التوترات بين إيران وباكستان.. لهذا لا يريد البلدان المزيد من التصعيد

الأربعاء 24 يناير 2024 09:46 م

سلط الزميل ببرنامج جنوب آسيا والمحيط الهادئ في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية، شيتيج باجباي، الضوء على التوترات الأخيرة بين باكستان وإيران، مستبعدا اندلاع المزيد من التصعيد بين البلدين.

وذكر باجباي، في تحليل نشره موقع المؤسسة وترجمه "الخليج الجديد"، أن التصعيد الأخير بين إيران وباكستان أدى إلى إثارة المخاوف من احتمال امتداد الصراع من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، مشيرا إلى أن الأحداث التي وقعت في الأشهر الأخيرة أعادة التركيز على دور إيران كلاعب جيوسياسي متقلب من خلال دعمها لوكلاء إقليميين مثل حركة حماس والحوثيين.

وأضاف أن طهران اتخذت، في 16 يناير/كانون الثاني الجاري، إجراءات مباشرة ونفذت هجمات على معاقل مزعومة لجماعة جيش العدل المسلحة في إقليم بلوشستان الباكستاني، المتاخم لإيران، وردت باكستان بعد يومين بشن غارات جوية على عدة أهداف في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية بهدف استهداف الملاذات المزعومة لجيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان. وزعم الجانبان أن هناك ضحايا من المدنيين.

وردا على ذلك، استدعت إسلام آباد سفيرها من طهران ومنعت عودة السفير الإيراني إلى باكستان، على الرغم من اتفاق الجانبين منذ ذلك الحين على استعادة العلاقات الدبلوماسية.

رد محسوب

ورغم المخاوف من أن تفتح هذه التطورات جبهة جديدة في الصراع المستمر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فقد حافظ الطرفان على رد فعل محسوب نسبيًا، وأعلنت وزارتا خارجية البلدين بأن أفعالهما استهدفت المتمردين الذين يحتمون داخل أراضي الدولة الأخرى، وليس الدولة نفسها.

ويرى باجباي أن هكذا تصريح "يدل على أن تصرفات إيران تجاه باكستان لا ترتبط بشكل مباشر بأفعالها في الشرق الأوسط والتطورات الجيوسياسية الأوسع"، مشيرا إلى أن أي من البلدين لا يريد صراعاً أوسع نطاقاً، فإيران مشغولة على عدة جبهات، بينما تتعامل باكستان مع وضع اقتصادي سيئ وتستعد للانتخابات العامة المقرر إجراؤها الشهر المقبل.

وخلافاً لحالات عدم الاستقرار المزمنة التي تعاني منها باكستان مع جارتيها الهند وأفغانستان، كانت العلاقات مع إيران مستقرة نسبياً. وقبل ساعات من الضربات الجوية الإيرانية، التقى رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت، أنور الحق كاكار، مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

وفي اليوم نفسه، أجرى البلدان مناورات بحرية مشتركة بالقرب من مضيق هرمز والخليج العربي. كما عملت باكستان وإيران معًا لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، على الرغم من أن إسلام أباد كانت تميل إلى دعم الجماعات ذات الأغلبية العرقية البشتونية السنية، بينما ألقت طهران بثقلها خلف طائفة الطاجيك الناطقة بالفارسية ومجتمع الهزارة الشيعي في غالبيته.

وقبل الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، دعمت الدولتان أطرافا متعارضة في الحرب الأهلية الأفغانية، حيث دعمت باكستان حركة طالبان بينما دعمت إيران التحالف الشمالي.

جذور البلوش

ورغم أن حجم الأعمال العدائية الأخيرة لم يسبق له مثيل، إلا أن التوترات والمناوشات الحدودية بين إيران وباكستان ليست جديدة، بحسب باجباي، مشيرا إلى أن كلا البلدين تبادلا الاتهامات منذ فترة طويلة بالسماح باستخدام أراضيهما لشن هجمات للمتمردين عبر حدودهما التي يبلغ طولها 900 كيلومتر.

وفي قلب هذه الأعمال العدائية هناك عدة مجموعات تقاتل من أجل حقوق السكان من عرقية البلوش في كلا البلدين، على الرغم من وجود اختلافات واضحة بين هذه الحركات.

فالتمرد على الجانب الإيراني من الحدود له جذور إسلامية سنية وتقوده جماعة جيش العدل التابعة لتنظيم الدولة، والتي تأسست في عام 2012، كما نفذت جماعة جند الله، التابعة لتنظيم القاعدة، سلسلة من الهجمات على إيران، بينها هجوم في 3 يناير/كانون الثاني الجاري في كرمان، أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصًا.

وفي باكستان، يتمتع التمرد البلوشي بجذور قومية أكثر علمانية، ويمكن إرجاعه إلى تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، ويدعو إلى إقامة دولة بلوشية مستقلة.

واندلع التمرد الأخير في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان عندما انتقلت العديد من الجماعات المسلحة، المدعومة من باكستان في أفغانستان المجاورة إلى بلوشستان، ما يشكل تحديًا للسلطة في الإقليم الغني بالموارد.

التصعيد العرضي

ورغم أن أياً من الطرفين لا يريد صراعاً أوسع نطاقاً، إلا أن باجباي لا يستبعد خطر "التصعيد العرضي" بينهما، خاصة أن كلا الجانبين يسعى إلى تلميع أوراق اعتماده في مجال الأمن القومي.

فإيران حريصة على إظهار أنها تحمي سيادتها، خاصة في ظل تآكل شرعية نظامها منذ فترة طويلة، بينما ساعد رد باكستان على الهجمات الإيرانية في تعزيز صورة جيشها، التي شوهت عندما تمت الإطاحة بالزعيم الشعبي، عمران خان، من رئاسة الوزراء في عام 2022.

ويشير باجباي إلى أن كيفية تأثير التوترات بين إيران وباكستان على العلاقات مع أطراف ثالثة سيكون أمرًا أساسيًا لكيفية تطور الوضع الإقليمي، مشيرا إلى أن الضربات الجوية الإيرانية في باكستان جاءت تالية لزيارة وزير الخارجية الهندي، إس جايشانكار، إلى طهران في وقت سابق من الأسبوع.

وقد يؤدي هذا التوقيت إلى تغذية رواية قديمة لإسلام آباد، مفادها أن الهند تسعى إلى تطويق باكستان من خلال تعميق العلاقات مع الدول المجاورة ودعم تمرد البلوش.

وهنا يلفت باجباي إلى أن الهند تسعى إلى إقامة شراكة استراتيجية عميقة مع إيران، واعتبر زيارة جايشانكار تأكيد لذلك، بعدما شهدت تقدمًا في مشروع ميناء تشاهبهار، الذي طورته الهند وإيران كمركز عبور إقليمي، يتنافس مع مشاريع الموانئ الإقليمية الأخرى، بما في ذلك ميناء جوادار الذي تموله الصين في باكستان.

المصدر | شيتيج باجباي/تشاتام هاوس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران باكستان حماس الحوثيين بلوشستان حسين أمير عبد اللهيان

بعد عودة سفيريهما.. مسلحون يقتلون 9 أجانب بشرق إيران قرب حدود باكستان

رئيس إيران يؤكد على ضرورة التصدي لمحاولات إثارة التوتر مع باكستان

انطلاق الانتخابات العامة في باكستان وسط توترات أمنية وسياسية