استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

انتهاك حقوق الانسان لا يحقق أمن الحكام

الأربعاء 6 أبريل 2016 04:04 ص

يمكن القول ان من اهم ما توصل اليه العالم الغربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تقنين مبادىء حقوق الانسان. بدأ ذلك باقرار الاعلان

العالمي لحقوق الانسان في 1948 وتواصلت الجهود بعد ذلك لتطوير تلك المبادىء واقرار المواثيق الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية. ثم جاء اقرار معاهدة مكافحة التعذيب CAT في 1980 لتصل المنظومة الحقوقية إلى ذروتها في اول قمة لحقوق الانسان (وآخرها) في فيينا في 1993 التي أقرت مبدأ حماية المدافعين واعتبار تلك الحقوق فوق الحدود الجغرافية للدول وخارج مفهوم السيادة.

غير ان الدول الكبرى التي اهتمت بتلك المنظومة ووضعتها على رأس خطابها العالمي، تراجعت كثيرا عنها في العقدين الاخيرين، ليبلغ الوضع في الوقت الحاضر مستويات هابطة من الانتهاكات غير المسبوقة منذ عقود. وحين يضع المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ضمن مشروعه السياسي إقرار تعذيب المتهمين بالإرهاب، فان ذلك يكشف مدى ما بلغه الغرب من تراجع على صعيد تلك المنظومة.

وسبق دونالد ترامب في الموقف المتراجع الرئيس السابق، جورج بوش، الذي سمح بتعذيب المتهمين بالإرهاب ضمن تنظيم القاعدة، فاستخدم على نطاق واسع خصوصا طريقة «الايهام بالغرق».

ولم يتراجع بوش عن موقفه حتى بعد ان ترك منصبه، واعترف علنا في مقابلات تلفزيونية باقراره تلك الممارسة. وتأتي تصريحات ترامب هذه المرة مدعومة برأي عام أمريكي يوافق على تعذيب المتهمين بالإرهاب بدعوى ان ذلك التعذيب سيمنع حدوث حوادث إرهابية تحصد ارواح الكثيرين.

يضاف إلى ذلك ان بعض الدول الاوروبية ليست أفضل في موقفها ازاء التعذيب، الذي يعتبر جريمة ضد الانسانية.

فبريطانيا لم تشجب قط حلفاءها الذين يمارسون التعذيب، ولم يتفوه رئيس وزرائها او وزير خارجيتها بكلمة سلبية ازاء تلك الانظمة برغم تأكيد الممارسات الشنيعة من قبل المنظمات الحقوقية المرموقة خصوصا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

وفي الوقت الذي يخرج فيه رئيس حزب العمال البريطاني ليشجب المعاملة الحاطة بالكرامة الانسانية، فان الحكومة لا تختلف كثيرا في موقفها عن موقف واشنطن. وقد اظهرت تجربة التعاطي مع معتقلي تنظيم القاعدة تواطؤا بريطانيا مع الممارسات الأمريكية في بعض الحالات.

كما ان بريطانيا تسعى بشكل متواصل لحماية حلفائها من الشجب الدولي.

وهنا تبدو مفارقات القيم الغربية التي تؤسس على المصالح وتساوم على المبادىء. فالتعذيب جريمة ضد الانسانية لا يجوز التهاون معها، ولا يمكن ان يستقيم نظام حكم يعامل مواطنيه بما يحط كرامة البشر. فالتعذيب، كما هو القتل خارج اطار القانون والاعتقال التعسفي والحرمان من الجنسية وابعاد المواطنين، كلها من الجرائم التي يفترض ان يتصدى «العالم الحر» لها لكي يمنع حدوثها ويعاقب من يمارسها.

ولكن حين يتراجع الموقف حتى يبلغ مستوى ممارسة بعض هذه الجرائم من قبل الانظمة الغربية الكبرى كأمريكا وبريطانيا، فان العالم يصبح مهددا بالمزيد من التراجع الاخلاقي والانساني، والتوترات الأمنية التي تنجم عن القمع الشرس من قبل الانظمة الاستبدادية.

فالتعذيب، في اغلب الحالات، يعتبر انتقاما من الضحية وليس وسيلة للحصول على المعلومات.

وبلغ التطور الدولي في السابق مستوى يمنع استخدام المعلومات المنزوعة تحت التعذيب لاغية، ولا يجوز الاستناد عليها لتجريم الضحايا. كما اعتبرت اجراءات اية محكمة تصدر احكامها بحق اولئك الضحايا على اساس تلك الافادات المسحوبة تحت التعذيب «محاكمة جائرة» وتعتبر احكامها لاغية وفق القانون الدولي. مع ذلك ليس هناك مشروع دولي او اقليمي لمكافحة انتهاك حقوق الانسان. ويبدو المستقبل الانساني اكثر سوادا حين تغيب الحكمة وتتلاشى قيم العدالة وتصبح العواطف والمشاعر الشيطانية الكامنة هي المحرك الاساسي للاجهزة السياسية والامنية.

أليس هذا الاضطهاد والممارسات البشعة من اهم الاسباب التي تؤدي للحروب؟ أليس سوء معاملة اليهود على أيدي النازيين من بين اسباب الحرب العالمية الثانية التي حصدت ارواح الملايين؟

ألا يعني ذلك ان سوء معاملة البشر وغياب القيم والمبادىء الثابتة والقوانين التي تحمي تلك القيم من اهم اسباب التوترات واندلاع الحروب؟

في مصر يعتقل عشرات الآلاف من المصريين لأنهم ينتمون لجماعة عمرها تسعون عاما تقريبا بدعوى انها «محظورة» او انهم احتجوا ضد النظام، ويختطف باحث ايطالي ويعذب حتى الموت لأنه يبحث في النشاط النقابي المصري. وينفذ الاسرائيليون احكام الاعدام الميداني بحق العديد من الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم المشروعة، ويعذبون آلاف السجناء واكثر من 600 طفل لأنهم يحتجون ضد الاحتلال.

وتختطف اجهزة الامن السعودية الاسبوع الماضي الشاب مكي العريض وتسلم جثته بعد ثلاثة ايام وقد اخترقتها المخاريز الكهربائية. بينما تؤكد اللجنة الرسمية التي شكلتها حكومة البحرين انها تمارس «التعذيب الممنهج» بحق السجناء. هل هذا هو العالم الذي يسعى للامن والاستقرار وحماية قيم الانسان وكرامته وحريته؟

ومن المناسب هنا مقارنة المواقف الغربية ازاء منظومة حقوق الانسان مع المبادىء الإسلامية. فالإسلام يطرح شعارا قرآنيا ثابتا لا يتغير بتغير الزمان او المكان ولا يسمح لمقولة المصالح بالتأثير على نفاذ ذلك الشعار: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى. هذا يعني ان العلاقات بين البشر يجب ان لا تؤثر على الموقف القانوني. وهذا ينطبق على البشر العاديين كما ينطبق على الإرهابيين.

فيجب محاكمة الإرهابي وفق القانون، ومعاملته كذلك. فالقانون ينص على عقوبات محددة لمن يقتل البشر او يمارس اية جريمة اخرى، لكنه يمنع سوء معاملته او تعذيبه، فذلك انتقام ينطلق من الجانب الشيطاني في النفس الانسانية ولا يتوافق مع المبادىء الإلهية والانسانية التي تكرم الانسان وتحترم حقوقه. كما انه عقاب خارج نطاق القضاء.

وتذكر النصوص التاريخية ان الامام علي بن ابي طالب ترك وصية لأهله بان يعاملوا قاتله وفق القانون «ضربة بضربة» وان لا يعذبوه او يسيئوا معاملته: «اياكم والمثلة فاني سمعت رسول الله يقول: اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور». انه مبدأ يمنع سوء المعاملة وان كان الشخص مذنبا.

فالقانون هو الذي يقرر العقوبة، وقبل ذلك القرار لا يجوز إلحاق الاذى بالمتهم. اما الأمريكيون فقد كشف استطلاع نظمته وكالة انباء رويترز مع منظمة ايبسوس (شركة بريطانية مختصة بالبحث في شؤون السوق) ان حوالي ثلثي الأمريكيين يعتقدون ان بالامكان تبرير التعذيب للحصول على المعلومات من المتهمين بالإرهاب. وهذا المعدل من القبول بالتعذيب قريب من المعدل في نيجيريا التي تعاني من الاعتداءات الإرهابية.

وقد بادر دونالد ترامب لطرح موضوع التعذيب مجددا، قائلا انه سوف يلغي المنع الذي فرضه الرئيس اوباما على استخدام وسيلة «الايهام بالغرق» التي أقرها الرئيس السابق، جورج بوش. وقد اتفقت المنظمات الحقوقية انها ممنوعة وفق مواثيق جنيف. بل ان ترامب وعد بانه سيأتي بـ «ما هو أسوأ من ذلك» إذا ما فاز بالانتخابات الرئاسية.

ويكشف الاستطلاع المذكور ان 82 بالمائة من المحسوبين على الحزب الجمهوري يقرون التعذيب.

وفي 2014 اجرت منظمة العفو الدولية استطلاعا كشف ان الموافقة الأمريكية بلغت 45 بالمائة، و64 بالمائة في نيجيريا و66 بالمائة في كينيا و74 بالمائة في الهند. انه امر مقلق جدا ان يعتبر هذا الانتهاك الخطير لكرامة الانسان مقبولا بهذا المستوى. كما انه يعكس تراجع مشاعر الرأفة والرحمة والانسانية في نفوس الكثيرين.

ولا شك ان لظاهرة الإرهاب الدور الاكبر في تراجع المنظومة الحقوقية وتقليل قيمة الانسان او احترام حقوقه وكرامته، ولكن يفترض ان تكون المنظومة الغربية التي تمثل «العالم الحر» أقدر على الاحتفاظ بالمبادىء والقيم، وأبعد عن الانسياق وراء المشاعر والغرائز الشيطانية. فما الفرق بين من يقتل البشر بالإرهاب الاعمى ومن يستهدفهم بسوء المعاملة والقتل خارج اطار القانون والتعذيب والاعتقال التعسفي؟

هناك اذن عالمان متوازيان في الغرب: احدهما يقر التعذيب او لا يعترض عليه او يشجبه خصوصا إذا مورس من قبل انظمة صديقة، وتتصدر الولايات المتحدة هذا العالم ومعها بريطانيا، وعالم يرفض التعذيب ولكنه لا يملك سلطة التنفيذ ويمثله مجلس حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية الدولية التي تجمع على تجريم التعذيب.

العالم الحقوقي يصر على ان التعذيب لا يوفر معلومات مفيدة، بل ربما كانت مضرة لأن الضحايا يسعون لتفادي التعذيب بتقديم معلومات غير دقيقة وقد تكون مضللة لاجهزة الامن، واساءة معاملة السجين تهدف لامور ثلاثة: اولها الحصول على معلومات، وان كانت مضللة، والثاني الانتقام خصوصا في البلدان التي يتصرف حكامها من منطلقات شخصية ترغب في الانتقام من المعارضين، والثالث: كسر ارادة السجين ليكون استحصال ما لديه من معلومات امرا ميسرا.

النتيجة واحدة ان حقوق الانسان تنتهك بشكل رسمي يحط من كرامة الانسان وينتهك حقه في الحياة الكريمة وامنه من القمع والتعسف والاضطهاد. ألم يحن الوقت حتى الآن لتجاوز ذلك ليعيش البشر آمنين على ارواحهم وكراماتهم وارزاقهم؟ هل هذا هو العالم الذي استقبل القرن الحادي والعشرين بروح مفعمة بالامل؟

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

حقوق الانسان الإعلان العالمي لحقوق الانسان الحقوق السياسية والمدنية معاهدة مكافحة التعذيب الإرهاب

سمات المجتمعات المأزومة .. استباحة الآخر