تراجع أسعار النفط.. ضجيج التوقعات الاقـتصادية

الأربعاء 2 مارس 2016 04:03 ص

إن عالماً«غارقاً في وفرة المعروض» من النفط وسلع أخرى، يمكن أن يجعل من 2016 عاماً رخيصاً للغاية بالنسبة لكبار مستوردي الموارد في آسيا مثل الصين واليابان، ومع ذلك، فإن العوامل المعوقة للنمو بالنسبة لمصدري السلع، تشكل ضغطاً إضافياً على الأسواق البازغة، وفقاً لمصادر البنك الدولي.

في تقريره الصادر في 26 يناير الماضي، خفض البنك، الذي يقع مقره الرئيسي في واشنطن، توقعاته لأسعار النفط الخام إلى مستوى 37 دولاراً فقط للبرميل.

وهو ما يمثل خفضاً لتوقعاته لسعر البرميل في أكتوبر الذي كان قد بلغ 51 دولاراً للبرميل؛ في الوقت نفسه الذي خفض فيه البنك توقعاته لأسعار 37 سلعة من بين 46 سلعة يقوم برصد حركة أسعارها».

من المعروف أن أسعار النفط قد هوت العام الماضي بمقدار 47 في المئة، وأنها يمكن أن تتدهور بنسبة 27 في المئة أخرى في العام الحالي (2016 )على خلفية استئناف صادرات إيران من النفط، والذي جاء «أسرع مما كان متوقعاً؛ بالإضافة إلى زيادة درجة صلابة إنتاج الولايات المتحدة من النفط بفضل تخفيضات التكلفة.

والمكاسب الناتجة عن زيادة كفاءة التشغيل، والشتاء المعتدل نسبياً في نصف الكرة الشمالي، وتوقعات النمو الضعيف في الاقتصادات البازغة الرئيسية، كما جاء في تقرير البنك.

ويشار إلى أن أسعار النفط الأميركي قد تهاوت لما دون 27 دولاراً للبرميل في 20 يناير، وهو أقل مستوى تبلغه أسعار هذه المادة الحيوية منذ مايو 2003، ويمكن إرجاعه إلى أنباء تزايد مخزون الولايات المتحدة من النفط الخام، الذي يضيف إلى الكميات المعروضة منه عالمياً مما يزيد من تخمة الأسواق.

ويثير هذا السعر الدافع، إلى مقارنته بالسعر القياسي الذي وصل إليه برميل النفط عام 2008، على خلفية الارتفاع الكبير في الطلب من الصين، التي تستهلك في الوقت الراهن 12 في المئة من نفط العالم، ولا يسبقها في الاستهلاك سوى الولايات المتحدة فقط.

ومع أن التقارير المتعلقة باحتمالات التوصل لصفقة لتخفيض الإنتاج بين روسيا و«أوبك » ساعدت أسعار خام برنت على العودة للارتفاع؛ إلا أن المحللين يظلون متشائمين مع ذلك، بشأن توقعات الأسعار في المدى القصير.

مخاوف من الركود

ووفقا لـ بنك«كريدي سويس»السويسري، يمكن لمتوسط أسعار خام برنت أن يهبط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل في الربع الأول من 2016« وسط تصاعد مخاوف الركود، وارتفاع المخاطر لمستويات مثيرة للهلع». ويتوقع هذا البنك الاستثماري أن يصل متوسط سعر برنت إلى 36.25 في المتوسط هذا العام، على الرغم من أنه ما يزال يتوقع ارتفاعاً للأسعار، يعود بموجبه السعر إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل على الأقل «خلال السنوات القليلة القادمة».

وكانت«وكالة الطاقة الدولية» قد حذرت أيضاً من أن سوق النفط «يمكن أن يغرق بسبب زيادة المعروض من النفط في السوق» نتيجة لقيام إيران بزيادة إنتاجها بكميات كبيرة، ومحافظة دول أوبك على مستويات إنتاجها الحالية، حيث يمكن في هذه الحالة أن يزيد العرض العالمي من النفط عن الطلب بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2016.

وأسعار النفط الآخذة في التدهور، كان لها تأثير على أسواق الأوراق المالية؛ حيث ارتبط أداء مؤشر استاندرد آند بورز/500 الأميركي ارتباطاً وثيقاً بأسعار خام برينت منذ ديسمبر.

ووفقاً لـ«كريس كونواي» من «استراليان ستوك ريبورت» فإن هذا الارتباط قد وصل إلى مستوى مرتفع للغاية بلغ 97 في المئة، وهو مستوى لم يسبق الوصول إليه منذ عقد التسعينيات، ويرجع لقلق المستثمرين من التأثير الانكماشي للنفط الأرخص على كل من الاقتصادات المتقدمة والبازغة على حد سواء، وتنامي الخوف من المخاطر التي يمكن أن تنتج عن تباطؤ الاقتصاد الصيني، ومن أهمها إطلاق موجة كساد عالمية.

وقد وصل الهلع أيضاً إلى سوق السندات، وذلك بعد أن اتسع الفارق بين سندات الطاقة المرتفعة المخاطر و«المرتفعة العائد» في الوقت ذاته؛ وبين سندات الخزانة الأميركية التي تعد ملاذاً آمناً للكثير من المستثمرين، إلى أكبر مدى ممكن هذا الشهر؛ الأمر الذي غذى من مخاوف انتقال تأثير ذلك إلى أسواق الائتمان، وفقاً لمجلة «استراليان فاينانشيال ريفيو».

على رغم ذلك، لا يزال البنك الدولي يرى أن هناك احتمالاً لحدوث «ارتفاع تدريجي لأسعار النفط» خلال العام، نتيجة لتخفيض الإنتاج من قبل المنتجين، الذين يتكبدون تكلفة عالية في عملية إنتاج الخام، وتحسن الطلب نتيجة للنمو العالمي الآخذ في الازدياد، وعملية إعادة التوازن التي تجريها الأسواق، مع أنه يقول إن التوقعات «تظل خاضعة لمخاطر انخفاض معتبرة» مع ذلك.

انخفاض السلع

في الوقت نفسه، من المتوقع انخفاض كافة مؤشرات أسعار السلع الرئيسية هذا العام، بسبب«الإمدادات الكبيرة المتواصلة؛ والطلب الآخذ في الانخفاض على السلع الصناعية، في اقتصادات الأسواق البازغة، كما يقول البنك.

وفقاً للبنك أيضا، من المتوقع انخفاض أسعار السلع الأخرى( بخلاف الطاقة) بمقدار 3.7 في المئة عام 2016، حيث يتوقع أن تنخفض أسعار المعادن بنسبة 10 في المئة، بعد الهبوط بنسبة 21 الذي شهدته خلال عام 2015 بسبب انخفاض مستوى الطلب من الاقتصادات البازغة، وزيادة المعروض منها في الآن ذاته.

وهناك تنبؤات بأن أسعار المنتجات الزراعية، ستنخفض بنسبة 1.4 في المئة، وأن تلك الانخفاضات ستطال معظم المنتجات الرئيسية تقريباً وهو ما يعكس توقعات إنتاج «كافية»؛ على الرغم من المخاوف المتعلقة بإتلاف المحاصيل جراء ظاهرة«النينو»، ومستويات المخزون المريحة، وأسعار الطاقة الأقل، واستقرار الطلب على الوقود الحيوي».

وأدلى« جون بافيس» الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي بتصريح قال فيه:«من المرجح أن تبقى أسعار النفط والسلع المنخفضة معنا لبعض الوقت» وأضاف:«في الوقت الذي نرى فيه احتمالاً لارتفاع طفيف في أسعار السلع خلال العامين المقبلين، إلا أن المخاطر المتعلقة بانخفاضات مهمة في الأسعار ستظل قائمة مع ذلك».

تراجع الطلب العالمي

وبالنسبة لاقتصادات الأسواق البازغة مثل الصين التي تعتبر المصدر الرئيسي لنمو الطلب على السلع منذ عام 2000، فإن الاحتمال الأرجح هو أن تشكل توقعات النمو الآخذ في التناقص، ضغطاً على الأسعار، مما يؤدي إلى المزيد من تقليص النمو للشركاء التجاريين، وللطلب العالمي على السلع أيضاً.

ونفوذ الأسواق البازغة، يتبدى بجلاء من خلال حقيقة أنه اعتباراً من 2010 إلى 2014، كانت دول البريكس تنتج 20 في المئة أو ما يزيد عن ذلك من إنتاج النفط والغاز في العالم؛ و40 في المئة وما يزيد عن ذلك من إنتاج الفحم والحبوب العالمي؛ في الوقت ذاته الذي نما فيه استهلاكها من السلع ليصل إلى 40 في المئة من استهلاك السلع الغذائية والطاقة الأولية على مستوى العالم، وما يزيد عن 50 في المئة من الاستهلاك العالمي للمعادن.

وفقاً لبيانات البنك، انخفضت أسعار السلع بنسبة 40 في المئة منذ عام 2010، في حين تباطأ النمو في الاقتصادات البازغة من 7.1 إلى 3.3 في المئة خلال نفس الفترة. وعلى الرغم من تحسن النمو ووصوله إلى معدل 4 في المئة هذا العام، إلا أنه سيظل مع ذلك دون مستوياته التاريخية بكثير.

وتداعيات التباطؤ الممتد في الصين، وغيرها من دول الاقتصادات البازغة، يمكن أن تكون مؤلمة. وهذه التداعيات يمكن أن تشمل تباطؤ النمو بنسبة 1 في المئة في دول البريكس، وتخفيض النمو في غيرها من دول الاقتصادات البازغة بنسبة 0.8 في المئة خلال عامين، وإبطاء النمو العالمي بنسبة 0.4 في المئة.

يقول«إيهان كوس» المسؤول بالبنك الدولي:« الأسعار المنخفضة للسلع سلاح ذو حدين. ففي الوقت الذي يستفيد منها المستهلكون في الدول المستوردة، فإنها تلحق الضرر بالمصدرين في الدول المنتجة ». ولمزيد من التوضيح يضيف:«سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يمكن ترجمة منافع انخفاض أسعار السلع إلى نمو اقتصادي أقوى بين الدول المستوردة. أما بالنسبة لمصدري السلع فسيشعرون بالألم على الفور».

«مجرد ضجة»

مع ذلك لا يمكن القول إن جميع المحللين متشائمون بشأن توقعات قطاع الطاقة والسلع. فنحن نجد مثلاً أن«كاي فان بيترسن»المحلل في« ساكو كابيتال ماركتس آسيا»، يدلي بتصريح لمجلة«استراليان فاينانشيال ريفيو» يقول فيه إن التركيز على النفط «ليس إلا مجرد ضجة». في الوقت نفسه يقول المحلل«بول ديلز»من «كابيتال إيكونوميكس» إن المخاوف من حدوث كساد كبير ستتقلص في نهاية المطاف.

وقال ديلز أيضاً« إن حدوث دوامة انكماشية عالمية احتمال لن يتحقق لأننا نشهد أن عدداً متزايداً من الاقتصادات مازال في مرحلة نمو». وأضاف لما سبق قوله:«نتوقع أن الكثير من تلك المخاوف ستتلاشى عندما نسمع المزيد من الأنباء الاقتصادية الطيبة، حتى في الصين، كما نتوقع أن أسعار النفط ستعود إلى مستوياتها السابقة المرتفعة، عندما تقل مخاوف الطلب، ويتم تخفيض العرض».

يقول«جيوفري كان» المدير الوطني لشؤون النفط والغاز في شركة«ديلويت أستراليا»إن عودة الأسعار إلى مستوياتها السابقة في نهاية المطاف، يمكن أن يكون سريعاً، ويحدث بمجرد أن تتم معالجة عدم التوازن القائم بين العرض والطلب.

يقول ايضاً «عندما يهبط العرض في نهاية المطاف، إلى ما دون مستوى الطلب( وفي رأيي أن هذا لن يحدث خلال عام 2016)، فإن الأسعار ستعود إلى مستوياتها السابقة المرتفعة، لحد كبير فكل التطورات الجديدة، التي ستجلب إمدادات نفط جديد إلى الأسواق خلال فترة 24-36 شهرا القادمة، توقفت؛ في الوقت نفسه الذي يواصل فيه الطلب نموه، وإن كان ببطء؛ وهو ما يؤدي إلى قصور في العرض، كما أن استقطاب العاملين مجدداً إلى الصناعة سيستغرق وقتاً، وهو ما يرجع إلى أن الكثير منهم قد هجروها. لذلك كله يتوقع أن عودة الأسعار إلى معدلاتها السابقة سيكون سريعاً وقوياً».

من هم الخاسرون؟

في منطقة آسيا نجد أن الخاسرين جراء النفط الأرخص سعراً هم أكبر منتج في المنطقة وهي الصين، يليها الهند، يليها إندونيسيا، وماليزيا، وصناعة الغاز المسال الأسترالية الناشئة.

أما الرابحون فيشملون المستوردين الرئيسيين في المنطقة وهم الصين، واليابان، والهند؛ علماً بأن النفط الأرخص سعراً يضر بمحاولة اليابان لإحياء التضخم، كما يثير مخاوف من حدوث المزيد من الانكماش في مختلف أنحاء المنطقة.

الطلب على الطاقة.. يتراجع

شركة "إكسون"عملاق الطاقة الأميركي، قد خفضت من توقعاتها لنمو الطلب السنوي على الطاقة في الصين، بمقدار العُشر ليهبط إلى 2.2 في المئة سنوياً؛ وتتوقع أن يستمر هذا حتى عام 2025. وألمحت الشركة إلى أن ظمأ ثاني أكبر اقتصاد في العالم للطاقة سيصل إلى ذروته عام 2030. مع ذلك، ما زالت إيكسون، ترى أنه سيكون هناك ارتفاع كبير في الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 25 في المئة خلال الفترة من عام 2014 إلى 2040، بسبب عملية التصنيع المستمرة في الصين، والهند، وغيرهما من دول الاقتصادات البازغة.

 

* أنتوني فنسوم خبير في شؤون الإعلام والمال في أستراليا وآسيا

المصدر | أنتوني فنسوم - خدمة «تريبيون ميديا سيرفس» - ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط تخمة المعروض النفطي 2016 الصين اليابان الأسواق الناشئة البنك الدولي الطلب العالمي النفط الإيران النفط الأمريكي

«النقد الدولي» يدعو الدول المصدرة للنفط إلى التكيف مع الواقع الجديد للأسعار

النفط يرتفع بعد انخفاض الإنتاج الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ 2014

المعركة الأولى .. الجبهة النفطية

أرامكو: النفط سيرتفع نهاية 2016 وسنواصل الاستثمار في قطاعات المصب

«جلوبال ريسك»: النظام النفطي الجديد