المأساة تتجاوز آلام مخاض النساء في غزة.. الأزمة قائمة قبل وبعد الولادة

السبت 3 فبراير 2024 11:01 ص

"شعرت بإحساس غامر بالرعب.. قلبي يكاد يتوقف من الخوف بعدما شهدت مشهدا لا يوصف".. هكذا تحدثت الفلسطينية ياسمين جودة، عن يوم 22 ديسمبر/كانون الأول، عندما وجدت نفسها تغامر بالذهاب إلى المستشفى، في طريقها إلى المخاض.

وقالت إنها عندما وصلت إلى مستشفى العودة في الجزء الشمالي الغربي من مخيم النصيرات وسط غزة، وجدت مشهدا "لا يوصف"، مضيفة: "لقد تجاوزت المأساة. كانت المنطقة تتعرض للهجوم، حيث استهدفت الطائرات المنازل والمباني السكنية القريبة.. كان المستشفى يستقبل سيلا مستمرا من ضحايا القصف الإسرائيلي – شهداء وجرحى على حد سواء".

كان الأمر مختلفًا عن أي شيء شهدته في حالات حملها الخمس السابقة، فقد تبين أن آلام المخاض التي مرت بها كانت بمثابة إنذار كاذب، وعادت إلى المنزل لمدة ثلاثة أسابيع أخرى قبل ولادة ابنها أركان.

ووفق تقرير لموقع "إنترسبت" وترجمه الخليج الجديد"، فإن الأهوال التي تحملتها ياسمين أثناء سعيها للحصول على الرعاية الطبية أثناء الحمل، ومنذ الولادة، ترمز إلى التحديات التي تواجه الأمهات الجدد في غزة.

وتقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 50 ألف امرأة حامل في غزة، وأن 180 منهن في المتوسط يلدن كل يوم، في نظام رعاية صحية يتأرجح على حافة الانهيار.

ويتفاقم الوضع المزري بسبب ندرة الغذاء والوقود، إلى جانب الظروف المعيشية غير الصحية والقصف الإسرائيلي المتواصل.

تقول طبيبة النساء والتوليد في المستشفى الإماراتي في مدينة رفح جنوب غزة هيا حجازي، إنه قبل الحرب الحالية، كانوا يستقبلون ما يقرب من 100 إلى 150 امرأة حامل يوميًا.

ويتجاوز هذا العدد الآن 500، بفضل النزوح الكبير من الجزء الشمالي من القطاع.

وتضيف: "نظراً لتدهور الأوضاع الصحية نتيجة العدوان الإسرائيلي ومحدودية الإمكانيات الطبية، فإننا غير قادرين على توفير الرعاية الصحية اللازمة لهؤلاء النساء الحوامل".

وتتابع: "ناهيك عن النساء اللاتي ماتت أو فقدن أطفالهن أثناء الولادة في الخيام أو مراكز الإيواء أو حتى في الشوارع وفي السيارات".

كانت ياسمين قد دخلت للتو شهرها السابع من الحمل عندما هاجمت "حماس" إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى إلى شن إسرائيل حرباً انتقامية لا رحمة فيها على سكان قطاع غزة.

وقالت: "لم أتخيل قط أن يستمر العدوان الإسرائيلي حتى أنجب طفلي".

وأعاقت الحرب على الفور حصولها على رعاية ما قبل الولادة.

وبسبب القصف الإسرائيلي المستمر ونقص الوقود الذي جعل التنقل صعبا، وجدت ياسمين أنه من المستحيل الاستمرار في رؤية طبيبها، الذي تمكن، كمواطن روسي، من مغادرة غزة في وقت مبكر من الحرب.

وأمام ذلك، اضطرت ياسمين، الحاصلة على درجة البكالوريوس في التحاليل الطبية والتغذية، إلى أن تصبح مقدمة الرعاية الصحية الخاصة بها، وقامت بمراقبة ضغط دمها في المنزل، وتأكدت من حصولها على إمدادات ثابتة من الفيتامينات والكالسيوم من الصيدلية.

وقال: "لقد عشت في حالة من الخوف لم تؤثر على صحتها العقلية فحسب، بل أثرت أيضًا على صحة الطفل الذي ينمو بداخلي".

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، خلال هدنة مؤقتة في القتال بين إسرائيل وحماس، لاحظت وجود فرق، مضيفة: "عندما هدأ التوتر النفسي، وتوقفت أصوات القصف، لاحظت زيادة ملحوظة في نشاط الطفل".

ومثل الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نزحت ياسمين وعائلتها من منزلهم.

وبعد أن أمر الجيش الإسرائيلي سكان أجزاء من النصيرات بالإخلاء في أواخر ديسمبر/كانون الأول، غادروا إلى منزل والديها في مدينة دير البلح، وقالت: "لقد كان أحد أسوأ أيام حياتي.. لم آخذ معي سوى الضروريات، وأجبرت على مغادرة المنزل الذي عشت فيه أنا وزوجي وأطفالي لمدة 17 عامًا، وهو مكان مليء بذكرياتنا".

وفي اليوم نفسه، أرسلتها آلام المخاض إلى مستشفى العودة.

وحتى بعد أن علمت أنها لم تكن في مرحلة المخاض بعد، أمضت ياسمين الليلة هناك مع والدتها، فلم يكن لديهم وسيلة للعودة إلى المنزل ليلاً وانتظروا بفارغ الصبر حتى الصباح.

وتذكر بوضوح ما رأته هناك، بالقول: "جثث محترقة، وأشلاء ممزقة، وأمهات يبكون بشدة على فقدان أطفالهن في القصف الإسرائيلي.. لقد طغت شدة الرعب المطلقة على العلامات المعتادة للولادة والمخاض".

وبعد ثلاثة أسابيع، ومع معاناتها من آلام المخاض مرة أخرى، ذهبت ياسمين إلى عيادة خاصة مع والدتها.

وكانت غزة تعاني من انقطاع الاتصالات في ذلك الوقت، حيث كانت القصف الإسرائيلي يعطل بشكل دوري خدمة الإنترنت والهاتف في القطاع طوال فترة الحرب، ولم تتمكن من الاتصال بزوجها محمد الذي كان في النصيرات.

وقالت: "لقد أثر هذا بشكل كبير على حالتي العقلية.. كنت بحاجة إلى محمد بجانبي خلال هذا الوقت العصيب".

كانت العيادة غارقة، وكان هناك العديد من النساء في المخاض، ولم يكن هناك سوى طبيب واحد لرعايتهن.

وبعد ولادة أركان، حث الطبيب ياسمين على العودة إلى المنزل لإفساح المجال للمرضى الآخرين.

ولم تكن قادرة على إجراء اختبار ما بعد الولادة، ناهيك عن الراحة.

ولم يتم عرض ابنها بعد على الطبيب للحصول على الأساسيات مثل قياسات الطول والوزن وفحص حركات الأمعاء، وقالت إنه حتى لو تمكنت من الوصول إلى المستشفى، فإنها تخشى الإصابة بالعدوى "بسبب اكتظاظ النازحين ونقص مواد التعقيم ومستلزمات التنظيف".

وتستمر الحرب في إحداث خسائر نفسية، حيث أشارت ياسمين إن الضغط النفسي جعل من الصعب عليها إرضاع ابنها باستمرار.

وفي الوقت نفسه، تكافح أيضًا للعثور على تركيبة تكملها، أو حتى للحصول على حفاضات بالحجم المناسب لابنها.

أما طبيبة النساء والتوليد هيا، فتقول إن "القصف الإسرائيلي المستمر والظروف الصعبة للغاية المحيطة بالولادة في غزة أدت إلى اكتئاب حاد بعد الولادة بين النساء".

ويشمل ذلك عدم إمكانية الوصول إلى الضروريات، كما تعاني ياسمين، فضلاً عن الظروف المعيشية القاسية، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يحتمون في الخيام في البرد، وفق هيا.

أما شروق، الحامل في شهرها السابع بطفلها الأول، والتي تعيش في ملجأ بخان يونس في جنوب قطاع غزة، فبعد رؤية قصة ياسمين وغيرها، باتت تتساءل: "كيف يمكن لي أن ألد هنا؟.. لا توجد رعاية صحية ولا أدنى شروط النظافة.. الولادة في هذا الملجأ ستكون كارثية بالنسبة لي".

ولم تراجع شروق، الحاصلة على شهادة ماجستير في الترجمة، طبيبا منذ هروبها من شمال غزة قبل شهر، فقد دمرت الضربات الجوية الإسرائيلية بنايتين قرب منزلها، لذلك فهي تعتقد أنه قد تعرض لتدمير جزئي على الأقل.

بالتالي، لا يمكنها العودة إلى منزلها لمعرفة ما إذا كانت الملابس والألعاب التي اختارتها لابنتها التي ستولد لا تزال صالحة للاستعمال.

وقالت شروق: "لقد اشتريتها الواحدة تلو الأخرى وكنت انتقائية للغاية في اختيار أغراضها".

حينما فرّت مع زوجها، لم تأخذ معها سوى لعبة واحدة: لعبة صنعتها بنفسها.

حاولت شروق برفقة زوجها مراجعة أحد الأطباء أو القابلات القلائل في المركز الصحي القريب من ملجأهما، لكن، وفيما كانا في طريقهما، تعرضت سيارة للقصف على مرأى أعينهما، وقالت: "لقد كنا قريبين جدا، كان الأمر مرعبا.. بدأنا في الركض نحو الملجأ، تخلينا عن خطتنا لزيارة المركز الصحي".

عمليات القصف الإسرائيلية قاسية جدا على شروق، التي أضافت: "لو لم أكن حاملا، لربما تمكنت من مواجهة هذا الوضع.. لكنني خائفة جدا على طفلتي التي لم تولد بعد".

وتروي شروق متحسرة: "يجب عليك الانتظار في طابور طويل للذهاب إلى المرحاض، وأثناء انتظارك في الطابور تراودك أفكار حول احتمال تعرضك للعديد من الأمراض التي قد يكون الآلاف من الأشخاص الآخرين الذين يتوالون على استعمال المرحاض مصابين بها. وتقريبا لا نجد الصابون".

تضيف: "مجرد التفكير في احتمال إصابتي بأحد هذه الأمراض وأن ذلك قد يؤثر أيضا على طفلتي، هو أمر يسبب لي التوتر والقلق.. منذ تواجدي هنا، بدأت أتعرض لنوبات الدوار، أسعل كثيرا وأشعر بألم في الظهر لأنني أنام على الأرض".

من جانبها، تشرح هبة الطيبي مديرة منظمة "كير إنترناشيونال" غير الحكومية في الضفة الغربية وغزة، أن بعض النساء اللاتي لا يستطعن ​​الإرضاع "يضطررن إلى استخدام مياه ملوثة لتوفير الحليب الاصطناعي للرضع نظرا لعدم توفر المياه النظيفة".

رغم هذا الوضع الكارثي، لا يتم السماح سوى لعدد محدود من شاحنات المساعدات بالدخول إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، كما تحظر إسرائيل مرور الوقود مبررة قرارها بمخاوف من استيلاء حركة حماس عليه.

يبقى أن الوقود هو ضروري لتشغيل أنظمة ومضخات تحلية المياه في القطاع الفلسطيني.

بدورها، تشعر شروق بالعطش والجوع بشكل مستمر، وتقول في هذا الشأن: "في أحسن الأحوال، أحصل يوميا على زجاجة صغيرة من الماء وقطعتين من الخبز مع الجبن الذائب وأحيانا الزعتر المجفف".

في ظل انعدام أي مصدر للبروتين أو الخضار الطازجة أو الفاكهة في الملجأ، تحذر شروق: "لقد بدأ أغلبنا يعاني من سوء التغذية".

لا تعلم شروق أين ستضع مولودها الأول، وفي ظل الانقطاع المستمر للاتصالات والتغطية غير المنتظمة لشبكة الإنترنت في غزة، لا يمكن للنساء اللاتي يلدن الاستفادة من سيارة إسعاف أو طبيب أو قابلة.

يوضح مراد: "من الخطير أيضا التنقل بسبب القصف" الإسرائيلي.

وحتى وإن نجحت هؤلاء النساء في الوصول إلى المستشفى، فإنهن معرضات أيضا لاحتمال مغادرته ساعات قليلة بعد الولادة، في هذا السياق، تشرح هبة الطيبي: "ليس هناك متابعة منتظمة بعد الولادة".

لكن وحتى وهن داخل المستشفيات، فإن النساء والرضع معرضون لخطر الإصابة بالعدوى.

ففي ظل الأعداد الهائلة من الضحايا بعد الغارات الإسرائيلية وبسبب نقص المعدات الطبية، فإن "المستشفيات باتت الآن تعيد استخدام المعدات التي كان يجب أصلا التخلص منها والتي لا يجب استخدامها سوى مرة واحدة فقط"، حسبما قالت الطيبي.

 

 

المصدر | إنترسبت - ترجمة وتحليل الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب غزة الولادة المخاض نساء غزة رعاية طبية إسرائيل تلوث المياه الحمل الرضاعة