هل يمكن أن تستمر العلاقة الخاصة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة؟

السبت 9 أبريل 2016 05:04 ص

لقد كتب الكثيرون في الأشهر الأخيرة حول ما يصفه البعض، وأنا منهم، على أنه اختناق في العلاقات ما بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. أولئك الذين يتشاركون هذا الرأي قد ركزوا فيما يبدو على الاختلافات الفلسفية ما بين إدارة الرئيس «أوباما» وبين القيادة السعودية. في حين أن أحد أركان «عقيدة أوباما» يبدو أنها ترتكز على أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تشتبك عسكريا، أو ربما حتى سياسيا، في صراعات الشرق الأوسط ما لم يكن تمثل في جوهرها تهديدا صريحا لأمنها، فيبدو أن السعوديين قد تبنوا مقاربة مختلفة لسياستهم الخارجية تبدو على النقيض تماما.

على الرغم مما يراه الكثير من المراقبون عل أنه توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب المواقف المختلفة، إن لم متناقضة، للسياسة الخارجية، فإن المصالح المشتركة بين البلدين لا تزال تشكل أساسا وطيدا للتعاون بينهما.

ما أطلق عليه البعض «عقيدة سلمان» يبدو مبنيا على فكرة أن الاضطرابات غير المسبوقة التي اجتاحت المنطقة تتطلب أن تلعب السعودية دورا قياديا. وهو يذهب إلى أن السعوديين يجب عليهم ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة من خلال تبني سياسة خارجية حازمة لتحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة، وأن عليهم ألا يحجموا عن استخدام القوة عند الضرورة. وبينما لا يصح إهمال الخلافات السياسية بين الحكومتين، فإن العلاقات السياسية بين البلدين لم تصمد على مدار سبعة عقد من قبيل المصادفة. وهناك عدد كبير من المصالح المشتركة التي تضمن أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة سوف يبقيان حليفين مهمين في المستقبل المنظور. كان هذا هو الحال خلال عمل المعادلة القديمة «النفط مقابل الأمن»، الذي كان قد طبعت العلاقة الخاصة بين البلدين على مدار عقود. وقد أعيدت صياغة تلك المعادلة في ظل ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي جعلت منها أقل اعتمادا على واردات النفط في الوقت الذي تحسنت فيه القدرات العسكرية للقوات المسلحة السعودية بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

مبدئيا، فإن كلا البلدين يواصلان دعم بعضهما البعض في الحملات العسكرية التي يقوها كل منهما. ولم تكتف المملكة العربية السعودية بالمشاركة في الغارات الجوية المستمرة التي تقودها الولايات المتحدة ضد معاقل الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «الدولة الإسلامية» في سوريا، لكنها تفعل ذلك بشكل علني. الدعم العلني للمملكة العربية السعودية للحملة، حيث قام أحد أبناء الملك «سلمان بن عبد العزيز» بقيادة مهمة جوية في المراحل الأولى، قد أضفى قدرا من الشرعية على الجهود الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذه المساهمة قد انخفضت في الأشهر الأخيرة، وذلك جزئيا بسبب تركيز المملكة العربية السعودية على حملتها الخاصة في اليمن، فقد جعلت مشاركتها في قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمر أكثر صعوبة على المنتقدين لتصويرها على أنها «حملة صليبية» غربية ضد المسلمين. عززت مشاركة المملكة العربية السعودية الادعاء بأن الحملة كانت استجابة من قبل المجتمع الدولي لهجمة «الدولة الإسلامية» الوحشية. من جانبها، فقد قامت الولايات المتحدة بتقديم معلومات استخباراتية حيوية إضافة إلى الدعم اللوجستي للحملة التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومة من قبل إيران وحلفاء الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» في اليمن. وبالإضافة إلى دعم قرار الأمم المتحدة الذي قدمت الدعم الدولي لجهود المملكة العربية السعودية من خلال تحميل الحوثيين مسؤولية عدم الاستقرار والعنف في البلاد، فقد قامت الولايات المتحدة بتزويد المملكة العربية السعودية بمستشارين لتقديم المساعدة في التقليل من الأضرار الجانبية للحرب.

تتعاون الدولتان أيضا بشكل وثيق جدا في مجالات جمع المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب. تم توثيق قيام وزير الداخلية وولي العهد السعودي الأمير «محمد بن نايف» بتزويد لولايات المتحدة بمعلومات حيوية مكنت مسؤولين أمنيين أميركيين من منع وقوع هجوم إرهابي مدمر خلال عام 2010. وقد عملت الدولتان جنبا إلى جنب منذ عام 2004 للحد من تمويل الإرهاب عبر تصنيف الكيانات الداعمة له.

في السياق نفسه، تواصل المملكة العربية السعودية إبداء تفضيلها الواضح للأسلحة والتدريب الأمريكيين. وافقت إدارة «أوباما» على صفقة للأسلحة بقيمة 60 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية في عام 2010، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة. وتشير التقارير الأخيرة إلى أنه منذ مؤتمر قمة مجلس التعاون والولايات المتحدة التي عقدت في كامب ديفيد في مايو/أيار من العام 2015، والتي جددت خلالها الولايات المتحدة التزامها تجاه أمن دول الخليج العربية فقد وعدت بتسريع وتيرة مبيعات الأسلحة، فقد سمحت الإدارة الأمريكية ببيع أسلحة بقيمة 33 مليار دولار إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

ليس هناك شك في أن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن قد ولد معظم الاهتمام، والتدقيق، الذي حازته المملكة العربية السعودية في وسائل الإعلام الدولية منذ صعود الملك «سلمان» إلى العرش في يناير/ كانون الثاني عام 2015. وتشير الحملة إلى إقلاع المملكة العربية السعودية عن دبلوماسية ما وراء الكواليس الهادئة التي كانت تفضلها لعقود من الزمن. ركزت الكثير من هذه التغطية على الرجل الذي يعتبر الوجه وربما العقل المدبر للحملة وهو نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» وعلى الرغم من أن هذا التحول في موقف السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية يبدو ملحوظا، فإن الإصلاحات الاقتصادية التي يجري النظر فيها والتي تم اقتراحها من قبل نائب ولي العهد الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من المحتمل أن يكون لها انعكاسات أطول أمدا على اقتصاد المملكة العربية السعودية ومستقبلها.

في مقابلاته الأخيرة مع الصحافة الغربية، أوضح «محمد بن سلمان» أنه عازم على فطم المملكة عن اعتمادها الحالي على النفط الذي لا يزال يشكل حوالي 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و 80 في المائة من الإيرادات الحكومية. يريد الأمير الشاب خصخصة عدد من الأصول المملوكة للدولة بل إنه أكد إن 5 في المائة من شركة النفط الوطنية أرامكو سوف تكون مدرجة في طرح عام أولي. وأكد الأمير أيضا أنه يسعى لجذب المستثمرين الأجانب لتحفيز هذا التحول.

في سبتمبر/أيلول من العام 2015، قام الأمير «محمد» بتقديم معاينة إلى بعض الشركات الأمريكية حول رؤيته لمستقبل الاقتصاد السعودي عندما كشف النقاب عن مجموعة من الفرص التجارية التي تقدر بمليارات الدولارات. بنفس القدر من الأهمية، فإن «بن سلمان»، الذي ترأس وفد بلاده إلى الولايات المتحدة قد تحدث بشكل لا لبس فيه حول نواياه التي دفعته لجعل الولايات المتحدة وجهة أول زيارة رسمية له.

وردا على سؤال حول الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا، قال بن سلمان: «نحن نعتبر أنفسنا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ونحن نرى أن الولايات المتحدة هي دولة حليفة لنا أيضا». ومن الجدير بالذكر أيضا أنه على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، فإن ثلاثة وفود مختلفة من الكونغرس برئاسة السيناتور «ليندسي غراهام» و«بن كاردين» ورئيس مجلس النواب «بول رايان» قد قاموا بزيارة المملكة العربية السعودية واجتمعوا مع كبار القادة بمن فيهم «بن سلمان».

بنفس القدر من الأهمية، فإن السعوديين لا يزالون يواصلون إرسال أبنائهم بالآلاف إلى الولايات المتحدة بهدف التعليم بينما تسافر آلاف أخرى بهدف السياحة أو الحصول على الرعاية الطبية. حقيقة أن السعوديين قد واصلوا التوافد على الولايات المتحدة منذ عقود وأن الشركات الأمريكية كانت مسؤولة عن تطوير القطاع النفطي الذي كان شريان الحياة للاقتصاد السعودي قد خلقت مستوى من الألفة والراحة وحتى الثقة التي لا ينبغي الاستهانة بها. باختصار، سوف تستمر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية دوما لتكون «علاقة خاصة».

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة العلاقات السعودية الأمريكية أوباما الملك سلمان

«كلينتون» أم «ترامب»: كيف ينظر السعوديون إلى الانتخابات الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

«دعمناك وخذلتنا»: رد فعل سعودي عنيف على عقيدة «أوباما»

«تركي الفيصل» يفتح النار على «أوباما»: لا خطوط حمراء وانحرفت بالهوى لإيران

لماذا لا تزال الولايات المتحدة في حاجة إلى التحالف السعودي؟

«بوليتيكو»: الولايات المتحدة تسترت على انتهاكات السعودية في اليمن