«جلوبال ريسك»: النظام النفطي الجديد

الاثنين 9 مايو 2016 02:05 ص

يبدو أن أسواق النفط تنتقل إلى نموذج جديد. ويبدو من المحتمل أن السوق قد يتولى تحديد السعر بعيدا عن الهيمنة التقليدية للقوى النفطية القوية. المنافسة من قبل الصخر الزيتي الذي تنتجه الولايات المتحدة، والرؤية الجديدة للمملكة العربية السعودية التي تهدف إلى تنويع اقتصادها هي أمور من شأنها أن تخلق دينامية جديدة سوف تصبح حاكمة على مدار سنوات.

وقد عملت أوبك بوصفها التجمع المهيمن على أسعار النفط منذ عقود. وقد سيطر أعضاء أوبك مثل المملكة العربية السعودية والعراق وإيران والإمارات العربية المتحدة، والكويت على ما يقارب ثلث إمدادات النفط في العالم.

بدأت الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك الشعور بهذا التغير بشكل جدي مع أواخر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014. في الماضي، كان بإمكان المجموعة التحكم في أسعار النفط من خلال خفض العرض، وترك الطلب ينساب بشكل مرن إلى حين عودة الأسعار إلى المستوى الذي يحافظ على المكاسب الصلبة لأعضاء المنظمة. ومع ذلك، ففي هذا التوقيت، فقد بدأ عدد من أعضاء أوبك في ضخ النفط وارتفع معدل إنتاج المجموعة عن الكوتة المخصصة لها والمقدرة بحوالي 30 مليون برميل يوميا حيث ارتفاع الإنتاج إلى ما يقارب 33 مليون برميل يوميا بحلول منتصف عام 2015، ثم انخفض نسبيا إلى ما يقرب من 32.5 مليون يوميا خلال الربع الأول من 2016.

المنافسة المشتعلة

هذا السعي لكسب حصة في السوق قد عمل إلى حد ما. وقد كانت أحد الأسباب التي دفعت إلى زيادة المعروض هي المزاحمة الكبيرة من قبل الإمدادات القادمة من خارج منظمة أوبك وخاصة الصخر الزيتي الأمريكي، الوافد الأبرز إلى السوق العالمي، وغيره من مصادر النفط الخام التي تتطلب أسعارا مرتفعة للوصول إلى نقطة التعادل. منذ ما يقرب من عام 2009، تضخ الولايات المتحدة قرابة 4 ملايين برميل يوميا في سوق النفط. هذه الكمية من النفط لم تكن موجودة في السابق. ما لم تتوقعه أوبك حقا هو أن العديد من الشركات المستقلة في الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على خفض تكاليفها حتى تستطيع البقاء عند معدلات أسعار دون 50 دولارا للبرميل. وهكذا فقد اشتعلت حرب الأسعار مرة أخرى حلال الربع الأول من عام 2016 ما تسبب في انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى له وصولا إلى 26 دولارا للبرميل. وعند هذا المستوى فقد استسلم بعض المنتجين في الولايات المتحدة فعليا وانخفضت الأسعار إلى بمعدل 600 ألف برميل يوميا.

وقد خلق إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة منافسة كبيرة في سوق النفط الذي كان يخضع لحكم القلة في وقت سابق. وقد تنبأ خبير سوق النفط «أنس الحاجي» من دالاس، تكساس، بهذا التهديد لسيطرة السعودية على سوق الهيدروكربونات قبل بضعة سنوات ولكنه كان يعتقد أن «المملكة العربية السعودية كانت وما زالت، وسوف تبقى الرائدة في السوق النفطية».

الاتجاهات المضادة من باريس

على الرغم من توقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط فقد كانت هناك اتجاهات مضادة يمكنها أن يجعل هذه الزيادة دون المتوقع، وعلى رأسها اتفاقية تغيير المناخ والرأي العام العالمي الذي تتم ترجمته إلى اتجاهات تحد من استهلاك النفط. هناك سبب آخر يدفع منظمة أوبك، والمملكة العربية السعودية بكل تأكيد، إلى ترك الأسعار تنخفض، هو توسيع نطاق منحنى الطلب على النفط مستغلة بيئة انخفاض الأسعار. ولكنها بالتأكيد لم تكن راغبة في هذا الانخفاض الشديد، حيث تشير البيانات إلى انخفاض عائدات النفط في دول أوبك من 1.2 تريليون دولار في عام 2012 إلى 500 مليار دولار أواخر عام 2015. ومع سعيها لتطوير اقتصادها فإن المملكة العربية السعودية تنوي بالتبعية زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري للفرد الواحد والتي تبلغ حاليا نسبة 8%، مقارنة بنسبة 30% في الصين و50 في المائة في الهند و30% في الدول السبع الصناعية الكبرى.

وبصرف النظر عن الاعتبارات البيئية، تشتد المنافسة في مجال النفط الخام والسوائل الهيدروكربونية مع الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها الوافد الجديد إلى السوق. خلال عام 2016، نجحت الولايات المتحدة في اقتحام أسواق التصدير في كل من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال. في الوقت الذي تسعى فيه الدول في أمريكا الوسطى واللاتينية وأوروبا وآسيا إلى تنويع مصادر إمداداتها وتقليل التكاليف.

تغير الاستراتيجيات السعودية

وقد جاء التغيير في سلم الخلافة في المملكة العام الماضي الذي أعطى السلطة إلى الملك «سلمان» ونجله نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» مصحوبا بتغييرات سياسية جديدة. وقد طرح «بن سلمان» مؤخرا رؤيته للمملكة في عام 2030 والتي تتضمن جدول أعمال يضم دورا أكبر للقطاع الخاص وكذلك تنويع موازنة الدولة بعيدا عن النفط. كما يشمل جدول الأعمال أيضا خصخصة بعض الأصول المرتبطة بالنفط مثل حصة صغيرة من شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية، وغيرها من التحسينات على السياسة الاقتصادية. وقد أعطى انخفاض أسعار النفط غطاء لإجراء بعض التغييرات المؤلمة والتي جاءت متأخرة مثل تخفيض الإعانات التي تحجب التكلفة والقيمة الحقيقية.

ولكن هل يمكن للمملكة العربية السعودية تخفيض تأثير النفط في اقتصادها في الوقت الذي تواصل فيه تحكمها في الأسواق العالمية؟ تشمل رؤية المملكة 2030 تحويل شركة أرامكو من شركة منتجة للنفط إلى تكتل صناعي عالمي. ووفقا للحاجي، فإن أرامكو تخطط لتصبح شركة للطاقة على طريقة إكسون موبيل بحيث تشمل استثمارات أكبر في عمليات التصنيع (داون ستريم). وهو يتوقع أن تقلل الشركة اعتمادها على تجارة النفط الخام وأن تتجه أكثر للاعتماد على بيع المنتجات المكررة.

ويشير التوجه الحالي لإمدادات النفط إلى كون الانخفاض الحالي للأسعار إلى ما بين 30 إلى 40 دولارا سوف يكون مؤقتا. بين عامي 2016 و 2020، سوف تكون هناك حاجة إلى 31 مليون برميل يوميا على الأقل من أجل تلبية الطلب. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أنه سوف يكون هناك حاجة إلى استثمارات بقيمة 750 مليار دولار سنويا من أجل الحفاظ على العرض، 85% منها سوف تكون موجهة للحفاظ على الإنتاج الحالي. وتقول ماكنزي للاستشارات إن هناك أكثر من 380 مليار دولار من الإنفاق الرأسمالي قد تم تأجيلها. وقد انخفضت أعداد الحفارات العالمية وخاصة في أمريكا الشمالية، مع الخليج العربي وآسيا بنسبة 22% و4% على التوالي.

في الآونة الأخيرة، كانت أسعار النفط، أحد أهم المؤشرات الاقتصادية، تلقي بظلالها على تحركات سوق الأسهم. قد يكون تماسك أوبك يتجه نحو التراجع في ظل كونها العضو الأكثر تأثيرا في تغيير المسار. يشير «الحاجي» إلى أن أوبك بدون المملكة العربية السعودية هي أقرب إلى شبح منظمة. في غضون ذلك، نتوقع فترة طويلة من أعراض الانسحاب في الأسواق. إذا نجحت رؤية «محمد بن سلمان»، فإن اليد الثقيلة التي ظلت تحكم طوال الفترة الماضية سوف تتخلى عن سطوتها.

المصدر | جلوبال ريسك إنسايتس

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط رؤية المملكة 2030 النفط الصخري أوبك السعودية حرب النفط النفط

«بلومبرغ»: الإصلاح النفطي بين خطة «بوش» ومغامرة «بن سلمان»

«فورين بوليسي»: خطة السعودية للتحرر من الاعتماد على النفط

سباق روسي سعودي للهيمنة على حصص أسواق النفط

«ناشيونال إنترست»: كيف يغير انخفاض أسعار النفط دول الخليج؟

تراجع أسعار النفط.. ضجيج التوقعات الاقـتصادية

وكالة: روسيا وقطر تبحثان الوضع بسوق النفط العالمية في 3 يونيو