استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الغرب يدفع ثمن تناقضاته الأخلاقية والسياسية

الثلاثاء 2 أغسطس 2016 02:08 ص

يمر العالم اليوم بمرحلة تعاني دوله فيها من الضعف على صعدان شتى: بنيوية وسياسية واخلاقية. ينطبق هذا القول على دول الغرب، كما على دول العالمين العربي والإسلامي. وهذا الضعف من بين اسباب حالة الاضطراب الامني والسياسي التي تعم العالم. وهي حالة ليست عفوية، بل هي جزء من مشروع اقليمي ودولي خرج عن سيطرة مخططيه وأصبحت السيطرة عليه بايدي منفذيه.

فقبل عشرة اعوام كان العراق وحده الذي يعاني من ذلك الاضطراب بعد سقوط نظام صدام حسين، لكن هذا الاضطراب انتشر في اغلب مناطق العالم.

وهو ليس مرتبطا بتصاعد ظاهرة الإرهاب فحسب، بل له اسبابه لا تنفك عن سوء الحكم والادارة حتى في بلدان «العالم الحر» التي طالما تشدقت بتفوق نظامها «الديمقراطي». فما تشهده أمريكا من تصاعد الصراعات ذات الطابع العنصري والعرقي، وما يبدو من تصاعد التوتر بين الدول الكبرى في بحر الصين، وما تعانيه دول اوروبا من غياب المشروع الجامع خصوصا بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

كل ذلك انما هو مصاديق للاضطراب الذي اظهر حدود التفكير البشري وعجز الانسان عن ادارة شؤونه باساليب تحميه من ظاهرتي «الجوع والخوف» التي اكدها القرآن الكريم في عدد من الآيات، واعتبرها النتيجة المحتومة للظلم.

ولطالما روج العالم الغربي مقولاته التي لم يعد الواقع يصدقها، بان نظامه الديمقراطي متفوق على كافة التجارب البشرية، وان «الديمقراطية الليبرالية» تمثل ذروة الناتج البشري في مضمار الحكم والادارة. هذه المقولة راجت في حقبة ما بعد الحرب ضد القوات العراقية التي اجتاحت الكويت في 1990. يومها ظهر الرئيس الأمريكي الاسبق، جورج بوش الاب، معلنا ما اسماه «النظام العالمي الجديد» تحت الهيمنة الأمريكية غير المحدودة.

اليوم بعد اكثر من ربع قرن على ذلك هل يشعر العالم الغربي بصدقية تلك المقولات؟ وهل يستطيع هذا العالم اقرار ما طرحه جورج بوش الابن بعد ذلك بعقد كامل، اي بعد حوادث 11 ايلول/سبتمبر الإرهابية بان «من ليس معنا فهو مع الإرهاب»؟ فمن هي الجهات التي تقف مع الإرهاب وتلك التي تقف ضده؟ هل هناك من دول العالم من هو خارج دائرة التهديد والخوف والقلق؟

وهل هناك من هذه الدول من ليس متهما اما بالتواطؤ مع اسباب العنف والإرهاب او تجاهله او التقاعس عن اداء الدور السياسي والاخلاقي المطلوب لتأمين سلامة العالم وامنه؟

ويبقى الظلم هو العنوان الاول الذي يقفز للذهن لتفسير ظاهرة التراجع السياسي والاخلاقي والامني في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وبعد اكثر من نصف قرن على تلك الذروة عندما كان العالم مهددا بحرب نووية بعد نشر الاتحاد السوفياتي صواريخه النووية في كوبا، ما يزال شبح الحرب ماثلا في اذهان القادة الغربيين والاقليميين.

فقد لا تكون الحرب المتصورة في شكل نووي، بل قد تتخذ اشكالا قد تكون اخطر لأنها خارجة عن السيطرة. فامتلاك الاسلحة الكيماوية والجرثومية من قبل مجموعات إرهابية هنا وهناك عامل تهديد كبير للامن والسلم الدوليين. كما ليس مستبعدا ان يكون لدى بعضها اسلحة نووية صغيرة حصلت عليها باساليبها الخاصة. ألم يصب العالم بالذهول وهو يرى طوابير السيارات المصفحة في شوارع المدن السورية والعراقية التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابية؟

هل بذل العالم جهدا للتعرف على مصادر تلك الحافلات؟ وكثيرا ما تحدث الإعلام الدولي عن قدرة تنظيم «داعش» على بيع النفط من الحقول السورية، فمن اشتراه؟ وكيف تم تحويل عائداته؟ وما الاجراءات التي اتخذت لمنع ذلك؟ واذا تم استبعاد نظرية المؤامرة والتواطؤ ووجود دور غربي او عربي في تلك الممارسات، فلا يمكن استبعاد مقولة التقصير او العجز في ما يجري حتى الآن.

سقوط الأمم ليس مرتبطا بعامل واحد، بل انه النتيجة الحتمية لاخطاء تراكمية يعجز القادة والشعوب عن تصحيحها. وما يعانيه العالم اليوم لا يمكن وصفه بالـ«أخطاء»، بل بالعجز الكامل عن الوفاء بالالتزامات الاخلاقية الكفيلة بتصحيح المسارات والسياسات من جهة، وتعمق الفساد في نفوس اصحاب القرار من جهة اخرى. فكثير من السياسيين في العالم الغربي مستعدون لبيع مواقفهم مقابل اموال او هدايا من انظمة الاستبداد.

وما الصراع الذي يعيشه الغرب في الوقت الحاضر إلا مؤشر للتداعي السياسي والاخلاقي والقيمي والحضاري. هذا الغرب الذي اعتقد انه بلغ الذروة بسقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة يعاني من اضطراب علاقات مكوناته مع بعضها. ولا يمكن النظر للقرار البريطاني بالخروج من اوروبا إلا انه مصداق للتمزق الداخلي. وبريطانيا نفسها مهددة بالتمزق بعد ذلك القرار، لأن الاسكوتلانديين يخططون لاستفتاء بالانفصال عن «المملكة المتحدة».

والعلاقة بين أمريكا واوربا تشهد، هي الاخرى، تصدعا خصوصا مع احتمال صعود دونالد للرئاسة. وقد ابدى ترامب مرات عديدة اعجابه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الوقت الذي ما تزال الازمة في اوكرانيا تضغط على علاقات اوروبا مع روسيا. وأمريكا تعاني من حالة استقطاب غير مسبوقة وهي مقبلة على الانتخابات الرئاسية التي يمثل مرشحاها الاساسيان قطبين متضادين، الامر الذي احدث شرخا في المجتمع الأمريكي غير مسبوق. وهي تتأرجح على حافة السقوط في فتنة الصراع العرقي بين السود والبيض، وهو الصراع الذي اعتقدت أمريكا انها تجاوزته قبل خمسين عاما.

وأوروبا تعاني من عجز قادتها عن التعاطي مع التعقيدات التي نجمت عن تدخل دولها لتوجيه مسار «الربيع العربي» ومنعه من تحقيق التحول الديمقراطي الذي تنشده شعوب المنطقة. وصمتت اوروبا على اساليب قمع الشعوب، وتحالفت مع انظمة الاستبداد والاحتلال.

فكان نتيجة ذلك أمور ثلاثة اساسية: تدفق اللاجئين الذي عمق الخلاف السياسي داخل الاتحاد الاوروبي؛ وتصاعد أعمال الإرهاب التي كان مخططا لها أن تبقى محصورة بالمنطقة حتى وصلت فرنسا وبلجيكا وألمانيا؛ وبداية خلاف سياسي وقيمي مع انظمة عربية طالما عولت عليها للحفاظ على مصالحها ولتكون مصدرا ماليا مهما للغرب.

بلغت الازمة اوجها بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد. انها ازمة لم تشهد اوروبا مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. يضاف إلى ذلك ان مرحلة «الحرب الباردة» التي اعتقد الغربيون انها انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي قبل اكثر من ربع قرن، قد تعود في نسختها الثانية بتصاعد التوتر بين الغرب والصين. وعمق هذا القلق القرار الأمريكي باعادة ترتيب استراتيجيتها لتصبح اكثر تركيزا على الصراع مع الصين في جنوب شرق آسيا. وقد يؤدي ذلك لتقارب الصين والروس مجددا برغم تراجع الشيوعية كايديولوجية مشتركة بين موسكو وبكين.

حالة الاحباط تسود دوائر القرار الغربية، ويزيد من هذا الاحباط بلوغ الازمات مراحل متقدمة تحول دون حل اي منها بالاساليب التقليدية التي تعتمد الدبلوماسية والحوارات البينية. واذا كان من اهم نتائج انتهاء الحرب الباردة تراجع السباق النووي بين روسيا وأمريكا، فان الوضع تغير الآن بشكل كبير.

صحيح ان الرؤوس النووية لدى كل منهما قد تم خفضه إلى الثلث، ولكن اوروبا تشعر بضعف استعداداتها لمواجهة ما تعتبره تحديا روسيا خصوصا مع استمرار ازمة اوكرانيا. وكان للتدخل الروسي المباشر في الازمة السورية اثر نفسي متعب للغربيين الذين لم يحسموا موقفهم حتى الآن ازاء ظاهرة الإرهاب، وما تزال خطوط الفصل بين الإرهاب والنضال المشروع مشوشة لدى اصحاب القرار الغربيين.

وجاءت المحاولة الانقلابية التركية لتزيد المشهد الاوروبي تعقيدا، فقد اوضحت المحاولة غياب وضوح الرؤية لدى الغربيين، وعدم قدرتهم على اصدار موقف إزاء تلك المحاولة. فلم يقفوا ضدها من حيث المبدأ، بل انتظروا فشلها ليعيدوا استهداف النظام التركي واتهامه بانتهاك حقوق الانسان في التعامل مع المشاركين في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وبدا للحكومة التركية ان اوروبا التي سعت للانتماء اليها ليس منذ ان تقدمت بطلب عضوية الاتحاد الاوروبي فحسب، بل منذ سقوط الدولة العثمانية وسعي كمال اتاتورك لربط بلاده باوروبا ثقافة وسياسة ونمط حياة.

هذا الاضطراب في العلاقة التركية ـ الاوروبية لا يمكن فصله عن اضطراب علاقات اوروبا مع شعوب المنطقة، خصوصا مع تراجع الموقف الاوروبي ازاء القضية الفلسطينية وانكماش اهتمامه بالشعب الفلسطيني، او التصدي للاحتلال الاسرائيلي وسياساته التوسعية التي تتجسد يوميا بمشاريع بناء مستوطنات جديدة في الاراضي المحتلة.

ليس من باب المبالغة الادعاء بان النظام السياسي العالمي يعيش فصلا أسود من حياته، وان الاضطراب السياسي والأمني الذي يعصف بالعالم عموما والشرق الاوسط خصوصا، هو الاخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والاكثر ضغطا على العلاقات الدولية وعلى شعارات الغرب ومشاعره بالانجاز الوهمي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وخوض اول حرب حاسمة في الكويت قبل ربع قرن.

وثمة اعتقاد راسخ بان الحروب اللاحقة خصوصا حرب العام 2003 في العراق والتدخل في سوريا وليبيا كانت الحفرة التي وقع الغربيون فيها فأثخنوا جراحا وتصدى لهم عدو جديد ساهموا في خلقه وبدأ يتصدى لهم باساليبه المختلفة.

فإذا كانوا قد اعتقدوا انهم قد حققوا انتصارا تاريخيا على تنظيم القاعدة، وقتلوا زعيمه، أسامة بن لادن، فإن المجموعات التي خرجت من رحم ذلك التنظيم ساهمت في المعطيات الحالية التي عمقت الاضطراب الأمني والسياسي والاخلاقي في عالم كان يتهيأ للانسلاخ من الانسانية ويعيد تدوير الظواهر الشيطانية ضمن مشاريع التشويش والتعتيم والهيمنة الإعلامية.

لقد تخلى الغرب عن مبادئه وساوم على قيمه التي عكف على صياغتها منذ الحرب العالمية الثانية، فاصبح عليه دفع استحقاقات ذلك التخلي، بفقدان الامن وانحسار النفوذ وضعف الاداء وفوق ذلك وقبله، التمزق من الداخل.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الغرب تناقضات الغرب الأخلاق العالم العربي الإرهاب العراق صدام حسين الديمقراطية أوروبا

هل يتصدع الغرب الرأسمالي ويتفكك؟

عودة الأيديولوجيا إلى الغرب!

الغرب يتنكر لحقوق الانسان

الغرب والإسلام .. مأزق التواصل

النازية الغربية وتصنيف القتل الإرهابي

مأساة العرب في مرآة الغرب