استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الدولة الحارسة والدولة الحابسة.. في مصر

الأحد 19 يونيو 2016 07:06 ص

أثار مشهد ترؤّس مسؤول مصري محلي حملة أمنية على بعض المقاهي لملاحقة المُفطرين في نهار رمضان جدلاً واسعاً، بشأن مدى جواز قيام الدولة بخطوات وصائية، من أجل حماية القيم والأخلاق في المجتمع، ومدى دخول تلك الممارسات تحت مظلّة واجبات الدولة من عدمه. والجدل حول وظائف الدولة قديم في العلوم السياسية، بين أنصار النظريتين، الفردية والاشتراكية، إلا أنه دار حول حجم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي ومدى تدخّلها، ولم يتطرّق مطلقاً لدور الدولة "الأخلاقي" الذي يأتي ابتكاراً مصريٍاً حصرياً. 

فمن ناحية، يأتي هذا المشهد على هامش العلاقة المركبّة بين الدولة وجماعات "الإسلام الحركي" وتنظيماته، حيث يُعد المجال الديني من أكبر ساحات التجاذب بين الدولة المصرية وهذه الجماعات والتنظيمات التي قام مشروعها، وارتكزت رؤيتها منذ نشأتها،على قضايا الهوية الحضارية، والتصدّي لمحاولات تذويبها، عبر مواجهة موجات التغريب الفكري والثقافي تجاه العالم الإسلامي، إلى جانب أن مشروعها "دولتي وسلطوي" بالأساس، يشتبك مع الدولة، ويهتم بالسلطة في المقام الأول، ولم يهتم كثيراً بقضايا الحقوق والحريات، إذ رأت تلك الجماعات أن طريق الإصلاح يسير في اتجاه تنازلي، من أعلى إلى أسفل، عبر "أسلمة" الدولة التي تقوم بـ"أسلمة" المجتمع لاحقاً.

من هنا، كان الاهتمام الزائد بـ "تديين" المجال العام و"أسلمته"، فضلاً عن محاولات الهيمنة على المجال الديني، والاستحواذ عليه، عبر تحويل المنابر والمساجد إلى أدوات للحشد والتجنيد السياسي، وهو ما أسفر عن جولاتٍ صراعيةٍ طويلة وممتدة مع الدولة التي قامت منذ الستينيات بـ "تأميم" المجال الديني التقليدي، وإخضاع الخطاب الديني لهيمنة السلطة، وتخديمه على توجهاتها أحياناً. 

وفي بعض الأحيان، لاسيّما أوقات تأزّم العلاقة بين الدولة وجماعات "الإسلام الحركي"، تحاول الدولة أن تظهر أمام مواطنيها بمظهر الحامي الرئيسي، للقيم الدينية والأخلاق العامة، وأن تٌقدّم نفسها للرأي العام مدافعةً عن الفضيلة، وأنها تغار على حرمة القيم الدينية، وترفض أي صورةٍ لانتهاكها، كما أن مثل تلك الخطوات ترسل رسالةً مفادها تفنيد القول إن مواجهة الدولة مع تلك الجماعات هي مواجهة مع الإسلام نفسه، كما يرددّ بعض المتطرّفين.

ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن قراءة تلك الخطوة أنها محاولة من الدولة لمغازلة تيار التنطّع والتشدّد، من أنصار التديّن الشكلي، وأصحاب فقه التمسّك بالشكليات الدينية، القاصرعلى تقصير الجلباب، وارتداء النقاب، بغرض كسب تأييد ذلك التيار، أو تحييده على أقل تقدير. 

الطريف أن تلك الخطوات الدولتية، ذات الطابع الوصائي الأخلاقي، تحمل مفارقاتٍ وتناقضاتٍ عديدة تستحق التوّقف، فمن جهةٍ، نجد أن الدولة التي تلاحق المُفطرين في رمضان هي نفسها التي تمنح التراخيص للملاهي الليلية وصالات القمار، كما أنها نفسها أيضاً التي تحصّل الضرائب من تلك الأماكن لدعم الخزانة العامة. 

والدولة التي تلاحق المُفطرين في رمضان هي نفسها التي تتخذ خطواتٍ دولتية "خشنة" عديدة من أجل مصادرة المجال الديني وتأميمه، والتي كان من شأنها أن منحت الحقّ لنفسها في منع أئمة عديدين من ممارسة الخطابة، وصولاً إلى منح مفتشي الأوقاف صفة "مأمور الضبط القضائي" التي تتيح لهم توقيع عقوباتٍ قاسيةٍ تصل إلى الحبس والغرامة بحقّ الأئمة الخارجين عن الخطوط "الدولتية" الحمراء في خطبهم، كما أنها هي الدولة نفسها التي تُلقي القبض على المُعتكفين في رمضان، في حالة عدم حصول المسجد على ترخيصٍ بالاعتكاف.

الأكثر غرابةً وتناقضاً في تلك المفارقات أن الدولة التي طالما ردّدت أنها "مدنية" قدّمت نفسها حامية للمجتمع من هيمنة الوصاية الدينية لجماعات "الإسلام الحركي"، في فترة الصعود الإسلامي التي تلت ثورة 25 يناير، ترتدي، هي نفسها الآن، العمامة، وتمارس وصاية دينية على المجال العام، بطريقةٍ تنافس فيها أشد الجماعات راديكالية (!). 

ومن جهةٍ أخرى، تحاول الدولة الحضور في المجال الديني، بفرض وصايتها "الأخلاقية" على المجتمع، بملاحقة المُفطرين في نهار رمضان، في حين أنها غابت في مواضع يتعيّن فيها حضورها، لممارسة وظائفها الأساسية، فجاءت الوصاية "الأخلاقية" للدولة، في وقتٍ تشهد فيه مؤسساتها تدهوراً كبيراً في أدائها الوظيفي والخدماتي، لاسيّما في قطاعي التعليم والصحة، وعجزاً كبيراً في أداء دورها الرقابي، ما أدى إلى وقوع المواطنين غنيمةً باردةً أمام جشع الأسواق، وانفلات الأسعار.

كما أن هذه الوصاية الأخلاقية تأتي، بالتزامن تقريباً، مع وقوف الدولة عاجزة عن منع مسلسل تسريبات امتحانات الثانوية العامة، وعن وضع حدٍّ لمشاهد ممارسة الغشّ الجماعي في بعض اللجان في الامتحانات نفسها، والتي تحمل دلالات كارثية حول تداعي المنظومة التعليمية، وانهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع، بإهدار مبدأ تكافؤ الفرص، ومساواة المُجتهد مع المُهمِل في غياب الثواب والعقاب.

عرف علم السياسة مصطلح "الدولة الحارسة"، وهي الدولة "المحايدة" التي تقوم بحماية حدود الوطن، وبالفصل في المنازعات بين الأفراد، إلى جانب القيام بوظائفها التقليدية في الدفاع والأمن والقضاء والتعليم والصحة، من دون أن تتدخّل في صياغة تكوينات المجتمع الأساسية، أو تهيمن بصورةٍ فجّة على توجيه تفاعلاته التلقائية، فضلاً عن محاولتها لفرض وصايتها "الأخلاقية" بصورةٍ سلطويةٍ على حياة الأفراد، عبر التدخّل في شؤونهم الحياتية، ومصادرة حريّاتهم الشخصية، ما لم تتصادم بالطبع مع نصوص القانون.

تتحوّل الدولة، هنا، من دولةٍ "حارسة" تحرس المجتمع بحيادٍ صامتٍ، بتطبيقها القانون على الجميع من دون تمييز، إلى دولةٍ "كابسة حابسة"، تجثم على أنفاس المجتمع، وتحبس حركاته، وتُكبّل حريّاته، بوصايتها الأبوية السلطوية.

جدير بالإشارة هنا، أن أي مجتمع هو الذي يختار هويته الحضارية، وهو الذي يحدّد منظومته القيمية والأخلاقية، وهو أيضاً من يحميها، ولا يستطيع أحدٌ أياً كان، أن يفرضها عليه بصورة قسرية أو سلطوية، أو أن يُنصّب من نفسه وصياً على حمايتها، ومُكلَّفاً بالدفاع عنها.

* أحمد طه كاتب وباحث مصري.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الإسلام الدولة المدنية الأبوية السلطوية المجال الديني القمع الاستبداد الحريات

ثورة مصر .. معركة الذاكرة

مصر .. عن تحالف بائس وسبل تجاوزه

أعداء النظام في مصر

مصر .. موعد مستمر مع الكارثة

من أساطير الوقت في مصر

مصر.. السجن الكبير!

مصر .. مشهد اقتصادي معقد

مصر.. عن النزوع السلطوى للنخب العلمانية قبل 2013

التحوّلات السياسية والاجتماعية وعالم البلطجة في مصر

الجزء الغاطس أخطر

مصر ووصفة صندوق النقد السامة

مصر قبل وبعد 3 يوليو 2013

مصر.. القمع كعقيدة رسمية