الفاكهة المحرمة: كيف تنظر كل من السعودية وإيران إلى الإنترنت؟

الاثنين 2 مايو 2016 03:05 ص

مع التطور التكنولوجي، فقد اكتسب مستخدمو الإنترنت والهاتف المحمول مزيدا من الحرية والخصوصية. وفي الوقت نفسه، فقد صار في مقدور الحكومات أن تستخدم بعضا من نفس الأدوات لأجل تحقيق غاياتها الخاصة، بداية من تسهيل الاتصالات إلى نظم المراقبة والتتبع. بالنسبة لدول مثل إيران والمملكة العربية السعودية، فإنهما على الرغم من المنافسة الشرسة بينهما يشتركان في كفاحهما من أجل السيطرة على المعارضة السياسية في الداخل. لذا فإن هذه التقنيات تمثل فرصة وتحديا في ذات التوقيت لمحاولات القيادة لفرض السيطرة.

وعلى الرغم من العداء بين الدولتين، فإنهما تمتلكان استراتيجيات متماثلة لتنظيم التفاعل الإلكتروني. تقوم كلا الدولتين بفرض المراقبة على رسائل البريد الإلكتروني ووسائل الإعلام الاجتماعية والرسائل النصية باسم حماية النسيج الأخلاقي والأمن القومي. ومع افتقادهما للقدرة على تطوير نسخهما الخاصة من المواقع والتطبيقات الشهيرة مثل تويتر وتليغرام وواتسآب وفيسبوك، فقد اضطرت كلا البلدين إلى قبول مخاطر مثل هذه التطبيقات جنبا إلى جنب مع مزاياها، مع السعي إلى إدارة أكبر للخطاب العام والمعارضة قدر المستطاع.

استراتيجية واحدة .. منظورات مختلفة

بينما تواجه إيران والمملكة العربية السعودية تحديات داخلية مماثلة تواجه شرعية حكوماتهم، فإن قدرات البلدين على رصد هذه التهديدات تختلف إلى حد كبير بسبب الاختلافات النوعية في البنية التحتية التكنولوجية لكلا البلدين. ويمكن تفسير هذه الثغرات، على الأقل جزئيا، من خلال النظر إلى علاقات طهران والرياض الفريدة مع بقية العالم.

منذ ولدت الجمهورية الإسلامية في ثورة عام 1979، عملت إيران لحماية المثل العليا للثورة في الداخل وتصديرها إلى جماعات في أماكن أخرى في المنطقة. ساهم تركيز طهران في الحفاظ على تعاليم ثورتها المضادة للغرب في دخولها في عزلة منذ ذلك الحين. هذا الوضع الغريب لإيران، إلى جانب العقوبات المفروضة عليها، قد ساهما في الحد من قدراتها على الوصول إلى أفضل التقنيات والخبرات الأجنبية. ونتيجة لذلك، فقد واجهت البلاد صعوبة في تحديث البنية التحتية البدائية الخاصة بالإنترنت في البلاد. على الرغم من نجاحها في تطوير قدرات كافية في مجال الحرب الإلكترونية. 

في الواقع، ووفقا لبيانات «أكامي» للتقنية، فإن إيران لديها أضعف سرعة للإنترنت في العالم على الرغم من أن سرعة عرض النطاق الترددي الوطنية ارتفعت بمعدل 2.5% خلال عام 2015. ويمكن أن نعزو هذه البنية التحتية الحلزونية في المقام الأول إلى احتكار شركة الاتصالات الإيرانية لسوق الاتصالات في البلاد. الشركة، التي تخضع بشكل كبير إلى سيطرة الحرس الثوري الإيراني، هي المسؤولة عن منح النطاق الترددي إلى سائر مزودي الخدمة في طهران.

المواطنون والمسؤولون على حد سواء يدركون أن التحسينات في البنية التحتية للإنترنت سوف تعني إدخال تحسينات على آليات الرصد والمراقبة نظرا لكونها سوف تساعد الإيرانيين على التواصل مع بعضهم البعض والوصول إلى المعلومات بسرعة أكبر. وردا على هذه المخاوف، فقد حاول الرئيس الإيراني «حسن روحاني» تلبية طلب الجمهور في زيادة سرعة الإنترنت مع تقليل مقدار الرقابة التي تمارسها حكومته.

ولكن جهود الرئيس لا تحظى بموافقة الجميع، وهناك خلاف قادم لا محالة حول سياسة الاتصالات الخاصة به. تعيين «روحاني» لوزير الاتصالات «محمود فايزي»، حليفه المقرب الذي لا يتماشى مع المحافظين المتشددين الذين يسيطرون على جزء كبير من صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية في إيران، قد أدى إلى تحسين كبير في سرعات الإنترنت في إيران. في العام الماضي، ارتفعت حركة البيانات على شبكة الهاتف المحمول بنسب 500% بعد أن قرر الوزير تجديد عقد خدمة الجيل الثالث مع المزود الحصري للخدمة المعتمد من قبل المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهو مجموعة أنشأها الزعيم الأعلى «آية الله علي خامنئي»، ويسيطر عليها المتشددون. مما لا شك فيه، فإن هذه الخطوة قد غضبت بعض رجال الدين في البلاد، الذين جادلوا بأن الإنترنت المحمول «غير إسلامي».

وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها إيران في هذا الصدد، فإنه لا يزال أمامها شوط كبير لتقطعه. شبكة الاتصالات بأكملها في البلاد تخضع لرقابة الدولة وسوف تخضع أي تحسينات مستقبلية لرقابة كبيرة. وتشير تقارير إلى أن الحكومة الإيرانية قد بدأت في الاستعانة بخدمات بعض الشركات الصينية بشأن نظم المراقبة السيبرانية. ومع ذلك، وحتى مع التقنيات غير المتعلقة بالمراقبة، فإن إيران تنتظرها عقبات كبيرة في عملها على تحسين البنية التحتية للاتصالات. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات على شركة ZTE الصينية نظرا لعملها في قطاع الاتصالات الإيراني في الوقت الذي كانت فيه البلاد واقعة تحت طائلة العقوبات الأمريكية.

مثلها مثل إيران، دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة النضج التكنولوجي في أواخر القرن العشرين. في الوقت الذي حولت فيها الثورة الإيرانية إلى دول شيعية منتجة للنفط أكثر محافظة، فإن المملكة العربية السعودية قد بدأت في استراتيجيتها العدائية تجاه جارتها الفارسية وسعت إلى جذب المزيد من الأصدقاء والحلفاء من أجل زيادة ثقلها في المنطقة. بداية من تشكيل مجلس التهاون الخليجي في عام 1981 إلى تشكيل التحالف الإسلامي في عم 2015، ظلت أهمية هذا الهدف في السياسة الخارجية دون تغيير.

ولكن رغم ذلك، فإن التهديد الإيراني في حد ذاته يبدو أقل أهمية بالنسبة إلى آل سعود من الأخطار التي تهدد حكمهم الداخلي. من وجهة نظر الرياض، فإن معظم التهديدات الخطيرة لهيمنة الأسرة الحاكمة على السلطة يمكن أن تعزى إلى المنطقة الشرقية، حيث تقطن المجتمعات الشيعية منذ قرون. المنظمات الشيعية العابرة للحدود في المنطقة، مثل منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، لديها تاريخ من تلقي الدعم من إيران. ونظرا لكون شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي تمثل عنصرا هاما للنشاط الشيعي المعاصر في المنطقة الشرقية، فإن الحكومة السعودية تولي أهمية كبيرة للرصد والمراقبة. مثل طهران، فقد استخدمت السعودية البرمجيات الأجنبية وأجهزة التحكم عن بعد للمساعدة في جهود الرصد التي تقوم بها.

ولكن خلافا لإيران، فقد كانت المملكة العربية السعودية قادرة على تطوير بنية تحتية أكثر تقدما ويرجع ذلك جزئيا إلى علاقاتها الوثيقة مع الدول التي تمتلك التكنولوجيا والخبرات اللازمة في هذا المجال. في الوقت الحاضر، فإن الحصول على سرعات إنترنت مناسبة في البلاد لا يمثل مشكلة سوى في معظم المناطق الريفية النائية في المملكة العربية السعودية. تضم البلاد اثنين من مقدمي خدمة الإنترنت على الصعيد الوطني إضافة إلى ستة من مقدمي شبكة الهاتف المحمول، والتي يتم مراقبتها عن كثب من قبل من قبل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية.

الرقابة الأخلاقية وتتبع المعارضين

في حين أن الخلافات الطائفية بين المملكة العربية السنية وإيران الشيعية يمثل علامة على الانقسام الأيديولوجي الواضح بين القوى في الشرق الأوسط، فإن كلا منهما تشتركان في تلقيهما لشرعية الحكم من الشريعة الإسلامية. وبسبب هذا، فإن كلا الدولتين لديها مصلحة في الدفاع عن القيم المحافظة اجتماعيا. وهما تتبعان طريقة واحدة لفعل ذلك من خلال رصد وفلترة أنشطة الإنترنت والمكالمات الهاتفية.

في إيران، على سبيل المثال، يتم تصفية المواقع إذا اعتبرت أنها «غير إسلامية»، وهي السياسة التي أثمرت حجب آلاف المواقع الإلكترونية. وفي الوقت نفسه، فإن البرامج التي تتيح للمستخدمين إجراء مكالمات عبر الإنترنت، مثل سكايب أو فايبر، تعتبر«ضررا ثقافيا»، على الرغم من أن السبب الأكثر احتمالا لمنعها هو أنها تأكل من أرباح شركة الاتصالات وأنها أصعب في مراقبتها. المملكة العربية السعودية بالمثل تقوم بحجب مكالمات الإنترنت كما تقوم بترشيح المواقع من خلال عدسة محافظة اجتماعيا. في عام 2014، وافقت الحكومة السعودية على 94% من إجمالي 466863 طلبا لمنع محتوى منشور على الإنترنت، تم تصنيف الجزء الأكبر من هذه المنشورات على أنها إباحية.

وبطبيعة الحال، فإن تلك المحتويات «غير اللائقة» ليست هي الشيء الوحيد الذي ترغب كل من طهران والرياض في سحقه. لا يسمح بأي تعبير عن المعارضة السياسية في شوارع المملكة العربية السعودية. لذا أن الإنترنت يظل منفذا هاما للتعبير بالنسبة إلى السعوديين. في إيران، حيث لم تشهد البلاد مظاهرات منذ قيام الحكومة بقمع الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 فإن الوضع لا يختلف كثيرا. يحدث التعبير السياسي فقط وراء الأبواب المغلقة أو عبر الإنترنت. وليس من قبيل المصادفة أن قانون الجرائم الإلكترونية في إيران، والذي يتضمن بروتوكولات للرقابة على الإنترنت، قد تم اعتماده بعد شهر واحد من هذه الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، تم تجريم فيسبوك وتويتر، بينما تمت زيادة المراقبة على تبادل الرسائل القصيرة.

تشفير البيانات: نعمة ونقمة

وعلى الرغم من تلك الجهود التي تبذلها الحكومات، فإن كلا من الإيرانيين والسعوديين يواصلون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد رغم علمهم بوقوعها تحت رادار المسؤولين. هناك ثلاثة تطبيقات على وجه الخصوص تشهد انتشارا كبيرا في كل البلدين هي فيسبوك وتليجرام وواتسآب، في حين أن تويتر ينتشر بشكل غير قابل للسيطرة في السعودية حيث ينتج السعوديون 40% من التغريدات في العالم العربي. ومع نمو شعبية هذه البرامج في السنوات الماضية، فقد قامت بتعزيز خصوصية مستخدميها. في فبراير/ شباط، صرح «بافل ديوروف» مؤسس تطبيق تليغرام أن «الخصوصية في نهاية المطاف، أكثر أهمية من خوفنا من حدوث الأشياء السيئة مثل الإرهاب». كما أعلن واتسآب أنه سوف يستخدم طريقة جديدة لتشفير البيانات وادعى أنه حتى «الأنظمة القمعية» لن يمكنها أن تطلب من الشركة تسليم بيانات المستخدمين.

قيام وسائل التواصل الاجتماعي برفع معايير التشفير ومقاومة الضغوط السياسية تمثل مشكلة وفرصة للعديد من الحكومات بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية. من ناحية، فإن وجود منصات أكثر أمنا هي نعمة للدول التي تستخدمها لتلبية احتياجات الاتصالات الخاصة بها. ومن ناحية أخرى فإن مثل هذه التطبيقات تجعل الاتصالات بين السكان أكثر صعوبة في مراقبتها واتخاذ إجراءات صارمة ضدها.

ومع زيادة شعبية هذه البرامج، فسوف تصبح الأمور أكثر صعوبة لحظرها من دون إثارة احتجاج عدد كبير من المستخدمين. بين 13 مليون و 14 مليون من إجمالي 100 مليون مستخدم لتليغرام في جميع أنحاء العالم هم من الإيرانيين وفقا لوزير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد. في حين قدرت وكالة الطلاب الإيرانيين الرقم بحوالي 20 مليون مستخدم. ومع كونه يمثل تهديدا وفرصة في ذات التوقيت، فإن تليغرام يجري استخدامه من قبل المسؤولين والمعارضين على حد سواء. يعتمد المشرعون في إيران بشكل واسع على تليغرام إلى الدرجة التي دفعتهم إلى الوقوف أمام جهود حظره. ومع ذلك، فقد أحبطت جهودهم لفرض رقابة على انتشار مواقع المرشحين الإصلاحيين بسبب حرية النشر التي يتيحها التطبيق.

المسؤولون السعوديون، من جانبهم، يقومون باستخدام حسابات مجهولة لتويتر وواتسآب كمخازن لتبادل المعلومات والتواصل في السر، تماما كما يفعل الشباب السعودي. وبالتالي سوف تتمتع هذه البرامج بذات الحماية التشريعية التي يحظى بها تليغرام في إيران خصوصا مع نمو مطالب السعوديين نحو المزيد من التواصل. مقارنة مع موقف المتشددين الإيرانيين، الذين ينظرون إلى الإنترنت على أنها تهديد لشرعية الحكومة، فإن الحكام في السعودية ينظرون إليه باعتباره وسيلة لاسترضاء شعوبهم. وبينما تشرع الحكومة السعودية في برنامجها الإصلاحي الطموح في السنوات القادمة، فسوف يحصل السعوديون على فرص أفضل في مجال تكنولوجيا الاتصالات وبالتالي المزيد من الوصول إلى العالم. وفي الوقت نفسه، سوف تستمر فرص الإيرانيين تحت رحمة وجهات النظر المتعارضة للمسؤولين في الأجنحة المختلفة للسياسة الإيرانية.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران مراقبة الإنترنت فيسبوك واتسآب تليغرام تويتر التواصل الاجتماعي الإعلام الجديد

‏«فيسبوك»: تزايد الطلبات الحكومية للاطلاع على بيانات المستخدمين

«الاتصالات السعودية» تعتزم توفير إنترنت فائق السرعة وفق مقاييس عالمية

«فريدم هاوس»: السعودية والإمارات والبحرين «غير حرة» في الإنترنت

«هيومن رايتس ووتش» تطالب السعودية بانهاء حملتها على حرية التعبير في الإنترنت

الانترنت في الإمارات بين مطرقة الحجب وسندان التجسس الأمني

إيران تمهل مواقع تبادل الرسائل عاما لتزويد السلطات بمعلومات المستخدمين

خطر انقراض الناشط السياسي التقليدي

مصر: 21% نسبة الأمية و46.6% من الأسر تمتلك حاسب شخصي

السعودية: ارتفاع معدل جرائم الإنترنت والبرامج الخبيثة