كشف الجدل الداخلي في تل أبيب الذي دار حول المبادرة الفرنسية، والتي قدمتها باريس كإطار لاستئناف المفاوضات وحل الصراع الفلسطيني الصهيوني ليس فقط عن سعة مجال توظيف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خدمة ليس فقط مصالح الكيان الصهيوني، بل أيضاً استخدام تحركات السيسي لصالح اليمين المتطرف في تل أبيب. فعلى الرغم من أن المبادرة الفرنسية تمثل وصفة لتصفية أهم الحقوق الوطنية الفلسطينية في نطاقها الضيق، وعلى رأسها حق العودة للاجئين، والقدس المحتلة، والانسحاب إلى حدود العام 67.
إلا أنه نظراً لأن المبادرة تتحدث عن «حل الدولتين»، فقد قرر نتنياهو احباطها، لأنه ببساطة غير مستعد لمناقشة أية مبادرة لا تفضي في النهاية إلى إضفاء شرعية على الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية. لكن نتنياهو يعي أنه من الصعب جداً عليه تبرير اعتراضه على هذه المبادرة في حال لم يقدم للعالم بديلاً آخر يمكن أن يشكل مؤشراً على رغبته في حل الصراع.
ونظراً لأن أحداً في العالم لا يثق بتصريحات نتنياهو وزمرته، ولا سيما بعدما انتهت كل المحاولات الدولية السابقة لانتزاع تعهد منه بالاستجابة لمطالب تحقيق تسوية سياسية للصراع، يمكن أن تبرر لرئيس السلطة محمود عباس الانخراط في هذ المسار . من هنا، كان هناك ضرورة أن يتقدم طرف أجنبي وحليف، بمجموعة أفكار فضفاضة وغير متناسقة، ويمكن أن يتعايش معها اليمين الصهيوني، وتجعل نتنياهو يتشبث بها، لتبرير ادعائه لاحقاً بأنها تصلح للنقاش أفضل من المبادرة الفرنسية.
وعندما يكون الطرف «الأجنبي» هذا هو أكبر دولة عربية، مصر، فإنه يفترض أن تسدد هذه الخطوة ضربة نجلاء للتحرك الفرنسي.
فقد تبين أن الأفكار التي طرحها السيسي في خطاب «أسيوط» قبل شهر، كانت منسقة تماماً مع نتنياهو وتهدف لاحتواء المبادرة الفرنسية من جهة، ومن جهة ثانية تمثل تبنياً غير مباشر لمواقف اليمين الصهيوني. فقد تضمن خطاب «أسيوط» دعوة لتسوية سياسية للصراع، دون أن يلتزم السيسي بدعم القاهرة المعهود بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل قد فاجأ السيسي حتى الصهاينة عندما تبنى مواقف نتنياهو بضرورة أن يتم الأخذ بعين الاعتبار بالمتطلبات الأمنية الصهيونية في أية تسوية للصراع.
وقد أكدت وسائل الإعلام الصهيونية أن كل ما جاء في خطاب السيسي قد تم بالتنسيق مع نتنياهو، حيث أشارت إلى أن ممثل اللجنة الرباعية السابق توني بلير، وهو مستشار للسيسي أيضاً، قد لعب دوراً مركزياً في الدفاع عن هذا التوافق. لكن السيسي لم يقف عند هذا الحد، بل إنه لم يتردد في المس بالمبادرة العربية ذاتها التي يرفضها الكيان الصهيوني.
فقد ذكرت صحيفة «هارتس» أن السيسي ادعى أمام ديوان نتنياهو أن الدول العربية وافقت على تعديل عدد من البنود في المبادرة العربية، وعلى رأسها: حق العودة للاجئين، والانسحاب من الجولان. وقد دلل موقف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رفض بلاده إحداث أي تعديل على المبادرة، على أن السيسي في الواقع كان يتصرف من تلقاء ذاته ومن أجل تحسين قدرة الكيان الصهيوني على المناورة أمام العالم.
المفارقة أن موقف السيسي هذا قد منح نتنياهو المسوغ أيضاً للدفاع عن تعيين رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» الفاشي أفيغدور ليبرمان وزيراً للحرب، حيث إن كلاً من نتنياهو وليبرمان استغلا موقف السيسي، وأعلنا في مؤتمر صحافي «ترحيبهما» المتحفظ بالمبادرة العربية، حيث قالا إن بعض نقاط المبادرة «إيجابية».
وقد أثار موقف نتنياهو وليبرمان هذا سخرية وسائل الإعلام الصهيونية، حيث تنافس المعلقون الصهاينة في السخرية من هذا الموقف؛ لأنهم يعلمون أنه جاء فقط من أجل التضليل ولذر الرمال في العيون من أجل إحباط المبادرة الفرنسية.
ومما يثير المرارة أن باراك رفيد، المعلق السياسي في صحيفة «هارتس» قد كشف النقاب عن أن نتنياهو اتصل بـ 14 وزير خارجية في أوروبا، حيث حاول اقناعهم بمنح فرصة لـ»المبادرة المصرية»، وعدم إيلاء المبادرة الفرنسية أية أهمية بسبب «عدم واقعيتها».
على الرغم من أن تحرك نتنياهو لم يكتب له النجاح حتى الآن، إلا أنه من الواضح أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب باتت توظف السيسي كـ«متعهد لتمرير مواقف اسرائيلية»، حيث إن السيسي لا يتورع عن توظيف مصر ومكانتها من أجل تسهيل تحركات نتنياهو لتضليل العالم وللتغطية على تطرفه.