ناشونال إنترست: رحيل نتنياهو لن يؤدي إلى السلام في الشرق الأوسط

الأحد 18 فبراير 2024 10:11 ص

إذا أرادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إشراك الجمهور الإسرائيلي في مبادراتها الدبلوماسية، فيتعين عليها أن تقلل من طموحاتها الدبلوماسية وتركز جهودها على التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة، بدلاً من حل الدولتين.

ويوضح ليون هدار، المحرر المساهم في موقع "ناشونال إنترست" وكبير الباحثين بـ"معهد أبحاث السياسة الخارجية" في مقال ترجمه "الخليج الجديد"، أن التوصل لاتفاق على إنهاء الحرب على غزة صعب للغاية، وأن السلام الإسرائيلي الفلسطيني لن يتم حتى إذا ترك بنيامين نتنياهو منصبه كرئيس لدولة الاحتلال غدا.

ويلفت إلى أن هناك قائمة طويلة من الأسباب التي تدفع نتنياهو إلى الاستقالة من منصبه والتقاعد من الحياة السياسية، بدءاً من لائحة الاتهام الموجهة إليه عام 2019 بتهم خيانة الأمانة والرشوة والاحتيال، وحتى الفشل في الحرب الجارية.

وأصبح نتنياهو (74 عامًا)، الزعيم الإسرائيلي الأطول خدمة رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 1996، وهو يدفع البلاد إلى مزيد من اليمين منذ ذلك الحين، حيث استبدل أجندة "تاتشر" المؤيدة للسوق الحرة بحملة شعبوية، مما أدى إلى إثارة الرأي العام في البلاد.

وكانت محاولته السابقة لتفكيك السلطة القضائية في البلاد قد أشعلت أكبر حركة احتجاجية في تاريخ إسرائيل، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في محاولة لدرء ثورة دستورية كانت ستجعل من المستحيل تقريباً أن يخسر اليمين السياسي السلطة.

وكان هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أخذ البلاد على حين غرة، قد حطم صورة نتنياهو باعتباره "حامي البلاد".

وبسبب فشله في جعل إسرائيل آمنة، فإن غالبية الجمهور يلومونه وحكومته على "السبت الأسود".

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحكومة الحالية، التي فازت مجتمعة بـ64 مقعداً في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ستتراجع إلى نحو 40 مقعداً من أصل 120 إذا أجريت الانتخابات اليوم.

وسيحصل حزب "الوحدة الوطنية" بزعامة بيني غانتس على 43 مقعدًا، مقارنة بـ 12 مقعدًا يشغلها حاليًا، بينما سيفوز حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو بـ18 مقعدًا فقط، مقارنة بـ32 مقعدًا فاز بها في آخر انتخابات.

ويلفت هدار إلى أن القول إن "نتنياهو وصل إلى طريق مسدود سياسيا هو قول حقيقة، ولكن على الرغم من أن قيادته ربما فقدت مصداقيتها تماما، فإنه لا يزال يسيطر على حكومة يدعمها 64 عضوا في الكنيست (البرلمان)، بما في ذلك حزبان قوميان متطرفان يدعمان ضم الأراضي العربية المحتلة إلى إسرائيل".

ومن هذا المنظور، ينظر البعض في إسرائيل وكثيرون في واشنطن إلى نتنياهو باعتباره العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب في غزة، والذي، وفقاً لبايدن ومساعديه، ينبغي أن يستند إلى ما يسمى بـ "حل الدولتين” ويتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وفي الواقع، تشير التقارير الأخيرة إلى أن إدارة بايدن تعمل مع السعودية ودول عربية أخرى مؤيدة لأمريكا لصياغة اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس".

وهذا من شأن هذا الاتفاق، وفق المقال، أن يهيئ الظروف لمبادرة دبلوماسية تاريخية يقوم بموجبها السعوديون وأعضاء آخرون في جامعة الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل موافقة تل أبيب على تحويل قطاع غزة المعاد بناؤه اقتصاديًا، بقيادة السلطة الفلسطينية المعاد تشكيلها، إلى دولة فلسطينية مستقلة.

واقترح نتنياهو في الماضي أنه سيكون على استعداد لقبول الدولة الفلسطينية التي وصفها في خطاب ألقاه عام 2009 في جامعة بار إيلان، في ظل شروط لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبلها على الإطلاق، فليس فقط نزع السلاح والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على المجال الجوي، ولكن أيضا عاصمة إسرائيلية في القدس الموحدة.

واعتبر الخطاب أنه يهدف إلى الحفاظ على وهم "عملية السلام حيا" مع زيادة ترسيخ الاحتلال، حيث كان اعتقاد نتنياهو الأساسي هو أن الاحتلال يمكن أن يبقى إلى الأبد.

ويصر المشرعون الأمريكيون والنقاد في واشنطن على أن رفض نتنياهو لحل الدولتين هو العائق الرئيسي أمام إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي أمام إحياء عملية السلام وتبني صفقة كبرى من شأنها أن تسمح لإسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يتم دمجها أخيرًا في الشرق الأوسط.

هذه في الواقع، وهي أطروحة كاتب العمود المؤثر في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، الذي أكد في سلسلة من المقالات على "رؤيته القاتمة للغاية لنوايا نتنياهو عندما يتعلق الأمر بحل الدولتين".

واقترح أن فقط بايدن والأمير السعودي محمد بن سلمان قادران على اتخاذ الخطوات اللازمة لتغيير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، وإجبار نتنياهو على الخروج من السلطة.

وتشير التقارير الصحفية الواردة من واشنطن إلى تصاعد إحباط بايدن من نتنياهو، الذي يعرفه منذ 40 عاما.

ولم تكن انتقاداته لنتنياهو موجهة فقط إلى الطريقة التي تعامل بها مع العملية العسكرية في غزة، ومن الواضح أنه يعتبره عائقاً أمام الإستراتيجية الأمريكية طويلة المدى في الشرق الأوسط.

ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، فقد خلص مسؤولو البيت الأبيض بشكل متزايد إلى أن نتنياهو يركز على بقائه السياسي مع استبعاد أي هدف آخر، وهو حريص على وضع نفسه في موقف يقف في وجه مساعي بايدن من أجل حل الدولتين.

ومن ثم، خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي، وبخ نتنياهو علانية بايدن بسبب دعمه لقيام دولة فلسطينية، قائلا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يجب أن يكون "قادرا على قول لا لأصدقائنا".

ويعلق هدار، على ذلك بالقول: "إن إلقاء اللوم على نتنياهو لإدامة الوضع الراهن في إسرائيل وفلسطين والعمل تحت وهم مفاده أن الفلسطينيين وأهدافهم السياسية من أجل الحرية يمكن تجاهلها من خلال مزيج من التكنولوجيا والقوة النارية أمر منطقي إلى حد كبير".

ويضيف: "بطريقة ما، تحطمت استراتيجية نتنياهو، القائمة على فكرة أن العالم، وخاصة الدول العربية السنية، قد سئمت من القضية الفلسطينية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك اعتقاده بأن قيادة حماس في غزة يمكن شراؤها من خلال توجيه المساعدات المالية من قطر، وأن المنظمة ستكون بمثابة ثقل موازن للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".

ويتابع: "لكن ليس هناك ما يشير إلى أن صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول، قد غيرت المواقف العامة الإسرائيلية نحو قبول فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة".

ويزيد: "إذا كان هناك أي شيء، كما اقترح أحد منظمي استطلاعات الرأي الإسرائيليين البارزين، فهو أن هجوم حماس قد أدى إلى تحويل المواقف العامة الإسرائيلية نحو اليمين، حيث أن معظم الإسرائيليين يؤيدون نتنياهو بشدة عندما يتعلق الأمر باستمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة وبقية الأراضي العربية المحتلة".

ويلفت هدار إلى أنه فقط حوالي 25% من الإسرائيليين سيؤيدون الآن إنشاء دولة فلسطينية ولن يوافقوا على ذلك إلا بشروط معينة لن يقبلها معظم الفلسطينيين.

ومن هذا المنظور فإن أغلب الإسرائيليين، باستثناء المتطرفين اليمينيين وأنصار السلام ذوي الميول اليسارية، ربما يتفقون اليوم مع الحجج التي ساقها نتنياهو في خطابه في بار إيلان.

علاوة على ذلك، هذا هو موقف غانتس، الذي يُنظر إليه على أنه الخليفة الرئيسي لنتنياهو.

وبينما لا يزال يعارض ضم الضفة الغربية وغزة، فإنه سيعارض أيضًا أي حل لا يكون بموجبه الكيان الفلسطيني منزوع السلاح بالكامل، وتبقى القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن غانتس وكذلك الرئيس إسحاق هرتسوغ، وحتى رئيس المعارضة يائير لابيد، أعربوا عن انزعاجهم من خطاب إدارة بايدن المتجدد فيما يتعلق بالحاجة إلى حل الدولتين منذ اندلاع الحرب، وحثوا بشكل خاص "إدارة بايدن بالامتناع عن الحديث علناً عن حل الدولتين في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول".

ووفق هدار، فإنه إذا كان هناك أي شيء، فإن إصرار إدارة بايدن على الترويج لحل الدولتين يمكن أن يصب في مصلحة نتنياهو، الذي اتهم بالفعل غانتس بدعم الدعوات الأمريكية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

 

ويضيف: "أولئك الذين يشيرون إلى الدفع الأمريكي باتجاه اتفاقيات فض الاشتباك المصرية الإسرائيلية في أعقاب حرب 1973، كنموذج محتمل لمتابعة صفقة إسرائيلية فلسطينية، يجب أن يتذكروا أن إقناع إسرائيل بتقديم التنازلات اللازمة في ذلك الوقت كان ممكنًا، لأن إسرائيل حققت بالفعل نصراً عسكرياً في تلك الحرب".

علاوة على ذلك، لم تكن واشنطن تضغط في عام 1973 من أجل التوصل إلى صفقة كبرى بين إسرائيل ومصر، حيث تم التوقيع على اتفاق السلام الإسرائيلي المصري بعد 6 سنوات.

ويلفت هدار، إلى أنه إذا كانت تريد إشراك الجمهور الإسرائيلي في مبادراتها الدبلوماسية والتأكد من أن نتنياهو سيترك منصبه عاجلاً وليس آجلاً، فإن إدارة بايدن بحاجة إلى الحد من طموحاتها الدبلوماسية وتركيز جهودها على التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة، وهو أمر في حد ذاته.

ويختتم المقال بالقول: "لن يتحقق السلام الإسرائيلي الفلسطيني حتى لو ترك نتنياهو منصبه غداً".

المصدر | ناشونال إنترست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بايدن نتنياهو الشرق الأوسط السلام حل الدولتين حرب غزة إسرائيل فلسطين