نظام الضامن لوقف حرب غزة.. اقتراح تركي لا يجد من "يضمنه"

الخميس 18 يناير 2024 11:27 ص

سلط أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر، علي بكير، الضوء على اقتراح تركيا بإنشاء "نظام ضامن" لوقف الحرب في قطاع غزة وتأمين سلام فلسطيني إسرائيلي دائم، مشيرا إلى أن المبادرة تقوم على عمل أنقرة ضمن وساطة دائمة في الصراع لتبقى إسرائيل والفلسطينيين تحت المراقبة بشأن الانتهاكات المحتملة لأي اتفاق سلام يتم التوصل إليه.

وذكر بكير، في تحليل نشره موقع المركز العربي بواشنطن وترجمه "الخليج الجديد"، أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أوضح السياق العام لمبادرة بلاده في مؤتمر صحفي عقده يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشيرا إلى أن "حل الدولتين وحده هو الذي سيحقق السلام الدائم في المنطقة".

 وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول، قدم فيدان اقتراح "نظام الضامن" رسميا في مؤتمر القاهرة للسلام بشأن فلسطين، ما بدا تعبيرا عن حسن النية وتقديما لحل عملي لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.

لكن الاقتراح التركي يواجه قيودا حرجة في التطبيق العملي، بحسب بكير، مشيرا إلى أن العائق الأكبر هو اعتماد الخطة على تعاون ومشاركة القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي لا تتوافق سياساتها الحالية مع الرؤية التركية.

ويفترض اقتراح "نظام الضامن" أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية ستجبر إسرائيل على إقامة سلام مستدام وستضمن امتثالها لأي اتفاق سلام مستقبلي، لكن ذلك يبدو غير مرجح في ظل البيئة الإقليمية والدولية الحالية.

مفهوم المبادرة

ويهدف "نظام الضامن" إلى تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، والتوصل إلى وقف دائم ومستدام لـ "الأعمال العدائية"، ومن ثم الانتقال لتحقيق إنهاء الصراع من خلال وجود مجموعة من الضامنين الدوليين لضمان السلام والأمن والاستقرار لإسرائيل والفلسطينيين. ويعكس الاقتراح فهماً للحاجة إلى آليات قوية لضمان الامتثال لأي اتفاقات سلام يتم التوصل إليها، بحسب بكير، مشيرا إلى أن رؤية أنقرة تتضمن أن تكون تركيا جزءًا من مجموعة إقليمية تضمن الجانب الفلسطيني، على أن تكون الحكومات الغربية بمثابة الضامنة للجانب الإسرائيلي. ويتوقع المقترح أن يضغط ضامنو السلام على الجانبين لمنع خرق الاتفاقات، وتجنب التصعيد، ومحاسبة المخالفين.

ويرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن اقتراح بلاده يمثل الطريقة الأكثر واقعية وفعالية لتحقيق حل عملي للصراع، على الأقل في المدى القصير إلى المتوسط.

وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعا فيدان إلى عقد مؤتمر يهدف إلى تجنب توسع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ومناقشة الحلول البديلة، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار الذي يؤدي إلى سلام عادل ودائم.

وفي حديثه للصحفيين لدى عودته من قمة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في السعودية، قال أردوغان إن تركيا لا تزال لاعباً رئيسياً في حل الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

حدود تركيا

ورغم أن تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1948 لأسباب تتعلق أساسا بأملها في الحصول على الدعم الغربي في مواجهة الاتحاد السوفييتي والحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن فلسطين كانت دائمًا ذات أهمية للشعب التركي، ولطالما كانت قضيتها حاسمة بالنسبة لمعظم الحكومات التركية، خاصة منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي.

كما أن "رسالة جونسون" عام 1964، التي حث فيها الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، تركيا على عدم التدخل في قبرص وحذر من أن الناتو قد لا يهب للدفاع عن تركيا إذا شارك الاتحاد السوفيتي بشكل مباشر في الصراع القبرصي، أجبر تركيا على رسم خطة بديلة تقوم على سياسة خارجية إقليمية جديدة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة. وارتكزت هذه السياسة على إقامة علاقات أوثق مع العالمين العربي والإسلامي، وفي مركزها دعم فلسطين.

ومع ذلك، ظلت أنقرة مكبلة بقيود، أهمها الافتقار إلى المشاركة المباشرة رفيعة المستوى والتأثير الجاد على طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي أعقاب صعود حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان إلى السلطة في عام 2002، سعت أنقرة إلى اكتساب نفوذ أكبر فيما يتعلق بفلسطين، بما في ذلك من خلال الوساطة الاستباقية، والدبلوماسية الجماعية، ودعم حملات المجتمع المدني لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة.

وكانت أزمة مافي مرمرة من أشهر هذه الحملات، ففي عام 2010، كانت السفينة التركية، التي كانت تملكها وتديرها مؤسسة خيرية لها علاقات مع حزب العدالة والتنمية، جزءًا من أسطول يهدف إلى اختراق الحصار البحري الإسرائيلي لغزة وتقديم المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وداهمتها قوات كوماندوز إسرائيلية في المياه الدولية وقتلت 9 نشطاء على الأقل كانوا على متنها.

وأدى الحادث إلى توتر العلاقات الإسرائيلية التركية وتسليط ضوء عالمي كبير على حصار غزة. وتوصلت بعثة دولية لتقصي الحقائق، عينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى أن تصرفات القوات الإسرائيلية خلال الغارة كانت "غير قانونية" وأن الحصار يجب اعتباره غير قانوني.

ورغم هذا الدعم الدولي لسياسة تركيا في غزة، لا تزال أنقرة تعاني من الافتقار إلى التأثير المباشر على الصراع، وخاصة في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين.

ونقل أردوغان المبادئ التوجيهية لأنقرة لتحسين العلاقات التركية مع إسرائيل، والتي كانت قائمة منذ أكثر من عقد من الزمن وتشمل مطالبة تل أبيب بتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين.

وبعد وقت قصير من عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حاولت تركيا في البداية تبني رد متوازن، لكن القرار الذي اتخذه نتنياهو بغزو غزة، وما تلا ذلك من مذابح إسرائيلية متعمدة ومنهجية ضد المدنيين الفلسطينيين، وضع حداً لهذا النهج.

ومنذ ذلك الحين، تبنت أنقرة مسار عمل مختلف، بما في ذلك استدعاء سفيرها من تل أبيب، مع الترويج لاقتراح "الضامن" ومنحه أهمية دبلوماسية.

نفوذ أنقرة

وعلى عكس ما يعتقده بعض المراقبين، يرى بكير أن أنقرة تفتقر إلى نفوذ جدي على حماس وإسرائيل، مقارنة بالدول الأخرى، واصفا ذلك بأنه "عيب يحرم تركيا من المكانة اللازمة للعب دور قوي في الملف الفلسطيني".

 وبهذا المعنى، يرى بكير ضرورة النظر إلى موقف أنقرة الانتقادي لإسرائيل والداعم للفلسطينيين، بما في ذلك رفض أردوغان وصف حماس بأنها منظمة إرهابية، على أنها جهود لبناء نفوذ لأنقرة.

وفي حال اعتماده، يمكن لنظام "الضامن" أن يعالج بعض القيود التي تجعل تركيا أقل فعالية من الدول الأخرى في الملف الفلسطيني، وأن يخلق موطئ قدم لأنقرة، ويسهل وجودها الفعلي على الأرض في غزة سياسياً وعسكرياً وفي الشؤون الإنسانية، ما يجعلها لاعباً مؤثراً في المعادلة.

وإضافة لذلك فإن المبادرة التركية من شأنها أن تقلل من نفوذ إيران على حماس، من خلال إضعاف نفوذها غير البناء على الجانب الفلسطيني.

وهنا يشير بكير إلى أن تركيا تدعم، على النقيض من طهران، حل الدولتين وتعطي الأولوية لحل القضية الفلسطينية كعامل استقرار للمنطقة، بدلا من استخدامه كأداة لأجندة توسعية.

ورغم أن النظام المقترح، من وجهة النظر التركية، على الأقل، له فوائد عديدة، فإن نجاحه يعتمد على عدة عوامل، بحسب بكير، تشمل الديناميكيات المتطورة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتحولات الجيوسياسية الإقليمية، واستعداد المجتمع الدولي للانخراط في أساليب جديدة لحل الصراعات.

جدوى الاقتراح

ويعتمد الاقتراح على قبول الأطراف الأخرى، بما في ذلك إسرائيل وداعميها الرئيسيين، الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. لكن لم تظهر إسرائيل ولا الولايات المتحدة استعدادًا كبيرًا للسماح لتركيا بلعب دور نشط في القضية الفلسطينية حتى الآن.

ولا يتوقع بكير أن تغير إسرائيل أو الولايات المتحدة موقفهما في أي وقت قريب، "لأن كلا منهما تخشى من أن يؤدي نظام الضامن إلى تسليط الضوء على الدور القيادي الإقليمي الذي تلعبه تركيا وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية".

ويشير بكير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تجاهل أنقرة خلال زيارته الأولى للمنطقة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وردا على ذلك، ألقى أردوغان باللوم على الولايات المتحدة لإطالة أمد الحرب واتهمها بالتواطؤ في الجرائم المرتكبة في غزة.

وعندما قرر بلينكن زيارة أنقرة في رحلة إقليمية لاحقة، في نوفمبر/تشرين الثاني، تجاهله أردوغان ولم يقابله.

وكان بلينكن قد جعل تركيا محطته الأولى في جولته الإقليمية التي شملت 10 دول في يناير/كانون الثاني 2024، وناقش مع أردوغان والمسؤولين الأتراك مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.

وفيما يتعلق بغزة، أشارت التقارير إلى أن بلينكن أثار مساهمة أنقرة المحتملة في جهود إعادة الإعمار في القطاع وكذلك ما يمكن أن تفعله تركيا لممارسة نفوذها، بما في ذلك على إيران، لتخفيف التوترات الإقليمية وتسريع المساعدات الإنسانية لغزة.

أما بالنسبة لإسرائيل، فتفضل تركيا إسناد أي دور سياسي في الصراع إلى أطراف مثل مصر، التي تقع على الحدود مع غزة، أو الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم، وهي: البحرين والمغرب والإمارات.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن واشنطن تفضل عادة أن تنسب الفضل إلى قطر في التوسط بين إسرائيل وحماس، بعد أن أنشأت الدولة الخليجية قناة مع الحركة الفلسطينية في الدوحة عام 2012 بناءً على طلب الولايات المتحدة، بهدف الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

وإضافة لذلك، فإن الدول العربية، التي سيعمل بعضها بموجب الخطة التركية كضامن للجانب الفلسطيني، لم تبد حماسًا للفكرة.

وليس لدى الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى المتحالفة تقليدياً مع إسرائيل، مثل المملكة المتحدة وألمانيا، أي استعداد جدي للضغط على تل أبيب. ويعكس موقفها نمطاً قديماً من السلوك غير المفيد، الذي يزعزع استقرار المنطقة ويدمر النظام والأعراف الدولية، حسبما يرى بكير، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم إسرائيل على نطاق واسع، لم يلتزم أيضا بأي دور جوهري في الاقتراح التركي.

ويخلص بكير إلى أن أحد حلين يمكن من خلالهما أن يحصل "نظام الضامن" على الدعم في البيئة الحالية، الأول هو أن توافق الدول الغربية على اقتراح تركيا لتجنب النظر إليها على أنها متواطئة في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، والتي يرى العديد من الخبراء أنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

أما الحل الثاني، فيتمثل في أن توافق حكومة جديدة في إسرائيل على اقتراح الضامن في أعقاب عجز إسرائيل عن هزيمة حماس، أو قبول حل الدولتين.

ومع ذلك، يرى عدد متزايد من الخبراء أن حل الدولتين مستحيل التحقيق، بسبب التخريب الإسرائيلي المنهجي لهذا الخيار في العقود الأخيرة، وبالتالي، لا توجد مؤشرات حالياً على موافقة الدول الغربية على اقتراح الضامن التركي أو المشاركة فيه.

وحتى لو قبلت الدول الغربية الاقتراح، فإن التحدي المتمثل في كيفية إجبار إسرائيل على الالتزام بأي اتفاق سلام سيظل قائما، حيث تواصل الدولة الصهيونية حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.

المصدر | علي بكير/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا إسرائيل حماس غزة الولايات المتحدة مرمرة علي بكير هاكان فيدان أردوغان

هيومن رايتس ووتش: "ميتا" تتعمد حجب الأصوات الداعمة لفلسطين على منصاتها

فيدان يستقبل هنية لبحث تطورات الحرب في غزة