لماذا تبدو أسواق العملات في حالة بائسة؟

الأربعاء 11 مايو 2016 08:05 ص

حثت مجموعة من الأصوات الفاعلة العام الماضي الاحتياطي الفيدرالي على عدم رفع أسعار الفائدة، بسبب ما أشاروا إلى أن تلك الخطوة من الممكن أن تؤدي إلى إبطاء معدلات النمو العالمية وزيادة تقلبات الأسواق المالية حول العالم.

وقد استمع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى كافة الآراء ومن ثم قاموا برفع الأسعار في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وبالنظر إلى التطورات الحالية التي تشهدها أسواق العملات حول العالم، فإن البعض من تلك الأصوات بدأ في التفكير والتساؤل فيما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيقوم باستئناف رفع أسعار الفائدة تدريجيا.

ويبدو أن تباين الأفكار والآراء حول هذه المسألة يعكس الظروف غير المواتية التي نشأت نتيجة لعدم توازن السياسات الاقتصادية، بجانب اختلاطها بأهم الاقتصادات العالمية الممنهجة.

من هذه المعطيات فإن اجتماع هذه الظروف مع بعضها البعض بما في ذلك تباين الأنظمة التي تحدد أسعار الصرف العالمية للعملات الأجنبية، والتي يبدو أنها لم تعد تستجيب بطريقة طبيعية للأحداث الاقتصادية والمالية حول العالم، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التقلبات في أسواق العملات الأجنبية حول العالم، إضافة إلى أن تأثيرها يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة ربما تعمل على الإخلال بالأنظمة المالية ككل، بل أن ذلك سيطال عصب الأسواق المالية حول العالم أيضاً.

في الاقتصادات التي تعمل وفق منظومات طبيعية، فإن الزيادة في أسعار الفائدة يساعد على إبطاء معدلات النمو الاقتصادي عبر جعل الاستهلاك المبني على عمليات الاقتراض أغلى ثمناً، كما أن آثار تلك الزيادة تمتد إلى التدفقات المالية العابرة للحدود واجتذاب رؤوس الأموال الداخلة بسبب رغبة المستثمرين تحقيق عوائد وأرباح أكبر، علاوة على قوة العملة في حالتها الطبيعية، والتي تلقي بظلال سالبة على الصادرات وبالتالي إبطاء معدلات النمو الاقتصادي.

وقبل الاجتماع الذي عقده الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول الماضي بخصوص رفع الفائدة، عبرت بعض الجهات بما فيها صندوق النقد الدولي عن قلقها من أن رفع أسعار الفائدة بواسطة أهم بنك مركزي في العالم يمكن أن يسهم بطريقة سلبية في أداء الاقتصاد العالمي الذي لم ينجح حتى الآن في تبنى نهج اقتصادي متكامل أو الاعتماد على سياسات مؤسسة اقتصادية عالمية متكاملة.

ورغم أن العديد من الخبراء الاقتصاديين أشاروا إلى أن الولايات المتحدة كانت الاقتصاد المتقدم الأفضل أداءً من حيث معدلات النمو وإيجاد الوظائف الجديدة، فإنهم عبروا في الوقت نفسه عن قلقهم من أن رفع الفائدة يمكن أن يؤدي إلى تجفيف رؤوس الأموال في الدول الناشئة، وهو ما سينتج عنه تباطؤ معدلات النمو وتهديد استقرار النظام المالي العالمي.

ويبدو أن التطورات التي حدثت في يناير وأوائل فبراير الماضي أكدت ذلك القلق الذي عبر عنه بعض الخبراء الاقتصاديين، رغم أن الاقتصاد الصيني وتحركاته نزولاً أو ارتفاعاً له من الأثر ما هو أكبر وأقوى على الاقتصاد العالمي مقارنة بخطوة رفع أسعار الفائدة بواسطة الاحتياطي الفيدرالي.

وقد كانت خطوة الاحتياطي الفيدرالي تجاه تشديد السياسات المالية أكثر من مجرد استعاضة عن السياسات الميسرة، وهي الخطوة التي تلتها فيها كل بنوك مركزية متقدمة وهي الصين واليابان وأوروبا، حيث قاموا بتبني سياسات مالية أكثر تشددا في أسعار الفائدة، والتي تضمنت النطاق السلبي في كل من أوروبا واليابان، والعمليات واسعة النطاق لشراء الأصول والتيسير الكمي، حيث بذلت هذه البنوك ال 3 جهوداً حثيثة لتعزيز استقرار الطلب بطريقة مباشرة أو عبر محاولة تخفيض قيمة عملاتها.

وقبل عدة أشهر كانت معظم العملات العالمية ترزح تحت وضع صعب في قيمها، إلا إنها شهدت بعد ذلك نمواً ملحوظاً مقابل الدولار الأمريكي خصوصاً اليورو والين. وفي الأسبوع الماضي وضعت الخزانة الأمريكية 5 دول منها الصين واليابان وألمانيا ضمن قائمة المراقبة، حيث ستتم مراقبة أنشطتها المتعلقة بأسعار صرف العملات الأجنبية لمعرفة ما إذا كانوا في وضع يقومون فيه باستغلال مزايا تجارية غير نزيهة.

وكما ذكرت في مارس الماضي، يمكن لتباين أسعار الفائدة في أهم الاقتصادات العالمية أن يُفقِدها تأثيرها في تحديد أسعار صرف العملات الأجنبية، حتى وإن لم تكن تلك هي القضية، فإن الآمال المرتبطة بأن تلك الخطوات ستعمل على تعزيز معدلات النمو ستتلاشى بسبب المشاكل السائدة التي تتمثل في ندرة محركات النمو الهيكلية، والعجز في معدلات الطلب العالمية وغيرها.

* د. محمد العريان خبير مالي واقتصادي دولي. 

  كلمات مفتاحية

أسواق العملات الاقتصاد العالمي مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة أسعار صرف العملات معدلات النمو محركات النمو الهيكلية تقلبات الأسواق المالية معدلات الطلب العالمية