الاتفاق مع أرض الصومال.. إثيوبيا تقتنص التوقيت المناسب لفك "سجنها الجيوسياسي"

الأربعاء 31 يناير 2024 05:42 م

سلط المحلل الجيوسياسي، رونان وردزورث، الضوء على الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وإدارة إقليم "أرض الصومال" الانفصالي بهدف تأمين وصول بحري لإثيوبي عبر ميناء بربرة على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن تغلب إثيوبيا على قيودها الجغرافية الأساسية يمكنها من تخفيف بعض الضغوط الداخلية، الناجمة عن النمو السكاني السريع، وتطوير قوة بحرية في توقيت يبدو مناسبا من الناحية الاستراتيجية.

وذكر وردزورث، في تقرير نشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاق أدى إلى اعتراف إثيوبيا الدبلوماسي بأرض الصومال، وهي مقاطعة انفصالية في الصومال، وقد يدفع دولا أخرى إلى أن تحذو الاتجاه ذاته، ولذا رفضت الصومال ودول أخرى في المنطقة هذا الاتفاق بشدة، الذي قد يشكل سبباً للحرب.

ومع ذلك، بدا توقيت الاتفاق مناسبا لإثيوبيا وأرض الصومال، إذ تستنزف السودان حربا أهلية ويتراجع الاهتمام الدبلوماسي الدولي بمنطقة القرن الأفريقي على وقع تصاعد التوتر بالبحر الأحمر عبر هجمات الحوثيين على سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل والرد عليها من القوات البحرية، الأمريكية والبريطانية.

ومن شأن استمرار هذه الصراعات أن تحد من قدرة الصومال على الاستجابة للمتغيرات الإقليمية، ولذا "اختارت إثيوبيا هذه اللحظة للقيام بخطوتها وإعادة تشكيل المنطقة"، حسبما يرى وردزورث.

تحد وجودي

وعبّر رئيس الوزراء الإثيوبي عن تصميمه على الوصول إلى البحر العام الماضي، واصفا ذلك بأنه "تحد وجودي" للبلاد، فإثيوبيا دولة غير ساحلية منذ عام 1993، عندما انفصلت عنها إريتريا بعد 30 عامًا من الصراع، وأخذت معها ساحلها البالغ طوله 1000 كيلومتر.

وعلى مدى السنوات الخمس التالية، تمكنت أديس أبابا من استخدام ميناء عصب الإريتري، الذي يتعامل مع ثلثي التجارة الإثيوبية، إلى أن استؤنف القتال بين البلدين، وأُغلقت هذه البوابة على إثيوبيا بشكل دائم.

واليوم، تدفع إثيوبيا أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا لممارسة التجارة عبر موانئ جيبوتي، ولم يمنع هذا اقتصادها من النمو بسرعة، لكنه ساهم في إثارة المخاوف بشأن الديون.

ومع نمو اقتصاد إثيوبيا، نمت مصالحها التجارية ونقاط ضعفها، وأصبح النمو السكاني مصدر قلق أيضا، إذ من المتوقع أن يتجاوز 150 مليون نسمة بحلول عام 2030، ما يهدد البلاد بتفشي الفقر الذي يعيشه كثير من الإثيوبيين بالفعل، إذ يعتمد حوالي 20% منهم (أكثر من 20 مليون شخص) على المساعدات الغذائية.

وفي محاولة لتنويع طرقها التجارية، تواصلت إثيوبيا مع السودان وكينيا، ولكن لم يتم التوصل إلى حلول حتى الاتفاق مع أرض الصومال، الذ قال المسؤولون في أديس أبابا إنه يعزز الأمن القومي.

ويشير وردزورث إلى أن محاولات أرض الصومال للانفصال كانت بمثابة شوكة في خاصرة الصومال بمعظم النصف الأخير من القرن العشرين، وفي عام 1991 أعلنت المنطقة استقلالها، لكن دون أن تعترف بها أي دولة عضو في الأمم المتحدة حتى اليوم.

لكن إذا تم تنفيذ الاتفاق مع إثيوبيا، فقد يتغير هذا الوضع، بحسب وردزورث، فإثيوبيا بتوقيعها على اتفاقية الوصول إلى ميناء بربرة اعترفت عمليا بسيادة أرض الصومال، وقد يتبع ذلك الاعتراف الرسمي بها كدولة مستقلة، ما يجعل اعتراف دول أخرى بأرض الصومال مسألة وقت.

وإضافة لذلك، فإن تحالف أرض الصومال المحتمل مع إثيوبيا من شأنه أن يجعلها منافساً هائلاً لاغتصاب دور الصومال في المنطقة، خاصة أن السلطات في أرض الصومال تمارس بالفعل سيطرة أكبر على أراضيها مقارنة بسيطرة مقديشو على بقية أنحاء الصومال.

وفي حين أن قوات الأمن الصومالية مقيدة بمحاربة حركة الشباب والقراصنة، فإن أرض الصومال لا تواجه مثل هذه المشاكل وتقع بالقرب من مضيق باب المندب.

لحظة مناسبة

ويعود اهتمام أديس أبابا باستعادة الوصول إلى البحر إلى عقود من الزمن، لكن هناك عاملين رئيسيين ساهما في قرارها بالتحرك الآن والمخاطرة بالصراع مع الصومال، حسبما يرى وردزورث، الأول هو أن ميزان القوى لصالح إثيوبيا، فعلى النقيض من إريتريا، فإن القوات المسلحة للصومال أصغر حجما وأقل تدريبا.

ورغم أن مصر وقفت بشكل قاطع إلى جانب الصومال ضد الاتفاقية، وهددت بالتدخل المسلح، إذ لا تريد القاهرة أن تطور أديس أبابا قوة بحرية قد تهدد ذات يوم أمن مصر في البحر الأحمر أو تزيد من تعطيل التجارة عبر قناة السويس، إلا أن مصداقية مصر تضررت بشدة بعد فشلها في التحرك لمنع إثيوبيا من استكمال سد النهضة الكبير، الذي أعطى إثيوبيا السيطرة على تدفق نهر النيل.

أما العامل الثاني الذي يصب في صالح إثيوبيا فهو الحروب الدائرة حاليا في المنطقة، ولا يوجد بلد في المنطقة يجسد هذا أفضل من مصر، بحسب وردزورث، فقد دخل مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب الأهلية إلى البلاد من الجنوب، في حين تعمل الحرب في غزة على زعزعة استقرار حدودها الشمالية.

ويلفت وردزورث إلى توقعات بأن تستفيد عديد الدول من الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، على الرغم من صمتها الحالي، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا وأرض الصومال، إذ يستضيف ميناء بربرة قاعدة عسكرية إماراتية منذ عام 2017، كما تتنافس مع قوى شرق أوسطية أخرى لتوسيع نفوذها بشكل أعمق في أفريقيا.

ومن الدول المستفيدة من الاتفاق أيضا: إسرائيل، التي تزايد اهتمامها بالقرن الأفريقي منذ أن بدأت إريتريا في إقامة علاقات أفضل مع عدو إسرائيل اللدود: إيران.

كما يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، بحسب وردزورث، إذا ظهرت إثيوبيا كلاعب أمني أكثر قوة وطورت قدرة بحرية في البحر الأحمر.

ولذا، وعلى عكس الحكومات الأخرى، أصدرت واشنطن بيانًا غامضًا بشأن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، بصيغة يمكن أن تقرأها كل من الصومال وأرض الصومال على أنها دعم لسلامة أراضيهما.

بداية جديدة

ويخلص وردزورث إلى أن تصميم إثيوبيا على تأمين الوصول المستقل إلى البحر مدفوع بضرورتها للتوسع التجاري والنمو الاقتصادي والأمن القومي، ورغم المعارضة الصريحة لذلك من الصومال ومصر، يبدو أن أديس أبابا لا تتزعزع في التزامها بالاتفاق مع أرض الصومال.

ورغم أن التصريحات الصادرة من مقديشو تشير إلى تزايد خطر الصراع، إلا أن المواجهة الفعلية تظل غير محتملة ما لم تحصل الصومال على دعم كبير من حلفائها في جامعة الدول العربية.

وقد يؤدي اعتراف إثيوبيا المحتمل بأرض الصومال كدولة مستقلة إلى تأثير الدومينو، إذ لن تعمل أرض الصومال المعترف بها دولياً كحليف استراتيجي للدول الغربية فحسب، بل ستزيد من تعقيد العلاقات الاستراتيجية في القرن الأفريقي أيضا.

ولذا فإن "التوقيت الاستراتيجي" لهذا الاتفاق يبدو لصالح إثيوبيا وأرض الصومال، بحسب وردزورث، حيث تقلل التطورات الإقليمية والدولية من احتمال إجراء تدخل كبير من الجهات الفاعلة الأخرى.

وعليه فإن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر، كخطوة حاسمة في التحرر من "سجنها الجيوسياسي"، في طريقه للنجاح، وفي الوقت نفسه يمهد الطريق لرحلة أرض الصومال نحو إقامة الدولة الكاملة.

المصدر | رونان وردزورث/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إثيوبيا الصومال أرض الصومال ميناء بربرة البحر الأحمر مصر سد النهضة

إثيوبيا: سد النهضة لن يكون محل نقاش مجددا.. ولا ننوى إيذاء الصومال

بعد مصر.. الصومال يبحث تعزيز التعاون الدفاعي مع تركيا

ستراتفور: مقتل 3 جنود مؤشر على الخطر المتزايد على مصالح الإمارات في الصومال