القصة المنسية لمخيمات اللاجئين الأوروبيين في الشرق الأوسط

الخميس 2 يونيو 2016 03:06 ص

عشرات اللاجئين فروا من الحرب. ارتحلوا عبر شرق البحر الأبيض المتوسط، في رحلة مليئة بالمخاطر. لكن فرص الملاذ على الجانب الآخر كانت كبيرة جدا.

لا، ليست هذه هي محنة اللاجئين السوريين اليائسين من الهروب من خراب وطنهم نحو حياة أكثر أمنا في أوروبا. بدلا من ذلك، فإنها تلك الحالة الغريبة المنسية لآلاف من اللاجئين من أوروبا الشرقية والبلقان الذين تم إيواؤهم في سلسلة من المخيمات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك في سوريا، خلال الحرب العالمية الثانية.

في الوقت الذي كانت فيه النازية وآلة الحرب السوفيتية تمزق تلك الأجزاء من أوروبا الشرقية والبلقان، فإن أعدادا كبيرة من السكان المدنيين قد نزحوا إثر ذلك. في المناطق التي تم احتلالها من قبل القوات الفاشية، فإن المجتمعات اليهودية والأقليات الأخرى غير المرغوب فيها قد واجهت هجمات قاسية، ولكن آخرين، وخاصة أولئك الذين يشتبه في دعمهم للأطراف المقابلة، كانوا عرضة للهجمات الموجهة والإجلاء القسري أيضا.

وسط هذه الاضطرابات، كان المسار الأوضح لهروب بعض اللاجئين الأوروبيين هو الجنوب والشرق. فر كثير ممن ينتمون للعرق الكرواتي الذين كانوا يعيشون على طول الساحل الدلماسي إلى جزيرة فيس على البحر الأدرياتيكي. أما سكان جزر دوديكانيز اليونانية، سلسلة من الجزر في بحر إيجه، فقد وجدوا طريقهم إلى الحماية البريطانية في قبرص.

وقد شكلت هيئة بإدارة بريطانية تحت اسم إدارة الإغاثة واللاجئين في الشرق الأوسط، والتي بدأت نشاطها في عام 1942، بمساعدة مسؤولين مقيمين في القاهرة. وقد ساعدت على إيواء 40 ألفا من البولنديين واليونانيين واليوغوسلاف. (بحلول عام 194 كان الهيئة قد انضمت تحت مظلة الأمم المتحدة وهو الاسم الرسمي آنذاك لتكتل الحلفاء). انتشرت اللاجئون في مخيمات في مصر وجنوب فلسطين وفي سوريا. وكانت حلب، العاصمة القديمة المزدهرة لسوريا، مركزا حقيقيا للمهاجرين المنفيين والجواسيس في الأربعينات.  

وكما لاحظت دراسة نشرتها الإذاعة العامة الدولية حول هذه المخيمات في إبريل/نيسان الماضي، فإن هذه الجهود قد اجتذبت مشاركة منظمات الإغاثة الدولية واحدة تلو الأخرى، مما ساعد على تغذية وإيواء اللاجئين وتثقيف مئات الأطفال اللاجئين.

وقد وصفت الإذاعة العامة الدولية عملية الإيواء بالقول: «بمجرد التسجيل، كان الوافدون الجدد يتوجهون إلى فحص طبي شامل. غالبا ما كان يتم توجيه اللاجئين إلى مستشفيات مؤقتة غالبا ما كان يتم تجهيزها في الخيام أو في بعض الأحيان في بعض المباني الفارغة حيث كانت تنزع ملابسهم ويتم غسلها وتطهيرها».

«بعد أن يطمئن المسؤولون الطبيون أن الوافدين الجدد يتمتعون بصحة جيدة للانضمام إلى باقي المعسكر فإنه كان يتم تقسيمهم إلى أماكن المعيشة المخصص للأسر أو للأطفال غير المصحوبين أو للرجال والنساء المنفردين. وبمجرد التسجيل في المخيم فإن اللاجئين كانوا يمتعون بفرص قليلة للخروج. في بعض الأحيان، فقد كانوا قادرين على الذهاب في نزهات تحت إشراف مسؤولي المخيم». (الصورة: تطهير الملابس في مخيم الشط عام 1945)

عندما كان اللاجئون في مخيمات حلب يقومون برحلة طويلة إلى المدينة على سبيل المثال، فإنهم كانوا يزورون المحلات التجارية لشراء الإمدادات الأساسية، ومشاهدة الأفلام في السينما المحلية أو حتى مجرد الحصول على وقت مختلف خارج أجواء المخيم. وعلى الرغم من أن معسكر عيون موسى في مصر كان يقع على عمق أكثر من مائة فدان داخل الصحراء، أي أنه لم يكن على مسافة قريبة من المدينة، فقد كان يسمح للاجئين بقضاء بعض الوقت في الاستحمام في مياه البحر الأحمر.

كانت الأوضاع صعبة ولكنها لم تكن بائسة تماما. كانت هناك ملاعب رياضية وفرص للترفيه. كان المقيمون الذين يريدون كسب لقمة العيش قادرين على شغل بعض الأعمال أو الحصول على بعض فرص التدريب المهني. وفي حالات أخرى، كان اللاجئون مضطرون لتولي أعمال وضيعة.  

كانت المواد الغذائية مقننة، وفي بعض الأحيان كان اللاجئون قادرين على شرائها من المتاجر المحلية. وكان مسؤولو المعسكرات يقومون بتنظيم العروض المسرحية وغيرها من الفعاليات الترفيهية.

كانت سياسات الوطن الأم تنعكس في كثير من الأحيان على ظروف اللاجئين المنفيين. في مخيم الشط في الصحراء المصرية، وفقا لأحد الروايات، كانت الكوادر اليوغوسلافية المتعاطفة مع الشيوعيين تسيطر على تسيير العمل داخل المخيم. وكانوا يقومون بتخويف غير المنضمين إلى صفوفهم ويحاولون تلقين الأطفال بدعايتهم. 

بشكل عام، فقد تمكن الأطفال على الأقل من إتمام مراحل تعليمهم الأولى، وفق ما أورده تقرير هيئة الإذاعة الدولية كما يلي:

«بالنسبة للجزء الأكبر، كانت الفصول الدراسية في مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط تحوي أعدادا قليلة من المعلمين وأعدادا كبيرة من الطلاب وتعاني من الاكتظاظ وعدم كفاية الإمدادات.

ولكن لم تكن جميع المخيمات تعاني من هذا الضغط الشديد. في مخيم النصيرات، على سبيل المثال، كان هناك لاجئ فنان قام بإكمال العديد من اللوحات ونشرها في جميع أنحاء جدران روضة الأطفال داخل المخيم، مما جعل الفصول الدراسية مشرقة ومبهجة. وكانت الأسر المحسنة في المنطقة تقوم بإهداء الألعاب والدمى لرياض الأطفال». 

وفي الوقت نفسه، وفي إطار خطة مماثلة، فإن إيران قد شاركت في إيواء عشرات الآلاف من البولنديين الذين كانوا يهربون المذبحة النازية ومعسكرات العمل السوفيتية. وتشير التقديرات إلى أن هناك ما بين 114 ألفا إلى 300 ألف بولندي وصلوا إلى إيران بين عامي 1939 و1941 عندما تدفقت موجات من المهاجرين اليائسين على الشواطئ الإيرانية لبحر قزوين. (الصورة: الدمى وألعاب الأطفال في مخيم الشط)

وقد تم بث نشرة إخبارية رائعة في ذلك التوقيت في الولايات المتحدة تظهر مخيمات اللاجئين البولنديين التي جهزها الصليب الأحمر الأمريكي في إيران حيث تمكن البولنديون الفارون من الحرب من الإبقاء على عاداتهم على قيد الحياة، والتدرب للالتحاق بصفوف الجيش البولندي المناهض للفاشية.

بالنسبة للكثير من البولنديين، فقد كان بلوغ إيران يمثل مصدر ارتياح كبير وهدنة بعد التعرض للصدمات النازية والفظائع السوفيتية. وقد استقبل عدد كبير من هؤلاء بأذرع مفتوحة من قبل مضيفيهم. «قام الشعب الفارسي الودود بالازدحام حول الحافلات والصراخ بعبارات الترحيب ودفع الهدايا من التمور والمكسرات والبازلاء المحمصة مع الزبيب والرمان والعصير من خلال النوافذ المفتوحة»، كما يذكر أحد المدرسين البولنديين الذين أقاموا في أصفهان. 

في نهاية المطاف، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإن معظم اللاجئين الأوروبيين في إيران وأماكن أخرى في الشرق الأوسط إما أنهم عادوا إلى ديارهم أو انتقلوا إلى أماكن أخرى. ولكن الذاكرة الإيجابية للمكوث في الشرق الأوسط نادرا ما يتم ذكرها في المجتمعات المعاصرة في الوقت الذي يتدفق فيه المسلمون المهاجرون إلى أوروبا، وفي الوقت الذي تعارض فيه الحكومة اليمينية في بولندا بصخب استقبال أي لاجئ سوري.

وفقا لمقال نشرته وكالة «أسوشيتد برس» في عام 2000، فإن هناك 12 فقط من المتبقين من البولنديين المهاجرين كانوا لا يزالون يعيشون في إيران. كانوا يعيشون حياتهم الخاصة، وتزوجوا من السكان المحليين ولم يكونوا مرتبطين ببعضهم البعض. «أحيانا يجتمعون لقضاء عيد الميلاد في السفارة أو في لقاءات نادرة وينسون المأساة التي تربطهم جميعا».

  كلمات مفتاحية

سوريا مصر مخيم الشط الحرب العالمية الثانية أزمات اللاجئين

«أطباء بلا حدود» تطالب الدول المجاورة لسوريا بإدخال اللاجئين

«أوباما» ينتقد معارضة استقبال لاجئين سوريين بأمريكا

«أوباما» و«كاميرون» يتباحثان حول الملف السوري وأزمة اللاجئين

هيومن رايتس ووتش: آلاف اللاجئين السوريين عالقون في حقل ألغام تركي

اللاجئون في رمضان