فيلم «غرفة»: هل يعيد «الطفل» الغرب اليوم إلى أحضان «الإنسانية»؟

الثلاثاء 10 مايو 2016 04:05 ص

لا يعطي الغرب جوائزه اعتباطا، أو خبط عشواء، سواء في الأدب أو السينما، او حتى السلام والكيمياء، وإنما يُحسنُ الاختيار، من وجهة نظره، ما يعضد دعائم بقاءه، فيما يظل الكثير من نقادنا وصحفيينا مشدودين لاختياراته يشيدون ببراعتها.

فيلم «غرفة» أو room يحاول الانسياب بعفوية، من بوابة الإيغال في الإنسانية هذه المرة، لإيصال فكرة تدور حول معنى واحد: الحضارة الغربية قوية عفيّة قادرة على الاستمرار.

الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتبة «إيما دونوغو»، وأشادت الأخيرة بالأحداث على الشاشة، إلا إنك تظل طوال الوقت وأنت تشاهد الفيلم الحائز على جائز أفضل ممثلة لهذا العام، وخيال مقال جيد لا عمل سينمائي يراوح عينيك.

الفن تطهرا

أُنتج الفيلم بـ«كندا» العام الماضي، وتم عرض نسخته الاولى في «البرازيل» في 4 من فبراير/شباط الماضي، ليفوز بجائزة مهرجان «تورنتو» في نفس عام صدوره، وتنال «بري لارسون» «الأوسكار» عنه منذ شهور، فيما يقف الطفل «يعقوب تريمبلاوي» بعيداً عن الاضواء رغم دور متميز جذب الكاميرا به عن الجميع.

القصة باختصار شديد تروي محاولة المجتمع الغربي التطهر من آثام التكنولوجيا والمادية والعلاقات المتوترة ودمار الروح الذي كاد يقتله.

«جوي» أو «بري لارسون»، فتاة بريئة تقيم مع عائلة مفككة ثرية، كالعادة، ولكن لبرائتها المفرطة يستغلها «نيك الأكبر»، شون بريدجرز، ويختطفها إلى غرفة بعيدة مزودة بوسائل الحياة. لكن لا يتم الدخول إليها إلا بـ«رقم سري» لا تعرفه.

وخلال السنوات ينجح «نيك الكبير»، هكذا يصفونه طوال الوقت في الفيلم في إسقاط واضح على الشيطان، في استغلالها من جميع النواحي حتى تلد «جون»، دون أن تضطر للخروج من «الغرفة/السجن» ذات منفذ الشمس البعيد من أعلى، ولكنها بعد ولادة الابن تنذره لتحرير نفسها، وتنشطه وتطلب الكتب له، وتعلمه بل تدربه رياضياً.

ولإن الغرفة ليست إلا مختصراً للمجتمع الغربي الذي حبسته المادية والتكنولوجيا بعيداً عن تألق الروح يبدع المخرج «ليني إبراهامسون» في اختيار زوايا تصوير وعدسات تعكس الألوان الصامتة لتبقى الغرفة متسعة طوال قرابة نصف الفيلم الأول.

لكن «جوي» أو «إليس في بلاد العجائب» كما تعلم ابنها انفتاح الحياة، وإنها ليست ما يراه في الغرفة فقط، في محاولة لوهبه قبلة أمومية روحية، تنجح في إحكام مؤامرة تخرج في قالب ساذج، تخرج وابنها على إثرها من سجن الغرفة لكن إلى سجون الحياة المتعددة، أمها رحلت وتركت أباها لتعيش مع «عشيق» جديد، والأب دمره غياب الابنة والفضيحة، وهو من عائلة محافظة فلم يعد يطيق مجرد رؤية زوجته أو ابنته أو «جون حفيده»، والأخير لا ذنب له في شىء.

ولإننا نسمع تعليق صوتي «ناريشين» للابن الصغير ذي السنوات الخمس، والممثل له 7 سنوات فقط، فإنه يخبرنا بأن الجراثيم في الغرفة كانت اقل من تلك التي في العالم، وأن انشغال الأهل في الخارج يجعل الحياة التي كانت له قطعة «زبد محببة» ليست إلا قطعة «زبد مهروسة موزعة» على الجميع فيما الإنسان والروح يصرخان يطلبان الحياة.

إنه فيلم محاولة التطهر الكاذب من الآثام.

العودة إلى الغرفة

بعد «ماسك» أوغطاء الأنف الواقي من الجراثيم، والخروج من المستشفى وضغط الإعلام، تفاصيل فرعية حاول صناع الفيلم مدارة خلل أحداث الفيلم بها، لكننا بعد ثلث الساعة فقط من خروج الابن والأم من الغرفة عرفنا أنهما عائدين إليها بامتياز، الابن لا يجيد لا صعود ولا هبوط السلم في بيت عشيق الجدة، لا مجازاً ولا حقيقة، إذ لم تربه أمه في المنفى الإلكتروني على النفاق والوصولية الاجتماعية، فقد كان الباب يفتح بكلمة السر فقط، وكل الأجهزة بالداخل متوفرة.

اما الأم فلا تطيق رؤية عشيق أمها، ولا يطيق أبوها رؤيته أو رؤية ابن ابنته من اغتصاب متكرر، وتستحيل الحياة بينهم إلى جحيم، لا يحله الفيلم بمحاولة إبراز رقة العشيق، وحنان الجدة الطرف الآخر، ولا ينجح المحامي او الإعلام في التدخل .. والحل تنتحر الأم.

وفي مشهد رائع من مشاهد التطهر الحقيقي من آثام علاقات الغرب المنحطة ببعضه، وتدميره الجانب الاجتماعي من الحياة مقابل الملذات لا أكثر يصرخ الابن الصغير في هيستريا، فيما ترفض أمه العودة إلى البيت من المستشفى رغم شفائها إلا لما يرسل إليها ضفائر شعره .. جزءً عزيزاً منه يريد به إعادتها إليه.

يقفز الفيلم فوق التسلسل الدرامي المنطقي مرتين بل يلغي العقل من المتفرج تماماً، ويضعنا أمام تمام المقال بعد أجزائه التي عايشناها طوال الفيلم آلاماً عبر مشاهد ساكنة صامتة تعبره دائماً، وتطلع نحو المجهول من الجميع، الكل يصرخ في الصمت:

ـ إننا هنا معذبون فشلنا في الحياة الحقيقية والوهمية .. في المجتمع والغرفة معاً .. في العام والخاص الماديين فإلى أين نذهب؟

المشهد الأول الذي لغى الفيلم والرواية المأخوذ عنها العق: ولادة الأم، ونحن لم نعايشها بدات الأحداث بعدها، وقد ولدت بمفردها دون معين، وكذلك عدم ذهابها إلى الطبيب على مدار 7 سنوات.

أما المشهد الثاني فهو نجاة الابن من قبضة الأب وإفهامه الشرطة أن أمه مختطفة بل تم إنقاذها خلال أقل من 7 دقائق.

المشهدان يختصران أن الإنسانية التي رأيناها في الفيلم محاولة مصنوعة لتغليف حقيقة الفشل التي يعايشها افراد مجتمع تنعم فيه الكلاب ويشقى الإنسان.

عند عودتهما إلى الغرفة يطلب الابن إغلاق بابها لإنها ليست غرفة والباب مفتوح، وحتى لو ظلت مغلقة دون «الباس ورود» فهي مثل الخارج، والغرفة في الفيلم تماماً المادية المنفصلة عن الحياة، أفضل لدى الطفل من الحياة وآثامها.

نهاية أوسكارية

لان هدف صناع الفيلم على الأوسكار، وقد تكلف انتاجه 13 مليون دولار وكسب بالاصافة إليهم قرابة سبعة مليون آخرين، لأن هدف مثل هذه الأفلام كسب المال والجمهور فإن المدخل الإنساني معادل موضوعي لمدخل العنف في فيلم العائد لـ «دي كابريو»، وقد نال أوسكار أحسن مؤلف وجوائز أخرى، لذلك آخر دقائق الفيلم يقول الطفل بالتعليق الصوتي:

ـ لا اعرف لماذا لا نسقط، يقصد المجتمع الأمريكي، ولا متى نصل إلى الجنة أم إننا وصلنا؟!

هذا هو أفضل ختام للفيلم/ المقال، خلال دقيقتين تم محو آثام جميع أبطاله، وكانت الأم المجني عليها مذنبة بسوء الفهم وإتباع المغتصب الذي أودى بقابليتها للحياة، وكانت أمها إضافة إلى حياتها الاجتماعية مذنبة بالقضاء على زوجها والد ابنتها وتفضيل عشيقها عليه ..

في نهاية أجمل الفيلم حدد بطله الصغير مآخذه على مجتمعه بل حضارته، وحدد إنها آيلة للسقوط لكن تنتظر دخول أفراداها جنة الدنيا!

رسالة قصيرة من عمل أدعى إنه فني للذين يقولون بأن الغرب علماني.

فيلم غرفة هو فيلم الجزء الخاص ببقاء أبطاله في الغرفة بجدارة، زوايا تصوير متنوعة منفتحة، إخراج رائع رغم تهلهل سيناريو إمكانية بقاء آدميين في مكان واحد لسنوات تصل إلى سبع دون خروج مطلق، وإمكانية حل التلفزيون لمعضلة الحياة الاجتماعية، في تصوير لسطوة الإعلام على النفوس الغربية، اما موسيقى الفيلم التصويرية فكانت مع تمثيل الطفل «تريمبلاوي» أفضل ما فيه بخاصة لحظات الموسيقى السلبية حينما تنسحب وتتركنا للتأمل.

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غرفة فيلم أوسكار انتاج كندي معاناة غربية رغبة في التحرر

فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

فيلم «قصتنا» التركي: فن يقدم علاجا للأزمات والانقلابات!

«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

فيلم «سويسايد سكواد» الأسوأ لهذا العام ..يحطم الأرقام القياسية الأمريكية