تعديل قانون تملك الأراضي الصحراوية في مصر يثير جدلا.. ماذا حدث؟

الخميس 4 يناير 2024 07:32 م

وافق مجلس النواب (البرلمان) المصري، على تعديل تشريعي، مقدم من الحكومة، يقضي بإلغاء قصر تملّك الأراضي على المصريين، والسماح للمستثمرين الأجانب بالحصول على الأراضي اللازمة لمزاولة النشاط أو التوسع فيه.

التعديل الذي واجه اعتراضات كبيرة داخل البرلمان، قبل إقراره من الأغلبية، تجاوز القيود الذي فرضها قانون الاستثمار في مادتيه (11) و(12)، من وجوب ألا تقلّ ملكية المصريين عن 51% من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على 20% من رأس مالها، ومن اقتصار التملّك على المصريين فقط.

وبررت الحكومة التعديل التشريعي، بإزالة المعوقات أمام المستثمرين الأجانب جذباً للاستثمارات، والتوفيق بين النصوص القانونية المرتبطة بالاستثمار، بما يسهم في زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية داخل البلاد، واستغلال وتعمير الأراضي الصحراوية.

واستشهدت مذكرة الحكومة الإيضاحية حول التعديل، بما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار، بأن "الدولة المصرية تمر بمرحلة فارقة في تاريخها، ما يستلزم اتخاذ إجراءات وقرارات شديدة الجرأة، ومراجعة القوانين الحالية من أجل جذب أكبر حجم من الاستثمارات الأجنبية، وزيادة فرص العمل".

ووجه السيسي، في اجتماع عقده مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، الأحد الماضي، بـ"تعزيز جهود توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية لعملية التنمية والقطاعات الأخرى ذات الأولوية، ومواصلة العمل المكثف على توفير الظروف الملائمة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتمكين القطاع الخاص".

وخلال اللقاء، أعلن مدبولي فتح المجال لتملّك العقارات للأجانب في مصر من دون التقيد بعدد محدد منها، بهدف جذب المزيد من العملة الصعبة للبلاد، مؤكداً التزام الحكومة إخراج المستثمرين الأجانب لأرباحهم بالدولار، من دون أن تضع قيوداً عليهم.

وعند مناقشة التعديل في البرلمان، اعترض عدد من النواب، محذرين من تعريض الأمن القومي للبلاد للخطر عبر بيع أراضيها للأجانب، خاصة في حالة السماح بتمليك أراضي سيناء.

وشمل التعديل المقدم من الحكومة، الفقرة الثانية من المادتين (11) و(12) من "الأراضي الصحراوية" الصادر عام 1981، ونصت الفقرة الثانية من المادة (11) على إمكانية حصول المستثمر على الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه الاستثماري، وفقًا ﻷحكام قانون الاستثمار، وفي غير تلك اﻷحوال، يشترط ألا تقل ملكية المصريين عن 51% من المشروع.

وأمام اعتراضات النواب على المادة، لما تمثله من تحجيم فرص المستثمرين المصريين، قال رئيس لجنة الإسكان محمد الفيومي، إن وسائل حصول المستثمر الأجنبي على الأرض مختلفة، وتشمل حق الانتفاع وليس بالضرورة البيع.

قبل أن يرد وزير المجالس النيابية علاء الدين فؤاد: "الاستثمار ليس ممنوعا على المصريين، كما أنه ليس ممنوع الشراكة بين مصري وأجنبي، ومن يدخل مشروع استثماري فهذا الاستثمار موجود علي الأرض المصرية".

وفيما تمنح الفقرة الثانية من المادة (12) رئيس الجمهورية الحق فى معاملة حاملي جنسيات الدول العربية، معاملة المصريين فى تملك الأراضى المنصوص عليها فى القانون، أضاف التعديل للمادة جملة "في غير أحوال حصول المستثمر على الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه أو التوسع فيه وفقًا لأحكام هذا القانون أو أحكام قانون الاستثمار"، كاستثناء من منع تملك الأراضي لغير المصريين.

من بين المعترضين على القانون كان رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد عبدالعليم داود، الذي قال: "أرفض هذا القانون مليون مرة، ونحن مع الاستثمار ونشجعه لكن ليس ببيع الأراضي وتملكها للأجانبّ"، متسائلًا: "ماذا لو جاء شخص صهيوني يملك جنسية أخرى ومدعوم من دول أخرى لشراء أراضي مصرية".

ورد وزير المجالس النيابية: "مش بنبيع أرض، ولا الأرض سيأخذها المستثمر ويسافر أو يحتلها، ما نطرحه في هذا القانون لجذب الاستثمارات والعملة الصعبة التي نحتاج إليها".

وفيما طالب النائب الوفدي هاني أباظة، بالتأكد من عدم منح أراضي لأي مستثمر له أصول يهودية، أكد النائب المستقل محمد عبدالحميد هاشم، أن هناك مؤامرة على مصر، والتفاف يسمح لآخرين بتملك الأراضي والعبث بمصر.

وقال: "العرب أكثر قسوة على المصريين"، وهو ما اعترض عليه رئيس المجلس، مقررًا حذف العبارة من المضبطة، مطالبًا النائب بعدم الخروج عن الموضوع، وواصفًا حديثه بأنه "كلام عام لا أساس له".

يشار إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2016، أصدر السيسي قرارا جمهوريا بالموافقة على تملك العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، أرض و3 فيلات في خليج نعمة بمدينة شرم الشيخ (شرق) بغرض الإقامة، في خطوة وصفها الإعلام الحكومة بأنها تأتي في إطار تنمية سيناء.

وفي أغسطس/آب 2017، أصدر السيسي قرارا جمهوريا يسمح لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر، بمعاملته معاملة المصريين، وتملك أرض مصرية عبارة عن 3 قطع أراض في محافظة الشرقية (دلتا النيل/شمال) مساحاتها 128 فدانا و29 فدانا و6 أفدنة.

كما أعلن النائب ضياء الدين داود، رفضه مشروع القانون بقوله: "الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة، ولا نختلف على وطنية أي أحد ولا نشكك في النوايا السياسية"، مضيفًا: "مصر بعد إعلان الجمهورية في 1952 رأت أن هناك خطرًا في تملك الأجانب الأراضي الزراعية والصحراوية، وحاليًا نحن محاطون بوضع يحاول أن يخترق البلاد كما اخترقنا قبل ذلك، ولا يستطيع أحد التلاعب في مصر مثلما حدث في سوريا أو العراق، وسيكون الباب لهذا عن طريق مثل هذه التشريعات".

وأوضح داود أن هناك قوانين تفتح أبواب جهنم لو انحرفت فيها النصوص، قائلًا: "من الذي يضغط على النظام السياسي غير بعض الدول التي تربطنا بها علاقات قوية".

ورد الفيومي على داود، بأن قانون تنمية أراضي سيناء يضع ضوابط صارمة في الاستثمار، قائلًا: "نعلم ما يحاك في أرض سيناء، ولن يتم تمرير أي قانون به ثغرة تمس أمن واستقرار سيناء"، مؤكدًا أن مصر بها جهاز أمني قوي، وكل المسائل يتم عرضها عليه، و"لن نقبل بأي من يلبس عباءة عربية للاستيلاء على الأراضي".

من جانبه، أكد وزير شؤون المجالس النيابية أن ما يحدث من تعديلات هو استثناء في النِسب للتملك بغرض جذب الاستثمارات والعملة الصعبة، موضحًا أن كل المشروعات التي تطرح يكون هناك توافق أمني بشأنها، فيما يخصص لسيناء قانون خاص يمنع التملك.

فيما أعلنت نائبة حزب المصري الديمقراطي أميرة صابر، رفضها لمشروع القانون، وقالت إن النص فضفاض، ويحتاج إلى إعادة دراسة، وقد يترتب عليه أشياء خطيرة، فهناك أراضي صحراوية لها حساسية استراتيجية وسياسية، والاستثمار فيها دون تحديد أمور كثيرة يثير تساؤلات كثيرة.

من جانبها، قالت منصة "متصدقش"، إن التعديل التشريعي ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بسيناء أو أراضيها.

ولفتت إلى أن قانون تنمية سيناء رقم (14) لسنة 2012، الصادر في عهد المجلس العسكري، وتعديلاته، هو من يحدد عملية تملك الأراضي في شبه الجزيرة المصرية.

الرفض لم يقتصر على النواب تحت قبة البرلمان، بل ندد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالخطوة، واعتبوها بيعا لأراضي مصر.

 

وتعاني مصر من شحّ شديد في السيولة الدولارية منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وتخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جذب الدولار.

ومن هذه المبادرات، تيسير إجراءات استيراد السيارات من الخارج للمغتربين، وتسوية الموقف التجنيدي لهم مقابل سداد خمسة آلاف دولار أو يورو، إلى جانب طرح أكبر بنكين حكوميين شهادات دولارية بفوائد عالية، في محاولة لإعادة تدفق أموال المصريين بالخارج، أو تلك المخزنة لدى الأشخاص أو المؤسسات المالية العاملة في الدولة.

وفقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته منذ مارس/آذار 2022، حيث تراجع أمام الدولار من 15.70 جنيهاً إلى 30.95 جنيهاً في البنوك الرسمية، وإلى ما يناهز 51 جنيهاً للدولار في السوق الموازية حالياً.

يذكر أن الدين الخارجي لمصر سجل 164.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بنحو 43.2 مليار دولار في يونيو/حزيران 2013، بارتفاع بلغت نسبته 281% منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في البلاد.

ويرى محللون أن هذا الارتفاع في رصيد الدين الخارجي جاء على خلفية التوسع في تنفيذ مشروعات عملاقة، ممولة بقروض خارجية ضخمة، كالعاصمة الإدارية والقطار الكهربائي السريع والمونوريل، في حين يرى كثير من الخبراء أنها لا تعود بالنفع على الاقتصاد أو المواطن.

((7))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الأراضي الصحراوية تملك أراضي أزمة اقتصادية برلمان مصر

مصر.. اتفاقية مع شركة إماراتية لإدارة موانئها على البحر الأحمر