استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مائة عام الشتات قد تتكرر بنسخة جديدة من سايكس بيكو

الأربعاء 1 يونيو 2016 08:06 ص

مائة عام من التمزيق المتواصل لهذه الأمة تتزامن مع ذكرى اتفاقية سايكس بيكو التي توصل إليها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا في 23 مايو/أيار 1916.

قرن كامل من ضياع بلدان العرب أظهر العجز البنيوي للأمة التي اراد الله أن تكون «خير أمة أخرجت للناس». فما أعمق الشعور بالاحباط لدى من يهمهم أمرها، وما أبعدها اليوم عن الأمل الذي راود الكثيرين من رموزها التاريخيين الذين لم يستطيعوا انتشالها من هذا الوضع.

فإذا كان الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا يحلمون في مطلع القرن الماضي بنهضتها وتماسكها ووحدتها، ويرسمون لها أرضية الانتماء لكي تشعر بالوجود، فإن من لحقهم من العلماء والمفكرين بذلوا جهودا مضنية لايقاظ أبنائها وشحذ هممهم لوقف ذلك التداعي في الجوانب السياسية والعلمية والإنسانية.

غير أن ما حدث في ذروة الحرب العالمية الاولى من تواطؤ غربي لكسر شوكة هذه الأمة متجسدا في الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا وفرنسا حال دون نجاح جهود الانهاض.

وخلال ما يقرب من القرن مرت هذه الشعوب بمخاضات عسيرة، باحثة عن مخرج من السقوط الذي وقعت فيه بعد أن سقط آخر رمز لوحدتها في العام 1923. لم تكن الدولة العثمانية نموذجا قويا أو عنوانا يناسب امة محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكنها كانت رمزا لشيء من الوحدة والمركزية ولم الشمل.

السلاطين العثمانيون ساهموا في إضعافها بما عاشوه من بذخ واستبداد واستعلاء، تماما كما فعل حكام الأمة منذ العصور الأولى للاسلام. ولكن كان لديها مناعة ضد السقوط أو التلاشي، فاستطاعت البقاء والانتشار، وحازت من مراتب العلم والنفوذ أقصاها. غير أن الفساد الذي نخر جسدها أوصلها إلى حالة الفناء، فنفذ فيها القانون الإلهي الذي يحكم الامم والشعوب «وتلك القرى لما ظلموا اهلكناهم».

بذل المصلحون جهودهم طوال القرن الماضي ولكن الهجمة الغربية التي أعقبت تلك الاتفاقية وكانت امتدادا للحروب الصليبية قبل ألف عام، تجددت وأصبحت أشرس بسبب النهضة العلمية التي شهدها الغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. كان حلم «الخلافة» و«الحكم الاسلامي» يراود المصلحين ابتداء بعلماء إيران في الحركة الدستورية مطلع القرن الماضي، مرورا بالامام الشهيد حسن البنا، ومن أعقبه من المصلحين.

كان لاولئك أهداف قد تبدو متباينة ولكنها ذات جوهر واحد: إحياء الامة وانهاض شعوبها وتوحيد بلدانها تحت راية الاسلام الجامعة. تلك الجهود جاءت متأخرة لأن اتفاقية سايكس بيكو، اعقبها بعد عام واحد صدور وعد بلفور الذي لا يمكن فصله عنها.

فقد وعد البريطانيون بالمشاركة في اقامة وطن قومي لليهود. وقد تحقق ذلك بعد ثلاثة عقود تقريبا من الاتفاقية المذكورة، متزامنا مع نهاية الانتداب البريطاني في فلسطين. واصبحت تلك المشكلة طعنة في خاصرة هذه الامة، لم تتعاف من آثارها حتى اليوم، وتعبيرا عن المستوى الهابط الذي بلغته اوضاع الامة التي لم تستطع الدفاع عن ارضها فضلا عن تحقيق الوحدة التي طالما تغنت بها الشعوب المغلوبة على امرها.

وما تعيشه امة العرب اليوم انما هو امتداد لما كانت تعيشه خلال الحرب العالمية الاولى.

كانت مستهدفة من القوى الغربية الساعية لبسط النفوذ ونهب الخيرات. يومها كان النفط من الذي بدأ اكتشافه في عدد من البلدان جاذبا للاهتمام، بالاضافة لبسط المشروع الغربي بديلا لمشروع الدولة المركزية لبلدان المسلمين. وبغياب الايديولوجيا السياسية الحاكمة لم يستطع اي من حكامها على مدى مائة عام من الوصول إلى منظومة سياسية جامعة.

وأقصى ما بلغته الاجتهادات الشخصية عبر ذلك التاريخ المشروع القومي الذي يروج للوحدة العربية على اساس الانتماء القومي. وساهمت الحرب الباردة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية في ظهور ما يبدو من تحالف بين «القوى التقدمية» العربية والاتحاد السوفييتي. لكن تلك التجربة تكسرت وانهارت بعد هزيمة حزيران، فانتهى المشروع القومي القائل بتوحيد الامة العربية الواحدة من الخليج إلى المحيط.

وعلى مدى نصف القرن الاخير بقيت احلام الوحدة تراود النخب بكافة اطيافها العقيدية والايديولوجية. الواقع اظهر ان هناك أعداء لوحدة هذه الامة، فبعد تجربة الدولة العثمانية لم يعد مقبولا قيام وحدة حقيقية بين دول المنطقة وشعوبها، خصوصا مع استمرار القضية الفلسطينية وعمق الشعور بخطر قيام مشروع اسلامي سياسي يوازي المشروع الغربي ويتحدى نفوذه في المنطقة.

الامر المثير للاستغراب ان منطقة الهلال الخصيب التي كانت المادة الاساسية لاتفاقية سايكس بيكو، ما تزال منطلق الصراع سواء على صعيد القضية الفلسطينية ام في الازمة السورية والاضطراب الامني المتواصل في العراق، ام الدور التركي.

فبرغم عضوية تركيا بحلف الناتو ما يزال هناك رفض غربي لعضويتها بالاتحاد الاوروبي نظرا لما تمثله من بعد اسلامي يجعلها اكثر ارتباطا بالشرق منها بالغرب. بل ان الغربيين بدأوا استهداف تركيا بدوافع مختلفة عن الوقائع التي يبررون بها ذلك الاستهداف.

فشبح مشروع «الدولة الاسلامية» الحقيقية (وليس على غرار ما تمثله داعش) ايا كان مذهبها، يرعب الغربيين، خصوصا مع تغير موازين القوى في العالم، ونزوع امريكا للابتعاد عن المنطقة تدريجيا والتوجه نحو جنوب شرق آسيا وبحر الصين.

ماذا يعني ذلك؟

إن شبح اتفاقية سايكس بيكو ما يزال مخيما على المنطقة بعد مائة عام من التحالف الانكلو – فرنسي، والدفع نحو استمرار وتيرة التفكك لا يتوقف. فاذا كانت سوريا والعراق مستهدفتين بالتفتيت بشكل اساسي، الا ان تركيا ليست بمنأى عن تلك الخطط. ولاسباب داخلية وخارجية هناك نفخ متواصل لاشعال نيران الخلاف والاختلاف بين مكونات تركيا، البلد المسلم الذي يفصل اوروبا عن العالم الاسلامي.

وتمثل كل من تركيا وإيران العامل الاخطر، من وجهة نظر الغرب، لأية محاولة توحيدية. فحتى الآن انطلقت دعوات الوحدة على الارضية القومية التي اثبتت تجارب التيارات القومية عدم قدرتها على تحقيقها.

وبقي البعد الاسلامي الذي لم يكتب له النجاح حتى الآن للاستقرار والثبات كمنظومة سياسية حاكمة. والملاحظ ان اتفاقية سايكس ـ بيكو وقعت في ظروف تداعي دور الدين في الحياة العامة للمسلمين خصوصا في مجال الخلافة والحكم. وتواصلت المحاولات على مدى القرن الاخير من قبل بعض الزعماء بحثا عن صيغة توحيدية.

يمكن ايضا ملاحظة ان الايديولوجيا ساهمت في تشكيل الوحدة وانصهار الاعراق والتحالفات. فالشيوعية، برغم المؤاخذات الكبيرة عليها، استطاعت توفير سند معنوي لحكام الاتحاد السوفييتي سبعين عاما، ومكنت الصين وكوبا من توحيد الصفوف (بالقمع ومصادرة الحريات والاكراه). واستطاع نظام إيران توفير مظلة للحكم تتناغم في مقاطعها مع مشاعر الشعب وانتمائه الديني.

تركيا هي الاخرى، خرجت من قبضة حكم العسكر تحت مظلة «الاسلاميين» في الوقت الذي فشل دعاة القومية الطورانية البقاء في الحكم طويلا. ويستمد بعض انظمة الخليج شرعيته من اعلانه الانتماء للاسلام، برغم ما يثار على ذلك من مؤاخذات وتساؤلات. وتمكنت مجموعات التطرف الديني والارهاب، مثل القاعدة وداعش استقطاب الشباب من بلدان كثيرة بعنوان الاسلام.

ماذا يعني ذلك كله؟

هذه الامثلة لا تهدف لاقرار ايديولوجية انظمة الحكم المذكورة، بل لتأكيد ضرورة وجود عقيدة او ايديولوجية سياسية قادرة على استقطاب البشر، بقناعات ذاتية، على الانضواء تحت لوائها. سايكس بيكو حدثت في ظروف هزيمة نفسية وسياسية لشعوب المنطقة التي كانت محكومة من قبل الدولة العثمانية التي اعتبرت لدى الكثيرين، امتدادا لمشروع «الخلافة الاسلامية».

مشكلة هذه التجارب انها لم تتطور ولم تأخذ باسباب التقدم والنهضة سواء في المجالات العلمية والتكنولوجية ام في منظومة الحكم.

فماذا لو طرح الاسلام عنوانا لجمع كلمة شعوب المسلمين؟

ماذا لو امكن تجاوز الاشكالات المذهبية والانتماءات العرقية وتوفرت شخصيات قوية قادرة على الاستقطاب، تحمل لواء وحدة المنطقة، على اختلاف انتماءات اهلها العرقية والدينية والمذهبية، ضمن اطار الدين الجامع الذي يحترم حقوق الآخرين، ويرفض منطق الاستئصال والتكفير، ولا يمارس اخراج الآخر المختلف من الملة؟

الامر المؤكد ان ما يجري في المنطقة يؤكد استمرار مشروع «ما بعد الخلافة العثمانية» الذي بدأ بسايكس بيكو التي استمرت مائة عام، وبدأ الآن يعمل ميدانيا لخلق الظروف الملائمة لنسخة معدلة من تلك الاتفاقية للقرن المقبل.

هذه المرة لن تجد الكيانات السياسية القائمة في الدول العربية القدرة على حماية نفسها من المزيد من التفكك، خصوصا مع الصمت الذي استقبل به تقسيم السودان قبل خمسة اعوام. ذلك التقسيم لم يخل من اصابع اسرائيلية.

ففي شهر تشرين الأول/اكتوبر الماضي نشر موقع «ميدا» الاسرائيلي ملخصا لكتاب بعنوان: «مهمة الموساد في جنوب السودان». الكتاب يؤرخ لدور ضابط في «الموساد»، اسمه دافيد بن عوزئيل، في تدريب الانفصاليين الجنوبيين وتوجيههم وتسليحهم، منذ ستينيات القرن الماضي، وصولا إلى استقلالهم في عام 2011.

ولدى تقديم اوراق اعتماده للاسرائيليين في شهر كانون الاول/ديسمبر 2014 أكد فيها أنّ جنوب السودان أقيم بفضل الإسرائيليين مضيفا ان «الجنوب ولد بفضل دولة إسرائيل والجنرال جون».

ستكون سايكس بيكو 2 اكثر ايلاما للعرب والمسلمين لأن قوى الثورة المضادة ازدادت تلاحما واصرارا على كسر شعوب الامة ومصادرة حريتها والغاء وجودها الفاعل. فما لم يتوقف نزف الدماء وتحدث انطلاقة كبرى على صعيد الحرية والوحدة والكرامة، والتخلي عن عقلية الاستبداد ومصادرة حق الآخر، واحترام الحريات العامة والتصدي للاحتلال، فقد تكون الحقبة المقبلة صورة للقرن الماضي، وربما أسوأ.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو تمزيق الأمة الحرب العالمية الأولى التقسيم الدولة العثمانية الأمة الوطن العربي الاحتلال

العرب ومئوية «سايكس- بيكو».. واقع على رمال متحركة!

«نقاط عشر» لمرحلة ما بعد «سايكس بيكو»

سايكس - بيكو؟

مائة عام على «سايكس بيكو»

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة