استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

شيخوخة الديمقراطية والفوضى العالمية (2-2)

الأحد 17 يوليو 2016 07:07 ص

"حاجةُ أوروبا وأمريكا للمراجعات تزداد إلحاحًا مع تتابع الأحداث والوقائع لحمايتها هي نفسها، قبل أي شيءٍ أو أحدٍ آخر، من الفوضى التي تنزلق إليها بأسباب تمتُ إلى الديمقراطية بأكثر من نسب".

وَردَت العبارة أعلاه في معرض تحليل عنوان الحلقة السابقة من هذا المقال. حصل هذا قبل أن يُقتل مواطنان من السود في أمريكا برصاص شرطةٍ من البيض في ولايتين مختلفتين لمجرد الاشتباه بهما، وقبل أن يُقتل بعدها بيومين خمسة رجال شرطة بيض، انتقامًا للرجلين، برصاص مواطنٍ أمريكي أسود. وبالتأكيد قبل أن يجتاح إرهابيٌ مسيرة مزدحمة لاحتفال الفرنسيين بسقوط الباستيل فجر الجمعة بشاحنةٍ كبيرة، على مسافة أكثر من ميل، مطلقًا النار عليهم في الوقت نفسه، في أكبر وأغرب عملية إرهاب، على الأقل في التاريخ المعاصر.

مهما قيل عن أهداف وجود النظام الديمقراطي، وهي كثيرة، لكن قدرتها على تأمين سلامة المواطنين والحفاظ على أمنهم واستقرار بلادهم تمثل، دائمًا وأبدًا، الهدف الأهم والأكبر.

وهذا هدفٌ لم يعد يتحقق على الإطلاق بكل المعايير، لا على المستوى الدولي بشكلٍ عام، ولا في البلاد التي ابتكرت الديمقراطية كنظام مازالت تعمل وفقه حتى الآن.

يمكن أن يقول الغرب، أوروبا وأمريكا تحديدًا، ما تشاء عن الإرهاب نفسه، وأن تُلقي كل أنواع اللوم على الإرهابيين. بل يمكن، كما يحدث عمليًا، أن تتلاعب بالأمور وتخلط الأوراق فتهرب القيادات والنُخب من إخفاقاتها السياسية والاقتصادية في مجتمعاتها، وأن تتجاهل السقوط المدوي الأخلاقي والسياسي لها في قضايا دولية كثيرة، أوضحها وأقساها وضعُ سوريا اليوم. ويمكن، لتغطية هذا الهروب، أن تُلقي باللوم على شعوب وثقافات وأديان مغايرة لها، بدعوى أنها شريرةٌ في جوهرها، وأن هذا هو السبب الوحيد في كل ما يجري، بعيدًا عن كل خطاياها وأخطائها المذكورة أعلاه.

يمكن أن يحصل كل هذا. وهو يحصل، وسيحصل كثيرًا في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة. بل إننا كبشر سندخل، كما أكدنا مرارًا في هذا المقام، مرحلةً سوداويةً تنفلتُ فيها مقتضيات العقل أكثر فأكثر لدى الغرب وأهله، ويكتسحُ فيها التفكير الشعبوي أوساطهُ الأهلية والسياسية، بكل ما يمكن أن ينتج عن هذا من ممارسات سيتبين افتقاد الديمقراطية، كنظام، عن استيعابها، بشكلٍ متزايد.

من هنا، ورغم كل ممارسات اللوم والاتهام والهجوم والعنف التي ستصبح سيدة الموقف تجاه الإسلام والمسلمين والعرب تحديدًا، فإن كل هذا لن يغير من الحقيقة التي نحاول التأكيد عليها: إن ما جرى ويجري، وسيجري، من فوضى يؤكد فشل الديمقراطية في تحقيق الهدف الأكبر من وجودها المذكور أعلاه "قدرتها على تأمين سلامة المواطنين والحفاظ على أمنهم واستقرار بلادهم".

إذ المفروض فيها هي، كنظامٍ سياسي يملك أهله إمكانات هائلة على جميع المستويات، تُمثلُ الدولة التي يُفترض فيها أن تكون أقوى مؤسسة في المجتمع بما لا يُقاس، أن تكون القادرة على استيعاب تجليات الفعل البشري والتعامل معه، أيًا كان هذا الفعل، حتى لو كان ظاهرة الإرهاب. ومن التفكير الطفولي، سياسيًا وحضاريًا وثقافيًا، الاعتذارُ بأنها غير قادرة على التعامل مع هذه الظاهرة تحديدًا لأنها غريبةٌ وجديدة.. وغير ذلك من الأعذار.

ما تتجاهلهُ أنظمة الغرب الديمقراطية في هذا المقام هو أننا وصلنا إلى هذه الظاهرة لأن نظامها الديمقراطي نفسه، كما يجري تطبيقه، وبعيدًا عن المبادئ النظرية، لا يهرب فقط من معالجة الأسباب الجذرية والحقيقية لهذه الظاهرة، وإنما يمارس ازدواجية المعايير، والتلاعب بمصائر الشعوب في العالم، ويعقد الصفقات السرية والعلنية على حسابهم لتحقيق مصالحه. وهو بهذا يخلق فيها واقعًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا لا يمكن إلا أن يؤدي إلى انفجارات داخلية وخارجية.

لا يريد الساسة "المعتدلون" في أوروبا وأمريكا الاعتراف بهذه الحقائق، لأنها، ببساطة، تتنافى مع مقتضيات الديمقراطية الحقيقية. هذا إن كانت شعوب العالم خارج القارتين تستحقها في نظرهم بطبيعة الحال.

وبما أنهم يفشلون، بشكلٍ متزايد، في حل مشكلات بلادهم الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية، فإنهم لا يمانعون في إعطاء الفرصة، بشكلٍ غير مباشر حتى الآن، في فتح المجال لشعارات القوى العنصرية والفاشية التي تلقي اللوم على المهاجرين تحديدًا، وعلى الثقافات والشعوب والأديان الأخرى "الهمجية في تكوينها الذاتي"، لتبرير تلك المشكلات.

لكن مفرق الطريق يقترب سريعًا، لهم وللبشرية بأسرها. فبعد اليوم، ثمة طوفانٌ قادم لقادة العنصرية والفاشية وقواها، بكل شعاراتها وسياساتها، لن يرضى إلا بمواقع القيادة الأساسية، وديمقراطيًا، بموافقة الشعوب المذعورة.

يبدأ الطوفان، طبعًا، بسياسات خرقاء وخطيرة تستهدف العرب والمسلمين، شعوبًا ودولًا. وسيحصل هذا بقوانين وتشريعات "استثنائية" غير ديمقراطية، بمبرر أن التشريعات الديمقراطية لم تعد تتمكن من التعامل مع مثل هذا الوضع. لكن أحداث الطوفان ستعود لترتد على أوروبا وأمريكا، من داخلها ومن خارجها، بحيث يُمسي كل ما حصل فيها من فوضى حتى الآن مثل لَعبِ الأطفال.

* د. وائل مرزا أكاديمي وإعلامي سوري

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية

شيخوخة الديمقراطية الفوضى العالمية أوروبا أمريكا الأميركيون السود عنف شرطة البيض مقتل خمسة رجال شرطة بيض النظام الديمقراطي المسلمون عنصرية الغرب

شيخوخة الديمقراطية والفوضى العالمية (1 - 2)