كيف سينظر الرئيس الأمريكي القادم إلى السعودية؟

الأحد 8 مايو 2016 03:05 ص

مجرد أصدقاء ولكن الأمور لم تعد كما كانت من قبل. هذا ما يلخص طبيعة العلاقة الحالية بين إدارة «أوباما» وبين المملكة العربية السعودية. ليس الأمر طلاقا لكنه أشبه بقطيعة أو انفصال في زواج لم يعد سعيدا. خلال الأيام السعيدة للعلاقة، كان البلدان منفتحين على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري. الآن يدعو رئيس المخابرات السعودي الأسبق إلى إعادة تقييم العلاقات. ويجب على الرئيس الأمريكي المقبل أن يتعامل مع هذه القضية.

في عام 1938، اكتشفت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (شيفرون) النفط في شرق المملكة العربية السعودية. في عام 1945، التقى الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» مع الملك السعودي «عبد العزيز بن سعود» في 14 فبراير/شباط على متن طراد في قناة السويس (طالع المزيد). تم تعزيز العلاقات العسكرية في المقاومة المشتركة ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان بين عامي 1979 و1989 وفي أزمة الخليج في عام 1991، وفي الحرب ضد «صدام حسين» في عام 2003.

كانت، ولا تزال، هناك العديد من المصالح المتبادلة، ولكن بعض التغييرات قد طرأت الآن. بالنسبة للولايات المتحدة، كان النفط السعودي في وقت من الأوقات يمثل السلعة الأكثر حيوية ولكنه صار الآن أقل أهمية حيث صارت البلاد أقل اعتمادا على واردات النفط. بالنسبة للسعوديين، كان شراء الأسلحة يمثل أمرا حاسما في العلاقة (تخطت قيمة المشتريات السعودية من السلاح الأمريكي 95 مليار دولار)، ورغم ذلك فإن السعودية قد صارت اليوم أقل اعتمادا على الولايات المتحدة في ضمان أمنها.

ورغم ذلك فإن التعاون بين البلدين لا يزال مستمرا. شاركت المملكة العربية السعودية في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، مما أعطى التحرك ضد التنظيم صبغة دولية وليست غربية. وقد قامت الولايات المتحدة بتوفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي للحملة العسكرية للسعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. بينما يستمر التعاون بين البلدين في تبادل المعلومات الاستخباراتية ضد النشاط الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه فإن الخلافات قد صارت أكثر وضوحا إلى الدرجة التي دفعت الرئيس «أوباما» إلى أن يصف السعوديين بقوله «هؤلاء الذين يطلق عليهم حلفاؤنا». يرجع جزء من السبب في ذلك إلى كون الإدارة السعودية الجديدة، تحت حكم الملك «سلمان»، قد تبينت مدى تردد «أوباما» في الانخراط في صراعات الشرق الأوسط طالما لم تهدد أمن الولايات المتحدة بشكل مباشر، كما تبين من خلال رفضه للقيام بعمل عسكري بعد قيام الرئيس السوري «بشار الأسد» بعدما تجاوز خطه الأحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في شهر أغسطس/آب عام 2013. (طالع: لماذا قررت السعودية الاعتماد على نفسها؟)

وهناك عدد كبير من الخلافات بين السعوديين والولايات المتحدة: منها الاتهامات الموجهة للسعودية بتمويل بعض الجماعات الإسلامية «المتطرفة» والاشتباه في تورط مسؤولين سعوديين في تمويل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان والحرب في اليمن وتمويل المدارس الدينية الوهابية. على الجانب الآخر يأتي قبول «أوباما» للتعامل مع الإخوان المسلمين وقبل كل شيء الخوف السعودي من ميل «أوباما» الواضح إلى إيران وخصوصا بعد توقيع الاتفاق النووي.

وبالتالي فقد اتجه السعوديون إلى ممارسة سياسة أكثر حزما تشمل استخدام القوة العسكرية. تبدو المملكة قادرة وراغبة في لعب هذا الدور. وهي تمتلك ما يقرب من 268 مليار برميل من الاحتياطات النفطية بمعدل 16% من الاحتياطي العالمي إضافة إلى 630 مليار دولار من الاحتياطيات المالية على الرغم من كونها قد بددت 60 مليار دولار منها خلال هذا العام. (طالع: ثلاثة أمور على الرئيس الأمريكي أن يعرفها بخصوص السعودية)

ومع ذلك، فإن النظام يواجه الآن عددا من القضايا، من بينها انخفاض أسعار النفط من 115 دولار للبرميل في عام 2014 إلى 35 دولارا مع نمو المنافسة العالمية في إنتاج النفط والزيادة في التكسير من قبل الدول الأخرى، والتركيز على الحد من من الوقود الأحفوري. يأتي ذلك تزامنا مع تحديات أخرى في ظل كون ثلثي سكان المملكة هم من الشباب تحت سن الثلاثين عاما بينما تعاني نسبة كبيرة منهم من البطالة التي تبلغ نسبتها الرسمية في البلاد حوالي 11%.

تغيرات وخطوات أكثر استقلالا

مفتاح التغييرات والخطط السياسية والاقتصادية في السعودية يأتي عبر العضو الأكثر نشاطا وحيوية داخل الأسرة الحاكمة وهو نجل الملك ونائب ولي العهد، البالغ من العمر 30 عاما، الأمير «محمد بن سلمان». يشغل الأمير الشاب منصب نائب ولي العهد ووزير الدفاع والمتحكم في شؤون الاقتصاد ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية أكبر شركة منتجة للنفط في العالم والتي تدير احتياطيات يبلغ قدرها حوالي 261 مليار برميل.

في السياسة الخارجية، بدأت المملكة العربية السعودية تتخذ خطوات أكثر استقلالا عن سياسة الولايات المتحدة. وقد قامت المملكة بالفعل بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتسعى الآن عسكريا إلى مواجهة التدخل الإيراني في اليمن وسوريا. وقد قامت أيضا بإنشاء تحالف إسلامي يضم 34 دولة بهدف مواجهة الإرهاب. وقد التقي مسؤولون سعوديون بارزون مؤخرا مع كل من الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الصيني «تشي جين بينغ».

وقد أعلن السعوديون مؤخرا عن عزمهم إنشاء مجمع عسكري صناعي وشركة عسكرية قابضة مملوكة للحكومة. وهم يرغبون في أن يصلوا إلى مرحلة الحصول على نصف احتياجاتهم العسكرية من الصناعة المحلية. في عام 2015، بلغ إنفاق السعودية على الدفاع 87 مليار دولار وما وضعها في المرتبة الثالثة عالميا.

قد تكون التغيرات الاقتصادية المقترحة بشأن تقليص الاعتماد على النفط، الذي يشكل 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و 80% من الإيرادات الحكومية، أكثر أهمية. يطمح الأمير الشاب إلى تغيير الاقتصاد من نظام تهيمن عليه الحكومة يعتمد على التمويل النفطي إلى نظام يمنح دور أكبر لرجال الأعمال والقطاع الخاص من خلال تعزيز الخصخصة والاستثمار. الاستقرار يعتمد على النتيجة، حيث لا تزال أرامكو تلعب دورا مهيمنا في الاقتصاد السعودي بما يشمل القوى العاملة، إضافة إلى الكهرباء والمياه والمرافق، وفي 139 مدرسة حكومية، و في مجال الرعاية الصحية، وكذا الموافقة على القروض والاستثمارات.

وهذا يعني تغييرات اجتماعية أيضا في الوقت الذي يشكل فيه النفط ثلاثة أرباع دخل الدولة بواقع 162 مليار دولار. هذه التأثيرات الاجتماعية سوف تأتي نتيجة الخصخصة في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والاستثمار في الصناعات التحويلية وزيادة الضرائب على السلع.

يجب على الرئيس الأمريكي المقبل أن يقرر إذا ما كانت المملكة العربية السعودية تعتبر حليفا للغرب أم أنه سينظر إليها بوصفها معقلا للنمط «المتطرف» للإسلام. يكمن اللغز بالنسبة إلى الغرب في تفسير ما إذا كان الحزم الجديد للقادة الذين يتولون السلطة يمكنه أن يحد أو ينهي نفوذ الوهابيين وتأثيرهم في مجالات التعليم، والقضاء، ودور المرأة وغيرها. 

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة العلاقات السعودية الأمريكية أوباما محمد بن سلمان

«كلينتون» أم «ترامب»: كيف ينظر السعوديون إلى الانتخابات الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

«تركي الفيصل» يفتح النار على «أوباما»: لا خطوط حمراء وانحرفت بالهوى لإيران

ما الذي قد تعنيه رئاسة «ترامب» بالنسبة إلى دول الخليج؟

70 عاما على اجتماع «روزفلت» و«عبد العزيز» .. الشراكة السعودية الأمريكية قادرة على البقاء

الرئيس الأمريكي القادم .. جدول أعمال لأمن الخليج وسوريا والعراق

التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب والتغيرات في القيادة السعودية

قصة تصريح «بن سلمان» المحذوف حول تمويل السعودية لحملة «هيلاري كلينتون»