حصاد عام من «الحزم» و«الأمل» في أفقر بلاد العرب

السبت 26 مارس 2016 10:03 ص

«سنعيش الأمل ونعمل علي تحقيق مستقبل أفضل ليمن عانى كثيرا من أبنائه»، هكذا قال «خالد بحاح»، نائب الرئيس اليمني ورئيس الحكومة، بمناسبة مرور عام على العملية «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» التي قادتها المملكة العربية السعودية بمشاركة دول عربية أخرى لاستعادة شرعية الرئيس «عبد ربه منصور هادي».

ونشهد اليوم مرور عام على بداية هذه العملية، التي تسببت، على حد وصف «بحاح»، في هلاك الحوثيين بأوهامهم. بينما دعا رئيس الوزراء اليمني إلى الاستفادة من أخطاء الماضي، و«قراءة واقعنا ومراجعة كافة مساراتنا السياسية والعسكرية والاجتماعية».

«الخليج الجديد»، يستعرض في هذا التقرير، حصاد عام على عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في اليمن.

ما قبل العاصفة

بدأت الأزمة اليمنية بجدل سياسي، في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني، الذي انتهى مطلع عام 2014، ووافقت عليه كل الأطراف المشاركة في المؤتمر، بما فيها حزب الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» كما وافق عليه الحوثين، قبل أن يعودوا فجأة لرفض تلك المخرجات التي أشرفت عليها الأمم المتحدة ودول الخليج الراعية للتسوية السياسية اليمنية. وسرعان ما تحول الرفض الحوثي إلى عمل عسكري من صعدة إلى عمران شمالا، حتى وصل إلى العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.

وعلى الرغم من موافقة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» على التوقيع على ما سمي «اتفاق السلم والشراكة»، لتجنيب البلاد الاقتتال، فقد انقلب الحوثيون على الاتفاق، واحتلوا العاصمة صنعاء، واستمرت التطورات حتى وصلت إلى احتلال دار الرئاسة، واحتجاز «هادي» تحت الإقامة الجبرية في منزله.

بدا أن اليمن يشهد انقلابا سياسيا وعسكريا مكتمل الأركان، غير أن تمكن الرئيس «هادي» من الفرار من مقر إقامته الجبرية إلى عدن في 21 من فبراير/شباط 2015، قد غير المعادلة السياسية، وجعل تحالف «الحوثي» و«صالح» يسرع من وتيرة أنشطته العسكرية.

بداية العملية العسكرية

في أوائل مارس/ آذار 2015، أعلن الحوثيون عن مناورة عسكرية في منطقة البقع المحاذية لمدينة نجران السعودية، بالأسلحة التي استولوا عليها من مخازن الجيش اليمني بعد سيطرتهم على عشرات المعسكرات اليمنية.

وعليه فقد أرسل «هادي»، لدول مجلس التعاون الخليجي، خطابا تضمن القول بأن «اليمن يعيش تدهوراً شديداً وبالغ الخطورة، جراء الأعمال العدوانية المستمرة والاعتداءات المتواصلة على السيادة التي قام ولا يزال يقوم بها الحوثيون بهدف تفتيت البلاد وضرب أمنه واستقراره».

وتابع «هادي» في رسالته بالقول: «أتوجه إليكم أيها الأخوة مناشداً دولكم الشقيقة للوقوف وكما عهدناكم دائماً إلى جانب الشعب اليمني لحماية اليمن».

مع فجر 26 مارس/آذار 2015، أطلقت السعودية العملية «عاصفة الحزم»، بغارات جوية شاملة استهدفت معسكرات قوات الحرس الجمهوري الخاضع لسيطرة قوات «صالح»، وحلفائه من مليشيات الحوثيين في صنعاء وبقية المحافظات.

شارك في القتال تحت قيادة السعودية، كل من الإمارات وقطر والكويت والأردن، والبحرين والمغرب والسودان، فيما أبدت مصر وباكستان استعداهم للمشاركة في القتال، قبل أن يرفض البرلمان الباكستاني المشاركة وتتهرب مصر من وعودها، كما أعلنت الولايات المتحدة استعداها لتقديم دعم استخباراتي ولوجوستي للتحرك الخليجي، رغم تأكيد مسؤولين أمريكيين أن التحرك الخليجي قد جاء دون استشارة من الولايات المتحدة.

وفي 21 أبريل/ نيسان 2015، تحولت «عاصفة الحزم» إلى مرحلتها الثانية بعنوان «إعادة الأمل».

استعادة الأرض

يتحدث المسؤولون اليمنيون، وفي مقدمتهم «هادي»، والقادة العسكريون، والتحالف، عن سيطرة القوات المؤيدة للرئيس «هادي»، على نحو 80% من الأراضي اليمنية، وأن معركة السيطرة على العاصمة صنعاء، على وشك أن تبدأ قريبا.

كان أبرز انتصار خلال هذه العمليات يتثمل في استعادة مدينة عدن، وإعلانها في يوليو/ تموز 2015، عاصمة مؤقتة، قبل أن يعود إليها «هادي»، و«بحاح»، لكن المدينة شهدت سلسلة اضطرابات أمنية أجبرت الحكومة أكثر من مره على مغادرتها.

ويوجد في عدن، إلى جانب «بحاح»، مسؤولون حكوميون، وقيادات عسكرية، لكن غالبية الحكومة ما زالت تمارس مهامها من مقر إقامتها المؤقت في العاصمة السعودية الرياض، ومعها الرئيس «هادي».

فضلا عن ذلك فقد تمكن التحالف من استعادة محافظات لحج، والضالع، وأبين، وشبوة، من الحوثيين وقوات «صالح»، لتصبح بذلك المحافظات الجنوبية الثمانية في قبضة الحكومة. كما نجح التحالف في استعادة منابع النفط والغاز، خاصة في مأرب والجوف. وتمكن كذلك من كسر حصار جزئي فرضه الحوثيون وقوات «صالح» على مدينة تعز، استمر لمدة 10 أشهر.

وكان استعادة وتأمين مضيق باب المندب الاستراتيجي، من أبرز المكاسب التي حققها التحالف السعودي، الذي بات يقف على حدود العاصمة صنعاء، بعد معارك اجتاز خلالها سلاسل جبلية بالغة الصعوبة.

خسائر التحالف

لم تعلن قوات التحالف رقما دقيقا لحجم خسائرها في العمليات العسكرية، لكن إحصائيات غير رسمية تقول إن عدد قتلى التحالف بلغ 181 عسكريا، كان نصيب السعودية الأكبر بـ90 قتيلا، قتلوا داخل الأراضي اليمنية وعلى الشريط الحدودي الذي كانت تقصفه جماعة «الحوثي».

وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية من حيث عدد القتلى العسكريين، بنحو 80 قتيلا أغلبهم سقطوا داخل اليمن، ثم البحرين التي خسرت 8 من جنودها في معارك على الشريط الحدودي، فيما خسرت قطر والسودان، جنديا واحدا لكل منهما، أما المغرب فخسر طيارا حربيا.

وفي مجال الخسائر المادية، فقد التحالف 5 طائرات مقاتلة، حيث تحطمت للسعودية طائرة «إف 15» داخل أراضيها، وكذلك مقاتلة أباتشي، فيما خسرت الإمارات مقاتلة من طراز «ميراج» سقطت في عدن، وقُتل طيارَيها، فيما خسرت البحرين مقاتلة «إف 16» سقطت بخلل فني داخل الأراضي السعودية، بالإضافة إلى سقوط مقاتلة «إف 16» مغربية داخل معاقل الحوثيين في صعدة، حيث قتل قائدها.

اليمنيون الخاسر الأكبر

وفقا لآخر الأرقام المتاحة في الفترة منذ بداية «عاصفة الحزم»، وحتى نهاية فبراير/شباط الماضي، قتل الصراع في اليمن أكثر من 7 آلاف مدنياً، جراء قصف «التحالف»، وفقا لـ«هيومن رايتس ووتش».

وقالت المنظمة لحقوقية الدولية إن 30 ألفا من اليمنيين، قتلوا على يد ميليشيات «الحوثي» وقوّات «صالح»، بعدما باتوا أهدافا سهلة جراء قصف التجمعات السكنية والمستشفيات في المدن المقاومة.

ويقدر عدد اليمنيين الذين صاروا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفقا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى إلى 21.2 مليون شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 25 مليون يمني، أي ما يعادل 80% من إجمالي سكان اليمن، نتيجة لأزمة مدمرة زجت بالبلاد في حالة من الفقر وتركتها على حافة كارثة إنسانية شاملة.

ووسط ارتفاع حدة القتال في أنحاء اليمن، تخيم على البلاد شبح أزمة كارثية في ظل معاناة الأسر في البحث عن الطعام وانهيار الخدمات الأساسية في جميع المناطق.

وبلغ عدد اليمنيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي حوالي 14.4 مليون شخص، ولم يعد بإمكان الملايين من الأسر الحصول على المياه الصالحة للشرب أو خدمة الصرف الصحي المناسبة، أو الرعاية الصحية الأساسية، فضلاً عن انتشار الأمراض الفتاكة مثل حمى الضنك والملاريا، وانخفاض الإمدادات اللازمة لرعاية الصدمات الحادة إلى مستويات مثيرة للقلق، بحسب الأمم المتحدة.

المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قالت إن ما يقرب من 2.5 مليون شخص فروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل اليمن، وخارجها. كما تسببت الأزمة في اليمن إلى مستويات من سوء التغذية مثيرة للقلق بين الأطفال بسبب محدودية، وانعدام فرص الحصول على الغذاء جراء إغلاق أو تلف طرق التسليم، والقيود المفروضة على واردات الغذاء والوقود من قبل الأطراف المتصارعة.

وطبقا لتقديرات «يونيسف»، فإن هناك 537 ألف طفل، أو واحد من كل ثمانية أطفال دون سن الخامسة، هم الآن عرضة لخطر سوء التغذية الحاد في اليمن، كما بلغ عدد الأطفال المعرضون لخطر سوء التغذية 1.8 مليون طفل بنهاية العام 2015. كما أن 1170 مدرسة باتت غير صالحة للاستخدام، لتضررها من الحرب، أو تحولها لملاجئ للنازحين، أو بسبب سيطرة الجماعات المسلحة عليها وتحويلها إلى معتقلات أو ثكنات عسكرية.

وتشير «يونيسيف» إلى أن اليمنيين يواجهون خطرا متزايدا للموت والمجاعة وتفشي الأوبئة، في ظل تعطيل حقوقهم السياسية والمدنية، إذ أن انهيار مؤسسات الدولة اليمنية، وسلطة الرئيس «هادي» وتجاوزات الأشكال التنظيمية التي أقامها الحوثيون في العاصمة صنعاء، بعد إحكام السيطرة عليها، كل ذلك جعل اليمنيين عرضة للانتهاكات من جماعة «الحوثي»، ولم يترك أمامهم إلا خيارات جميعها سيء، فإما أن يُقتلوا بالاشتباكات المسلحة وغارات الطيران، أو أن يموتوا جوعا ومرضا، أو أن يخاطروا بالنزوح هرباً من جحيم الحرب.

دور إغاثي

وفي مايو/أيار 2015، أطلق مركز «الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، حملة تضامن مع الشعب اليمني، وخصص مليار ريال للأعمال الإغاثية والإنسانية لهذا المركز، انقسمت إلى 4 مراحل، اشتملت المرحلة الأولى على 36 شاحنة و30 طنا من الوقود و350 طناً من المواد الغذائية والطبية والعلاجية، فيما اشتملت الثانية على 130 ألف سلة غذائية تستهدف 100 ألف أسرة، وضمت المرحلة الثالثة 130 ألف سلة غذائية تستهدف 100 ألف أسرة، أما المرحلة الرابعة فقد شملت أكثر من 100 ألف سلة غذائية.

وعلى الصعيد ذاته، أكد تقرير حديث أصدرته وكالة الأنباء الإسلامية الدولية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، أن الإمارات الأولى عالميًا كأكبر مانح للمساعدات لمعالجة الأزمة الإنسانية في اليمن خلال 2015، وهو ما يمثل 31% من إجمالي المساعدات المقدمة من البلدان في جميع أنحاء العالم.

وبلغ إجمالي المساعدات الخارجية الإماراتية المقدمة لجمهورية اليمن حتى نهاية أكتوبر/ تشرين أول الماضي نحو 1.3 مليار درهم منها 844.2 مليون درهم قيمة المساعدات المدفوعة فيما تم تخصيص مبلغ 494.7 مليون درهم لمشاريع سيتم تنفيذها لإعادة تأهيل مرافق البنية التحتية في اليمن.

بوادر حل

وقبل أيام، شهد العالم إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»، عن استعداد الحوثيين للإذعان لتطبيق القرار الأممي «2216»، الذي ينص على إنهاء الانقلاب وعودة الشرعية، وهو ما قد يؤدي إلى تسوية سياسية تنهي عاما من الرعب في اليمن.

جدير بالذكر أن القرار «2216» الذي صدر في النصف الأول من أبريل/ نيسان الماضي، بأكثرية 14 دولة في مجلس الأمن وتحفظ روسيا، وأصبح هو أساس الحل السلمي للقضية اليمنية، قد أكد وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وأدان الانقلاب الحوثي، وأكد دعمه لـ«هادي» وحكومته، وحدد الأسس والخطوط العريضة لإنهاء الانقلاب، ونزع سلاح الميليشيات، واستعادة المسار السياسي، الذي بدأته المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، وعززته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية التحالف العربي عاصفة الحزم الحوثيين الرئيس هادي إعادة الأمل حرب اليمن

«قرقاش»: الإمارات لعبت دورها التاريخي الحاسم في اليمن

«عسيري»: الرياض لا تتدخل في مفاوضات ⁧‫اليمن‬⁩.. واستهداف ⁧‫القاعدة‬⁩ وارد

«ستراتفور»: تفكك التحالفات اليمنية يقرب البلاد من الوصول إلى اتفاق للسلام

«أتلانتيك كاونسل»: لماذا تظهر السعودية استعدادا أكبر للتفاوض مع الحوثيين؟

«ميدل إيست آي»: مصلحة أبوظبي تقتضي تقسيم اليمن

السعودية قد تخسر اليمن حتى إذا كسبت الحرب

ملامح الاتفاق المرتقب بين السعودية والحوثيين في اليمن

«عاصفة الحزم» .. مراجعة الأداء والأهداف والاستراتيجيات

«عاصفة الحزم» ضربة للمشروع الإيراني