيل، التي تشكلت كدولة يهودية شوفينية استعمارية استيطانية، لا يمكنها أبدًا أن تسمح للفلسطينيين بالمساواة أو الحريات أكثر مما فعلت جنوب أفريقيا العنصرية للسكان السود الأصليين.

وانتقلت حملة التشهير الجماعية تلك إلى حد لجوء النخب الغربية من تلقاء نفسها إلى إغلاق حريات التعبير والفكر في المؤسسات التي من المفترض أن تتمتع بحماية شديدة فيها.

فقد تعرض رؤساء 3 جامعات أمريكية كبرى لاستجواب من الكونجرس حول التهديد الذي تشكله معاداة السامية للطلاب اليهود من خلال احتجاجات الحرم الجامعي المطالبة بوضع حد للقتل في غزة.

وإزاء ذلك، أصبح ترتيب الأولويات في الغرب واضحا وصريحا: فحماية الحساسيات الأيدولوجية لقسم من الطلاب اليهود، الذين يؤيدون بشدة حق إسرائيل في قتل الفلسطينيين، كانت أكثر أهمية من حماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية أو الدفاع عن الحريات الديمقراطية الأساسية في الغرب لمعارضة الإبادة الجماعية.

وأدى تحفظ رؤساء الجامعات الثلاثة في الاستجابة لمطالب السياسيين بالقضاء على حرية التعبير والفكر في الحرم الجامعي إلى حملة لوقف تمويل كلياتهم بالإضافة إلى دعوات لفصلهم من مناصبهم، وأحدهم، وهي: إليزابيث ماجيل من جامعة بنسلفانيا، أُجبرت بالفعل على ترك منصبها.

وتمثل كل تلك الممارسات علامة جديدة على أن مصالح الطبقة الحاكمة في الغرب منفصلة تماما عن مصالح عموم المواطنين، ما أزال الغشاوة عن الأعين أمام حقيقة مفادها أن التمسك بالمشروع السياسي الغربي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يفشل.

فالادعاءات بانتصار النظام الديمقراطي الليبرالي، التي أعلنها مثقفون مثل فرانسيس فوكوياما، بصوت عالٍ في أواخر الثمانينيات، تبدو الآن سخيفة بشكل واضح، كما أن "النخب الغربية لم يعد لديها إجابات واضحة عن أكبر التحديات في عصرنا، بل تتخبط في محاولة التعامل مع المفارقات المتأصلة في النظام الرأسمالي، والتي كانت الديمقراطية الليبرالية موجودة لتحجبها"، حسبما يرى كوك.

والآن يبدو الوعد بالتقدم وبمجتمعات أكثر لطفاً ورعاية ومساواة وكأنه "نكتة سخيفة في نظر أغلب الغربيين الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً"، بحسب الكاتب الإسرائيلي البريطاني.

شراب الأكاذيب

ويؤكد كوك أن الادعاء بأن الغرب هو "الأفضل" بدأ يبدو وكأنه يرتكز على أسس هشة، حتى بالنسبة للجمهور الغربي، "لكن هذه الفكرة انهارت منذ فترة طويلة في الخارج، في البلدان التي دمرتها آلة الحرب الغربية أو التي تنتظر دورها. فالنظام الديمقراطي الليبرالي لا يقدم لهم سوى التهديدات: فهو يتطلب الولاء أو العقاب. وهذا هو سياق الإبادة الجماعية الحالية في غزة".

ويشير كوك إلى مزاعم إسرائيل بأنها تقف على الخطوط الأمامية لحماية التحضر الغربي، واصفا حقيقتها بأنها "بؤرة استيطانية مكشوفة وغير مستقرة للنظام الديمقراطي الليبرالي، حيث يكون خليط الأكاذيب حول الديمقراطية والليبرالية في أقصى حالاته السامة وغير مقنعة".

وبصريح العبارة، يصف كوك إسرائيل بأنها "دولة فصل عنصري تقدم نفسها في صورة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وتتنكر قوات الاحتلال الوحشية التابعة لها في صورة "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، تمام كما تتنكر إبادتها الجماعية اليوم في صورة "القضاء على حماس".

وقد كان على إسرائيل دائما أن تحجب هذه الأكاذيب من خلال الترهيب، وأي شخص يجرؤ على فضح الخداع يتم وصفه بأنه معاد للسامية، لكن قواعد اللعبة بدت مهينة بشكل صارخ عندما كانت المسألة المطروحة هي وقف الإبادة الجماعية في غزة.

وينوه كوك، في هذا الصدد، إلى أن الباحث وناشط السلام الإسرائيلي، جيف هالبر، كتب، قبل ما يقرب من عقد من الزمان، كتابا بعنوان "الحرب ضد الشعب"، حذر فيه من أن: "في حرب لا نهاية لها ضد الإرهاب، محكوم علينا جميعا أن نصبح فلسطينيين".

وأضاف أنه "لن يُنظر إلى أعداء الغرب فحسب باعتبارهم تهديدًا لمصالح الطبقة الحاكمة الرأسمالية العازمة على امتيازاتها الدائمة وثرواتها، بل عموم مواطني الغرب أيضا، ممن لا يرددون ما تروجه آلة الدعاية الخاصة بمصالح تلك الطبقة.

ويخلص كوك إلى أن "غزة ليست مجرد خط المواجهة في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني. بل هي أيضاً خط أمامي في حرب النخبة الغربية على قدرة عموم الغربيين على التفكير النقدي، وتطوير طرق مستدامة للعيش، والمطالبة بمعاملة الآخرين بالكرامة والإنسانية التي يتوقعونها لأنفسهم، فخطوط المعركة مرسومة. وأي شخص يرفض الوقوف إلى جانب الأشرار فهو العدو".

المصدر | جوناثان كوك/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل غزة الإبادة الجماعية الغرب الجيش الإسرائيلي حماس

هآرتس: إسرائيل تخشى اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة

جرائم الإبادة الجماعية بغزة.. المحاكمة الدولية لإسرائيل في 6 أسئلة

العدوان على غزة.. 8 أساليب إسرائيلية للإبادة الجماعية