استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من ترييف المجتمع إلى ترييف السياسة

الثلاثاء 26 يوليو 2016 04:07 ص

بالمقياس عينه الذي تقاس به العلاقة بين السياسة والطبقة الوسطى، تقاس العلاقة بين المعارضة/ المعارضات، و(بين) تلك الطبقة، فالمعارضات، بوصفها جزءاً من المجتمع الحزبي والنقابي والمدني، تنشأ- هي الأخرى- في حضن الطبقة الوسطى، بل إن الغالب على قواعدها الاجتماعية (إن استثنينا حالة النقابات العمالية والاتحادات الفلاحية) الانتماء إلى الطبقة الوسطى. لهذه القرابة الاجتماعية، بين بيئات المعارضات والطبقة الوسطى، ما يفسرها، إذ العاملون في مؤسساتها، من الأطر والناشطين، الغالب عليهم أنهم ينحدرون من الفئات الاجتماعية التي توسلت التعليم مرقى لتحسين أوضاعها الاجتماعية، لانسداد إمكانات اقتصادية أو اجتماعية أخرى غيره.

وهذه القناة من أقنية الترقي الاجتماعي، غالباً ما تأخذهم إلى العمل في قطاعات تابعة للدولة، أو في مهن خاصة نظير مثل الطبابة، والمحاماة، والهندسة، والخدمات الاستشارية: الاقتصادية، والقانونية.. إلخ، وقلما وجد فيهم من انفتحت أمامه إمكانات اليسار الاقتصادي والمالي من غير توسل، ملكية عائلية أو ثروة أهلية. ولذلك، يصبهم المرقى التعليمي في القناة التي تأخذهم إلى موقع ما - يعلو أو يدنو - من مواقع الطبقة الوسطى. 

إلى ذلك فإن الطبقة هذه منتوج اجتماعي من صناعة الدولة، و- إن شئنا الدقة - تنتمي المساحة الأعظم من تكوينها الاجتماعي إلى الدولة: بما هي الفضاء الأساسي لذلك التكوين، وبما هي - في الوقت عينه - أداة الإنتاج الرئيسي له.

على السياق السابق نبني نتيجتين وفرضيتين للتحليل في الوقت عينه، هما:

الأولى، ترابط الصلة صعوداً وهبوطاً، متانةً وهشاشةً، إيجاباً وسلباً، بين الدولة والطبقة الوسطى، تقوى الأولى فتقوى الثانية، والعكس صحيح، وتضعف الواحدة منهما فتجر ضعفاً على الثانية. 

الثانية، أن التلازم عينه يقوم بين السياسة (العمل السياسي) و(بين) الطبقة الوسطى، وهي عينها صلة التلازم بين عنفوان المعارضة واضمحلالها وقوة مركز الطبقة الوسطى، أو هشاشته.

إن قسماً كبيراً من وقائع تردي السياسة في مجتمعاتنا ينبغي أن تقرأ أسبابه في هذه البنى الطبقية، وبنى الدولة والسلطة. إنها وقائع مركبة لا يكفي لفهمها تسليط الضوء على الأفكار، والبرامج، والاستراتيجيات، ومنظومات القيم الحاكمة للحياة السياسية فقط، بل تحتاج إلى تحليل مادي وطبقي أيضاً، وطبعاً من دون إهمال للعوامل الأخرى.

نتأدى من هذه المقدمات إلى استنتاج نسوقه، في معرض محاولتنا فهم العوامل والأسباب التي تقود المعارضات العربية إلى الأزمة العميقة التي تعانيها، ومفاده أن بيئتها التي تنمو فيها، وتتغذى منها، أي الطبقة الوسطى، تشهد على حال غير مسبوقة من الدمار والاضمحلال، نتيجة سياسات الإفقار والتكديح والتهميش، وانسداد إمكانات الدولة لتوسيع قاعدة هذه الطبقة، وصون مصالحها المعرضة للتبديد. ليست المعارضة، وحدها، من يدفع الثمن عن هذا المنحنى الانحداري، السياسة نفسها تدفع الثمن، والدولة نفسها تدفع الثمن أيضاً. وفي السياق هذا لابد من التشديد على حقائق ثلاث.

أولاها: أن سياسات الإفقار والتهميش تلك، التي قادت إلى الإضرار بمصالح الطبقة الوسطى، وإضعاف مركزها في المراتبية الاجتماعية، ولم تكن خاصةً وحصرية بنظام سياسي بعينه (محافظ أو «تقدمي»)، قائم على خيارات اجتماعية- اقتصادية بعينها، وإنما أتت تفصح عن نفسها بشعارات مختلفة، ومن المواقع السياسية والاجتماعية والإيديولوجية كافة. وعليه، يجوز القول إن الطبقة الوسطى ومصالحها، في البلاد العربية، كانت دوماً ضحية للسياسات الاجتماعية- الاقتصادية للنخب الحاكمة.

وثانيتها: أن السياسات التي قادت إلى إفقار فئات واسعة من الطبقة الوسطى وتهميشها، وبالتالي إضعاف مركزها في البنية الاجتماعية، أفضت إلى توسيع نطاق البرجوازيات الطفيلية والمستثمرة في القطاعات غير الإنتاجية، وتوسيع نطاق الطبقات المهمشة من أشباه البروليتاريا، والفئات المقصاة من دائرة الإنتاج (المعطلة والمبطلة...)، ولقد يكون من علامات برنامج التهميش، والفشل التنموي هذا، معدلات الفقر العالية، والفوارق الفاحشة بين الفئات المترفة والفئات المحرومة، وانهيار الإنتاج الزراعي والصناعي، وفرة اقتصاد الخدمات الطفيلي، وترييف المدن بأحزمة البؤس المحيطة، وبمنظومة قيم المجتمعات الريفية. هكذا، فالطبقة الوسطى التي كانت تشكل أغلبية ساكنة المدن الكبرى والعواصم في البلاد العربية، بين سنوات الأربعينات والسبعينات من القرن العشرين الماضي، باتت أقلية أمام أكثرية، تشكلها الفئات الاجتماعية النازحة من أرياف انهارت فيها الزراعة نتيجة سياسات تدمير البنى الإنتاجية!

وثالثتها: أن إفراغ المجتمع من طبقاته المنتجة وطبقته الوسطى المدينية، لم يكن له سوى أن أعاد صوغ مشهد سياسي جديد في البلاد العربية مختلف، شديد الاختلاف، عمّا كانه مشهد السياسة فيها قبل عقود أربعة، باتت السياسة شأناً موزعاً بين نصابين اجتماعيين متناقضين، وإن كانا من محتد سياسي واحد، بين نصاب اجتماعي طفيلي نمت في بيئته مشاريع سياسية استبدادية وكلانية (توتاليتارية)، تقف وراءها قوى عشائرية، وطائفية، ومذهبية، وعائلية، وحزبية واحدية، ونصاب اجتماعي هامشي مهمش وريفي، نمت في حضنه مشاريع سياسية ارتكاسية: إسلامية وأصولية وإرهابية.

هكذا قضت السياسة بين جحيمين يمسكان بخناقها، ورحلت المعارضة إلى ضفاف الذكرى لتتحول إلى مجرد رمز يرمز إلى زمن مضى. أما بقاياها فخُيل إلى بعضه أنه يملك أن يحيا من جديد، إن هو ركب صهوة قوى الأمر الواقع!

إفراغ المجتمع من طبقاته المنتجة، لم يكن له سوى أن أعاد صوغ مشهد سياسي جديد في البلاد العربية مختلف، شديد الاختلاف، عمّا كانه مشهد السياسة فيها قبل عقود أربعة.

* د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي. 

  كلمات مفتاحية

المجتمع العربي السياسة الطبقة الوسطى المعارضة سياسة الإفقار المجتمع المدني الدولة الريف

الحكومات العربية والمجتمع المدني

وماذا عن مسؤولية المجتمعات؟

سمات المجتمعات المأزومة .. استباحة الآخر

عن «الطبقة السياسية» وإفلاس الدولة!

إفساد "الطبقة الوسطى" في مصر

تدنيس المقدس