«تشاتام هاوس»: روسيا توظف صادرات الأسلحة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط

السبت 23 يوليو 2016 10:07 ص

كانت موسكو منذ فترة طويلة ثاني أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة، مع متوسط دخل سنوي من بيع الأسلحة يصل إلى 14.5 مليار دولار في الفترة بيت عامي 2012 إلى 2015. ولكن على مدى العقد الماضي، فقد رفعت موسكو، وبشكل خاص، حجم صادراتها من الأسلحة إلى الشرق الأوسط، حيث تعد المنطقة جزءا من الاستراتيجية الروسية الواسعة لإعادة تقديم موسكو كلاعب رئيسي في المنطقة.

حتى وقت قريب، كانت روسيا حذرة في استخدام صادرات السلاح كوسيلة ضغط سياسي. ولكن هذا الوضع قد تغير، حيث أدى نمو نصيب روسيا من أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط إلى جعل أسلوب الكرملين أكثر حسما في هذا الصدد. كما أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي يبدو أنه مرشح للاستمرار، يشير إلى أن المنطقة سوف تظل واحدة من أسواق الأسلحة الرئيسية لسنوات قادمة، وسوف تساعد موردي السلاح الروس لتحدي هيمنة الولايات المتحدة هناك.

العودة إلى السوق القديم

لا تعد أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط جديدة بالنسبة لروسيا. فقد صدر الاتحاد السوفيتي أسلحة إلى الجزائر، مصر، سوريا، العراق، إيران، ليبيا والسودان واليمن. لكن سقوط الاتحاد السوفياتي أدى إلى انخفاض في صادرات الأسلحة الروسية. وتضررت صناعة الأسلحة الروسية بسبب سياسات الخصخصة التي اتبعتها حكومة «بوريس يلتسين». وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من المصانع قد أصبحت ضمن أراضي الجمهوريات المستقلة حديثا. كما تم فقدان بعض الموانئ مثل أوديسا.

بحلول عام 2012، كان موقف مصدري الأسلحة الروسية في الشرق الأوسط صعبا. فبعد سقوط نظام «صدام حسين» في عام 2003 و«معمر القذافي» في عام 2011، فقدت روسيا أهم العملاء التقليديين، وقدرت خسائر المصدر الرئيسي للأسلحة الروسية ، «روسوبورون إكسبورت» بحوالي 6.5 مليارات دولار في ليبيا وحدها.

وعلى الرغم من أن روسيا تمكنت من الحفاظ على وجودها في سوريا والجزائر، فقد فشل منتجو السلاح الروسي في عدة محاولات لدخول أسواق السلاح في الخليج أمام منافسيهم الغربيين.

ولكن الحرب السورية أنعشت مصدري الأسلحة الروسية، حيث أثبتت هذه الأسلحة موثوقيتها في ساحة المعركة. وقد لفت هذا نظر جميع بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج والتي عادة ما تتجه نحو منتجي الأسلحة الغربية. على سبيل المثال، طلبت البحرين صفقة من بندقية «كلاشينكوف» في عام 2011، وفي عام 2014 كانت أول دولة في المنطقة تقوم بشراء شحنة من الأنظمة الروسية المضادة للدبابات «كورنيت». وعلى الرغم من أن حجم الصفقات لم يكن كبيرا، فإنه مثل لدى السلطات الروسية معنى رمزيا: «أن الخليج أصبح الآن مفتوحا أمامهم للوصول إلى أسواقه».

بين عامي 2011 و 2015 شهد حجم عقود الأسلحة الموقعة بين موسكو وبلدان الشرق الأوسط زيادة كبيرة، وتضمن ذلك عودة الأسلحة الروسية إلى الأسواق المصرية والعراقية التي يهيمن عليها مؤخرا من قبل الولايات المتحدة. وقد وقعت روسيا صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار مع القاهرة في عام 2014، والتي بموجبها يفترض أن تبيع موسكو لمصر طائرات من طراز ميج 29 المقاتلة وطائرات هليكوبتر، وأنظمة صواريخ «إس-300» ونظام الدفاع الساحلي. وتذكر مصادر إعلامية أيضا أنه في 2015 وافقت شركة «إيركوت» على بيع 12 طائرة ن طراز «سوخوي 30» المقاتلة إلى مصر.

إن عدم فرض شروط كبيرة من قبل روسيا هو ميزة أكيدة من وجهة نظر السوق. فقد وضعت الحكومة الأمريكية في اتفاق مبيعات الأسلحة مع البحرين في عام 2011 شروطا لتفادي استخدامها من قبل السلطات في البلاد لقمع شعبها، وكذلك حاولت استخدام صادراتها من الأسلحة للتأثير على الوضع السياسي في مصر في 2013 و 2014. كما أن التباطؤ في إرسال الأسلحة الأميركية إلى العراق في عام 2014 عند حاجة بغداد إليها لوقف تقدم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أقنع المنطقة على نطاق أوسع أن واشنطن يجب أن لا تكون هي المورد الوحيد المتاح بالنسبة لهم.

توسيع الأسواق وزيادة التأثير

إن مصلحة روسيا هي أكبر من مجرد مصلحة اقتصادية بحتة. حيث ينص القانون الاتحادي الروسي أن تعزيز المراكز العسكرية والسياسية في الخارج هو الهدف الأساسي للتعاون العسكري الصناعي الروسي، ومما لا شك فيه أن روسيا سوف تستخدم صادراتها من الأسلحة في محاولة للتأثير على توازن القوى في الشرق الأوسط.

لقد عزز موقف روسيا في سوريا دورها الفريد كفاعل قادر على «تغيير قواعد اللعبة» في المنطقة. وقد استخدمت استراتيجية صناعة السلاح من قبل. فعلى سبيل المثال، في عام 2012، كان قرار موسكو بوقف بيع منظومة «إس- 300» إلى سوريا مساعدا لموسكو على تحسين علاقاتها مع تل أبيب، بينما في عام 2016، مهد تسليم المنظومة ذاتها الطريق لتطور العلاقات الروسية الإيرانية.

كما أن البعض يقول أن قرار الرئيس، (رئيس الوزراء الحالي)، «ديمتري ميدفيديف»، بوقف صادرات الأسلحة الى ليبيا في عام 2011 كان واحدا من العوامل التي أدت إلى سقوط «القذافي».

تبقى الحصة الدقيقة لمنطقة الشرق الأوسط في مبيعات الأسلحة الروسية غير معروفة. وتتراوح التقديرات بين 8.2% إلى 37.5% من إجمالي صادرات الأسلحة بقيمة تتراوح بين 1.5 إلى 5.5 مليار دولار. لكن موظفي الجمارك الروسية يؤكدون الأعداد المتزايدة من الأسلحة الروسية التي يتم توريدها للمستهلكين في المنطقة.

لا تزال موسكو ذات موقع ضعيف في منطقة الشرق الأوسط. كما أن دخلها من صادرات الأسلحة في المنطقة يبقى غير مستقر، حيث يختلف حجم هذه الصادرات حسب احتياجات المستوردين. وتعد الأزمة الاقتصادية أيضا أحد القيود التي تحجم قدرة موسكو على تعزيز حصتها.

لكن صادرات الأسلحة تعني أن المستوردين سوف يحتاجون إلى مساعدة من الموردين في الخدمة والتدريب وتطوير الأسلحة. وهذا، على الأقل، يخلق علاقات على المدى الطويل بين البائع والمشتري. وتحت هذه الظروف، فإن المسؤولين الروس يدركون أن التواجد الأكثر ديمومة هو أمر حيوي لتحقيق مكاسبهم الاقتصادية والجيوسياسية.

المصدر | تشاتام هاوس

  كلمات مفتاحية

روسيا الشرق الأوسط البحرين مصر دول الخليج الأسلحة الروسية

روسيا تزود العراق بأسلحة حديثة بينها مقاتلات سوخوي ودبابات «تي 90»

روسيا بدأت تسليم إيران نظام الدفاع الجوي «إس 300»

«بوتين»: الطلبيات على الأسلحة الروسية تتجاوز 50 مليار دولار

مباحثات إيرانية مع روسيا حول مقاتلة «سوخوي 30»

«بوتين»: توريد «إس 300» إلى إيران سيشكل عامل ردع في المنطقة ولا يهدد «إسرائيل»

«الدولة الإسلامية» يهدد «بوتين» ويطالب أعضاءه بشن هجمات في روسيا