استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تركيا وإعادة الترتيب بين «الأيديولجي» و«السياسي»

الثلاثاء 5 يوليو 2016 07:07 ص

ثمة إغراء كبير في النظر إلى المواقف التركية الأخيرة بخصوص روسيا وإسرائيل انطلاقا من موقفين متناقضين لاثالث لهما، واحد يمثل الإسلاميون أكثريته، ويكمن في منظومة متكاملة من المقولات تندرج في النهاية تحت وصف "الاعتذاريات"، والاستغراق، لدرجة التعسف، في إيجاد مايعتقدون أنه أعذار ومبررات لتلك المواقف.

يأتي هذا بمضمون مهلهل سياسيا ومنطقيا، وأدوات خطابية وشعاراتية، لايمكن إدراجها جميعا إلا في سياق الولاء الأيديولوجي المطلق للتجربة التركية وأهلها، فضلا عن الشعور بالحرج من مواقف التأييد الصارخ السابقة، وافتقاد الشجاعة لمواجهة هذا التحول بمقتضيات العقل والمنطق. في مقابل هذا، يبدو وكأن شريحة من السوريين، وغيرهم، وجدت في الحدث الراهن فرصة ذهبية، كانت تتعطش إليها بشوق غامر، للتهجم على تركيا وحكومتها. ليس فقط لاتهامها بكل أنواع الغدر والانتهازية والافتقار إلى المبادىء، ولتأكيد المواقف السلبية السابقة لهذه الشريحة من تركيا.

وهي مواقف كانت تتجاهل كل إيجابية تجاه السوريين أيا كانت كبيرة ومعروفة، وتعمل على تضخيم الأخطاء مهما كانت صغيرة. هذان نمطان في التفكير يعبران سويا عن جزء آخر، خطير، من الأزمة البنيوية في فهم الجماهير، وشرائح ممن يعتبرون أنفسهم نخبا، لظاهرة العلاقة بين تركيا والثورة السورية تحديدا. لكن تأثير الأزمة يمتد أيضا ليشمل الأسئلة الكبرى التي طرحتها الثورة السورية بمتغيراتها، ليس فقط على تركيا، بل وعلى الإقليم والعالم بأسره.

لا نحصر الأسئلة المذكورة هنا في الحقل السياسي، سواء منه الداخلي أو ذلك المتعلق بمنظومة العلاقات الدولية، رغم الحساسية البالغة في هذا المجال كونها تمثل التعبير المباشر عن المآزق الكبرى التي تفرزها تلك الأسئلة. فمن جهة، بلغ تأثير الوضع السوري في الداخل التركي درجة من التعقيد يكاد يصعب على حكومة في العالم تفكيكها إلى عناصر واضحة قابلة للفرز، بغرض التعامل معها بشكل يحقق الحد الأدنى من الأمن والاستقرار للمجتمع التركي، وبدرجة من الانسجام مع المبادىء الأخلاقية التي حاولت تركيا أن تحافظ عليها في معرض تعاملها مع الواقع السوري.

من جهة أخرى، شهدت "منظومة" العلاقات الدولية في كل ماله علاقة بالوضع السوري درجة من التداخل وخلط الأوراق فقدت معها كل منطق سياسي. وتجاوزت التحالفات والتحالفات المضادة، السرية منها والعلنية، والتناقضات بين الممارسات العملية من جانب، والتصريحات والوعود من جانب آخر، أي قواعد يمكن الاعتماد عليها في فهم واقع العلاقات بين الدول، بحيث لم يعد بالإمكان نهائيا إطلاق وصف "منظومة علاقات دولية" عليها أصلا.

لو عدنا إلى البدايات. سيكون سخيفا ألا نقوم إيجابيا الجهود التركية لاستيعاب قرابة 3 ملايين سوري لاجىء في تركيا، في أوضاع أفضل بكثير من نظرائهم في البلدان الأخرى. ومن غير الممكن القول بأن هذه الظاهرة لاتدخل في خانة التعامل الأخلاقي، النابع من رؤية إيديولجية بمعنى من المعاني. وبشواهد أخرى مماثلة لايصعب التفكير بها، يمكن القول أن هذا المنهج كان جانبا من الموقف التركي الرسمي للتعامل مع المسألة السورية.

على صعيد آخر، ومن البدايات أيضا، كانت "السياسة"، بمعنى الحسابات المتعلقة بالتوازنات العسكرية والسياسية في القرارات الخاصة بسوريا جزءا من ملفها في تركيا. من هنا، تجنبت الحكومة التركية بإصرار التدخل العسكري المباشر، وخاصة لإنشاء منطقة آمنة كانت مقتنعة تماما بضرورتها. أدرك الجميع لاحقا خطأ تركيا في هذا الموضوع تحديدا، بمن فيهم تركيا نفسها.

لكن هذا كان، بحسابات منطقية وقتها، يحمل مظنة توريط لتركيا وحدها في الداخل السوري، في زمن لم يكن يتخيل فيه أحد، بما فيه الأتراك، أن هذا الداخل سيصبح ساحة تدخل مباشر لقوى إقليمية وعالمية أصبح تعدادها صعبا. وكان الاعتقاد بأن التصريحات والمواقف الصارخة المؤيدة لثورة الشعب السوري، ومايتعلق بها من أحاديث عن خطوط حمراء، ستكون حافزا لتعاون عملي حاسم مع أمريكا وحلف الناتو وغيرها على الأرض السورية. ومع تطور الأحداث، وجدت تركيا نفسها تنزلق تدريجيا باتجاه مآزق داخلية وخارجية استراتيجية.

وبحسابات منطقية، بات واضحا أن توازنات عناصر معادلة الأيديولوجيا والسياسة لديها، والمتعلقة بالشأن السوري، لم تصل بها إلى النتيجة المرجوة. فلا هي استطاعت الاستمرار، بشكل لانهاية له، في تحمل تبعات الموقف الأخلاقي/الأيديولوجي، أمنيا واقتصاديا. أما معادلة السياسة التي تتمحور حول اعتمادها على الناتو وأمريكا فقد أظهرت فشلها الذريع. من هنا، أعادت تركيا ترتيب حساباتها السياسية، فقررت أن تحاول اختراق اللاعبين المؤثرين على الأرض مباشرة سياسيا وميدانيا، مثل روسيا وإسرائيل، خاصة في ظل الجوار الجغرافي المؤثر لهما.

ثمة تحليل بأن هذه المحاولة تهدف إلى تأكيد موقف تركيا من تغيير نظام الأسد، بمعادلات ومداخل وأوراق أخرى، لكن هذا التحدي كبير، ولايعرف أحد ثمن تحقيقه سياسيا واقتصاديا. إضافة إلى هذا، يطرح التحول التركي أسئلة جديدة وصعبة على أردوغان وحزبه تتعلق بالتوازنات التي كانوا يحاولون الحفاظ عليها بين مقتضيات "الأخلاقية" وتبعات "السياسة" بمفهومها الواقعي السائد عالميا.

من المؤكد، في نهاية المطاف، أن المشهد التركي الراهن بات دليلا آخر على حجم الفوضى العالمية التي تجتاح المنطقة والعالم في كل مجال، والحاجة لأن تبحث كل دولة فيه عن بدائل مبتكرة لصناعة السياسات، وعلى كون تلك الفوضى، بالتأكيد، مخاضا لنظام عالمي جديد لابد من ظهوره، وهو ما توحي المؤشرات باستحالته إلا بعد تصاعد احتقان راهن يؤدي لانفجار كبير وشامل.

* د. وائل مرزا - إعلامي وأكاديمي سوري

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا إسرائيل سوريا أمريكا الناتو

«موديز»: تطبيع علاقات تركيا و«إسرائيل» سيدعم الاستقرار السياسي الإقليمي

«أردوغان»: تطبيع العلاقات مع روسيا و(إسرائيل) أزعج البعض في الداخل والخارج

تركيا و(إسرائيل) .. العلاقة الوثيقة

عن اعتذارات أردوغان وتراجعاته

لماذا اعتذر «أردوغان» الآن؟!

تركيا تحل خلافاتها مع روسيا و(إسرائيل) في إعادة تقييم سياستها الخارجية