صراعات شرق أفريقيا.. نفوذ الإمارات يشعل الحرائق بالسودان والصومال

الأربعاء 24 يناير 2024 07:14 م

سلط الخبير في شؤون دول الخليج، جوناثان فينتون، الضوء على الدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في شرق أفريقيا، وأشار إلى أن الدولة الخليجية أصبحت لاعبا رئيسيا في المنطقة، واصفا ذلك بأنه "مشكلة".

وذكر فينتون، في تحليل نشره موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن منطقة شرق أفريقيا كانت لفترة طويلة منطقة ذات أهمية جيوسياسية عظيمة، ونتيجة لذلك أصبحت هدفاً لمنافسة شرسة، فهي تقع على حدود البحر الأحمر، وتعد ممرا حيويا للتجارة العالمية، كما يتضح من الرد الأخير الذي قادته الولايات المتحدة لمواجهة هجمات الحوثيين على سفن الشجن المتجهة إلى إسرائيل.

وأضاف أن المنطقة غنية بالموارد، بما في ذلك المعادن والثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والنفط والغاز الطبيعي، وهي تاريخياً بمثابة جسر بين القارة الأفريقية وشبه الجزيرة العربية، من حيث الروابط التجارية والثقافية.

ولم تتضاءل هذه الأهمية في القرن الحادي والعشرين، مع احتدام المنافسة الجيوسياسية في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد، وفي حين قامت قوى شرق أوسطية وعالمية أخرى ببناء علاقات مع شرق أفريقيا بدرجات متفاوتة، تبرز الإمارات كلاعب رئيسي.

وسلطت التطورات الأخيرة، بما في ذلك الحرب الأهلية الوحشية في السودان واتفاق الوصول إلى الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال، الضوء على الدور المؤثر للإمارات في الشؤون الإقليمية، فقد تجاوز تأثيرها في المنطقة على مجرد الموارد، وخاصة مناجم الذهب في السودان، ليشمل الموانئ والخدمات اللوجستية والاتصالات التجارية، في محاولة لتعزيز الطرق التجارية.

وبدأت الإمارات غزوها الأولي لهذا الساحة بالاستثمار في ميناء جيبوتي عام 2008 عبر هيئة موانئ دبي العالمية، المملوكة للدولة، وبات الميناء أداة حيوية في المجموعة الجيوسياسية لأبوظبي.

وكانت هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع شملت الجهود المبذولة لإدارة ميناء عدن في جنوب اليمن، وهي خطوة حاسمة في السيطرة على طرق التجارة الممتدة من البحر الأحمر وخليج عدن إلى المحيط الهندي.

وتحولت هذه الرؤية، التي كانت مدفوعة في البداية بالسرديات الأيديولوجية لتعزيز "الاستقرار الاستبدادي" في الشرق الأوسط وأفريقيا في أعقاب الانتفاضات العربية عام 2011، لاحقا إلى التركيز على الشبكات التجارية الحيوية.

وهنا يشير فينتون إلى أن الإمارات غالبًا ما تعمل بطريقة "خفية"، وعززت استثماراتها ونجاحاتها الدبلوماسية بشكل كبير مكانتها في المنطقة، وساعدتها في اكتساب نفوذ على الجهات الإقليمية الفاعلة.

وإزاء ذلك، أصبح نفوذ الإمارات متجذرًا بعمق لدرجة أن مسؤولًا سابقًا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قال ذات مرة: "إذا تقلب أي صخرة في القرن الأفريقي، تجد الإمارات هناك".

صراع السودان

ومنذ اندلاع القتال في أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية، بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تسببت الحرب في خسائر فادحة في السودان، حيث قُتل أكثر من 12 ألف شخص، وتشريد 5.1 مليون، و18 مليونًا.

واتُهمت قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في المناطق الحضرية حيث كان القتال على أشده، فضلا عن أعمال العنف والإبادة الجماعية في دارفور، حيث ظهرت لأول مرة كميليشيا شبه حكومية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ومع احتدام الصراع، خضعت علاقات أبوظبي بقوات الدعم السريع لتدقيق متزايد، ما تسبب في الانقسام النهائي بين حميدتي والبرهان، وهو الانقسام الذي أدى في نهاية المطاف إلى الحرب.

ومنذ اندلاع الصراع، زودت الإمارات قوات الدعم السريع بالأسلحة عبر قاعدة جوية في تشاد، ما دفع مجلس السيادة الحاكم في السودان، الذي يسيطر عليه البرهان والقوات المسلحة، إلى الأمر بطرد 15 دبلوماسياً إماراتياً في ديسمبر/كانون الأول 2023.

إثيوبيا والصومال

وفي هذا السياق يبرز رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي استقبل حميدتي بأديس أبابا في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي لمناقشة آفاق السلام في السودان، كشريك بارز آخر في الاستراتيجية الإقليمية لدولة الإمارات، بحسب فينتون، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين بدأت في التعمق بداية من عام 2018، مع الاستثمار الإماراتي في قطاعي الكهرباء النظيفة والطاقة الشمسية في إثيوبيا، وكذلك في المشاريع الزراعية والمرافق الحيوية والبنية التحتية.

وعندما كانت الحكومة الإثيوبية متورطة في حربها ضد القوات الإقليمية لمنطقة تيجراي، من عام 2020 إلى عام 2022، دعمت الإمارات الجيش الإثيوبي من خلال توفير التدريب والمعدات مثل الطائرات المسيرة.

وجاء آخر تطور في العلاقات الثنائية في شكل اتفاق أديس أبابا "التاريخي" مع أرض الصومال، الذي يهدف إلى تمكين إثيوبيا من الوصول الساحلي إلى خليج عدن، وهو هدف استراتيجي لأديس أبابا لأن إثيوبيا دولة حبيسة (غير ساحلية).

ويمنح الاتفاق إثيوبيا استخدام 12 ميلاً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عامًا، بالإضافة إلى استخدام ميناء بربرة، مقابل موافقة إثيوبيا على دراسة إمكانية توسيع الاعتراف الدبلوماسي بأرض الصومال وهي إقليم يديره إدارة انفصالية عن الصومال، أعلنت استقلالها لكنها لا تزال غير معترف بها.

ويلفت فينتون إلى أن علاقات إثيوبيا مع أرض الصومال، والتي سهلتها الإمارات إلى حد كبير، ليست تطوراً جديداً، ففي عام 2018، تعاونت موانئ دبي العالمية وإثيوبيا في صفقة لبناء طريق سريع بطول 155 ميلاً من بربرة إلى الحدود الإثيوبية.

كما وقع الجانبان مذكرة تفاهم في عام 2021 لتطوير الجانب الإثيوبي من طريق بربرة السريع إلى ممر تجاري ولوجستي رئيسي، حتى مع تعميق الإماراتيين استثماراتهم في ميناء بربرة.

ونظرًا لدورها السابق في تسهيل العلاقات بين إثيوبيا وأرض الصومال، فمن المحتمل أن تكون الإمارات قد وافقت ضمنيًا على صفقة الجانبين الأخيرة، ما أدى إلى غضب الصومال، التي انتقدت الاتفاق بشدة واستدعت سفيرها لدى إثيوبيا.

وفي الوقت نفسه، أدانت جامعة الدول العربية، التي تضم الصومال، الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال باعتباره انتهاكا لسيادة مقديشو، في حين أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي دعمها لسلامة وحدة أراضي الصومال.

وإزاء ذلك، يرى فينتون أن التوترات الدبلوماسية المتصاعدة لا تساعد في تحسين الصورة الأمنية الإقليمية، وهي التوترات التي تساعد دولة الإمارات في تأجيجها، ولم تواجه سوى مقاومة خارجية محدودة لدورها في شرق إفريقيا.

وأشار إلى أن موقف أبو ظبي في الحرب الأهلية بالسودان وضعها في خلاف مع مصر والسعودية، اللتين دعمتا القوات المسلحة السودانية، وإن كان بدرجة أقل من دعم الإماراتيين لقوات الدعم السريع.

لكن واشنطن غضت النظر عن الدعم الإماراتي لحيمدتي إلى حد كبير عن ذلك، رغم فرض عقوبات على شقيقه، عبد الرحيم حمدان دقلو، وهو أيضًا قائد في قوات الدعم السريع، إضافة إلى قائد الدعم السريع في غرب دارفور، عبد الرحمن جمعة.

ورغم أن واشنطن أعربت عن دعمها لسيادة الصومال في 16 يناير/كانون الثاني، إلا أن تركيزها المتضائل على المنطقة يشير إلى أن هذا البيان قد يكون مجرد موقف رمزي.

ويعزو فينتون ذلك إلى علاقات الإمارات الأمنية الوثيقة بواشنطن، التي تجعلها شريكًا تحجم واشنطن عن تنفيره، كما مكنتها من تأمين نفوذها على الموانئ الإقليمية، بهدف تعزيز مكانتها كمركز تجاري رائد.

ويخلص فينتون إلى أن اتساع نفوذ أبو ظبي في شرق إفريقيا يعني أن أي جهود دبلوماسية نحو السلام في السودان أو لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا، من المرجح أن تتطلب مشاركة إماراتية، حتى لو كان ذلك يبدو وكأنه "استدعاء مهووس إشعال الحرائق كرجل إطفاء يخمد النيران التي أشعلها بنفسه".

 

المصدر | جوناثان فينتون/وورلد بوليتيكس ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات أفريقيا شرق أفريقيا البحر الأحمر الحوثيين اليمن القرن الأفريقي حميدتي السودان

بخطوط إمداد من ليبيا وتشاد وأوغندا.. هكذا أبقت الإمارات حرب السودان مشتعلة

صحيفة فرنسية: نفوذ الإمارات بالسودان وإثيوبيا يتسبب بكوارث إنسانية

مقتل 5 بينهم جندي إماراتي بنيران جندي في الصومال

تقارب عسكري مع إيران وعودة للإسلاميين.. نتائج "عكسية" للتدخل الإماراتي في حرب السودان