«ناشيونال إنترست»: السياسة الخارجية الروسية لا تدور حول النفط

الأحد 3 أبريل 2016 01:04 ص

محاولة موسكو نشر حالة عدم الاستقرار من أجل زيادة أسعار النفط هي واحدة من النظريات الأكثر شعبية بشأن السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط. وقد أعرب مستثمر النفط الملياردير «تي بون بيكنز» عن وجهة النظر تلك بعد تدخل موسكو في الآونة الأخيرة في سوريا. تسير النظرية كما يلي: روسيا تساهم في عدم الاستقرار، مما يولد عدم اليقين، الذي يرفع أسعار النفط. لكن هل هناك أي دليل حقيقي على أن رفع أسعار النفط يمثل أولوية بالنسبة إلى السياسة الخارجية في روسيا؟

بالتأكيد فإن القادة الروس يهتمون بأسعار النفط لأسباب وجيهة. تسبب انخفاض أسعار النفط في تراجع قيمة الروبل التي تتبع أسعار النفط بشكل واضح. صادرات النفط تمثل أهمية كبرى للميزانية الاتحادية لروسيا وكذا لتوازن التجارة. في الواقع، عندما بلغت أسعار النفط ذورتها عند 125 دولارا للبرميل في مارس/أذار 2012 فقد بلغ الروبل قيمته القصوى أيضا بحوالي 29 روبل لكل دولار أمريكي. عندما انخفضت أسعار برنت إلى 30.70 دولار للبرميل في يناير/كانون الثاني للعام 2016 فقد انخفضت قيمة الروبل إلى حوالي 80 روبل لكل دولار أمريكي. من السهل دراسة هذه العلاقة من خلال تتبع بيانات أسعار النفط الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومقارنتها مع قيم الروبل في البنك المركزي الروسي. ونتيجة لذلك فرضت الحكومة الروسية تخفيضات شاملة في الميزانية من شأنها أن تؤثر الآن على نفقات الدفاع وكذلك البرامج الاجتماعية وغيرها من المجالات.

في مواجهة هذا الضغط الاقتصادي، اتبعت روسيا سياسة المفاوضات مع السعودية وغيرها في محاولة للحد من إنتاج النفط، وتحقيق الاستقرار وربما زيادة الأسعار. إذا كانت أسعار النفط أحد أولويات السياسة الخارجية لموسكو، فإن نظرية أسعار النفط في السياسة الخارجية الروسية يمكنها توقع جهودا متزامنة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتالي خلق مخاطر جديدة لإنتاج النفط ووضع ضغوطا تصاعدية على الأسعار. وفي واقع الأمر فإن ذلك لا يحدث.

على العكس من ذلك، فإن روسيا تعمل مع الرياض من أجل احتواء الأسعار وتعلن عن انسحابها العسكري من سوريا مركزة جهودها على محادثات السلام هناك. إذا كانت روسيا تراهن على اللعب بورقة النفط فقد كان بإمكانها القيام بذلك من خلال العديد من الطرق المختلفة. على سبيل المثال، قد يكون أحد تلك الخيارات متمثلا في تكثيف الدعم العسكري لحكومة «الأسد» بغية تمكينها من تحقيق نصر شامل على خصومها. إذا اندفعت روسيا إلى هذا الخيار، فإن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الداعمة للمعارضة السورية سوف تزيد من دعمها لأنصارها ما يسهم في توسيع الصراع. من المرجح أن يرفع ذلك أسعار النفط بشكل أكبر مما عملت عليه موسكو في الماضي. ولكن سوريا ليست منتجا رئيسيا للنفط، لذلك من الواضح أن النفط ليس مركزيا في سوريا. لسوء الحظ، ليس هناك الكثير من الأدلة لدعم هذه الحجة أيضا.

واحدة من أقوى الحجج المضادة لنظرية أسعار النفط في السياسة الخارجية الروسية هو اتفاق إيران النووي الذي دخل إلى حيز التنفيذ مؤخرا. إذا كانت أسعار النفط المرتفعة هي الهدف الرئيسي لروسيا في تعاملها مع إيران التي لديها رابع أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، فلماذا إذا تسهل توقيع مثل هذا الاتفاق على الإطلاق؟ سوف يكون من الأفضل في هذه الحالة أن تسعى موسكو إلى منع الاتفاق على أمل أن يؤدي ذلك إلى مواجهة بين واشنطن وطهران وربما إلى عملية عسكرية أمريكية. بدلا من ذلك، كان يمكن لروسيا أيضا أن توافق على المقترحات الغربية بتشديد العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني وكذلك الحد من إمدادات النفط. كان من الممكن أن تسعى روسيا أيضا إلى تعطيل المحادثات على أمل أن هذا من شأنه أن يخلق حالة عدم اليقين الكافية لرفع أسعار النفط. بدلا من ذلك، قرر الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في وقت كانت روسيا تعاني بالفعل من الناحية الاقتصادية من انخفاض أسعار النفط ومن العقوبات الاقتصادية الغربية، أن يدعم اتفاقا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.

ولكن محاولة منع الاتفاق الإيراني كانت ستتطلب من روسيا اتخاذ إجراءات لم تكن لتتسبب فقط في نفور واشنطن وأوروبا ولكن بكين أيضا. إذا كانت تكلفة الدبلوماسية أقل، فإنه يمكن القول أن روسيا تتصرف بطرق من المرجح أن تزيد أسعار النفط. إذا كان هذا صحيحا، فإنه ينبغي لنا أن نتوقع أن روسيا لن تفعل شيئا لمواجهة التحركات من قبل الآخرين والتي من شأنها أن ارتفاع أسعار النفط. ولكن هذا الجواب هو أيضا غير مرض. واحد من أبرز الأمثلة على ذلك هو الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003؛ إذا كانت موسكو تريد أن ترفع أسعار النفط، ولم تكن معنية بشكل كبير بالعواقب الأخرى للحرب، فإن قادة روسيا كان يتعين عليهم ببساطة أن يلتزموا الصمت إزاء جهود إدارة «جورج بوش الابن» بحشد الدعم الدولي للحرب. بدلا من ذلك، فإن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» قد صف نفسه مع المستشار الألماني «جيرهارد شرودر» والرئيس الفرنسي «جاك شيراك» في محاولة لمنع الولايات المتحدة.

يمكن للبعض أن يجادل أن بأن روسيا لم تعارض الضربات الجوية للولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011 فهل كان ذلك يثبت أن موسكو كانت تريد الفوضى هناك من أجل زيادة أسعار النفط؟ الأمر لا يبدو أيضا على هذا النحو. أولا، فإن الرئيس الروسي «ديمتري ميدفيديف» وافق على قبول الضربات بعد ضغوط مكثفة من الرئيس «أوباما» وبدا ذلك في جزء كبير منه كأنه استرضاء للولايات المتحدة. ثانيا، وربما الأكثر أهمية، فإن رئيس الوزراء آنذاك «فلاديمير بوتين» قد انتقد قرار «مديديف» وطلب من الدبلوماسيين الروس الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما أدى إلى توبيخ من «ميدفيديف». منذ قيام «بوتين» بالسيطرة على السياسة الخارجية الروسية خلال الستة عشر عاما الماضية، كان خطوة «ميدفيديف» استثناء عن القاعدة. وأخيرا، فقد كانت أسعار النفط مرتفعة بالفعل إلى حد بعيد في أوائل عام 2011 عندما قام «ميديديف» باختياره. وحتى لو كان الانتقال إلى أسعار نفط أعلى أولوية قصوى في السياسة الخارجية الروسية، فقد كان يمكن أن يكون أقل ضرورة بكثير في هذا الوقت تحديدا.

في حين أن أسعار النفط هي أمر مهم بكل تأكيد بالنسبة إلى روسيا، فهي عموما ليست عاملا رئيسيا في تشكيل قرارات القادة الروس. وبالتالي، فإن روسيا لا تسعى إلى تشكيل أسعار النفط ولكن دوافعها تأتي في إطار العمليات الدبلوماسية الروتينية. هناك أسباب كثيرة لهذا، واحد من أهمها هو أن روسيا ترى مصالح الأمن القومي الحيوية في الشرق الأوسط تجاوز مخاوفها إزاء أسعار النفط. في الواقع، فقد اتبعت روسيا في كل من الحالات المذكورة أعلاه من سوريا وإيران والعراق سياسات  يظهر أنها تهدف إلى تحقيق الاستقرار. لذلك فإن خطط روسيا السرية لتعزيز أسعار النفط قد تكون محادثات مسلية لكنها لا تهدف إلى ما هو أكثر من ذلك.
 

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

روسيا السعودية سوريا أسعار النفط حرب النفط موسكو أوبك

تداعيات انهيار أسعار النفط على الإنفاق العسكري في السعودية وروسيا

روسيا تتطلع لاتفاق بخصوص إنتاج النفط في أبريل مع استثناء إيران

«و.س. جورنال»: السعودية وروسيا تتصارعان للسيطرة على سوق النفط الأوروبي

السعودية وروسيا تعتزمان تشكيل مجموعة عمل للتعاون النفطي

«ناشيونال إنترست»: كيف يمكن أن تغير تفاعلات السعودية وروسيا وجه الشرق الأوسط؟

وزير الطاقة الروسي: إيران تؤكد مشاركتها في اجتماع الدوحة ولا تنوي تثبيت الإنتاج