استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الغرب يتنكر لحقوق الانسان

الأربعاء 24 فبراير 2016 07:02 ص

حين يستهدف المدافعون عن حقوق الانسان بشكل رسمي ممنهج، تتضاعف الازمة السياسية والاخلاقية والانسانية في اي بلد يمارس ذلك. فهؤلاء المدافعون يساهمون في منع التجاوزات في سجون الانظمة الديكتاتورية، ويفترض انهم محميون بالمواثيق الدولية خصوصا تلك التي صدرت عن قمة فيينا لحقوق الانسان في 1993. والمجتمع المدني لا يتحقق الا بوجود ثقافة الرقابة والمحاسبة والعمل المنظم والتطوعي لضمان حرية المواطنين وامنهم وكرامتهم. 

وفي عالمنا العربي فان اغلب هؤلاء المدافعين متطوعون، ويعملون اما منفردين او ضمن مجموعة، ويضحون بامنهم امام الانظمة التي لا ترعوي عن الانتهاكات. ولكن طبيعة الانظمة القمعية انها شمولية، وانها تسعى لـ «تأميم» كل الفعاليات الشعبية التي يفترض انها جزء من آليات المجتمع المدني. والسعي الرسمي المتواصل للسيطرة على هذه المنظمات يفتح الطريق لاستمرار القمع السلطوي بدون الخشية من العقوبة. ومع ان المنظومة الحقوقية الدولية تراجع دورها في الاعوام الاخيرة لاسباب عديدة، فما يزال الغربيون يتظاهرون بدعم تلك الحقوق. غير ان الواقع يؤكد ان ذلك الدعم، في افضل حالاته، محصور بالتصريحات والدعاوى غير المدعومة بسياسات ومواقف مؤثرة. ويمكن القول ان تجربة العقدين الاخيرين اثبتت عدم فاعلية المشروع الحقوقي في مجالين اساسيين: اولهما منع التجاوزات والانتهاكات، ثانيهما: تعبيد الطريق للتحول الديمقراطي في العالم العربي. ومن اسباب ذلك تدويل ظاهرة «الارهاب» واستخدامها من قبل تحالف النظام الغربي «الديمقراطي» مع الانظمة القمعية غير الديمقراطية في الشرق الاوسط. كما يمكن القول ان ظاهرة «الارهاب» ربما انطلقت في الاساس من شعور باليأس والاحباط من سياسات الغرب تجاه المنطقة، ولكنها سرعان ما اصبحت تحت الاحتواء والرعاية الرسمية من قبل قوى الثورة المضادة، فاصبح الارهاب موجها للحفاظ على الوضع الراهن الذي تنتهك فيه الحقوق على نطاق واسع بذريعة مكافحة الارهاب نفسه. وبدأ الأمريكيون بممارسة تلك السياسة بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر الارهابية، التي ادت لواحدة من أسوأ الحقب التاريخية المعاصرة على الصعدان الحقوقية والاخلاقية والانسانية.

وبلغت ذروة الانحدار حين أقرت واشنطن استخدام التعذيب عن طريق «الايهام بالغرق». يضاف إلى ذلك ان الدولتين الكبريين اللتين تتمتعان بنفوذ كبير في المنطقة، الولايات المتحدة وواشنطن، مارستا سياسات تتسم بـ«التذاكي» ازاء المسألة الحقوقية. فهما من جهة توفران الدعم الامني والسياسي للانظمة «الصديقة» التي تمارس القمع وتنتهك حقوق الانسان، وتحميان سمعة تلك الانظمة بادعاءاتهما المتكررة ان هذه الانظمة بدأت «تصلح نفسها» بتشكيل اجهزة شكلية باسماء حقوقية براقة وممارسات تغطي الممارسات الحقيقية للاجهزة الامنية.

في الاسبوع الماضي اغلقت السلطات المصرية مركز النديم للتنمية وتأهيل ضحايا التعذيب الذي يمارس انشطة حقوقية. السبب ان هذا المركز كشف ان الضابط الذي عين للتحقيق في قضية الصحافي الايطالي، جيوليو ريجيني، كان قد أدين بالتعذيب وحكم عليه بالسجن عاما واحدا مع وقف التنفيذ بتهمة تعذيب احد الاشخاص حتى الموت وتزوير تقارير الشرطة.

وكان الصحافي المذكور قد «اختطف» من قبل اجهزة الامن المصرية وعذب حتى الموت ثم القيت جثته في احد الشوارع. وكان قد ذهب للقاهرة للتحقيق في معاناة النقابيين المصريين الذين يتعرضون للتنكيل من قبل النظام العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي. وفي نظر السلطات التي سعت للتشويش على الحقائق فان مركز النديم فجر «قنبلة» كبيرة بكشف حقيقة الجلاد المذكور في الوقت الذي كانت السلطات العسكرية تمارس سياسة «التذاكي» على العالم الخارجي وتتظاهر بالجدية في التحقيق بجريمة تعذيب الصحافي الايطالي.

هنا تتضح عمق المأساة التي تعيشها الشعوب العربية، خصوصا التي انتفضت ضد حكامها في ذروة «الربيع العربي»، وكيف ان من لم يتراجع عن موقفه سيلقى مصير عشرات الآلاف من السجناء القابعين في السجون، معرضين للتعذيب والاعدام، وفي بعض الحالات، سحب الجنسية. ويمكن القول ان اوضاع الشعوب العربية قد تردت كثيرا في الاعوام الخمسة الاخيرة، واستخدمت ظاهرة الارهاب للامعان في التنكيل وقمع الحريات ودعم الانظمة التي كانت الجماهير الثائرة تسعى لتغييرها.

قوى الثورة المضادة تكشر عن انيابها، ولكن بطريقتها وتذاكيها ايضا. فواشنطن ولندن تستخدمان لغة «دبلوماسية» تهدف للتضليل من جهة وتبرئة الساحة من جهة اخرى. فرئيس الوزراء البريطاني لا يتردد في استقبال الرئيس العسكري المصري او ملك البحرين، ولا يتحدث عن الانتهاكات الجسيمة في بلديهما، ومنها اعتقال الآلاف والاستمرار في التعذيب واصدار احكام الاعدام وسحب الجنسية وإبعاد المواطنين وآخرهم الشيخ محمد خوجستة الذي ابعد الاسبوع الماضي إلى لبنان.

سجون مصر تغص بالابرياء الذين يروي ذووهم من قصص التنكيل والتعذيب ما يفوق اضعافا ما كان يحدث في عهد مبارك. فاذا كان صحافي ايطالي لم يرتكب من الجرم سوى اداء دوره كباحث واعلامي، قد لقي مصيره المؤلم بالتعذيب حتى الموت، فكيف بالمواطن المصري العادي الذي لا يدافع عنه احد سوى بعض نشطاء حقوق الانسان، الذين اصبحوا انفسهم، محاصرين ومطاردين ومستهدفين، كما حدث لمركز النديم؟ وليس مستبعدا ان يتعرض القائمون على ذلك المركز للتنكيل ايضا.

حكام مصر لم يكترثوا بما قد يحدث من تبعات لممارسة التعذيب حتى الموت بحق مواطن اوروبي، لعلمهم ان الحكومات الغربية لن تتجاوز، في احسن الاحوال، اصدار بعض التصريحات قبل غلق الملف وكأن شيئا لم يكن.

في العام الماضي قامت السلطات المصرية باعتقال الباحثة الفرنسية، فاني اوهاير، التي كانت تجري بحثا حول قوى المعارضة المصرية، وابعدتها عن البلاد فورا بدون ان تسمح لها باخذ امتعتها من مكان سكنها. الغربيون يدركون شراسة هذا النظام، ولكنهم لا يمارسون ضغوطا عليه لتغيير سياساته، ربما لأنهم يعلمون ان العسكريين لا يمكن ان يمارسوا الديمقراطية او يحترموا حقوق الانسان، او لأنهم يرون في سياسات النظام ما يتناسب مع استراتيجيتهم الهادفة لمنع التحول الديمقراطي في المنطقة.

في الاسبوع الماضي، حدث أمر مشابه في البحرين، حين اقدمت سلطاتها على اعتقال اربعة صحافيين أمريكيين، حضروا لتغطية فعاليات الذكرى الخامسة لثورة 14 شباط/فبراير. الصحافيون اخفوا هويتهم ليستطيعوا القيام بعملهم، لأن الحكومة منعت حضور الاعلاميين او الحقوقيين الا بتصريحات خاصة تحول دون القيام بدورهم وفق معاييرهم. اتهمت السلطات هؤلاء الصحافيين بالمشاركة في تظاهرات محظورة، وقدمتهم للنيابة العامة. ولم يمكثوا سوى يوم واحد حتى اطلق سراحهم وابعدوا عن البلاد.

في الوقت نفسه، لا يستطيع الحقوقيون زيارة البلاد بحرية، وبرغم ضغوط المنظمات الحقوقية الدولية ما تزال السلطات تمنع زيارة المقررين الخاصين التابعين للامم المتحدة، خصوصا المقرر الخاص حول التعذيب. وكانت اللجنة الخاصة التي شكلتها الحكومة في العام 2011 لتقصي الحقائق قد اكدت ممارسة «التعذيب الممنهج» الامر الذي احرج السلطات وداعميها.

البريطانيون يمارسون دور الحماية الكاملة لحكومة البحرين، وقد شجعوها على تشكيل منظمات «حقوقية» مثل هيئة التظلمات والهيئة الوطنية لحقوق الانسان، ولكن الجهات الحقوقية المحايدة تؤكد عدم فاعلية هذه المنظمات وان تشكيلها وفر مادة للسلطات البريطانية لتبرير حمايتها نظام الحكم في البحرين. اما الحقوقيون المحليون فهم اما في السجون، وعلى رأسهم الحقوقي الدولي المخضرم، عبد الهادي الخواجة، او في المنافي، او انهم ممنوعون من الحركة بحرية داخل البلاد وممنوعون من السفر مثل نبيل رجب.

من خلال هذه الامثلة يتضح ان تعهد الامم المتحدة بحماية المدافعين عن حقوق الانسان اصطدم في العالم العربي بواقع صعب يحول دون تلك الحماية. وقبل عشرة اعوام تم تغيير مؤسسات الامم المتحدة المعنية بهذه الحقوق وكذلك آلياتها فتم انشاء مجلس حقوق الانسان بآليات مختلفة وصلاحيات محدودة. فاصبحت هذه التشكيلات ادوات بأيدي الحكومات تخضع لتوافقات الدول التي يحمي بعضها الآخر. هذه التوافقات ادت لتجميد العمل الدولي على صعيدي السياسة وحقوق الانسان. وبذلك تعطلت الارادة الدولية واصبحت القرارات والمواقف خاضعة للفساد المالي والاداري.

فالمال النفطي يلعب دورا محوريا في تحييد تلك المؤسسات، واصبحت قضايا الشعوب وحقوقها وسياسات مكافحة التعذيب والاعتقال التعسفي والحقوق العامة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، خاضعة للتوافق بين دول بعضها يمارس الانتهاكات على نطاق واسع. وبالتالي فقد النظام العالمي القدرة على تطوير اداء الحكومات الجائرة مع شعوبها. ان غياب ارادة التأثير اصبح حائلا دون التحول الديمقراطي ومنع تثبيت القيم الانسانية وترويجها، وساهم صعود ظاهرة التطرف والارهاب في تدني المستويات الاخلاقية في التعامل بين الحكومات والشعوب خصوصا في الشرق الاوسط.

هذه احدى النتائج السلبية المقيتة لضرب ثورات التغيير وقيام تحالف غير مقدس بين الدول الغربية وانظمة الاستبداد في المنطقة. وما لم تحدث صحوة ضمير في اروقة الامم المتحدة وشوارع الدول الكبرى لضغط من اجل التغيير، فسوف تتآكل تدريجيا قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ليس في المنطقة فحسب بل حتى في دول «العالم الحر»، وسيؤدي ذلك لتنامي ظواهر التطرف والعنف والارهاب. فهل هذا ما يريده الغرب؟

٭ د. سعيد الشهاب كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الغرب حقوق الانسان مدافعون عن حقوق الانسان ريجيني مصر التعذيب المجتمع المدني

الغرب يدفع ثمن تناقضاته الأخلاقية والسياسية